مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولانه ما وقع صيغة في زمانهم والا لنقل عادة ، وما نقل عند العامة ولا عند الخاصة ، وهو ظاهر.

ولان الملك حاصل عند الأكثر من غير لزوم كما نقل عن التذكرة ومعلوم ان لا موجب له الا عقد البيع وهو ظاهر.

ولان الظاهر ان الغرض حصول العلم بالرضا وهو حاصل.

ولان الظاهر انه يصدق أنه تجارة عن تراض ، وهو كاف كما هو مدلول الآية (١).

وللشريعة السهلة السمحة.

وللزوم الحرج والضيق المنفي عقلا ونقلا. فان الأكثرين ما يقدرون على الصيغة المعتبرة ، يعني يشق عليهم ذلك.

ولانه قد يموت أحدهما فيبقى المال للوارث ، إذ لا دليل على لزومه حينئذ ، فتأمل.

ولقولهم باللزوم بعد التصرف فلو لم يكن عقدا مملكا له لم يلزم ذلك ، وهو ظاهر لان تلف المال ليس بمملك ، نعم يمكن عدم الضمان حيث كان التصرف مباحا ، ولكن ظاهر كلامهم اللزوم ، فتأمل.

وبالجملة القول بالملكية وبوقوع البيع الحقيقي هو المتجه ، خصوصا مع عدم القائل بأنه بيع فاسد ، وانه لا يجوز معه التصرف ، وانه لا دليل لعدم الملكية إلا أصل عدم الملك ، واستصحاب الملك على ملك المالك (البائع خ ل) حتى يتحقق ، وقد تحقق مع الصيغة المقررة بالإجماع وبقي الباقي ، والشهرة.

إذ لا إجماع عندنا لما عرفت ، ولهذا ما ادعى الإجماع ، بل ادّعي الشهرة في

__________________

(١) سورة النساء ـ ٢٩ قال تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ).

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

شرح الشرائع والتذكرة وغيرهما ، ولا عندهم فان المالك واحمد وبعض الحنفية ، على ما قلناه ، وبعض العامة يقول بذلك في الحقير دون العظيم ، وفسر الحقير بنصاب القطع في السرقة.

وهذا تحكم ، والشهرة ليست بحجة وهو ظاهر.

والأصل والاستصحاب متروك بالأدلة التي ذكرناها. وهي أربعة عشر دليلا من الكتاب ١ والسنة ٢ والإجماع ٣ ، وترك البيان ٤ ، وعدم نقل الصيغة ٥ ، والتصرف المفيد للملكية ٦ ، والشريعة السهلة ٧ ، ولزوم الحرج والضيق المنفي عقلا ونقلا ٨ ، واللزوم بعد التصرف ٩ ، والتجارة عن تراض ١٠ ، والعلم به ١١ ، والملك بدون اللزوم عند الأكثر ١٢ ، وغرض حصول العلم ١٣ ، وبقاء المال للوارث بعد موت البائع ١٤.

وأبعد من ذلك اشتراط العربية والماضوية من غير نقل.

وبالجملة ما نرى له دليلا قويا الا انه مشهور.

قال بعض الأصحاب : يجب التوقف معه ، وذلك غير واضح الدليل ، والاحتياط حسن مع الإمكان ، ولكن إذا وقع من غير الصيغة قد يشكل العمل بالاحتياط ، نعم ينبغي الملاحظة في الأمور وعدم الخروج عن الاحتياط علما وعملا.

ثم ظاهر كلام المفيد هو اللزوم بهذا الوجه ، ووجهه ان هذا العقد أفاد الملك ، والأصل فيه هو اللزوم ، وبهذا يثبت اللزوم في العقود ، ولا دليل عليه غيره ، وهو ظاهر.

ولان الظاهر ان كل من يقول بأنه عقد حقيقي يقول باللزوم ، لان مقتضى عقد البيع الحقيقي هو اللزوم بالاتفاق.

ولأنه إذا حصل الملك لشخص فخروجه وإخراجه عنه يحتاج الى دليل ، ولا دليل فيه والأصل عدمه.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولما مر انهم يقولون باللزوم بعد التلف ، وانه دليل اللزوم قبله ، إذ اللزوم بالتلف بعيد.

ويحتمل عدم اللزوم ، لأن الأصل عدم اللزوم ، والملك أعم ، ولان الملك واللزوم متغايران وما كانا (١) وقد دلت الأدلة على حصول الأول وبقي الثاني على فيه ، إذ لا دليل عليه ، وما لزم من الأدلة المذكورة إلا الأول ، فإن زوال الملك بعد الحصول يحتاج الى الدليل ، ولظاهر بعض ما مر.

إذا عرفت هذا فاعلم ان النزاع بين القائل بأن المعاطاة مفيدة لملك وليس بعقد ، والقائل بأنه عقد يرجع الى اللفظي ، إلّا باعتبار اللزوم وعدمه ، وينبغي ان لا ينازع ، بل يقول عقد غير لازم ، مع ان الظاهر اللزوم بعد تحقق الملك ، فلا ينبغي النزاع.

وان ما ذكرناه جار في سائر العقود وليس بمخصوص بالبيع ، ولعل العلم حاصل بان الهدايا والتحف والهبات ـ التي كانت في زمانه صلّى الله عليه وآله وزمانهم عليهم السلام بالنسبة إليهم والى غيرهم ، وكذا ما كانت في زمان الصحابة والعلماء ـ كانت تقع من غير صيغة ، وكانوا يتصرفون فيها تصرف الملاك مثل البيع والهبة والوطي والعتق في حياة المهدي والواهب وبعد مماتهم أيضا ، والا لنقل ولو نادرا من طريق العامّة والخاصّة ولو بسند ضعيف ، مع ان الظاهر في نقل مثله التواتر ولهذا لا يقبل البعض في مثله الا التواتر ، وهو مؤيد لما قلناه ، هذا.

وقد جعلها بعضهم مثل المعاطاة وقالوا بأنها تفيد الإباحة فقط ، لا الملك.

وبعضهم انها تفيد الملك ، لا اللزوم ويلزم بالتلف ونحوه ، مع انه ليس بعقد.

والبعض جعلها عقدا فاسدا ، ونقل رجوع القائل ، عنه.

__________________

(١) لفظة (ما) نافية ، أي لم يكن الملك واللزوم.

١٤٣

ولا ينعقد بدونه وان حصلت امارة الرضا في الجليل والحقير

ولو تعذر النطق كفت الإشارة

______________________________________________________

والمفيد جعلها عقدا حقيقيا.

وقد عرفت الكل ، والظاهر هو الأخير ، والإباحة فقط بعيدة ، وأبعد منه كونه عقدا فاسدا لا يجوز التصرف ، لما مرّ من جواز التصرف وغيره.

نعم الملك محتمل ، ولكن لا ينبغي حينئذ النزاع في انه عقد ، إذ لا سبب للملك حينئذ إلا العقد بقصد المتعاقدين وفي نفس الأمر.

والقول بأن التراضي والتسليم ، مع ما يدل عليه مفيد له ، وهو المملك وان ليس ذلك بعقد بغير دليل ـ بعيد.

لأنا ما نريد من البيع والعقد الا ما يفيد الملك على وجه التراضي مع ما يدل عليه بالقصد ، ثم الظاهر من الملك اللزوم ، فلا ينبغي النزاع.

قوله : «ولا ينعقد بدونه إلخ» أي البيع بدون العقد وهو الإيجاب والقبول المتقدم ، هذا إشارة الى عدم حصول الملك بالمعاطاة ، وقوله : في الجليل والحقير ، إشارة إلى خلاف بعض العامة ، كما أشرنا إليه.

قوله : «ولو تعذر النطق إلخ» إشارة الى ان اللفظ المعتبر انما يشترط مع الإمكان ، ومع التعذر تقوم مقامه الإشارة ، كما في الأخرس ومن بلسانه آفة ، فإنها بمنزلة تكلمه. ولهذا تجب الإشارة بدل القراءة والتكبير وغيرهما.

والظاهر عدم وجوب التوكيل حينئذ كما قيل به ، وبجواز غير العربية للعاجز بنفسه.

وهذا مؤيد لما قلناه ، لانه لو كان اللفظ المعين واجبا ، لما جاز التجاوز عنه مع جريان التوكيل وإمكانه من غير نص ، وليس هذا مثل الصلاة ، لعدم جواز التوكيل فيها ، ولهذا ما يوجبون هنا الإتيان بالمقدور بتحريك اللسان والإشارة بالإصبع ، بل يكتفون بما يفيد الرضا ، وهو يدل على انه الغرض من العقد.

١٤٤

ولا ينعقد إلّا بلفظ الماضي وفي اشتراط تقديم الإيجاب نظر

______________________________________________________

ومثل الإشارة الكتابة على الورق والخشب والتراب ، بحيث تدل على الرضا.

قوله : «ولا ينعقد الا بلفظ الماضي» لا دليل عليه واضحا ، الا انه مشهور ، ونقل جوازه بالأمر مثل بع والمضارع مثل أبيع عن ابن البراج.

ولا بأس بالانعقاد بغير الماضي مع الدلالة على إنشاء العقد إيجابا وقبولا ، مع صدق البيع والعقد ، لعموم أدلة الصحة ، وخصوص الأخبار الدالة عليها بلفظ المضارع كما سيجي‌ء في بيع الآبق واللبن.

وان نقل في التذكرة الإجماع على عدم الانعقاد بقوله : أبيعك أو اشترى ، لاحتمال الأخبار ، فتأمل.

وكذا ادعى الإجماع على عدم الانعقاد في الاستفهام.

نعم لا بد معها ما يدل على قصد إنشاء البيع ، لا الطلب والاخبار فقط كما في الماضي.

ويمكن ان يكون قوله ذلك مع التواطي على ذلك قبل العقد كافيا.

قوله : «وفي اشتراط تقديم إلخ» وجه النظر صدق العقد ، والأصل عدم اشتراط شي‌ء وسائر ما تقدم والاحتياط ، لوجود الخلاف ، وان القبول فرع الإيجاب ، فلا معنى لتقديمه.

والأول أظهر ، وقد فهم مما تقدم ، ويؤيده جوازه في النكاح مع ان مبناه على الاحتياط التام ، والاحتياط ليس بدليل ، مع انه لا يمكن بعد الوقوع (١).

مع كون القبول فرع الإيجاب غير ظاهر ومنقوض بما جوز في النكاح.

__________________

(١) اي لا يمكن الاحتياط بعد وقوع العقد الذي قدم قبوله على الإيجاب ، لأنه يدور الأمر بين المحذورين من الصحة والبطلان.

١٤٥

ولا ينعقد بالكناية كالخلع والكتابة والإجارة

______________________________________________________

على انه انما هو مع كونه بلفظ قبلت ونحوه وحده ، أو مع انضمام هذا المتاع وشراءه بمبلغ كذا ، وذلك غير كاف من غير نزاع على ما نقل في شرح الشرائع ، ولهذا لو اتى البائع أيضا بلفظ القبول ونحوه لم ينعقد ، لا للتقديم ، بل لعدم صحة هذا اللفظ حينئذ.

وانما النزاع إذا اتى بمثل قوله ابتعت أو اشتريت أو شريت أو تملكت منك هذا المتاع بكذا بحيث يشتمل على جميع ما يعتبر في صحة العقد في صورة تقديم الإيجاب.

ولا ينبغي حينئذ النزاع ، فإن البائع كالمشتري ، فيجوز ابتداءه بالصيغة قبل الأخر ، فيكون الأول موجبا والثاني قابلا مطلقا ، وسيجي‌ء في بيع الآبق وبيع اللبن في الضرع أخبار دالة على جواز وقوع البيع بلفظ المضارع مع التقديم ، وبعضها صحيح.

قوله : «ولا ينعقد بالكناية إلخ» أي لا ينعقد البيع بما لا يدل على البيع والشراء الذي هما الإيجاب والقبول صريحا ، بل يدل كناية ، وان قصد ذلك مثل أدخلته في ملك ، أو جعلته لك بكذا ، كما لا يصح ذلك في الخلع ، وكتابة المماليك ، وعقد الإجارة ، وهو ظاهر على مذهبه ، بل هو مستغن عنه بعد حصر الإيجاب والقبول في الماضي.

وقد عرفت انه ينبغي الانعقاد بجميع ما يصدق عليه البيع عرفا بحيث يعلم علما متعارفا قصد ذلك ولو بالقرائن لما تقدم.

وجعل في التذكرة الكناية كالكتابة ، وقال : ولا في الكتابة لإمكان العبث.

وهو يدل على انه لو علم القصد لصح ، وهو مؤيد لما قلناه ، وكذا ما قال فيه : ان الصيغة انما يعتبر في غير الضمني ، مثل أعتق عبدك عني ، فيكفي ، فتأمل.

١٤٦

وكلما بذكر في متن العقد من الشروط السائغة كقصارة الثوب لازم ، ما لم يؤد الى جهالة في أحد العوضين

______________________________________________________

قوله : «وكلما يذكر في متن العقد إلخ» دليل لزوم ما ذكر في العقد ـ من الأمور السائغة غير المنافية للعقد مثل قصارة الثوب ـ ظاهر ، وهو الإيفاء بالعقود ، وهو داخل فيه ، ومثل قوله عليه السلام : المؤمنون عند شروطهم (١) وهو المشهور.

ومثل صحيحة ابن سنان في الفقيه والتهذيب عن الصادق عليه السلام (٢).

والأدلة الدالة على الإيفاء بالوعد من العقل والنقل كتابا وسنة (٣) وهي كثيرة جدا.

ولكن ينبغي ان يكون بلفظ لا يكون سببا لتعليق العقد ، بان يقول : بعتك ان قصرت ثوبي ، أو بشرط قصارة الثوب ، فإنه يدل على تعليق العقد ، وظاهرهم عدم انعقاد المعلق.

وأيضا لا شك ان مقتضى لفظ العقد حينئذ عدم الانعقاد الا عند حصول ذلك الشرط مع انهم يقولون بالوقوع بعد إتمام الصيغة ، فينبغي ان يقول : بعتك وشرطت عليك قصارة هذا الثوب أو استأجرتك لقصارته ونحو ذلك.

ومعلوم أيضا انه لو لم يذكر في العقد لم يلزم ، ولكن العقد بالمعنى المتقدم صحته (٤) ، فإذا ذكر واعطى على وجه وقيل على ذلك الوجه ، فالظاهر هو اللزوم حينئذ مطلقا مثل الأصل.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب النكاح ، الباب ١٩ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٥.

(٣) سورة الانعام ـ ١٥٢ قال تعالى (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) ، وسورة الإسراء ـ ٣٤ قال تعالى. (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) ، وغيرهما من الآيات.

(٤) هكذا في النسخة المطبوعة ، وفي بعض النسخ ما لفظه (ومعلوم أيضا انه لو لم يذكر في العقد لم يلزم ذلك العقد بالمعنى المتقدم)

١٤٧

ولو فسد الشرط فسد العقد

ولو شرط ما لا يدخل تحت القدرة كجعل الزرع سنبلا بطل.

ولو شرط عتق العبد لزم معه ولو لم يعتق تخير البائع في الفسخ ، وان مات العبد

______________________________________________________

وبالجملة هو تابع للأصل ، فإذا ذكر معه بحيث فهم كونه مرادا ، وقبل على ذلك الوجه لزم ، والا فلا.

هذا هو مقتضى النظر القاصر ، وان كان مقتضى كلامهم خلاف ذلك ، لعله مبنى على الأصل المتقدم في الصيغة فتذكر.

ثم انه معلوم عدم اشتراط غير الجائز مثل ان يعطيه خمرا وخنزيرا ، والظاهر حينئذ بطلان العقد أيضا لو كان المقصود انه انما ينعقد البيع ويرضى به على تقدير الإتيان بالجزء الأخر والرضا به ، اعنى لا يرضى بأحدهما دون الأخر ، وان لم يكن بصورة الشرط والتعليق.

وكذا ما يؤل إلى الجهالة في الثمن ، بان يقول : بعتك بهذا وكتابة كتاب ، أو في المبيع مثل بعتك هذا وشرطت لك كتابة كتاب بكذا ، ان لم نقل حينئذ بصحة هذا الشرط ، وانه يصح ويلزمه كتابة ما يصدق عليه كتاب بناء على جعلهم هذا من بيع الغرر ، ولهذا قال في التذكرة : لو اشترط شرطا مجهولا ، كما لو باعه بشرط ان يعمل فيه ما يأمر ، إلى قوله : فالوجهان.

ولا ينبغي القول بصحة الأصل وبطلان الشرط في مثله ، كما نقل عن بعض علمائنا في التذكرة في بعض المسائل واختار بطلانهما مثل ما هنا ، واليه أشار بقوله : ولو فسد الشرط فسد العقد.

قوله : «ولو شرط ما لا يدخل إلخ» وجهه ظاهر مما تقدم ، بل فرع له ، لانه شرط فاسد ، وهو ظاهر ، وفساد الشرط مستلزم لفساد المشروط كما تقدم.

قوله : «ولو شرط عتق العبد إلخ» أي لو باع العبد وشرط عتقه مطلقا ، أو

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عن المشتري ـ وجوز في التذكرة عن البائع أيضا.

وفيه تأمل ، لعدم الملك ـ لزم البيع والعتق أيضا.

والظاهر انه لو لم يكن عيّن مدة لزم في الحال ، وبعد تلك المدة مع تعيينها.

ولو لم يعتق تخير البائع بين ان يفسخ البيع ويعطي ثمن المشتري ويرد العبد ان كان باقيا ، وان كان تالفا يأخذ قيمته يوم التلف ان فسخ ، والا الثمن (١) ، هذا ظاهر كلامهم وادعى الإجماع على ذلك في التذكرة.

ولي فيه تأمل ، لأنهم يشترطون في جواز الشرط وصحته ، عدم كونه خلاف مقتضى العقد ، ولا شك ان وجوب العتق خلاف مقتضاه ، لانه يوجب كونه ملكا له يتصرف به كيف شاء ، ولهذا قيل : ان شرط كونه ان لا يبيع ولا يعتق بطل ، لانه خلاف مقتضاه ، بل عدم التصرف في بعض الزمان.

الا ان يقال : ان العتق مبنى على التغليب ، وقد استثنى من تلك القاعدة ، وقد أشار الى التغليب في التذكرة والى الإجماع في شرح الشرائع في الجملة.

ولأنه إذا لم يأت بالشرط ينبغي فساد العقد وبطلانه كما هو مقتضى الشرط ، فإنه يقتضي توقف الصحة على الشرط ، لا اللزوم حتى يلزم التخيير. ولعل كونه لعدم صورة الشرط وعدم صحة تعليق البيع على الشرط يقتضي ذلك ، فتأمل.

ثم ان الظاهر انه على تقدير ذلك يجب عليه العتق بنفسه أو بوكيله ، بمعنى حصول العتق في ملكه باختياره للشرط من غير اختيار ما يوجبه عليه مثل التنكيل ، بل تبرعا أيضا ، لأنه المتبادر من شرط العتق ، ولذلك نقص من القيمة ، فلا يجوز إخراجه عن ملكه ولو كان بشرط العتق ، ببيع ونحوه.

__________________

(١) الظاهر ان قوله (والا الثمن) عدل لقوله (بين ان يفسخ) اي لو لم يف المشتري بما شرط عليه من العس ، فالبائع مخير بين فسخ العقد ورد العبد وبين إمضائه وإبقاء الثمن.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن جواز الإقالة لعموم دليلها ، وكذا رده بالخيار والعيب ، ولا يجزي التنكيل ، فيمكن ان ينعتق ، لعموم دليل العتق بالتنكيل ، وله الفسخ وأخذ القيمة ، لأنه أتلفه ، ولا يمكن الرجوع اليه.

وكذا الكلام في العتق في الكفارة مع لزوم العتق. ويحتمل عدم الرجوع وحصول الإتيان بالشرط وهو العتق مطلقا ، فتأمل.

ثم ان ضابط الشرط وجوازه يحتاج إلى تأمل كثير ، فإنه مشكل جدا ، فان ما قالوه غير منضبط ، فان حاصله ان جميع ما جوزه الشارع في العقل والنقل والكتاب والسنة والإجماع يجوز ويترتب عليه الأثر ، لا غير ، مثل ما لا يقدر عليه المشترط عليه ، أو يؤل الى الجهل في المبيع أو الثمن ، وهو ظاهر.

واما غيرهما مما هو جائز في نفس الأمر وغير معلوم جواز اشتراطه في العقد وعدمه ، مثل شرط العتق وسكنى يوم أو سنة في الدار فغير واضح ، وتقييده بما هو جائز شرطه في العقد صحيحا ، مجمل غير مفهوم ، وهو ظاهر.

وبالجملة منه ما هو ظاهر جوازه مثل ما هو مقتضى العقد ، مثل قبض الثمن وخيار المجلس والحيوان وغير ذلك. ومنه ما لا يجوز يقينا ، مثل ان لا يتملك ولا ينتفع به أصلا. ومنه ما فيه الاشكال مثل ما مرّ.

وقد قسموا الشرط بأقسام غير واضحة ، مثل ما جعل في التذكرة (١) وغيرها وهو يحتاج إلى التأمل.

والأصل والاخبار والآيات يقتضي جواز كل شرط الا ما علم عدم جوازه وصحته بالعقل أو النقل فتأمل ، والله الموفق.

وقد جعل العتق في التذكرة مما ليس بمقتضى العقد ، ولا فيه مصلحة للمتعاقدين

__________________

(١) لاحظ التذكرة ج ١ ص ٤٨٩ الى ٤٩١.

١٥٠

ولو شرط قرضا أو أجلا معينا أو ضمينا صح

الركن الثاني : المتعاقدان

ويشترط صدوره من بالغ عاقل مختار مالك أو مأذون له ، فلو باع الطفل أو المجنون أو المغمى عليه أو السكران وان أذن لهم أو المكره لم يصح ولو أجازوا بعد الكمال الا المكره.

______________________________________________________

وفيه تأمل.

ومنه يعلم جواز اشتراط قرض ، أو أجل معين في الثمن ، وهو النسية ، وفي المثمن وهو السلف وسيجي‌ء تحقيقهما ان شاء الله.

الركن الثاني : المتعاقدان قوله : «ويشترط صدوره من بالغ إلخ» الظاهر ان ذلك كله شرط في عقد البيع على الوجه الذي قلناه وعممناه ، وعلى الوجه الذي قالوه ، لاشتراك الدليل ، فيشترط ذلك في المعاطاة أيضا ، لاشتراك الدليل ، وان كان ظاهر عباراتهم هنا خالية عن ذلك.

والظاهر ان لا خلاف في الكل في الجملة ، ويدل عليه الاعتبار أيضا في الجملة.

قال في التذكرة : الصغير محجور عليه بالنص والإجماع سواء كان مميزا أولا ، في جميع التصرفات الا ما استثنى كعباداته وإسلامه وإحرامه وتدبيره ووصيته وإيصال الهدية واذنه في دخول الدار على خلاف في ذلك ، قال الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) (١).

__________________

(١) سورة النساء ـ ٦.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) الآية (١) ، يعني أموالهم ، ولعل قوله (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) (٢) قرينة له.

وقوله (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) ، الآية (٣).

قيل : السفيه المبذر ، والضعيف الصبي ، لأن العرب تسمى كل قليل العقل ضعيفا ، والذي لا يستطيع ان يمل ، المغلوب على عقله الإجماع مطلقا غير ظاهر.

الإجماع مطلقا غير ظاهر. والآية غير صريح الدلالة ، لأن عدم دفع المال إليهم ، وعدم الاعتداد باملائهم ، لا يستلزم عدم جواز إيقاع العقد وعدم الاعتبار بكلامهم خصوصا مع اذن الولي والتمييز.

ويؤيده اعتبار المستثنى فإنه لو كان ممن لا اعتداد بكلامهم ما كان ينبغي الاستثناء ، ولهذا قيل بجواز عقده إذا بلغ عشرا ، وعقده حال الاختيار.

فان ظاهر الآية كون الاختيار قبل البلوغ ولئلا يلزم التأخير في الدفع مع الاستحقاق ، والظاهر منه وقوع المعاملة أيضا ، والتفويض إليه بالكلية ، فإذا تحقق الرشد يكون ما فعله صحيحا.

وكون إيقاع العقد عن الولي حال الاختيار بعيد ، غير مفهوم من الآية (٤) وكذا كون المراد به مجرد المماكسة أو السوم فقط.

وبالجملة إذا جوز عتقه ووصيته وصدقته بالمعروف وغيرها من القربات كما هو ظاهر الروايات الكثيرة (٥) ، لا يبعد جواز بيعه وشراءه وسائر معاملاته إذا كان

__________________

(١) و (٢) سورة النساء ـ ٥.

(٣) سورة البقرة ـ ٢٨٢.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتامى) الآية كما تقدم ذكرها آنفا.

(٥) الوسائل ، ج ١٣ ، كتاب الوصايا ، الباب ٤٤ و ٤٥ فلاحظ.

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بصيرا مميزا رشيدا يعرف نفعه وضرره في المال وطريق الحفظ والتصرف كما كان نجده في كثير من الصبيان فإنه قد يوجد بينهم من هو أعظم في هذه الأمور عن آبائهم ، فلا مانع له من إيقاع العقد خصوصا مع اذن الولي أو حضوره بعد تعيينه الثمن.

الا ان يقال قد لا يقصد لجهله أو علمه بعدم عقابه ، ولكن ذلك قد يندفع من العلم بحاله.

قال في التذكرة : وهل يصح بيع المميّز وشراءه بإذن الولي؟ الوجه عندي لا يصح ولا ينفذ إلخ.

يستشعر منه الخلاف في الجواز والصحة.

وقال أيضا : وفي وجه لنا جواز بيعه إذا بلغ عشرا.

وبالجملة ظاهر عموم الآيات والاخبار والأصل ، هو الجواز مع التميز التام واذن الولي.

لعدم المانع الصريح ، لعدم تحقق الإجماع كما مرّ ، وصراحة الآيات ـ وعدم الاخبار ، مؤيّدا بالأخبار الدالة على ما استثنى مع العقل ـ يؤيد الجواز ، وسيجي‌ء ان شاء الله تعالى له زيادة تحقيق في بحث الحجر ، وننقل هنا بعض دليل تحديد البلوغ وبيان الرشد.

والظاهر ان البلوغ يحصل بالشروع في خمسة عشر في المذكر كما هو مذهب بعض العامة وبعض أصحابنا أيضا.

وفي تحققه بالشروع في أربعة عشر وجه قوى ، كما يدل عليه رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا بلغ أشده ثلاث عشر سنة ودخل في أربعة (الأربعة كا) عشر وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم ، وكتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات ، وجاز له كل شي‌ء الا ان يكون سفيها

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أو ضعيفا (١).

كأنها صحيحة ، حيث ليس فيها من فيه شي‌ء إلا الحسن بن على الوشاء (٢) ، والظاهر توثيقه من تسمية ما هو فيه بها.

ويؤيد الصحة أخبار أخر ، مثل رواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك في كم تجري الاحكام على الصبيان؟ قال : في ثلاث عشرة سنة واربع عشرة سنة ، قلت : فإنه لم يحتلم فيها قال : وان لم يحتلم فإن الأحكام تجري عليه (٣).

ونقلها في التذكرة في مقام الاعتبار بالسن حجة على العامة.

ولكن قال في مسألة أخرى : وفي طريقها قول ، على ان جريان الاحكام بمعنى التحفظ على سبيل الاحتياط (٤).

وهو بعيد ، والإجماع على غيره غير ظاهر ، بل هو ظاهر الاستبصار والفقيه.

وما في رواية حمران (٥) ـ ان البلوغ يحصل بالاحتلام وبلوغ خمسة عشر ، وانه لا يجوز بيع الغلام وشراءه حتى يبلغ خمسة عشر سنة (٦) ـ مع ضعفها بعبد العزيز

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٤ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٣.

(٢) سند الحديث كما في الكافي : (عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى عن الوشاء عن عبد الله بن سنان).

(٣) الوسائل ، كتاب الوصايا ، الباب ٤٥ في أحكام الوصايا ، الحديث ٣.

(٤) عبارة التذكرة هكذا (ورواية أبي حمزة عن الباقر عليه السلام ، في طريقها قول ، على ان جريان الاحكام عليه بمعنى التحفظ ، أو على سبيل الاحتياط حتى يكلف العبادات للتمرين عليها والاعتقاد لها ، فلا يصح منه عند البلوغ الإخلال بشي‌ء منها ، انتهى (ج ٢ كتاب الحجر ص ٧٥.

(٥) الصحيح حمزة بن حمران.

(٦) الوسائل ، كتاب الطهارة ، ج ١ ، الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات ، قطعة من حديث ١ وكتاب التجارة ج ١٢ ، الباب ١٤ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ١ ولفظ الحديث هكذا (حمزة بن حمران عن أبي

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

العبدي وبجهل حمزة بن حمران وعدم توثيق حمران صريحا (١) مع قصور في المتن ـ يمكن تأويله بحيث ينطبق بالحمل على الاستقلال من اذن الولي وعلى الشروع فيه ، فتأمّل.

وان الرشد هو حفظ المال ، وعدم صرفه في غير الأغراض الصحيحة عقلا وشرعا ، كما هو المفهوم من رواية عيص بن القاسم (في أخر وصية التهذيب) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها ما لها؟ قال : إذا علمت انها لا تفسد ولا تضيّع (الحديث) (٢).

وكأنّ المصنف أهمل الرشد ، ويحتمل ان ادخله في العقل. وقد ادعى الإجماع على اعتبار العقل وعدم صحة معاملة المجنون ، ويدل عليه العقل.

ويدل على اعتبار الاختيار وعدم الصحة مع الإكراه العقل والنقل أيضا ، مثل :

(لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٣) والظاهر عدم الخلاف فيه أيضا.

وكذا على اعتبار كونه مالكا أو من له الاذن.

وكأنه لا خلاف في جريان الوكالة في المعاملة ، وهو ظاهر من الاخبار أيضا ، حيث كانوا عليهم السلام يأمرون بالشراء والبيع لهم.

ويدل عليه أيضا فعله صلّى الله عليه وآله مع البارقي وروايته مشهورة (٤) وسيجي‌ء.

__________________

جعفر عليه السلام (في حديث) انه قال : الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها ما لها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع ، وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذ لها وبها ، قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم أو يشعر ، أو ينبت قبل ذلك).

(١) سند الحديث كما في الكافي هكذا : محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن حمزة بن حمران).

(٢) الوسائل ، كتاب الوصايا ، الباب ٤٥ في أحكام الوصايا ، قطعة من حديث ١.

(٣) سورة النساء ـ ٢٩.

(٤) سيأتي محلّ ذكرها عن قريب.

١٥٥

ولو باع المملوك بغير اذن مولاه لم يصح ، ولو اشترى نفسه من مولاه لغيره صح

______________________________________________________

ويؤيده عمل المسلمين والسعة ، وأنّ الغرض هو الرضا فيحمل مثل قوله صلّى الله عليه وآله : لا بيع الا فيما يملك (١) على عدم الاذن ، أو بجعل الملك أعم من ملك العين أو ملك التصرف فيها ، فتأمل.

فالتفريع كله ظاهر الى قوله : ولو أجازوا بعد الكمال الا المكره ، فان الاستثناء غير واضح ، بل الظاهر البطلان حينئذ ، لعدم حصول القصد ، بل وعدم صدور العقد عن تراض ، والظاهر اشتراطه على ما هو ظاهر الآية ، ولانه لا اعتبار بذلك الإيجاب في نظر الشارع ، فهو بمنزلة العدم ، وهو ظاهر ، لعدم الفرق بينه وبين غيره من الطفل وغيره (ونحوه خ) ، والفرق بين كلامهم ـ بأنه لا اعتبار به ، بخلاف كلام المكره فإنه معتبر الا انه لا رضاء معه ، فإذا وجد الرضا صح لوجود شرطه ـ بعيد جدا لما عرفت.

وبالجملة لا إجماع فيه ولا نص ـ والأصل والاستصحاب ، وعدم الأكل بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض ، وما مرّ ـ يدل على عدم الانعقاد ، وهو ظاهر ، الا أنّ المشهور الصحة ، وما نعرف لها دليلا ، وهم اعرف رحمهم الله ، لعل لهم نصا ما نقل إلينا.

قوله : «ولو باع المملوك إلخ» الظاهر عدم الخلاف في كون العبد محجورا عليه لا يصح أفعاله من البيع وغيره ، الا بإذن مولاه ، وان اذن مولاه يصح وان كان في بيع نفسه وشرائها بوكالة غيره باذن مولاه.

ويلوح من ظاهر العبارات ان يكون خطاب المولى له بالبيع وإيقاع العقد معه كافيا في الاذن ولا يحتاج الى الاذن سابقا.

وفيه تأمّل ، إذ ينبغي ثبوت الوكالة قبل إيقاع العقد ، ويمكن القول بأنه حاصل

__________________

(١) عوالي اللئالي ، ج ٢ ، ص ٢٤٧ الحديث ١٦.

١٥٦

وللمالك ان يبيع بنفسه وبوكيله

وللأب والجد له والحاكم وامينه والوصي البيع عن الطفل والمجنون مع المصلحة. ولو باع الفضولي وقف على الإجازة ، فيبطل لو فسخ

______________________________________________________

هنا ، لان خطابه بان يبيعه من موكله يدل على تجويزه الوكالة والعلم به سابقا والرضا به ، الا ان يقال : لا بد من التصريح حتى يعلم العبد الذي هو الوكيل ، وذلك غير معلوم.

وقد يناقش في القبلية أيضا ، إذ قد يكفي المعية وحين العقد بحيث لا يقع جزء من العقد قبل الوكالة.

قوله : «وللمالك ان يبيع إلخ» لا خلاف في جوازه بنفسه (١) وبوكيله ، لصدق البيع الذي تحقق مشروعيّته بالكتاب والسنّة والإجماع ، وقد مرّ ما يدل عليه أيضا.

قوله : «وللأب والجد له إلخ» الظاهر انه لا خلاف ولا نزاع في جواز البيع والشراء وسائر التصرفات للأطفال والمجانين والسفهاء المتصل جنونهم وسفههم الى البلوغ ، من الأب والجد للأب ، لا للام ، ومن وصى أحدهما مع عدمهما ، ثم من الحاكم أو الذي يعيّنه لهم.

وكذا لمن حصل له جنون أو سفه بعد البلوغ ، فإن أمره أيضا الى الحاكم ، إذ قد انقطعت ولايتهم بالبلوغ والرشد ، ولا دليل على العود ، فهم كالمعدوم ، فتكون للحاكم كما في غيرهما ، فتأمل.

والظاهر انه مع عدمه وتعذره يجوز لآحاد المؤمنين ذلك مع المصلحة ، والاخبار أيضا تدل عليه وسيجي‌ء ان شاء الله تعالى.

قوله : «ولو باع الفضولي إلخ» هذا هو المشهور وما نجد عليه دليلا الا ما روى

__________________

(١) في بعض النسخ الخطية هكذا : لا خلاف في جواز بيع المالك بنفسه إلخ.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عن عروة البارقي انه صلّى الله عليه وآله أعطاه دينارا ليشتري له شاة ، فاشترى به شاتين ، فباع أحدهما بدينار فجاء بدينار وشاة وحكى له ، فقال صلّى الله عليه وآله له : بارك الله لك في صفقة يمينك (١).

وذكروا أيضا انه عقد صدر من أهله في محله ، وليس شي‌ء منه بمفقود الا الرضا وقد حصل.

ومعلوم عدم صحة الرواية ، ومعارضتها بأقوى منها دلالة وسندا ، لقوله صلّى الله عليه وآله لحكيم بن حزام : لا تبع ما ليس عندك (٢).

ويمكن أيضا حملها على فهم الرضا عنه صلّى الله عليه وآله ، وكونه وكيلا مطلقا. ومعلوم أيضا عدم صدوره من أهله ، لأن الا هل هو المالك أو من له الاذن.

وبالجملة ، الأصل ، واشتراط التجارة عن تراض ـ الذي يفهم من الآية الكريمة ، والآيات والاخبار الدالة على عدم جواز التصرف في مال الغير إلا باذنه ، وكذا العقل ـ يدل على عدم الجواز وعدم الصحة وعدم انتقال المال من شخص الى آخر.

وقد أجاب في التذكرة عن رواية حكيم بأن النهي لا يدل على الفساد (٣).

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ٣ ص ٢٠٥ الحديث ٣٦ ولاحظ ما علق عليه ولفظه ما رواه في المستدرك نقلا عن أبي جعفر محمد بن علي الطوسي في ثاقب المناقب عن عروة بن جعد البارقي قال : قدم جلب فأعطاني النبيّ صلّى الله عليه وآله دينارا فقال : اشتر بها شاة ، فاشتريت شاتين بدينار ، فلحقني رجل فبعت أحدهما منه بدينار ، ثم أتيت النبيّ صلّى الله عليه وآله بشاة ودينار ، فرده عليّ وقال : بارك الله في صفقة يمينك. ولقد كنت أقوم بالكناسة أو قال : بالكوفة فاربح في اليوم أربعين ألفا) (المستدرك ج ٢ ، الباب ١٨ من أبواب عقد البيع ص ٤٦٢.

(٢) سنن الترمذي ج ٣ كتاب البيوع ١٩ باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك ، الحديث ١٢٣٢ و ١٢٣٣ وبمضمونه ورد في وسائل الشيعة ، ج ١٢ ص ٣٧٤ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢.

(٣) التذكرة ج ١ ص ٤٧٦ في مسألة بيع الفضولي.

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر ان النهي راجع الى عدم صلاحيته للبيع والانتقال كما هو الظاهر ، على انه يلزم القول بتحريم الفضولي ، وهو بعيد لا يقولون به ، ولا يمكن ذلك في رواية الباقري ، فإنه يدل عليه غيرها مما ذكرناه.

ثم ان الظاهر على تقدير الجواز يكون الإجازة جزء السبب ، لا كاشفا ، وهو على ما أظنه ظاهر ، مع اني ارى ان أكثرهم لا يقولون إلا بأنه كاشف وما ارى له دليلا.

واما الدليل على الأول فكثير ، منه ان المفهوم من الآية خصوصا قوله تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ، والاخبار ، بل العقل والإجماع ، ان رضا صاحب المال جزء وسبب وشرط ، وله دخل في صحة العقد ، وهو ظاهر ، فكيف يصح العقد بدونه ويكون ذلك كاشفا لا سببا.

وانه إذا لم يكن الرضا جزء ـ ومعلوم عدم جزء آخر جزء ولا شرطا غير الإيجاب والقبول ، للاتفاق ، ولهذا ما عد احد امرا أخر جزء ولا شرطا غير الإيجاب والقبول الصادرين عن الكاملين ـ حصل جميع ما يتوقف عليه العقد ، فلزم (فيلزم خ ل) العلم بالصحة بدون الرضا.

وانه على تقدير عدم الرضا ، ان عدم شي‌ء له دخل في صحة العقد ، اما الرضا أو الذي يقارنه ، فلا يكون العقد صحيحا حين الوقوع والا لزم الحكم بفساد العقد مع وجود جميع ما يتوقف عليه ، وهو ظاهر البطلان.

وان العقد ان كان موقوفا على أمر آخر الى حين تحقق الرضا يلزم عدم صحة العقد حينئذ ، فلا يكون الرضا كاشفا ، وان لم يتوقف يلزم الصحة بالفعل قبل وجود الرضا.

وهكذا الكلام في جميع الأمور التي يقال ان الإجازة أو القبول سبب أو كاشف مثل قبول الوصية ، وقد فصلناه وأوضحناه هناك.

١٥٩

ولا يكفي الحضور ساكتا فيه.

وللحاكم البيع على السفيه والمفلس والغائب.

______________________________________________________

واما فائدة الخلاف فهي ظاهرة لا تحتاج الى البيان.

قوله : «ولا يكفى الحضور إلخ» أي لا يكفي الحضور ساكتا في بيع ماله فضوليا ، بل لا بد من التصريح فان السكوت مع الحضور لا يدل على الرضا أو (١) ، في الرضا والإجازة ، أو في انعقاد الفضولي والمقصود ظاهر.

ويعلم مما تقدم انه لو علم الرضا يكفي ذلك لصحة البيع ولا يحتاج الى التصريح والتوكيل سابقا ، بل إذا علم رضا المالك واذنه بوجه من الوجوه يكون ذلك كافيا ، وكذا في التصرف في مال الغير مطلقا.

فحينئذ لو وقع فضولي من احد الطرفين يمكن التصرف عوضا عن ماله في ذلك المبيع والثمن لمن وقع العقد فضوليا بالنسبة إليه ، لحصول العلم برضاء الذي كان حاضرا في العقد ، وأجازوا بطريق التقاص إذا تعذر الوصول اليه.

وكذا في جميع الأمور حتى في المعاملات الفاسدة لو علم ذلك فتأمل ، فإن الذي يظهر من كلامهم عدمه حيث كان عقدا باطلا فاسدا ، ولا يجوز التصرف فيه ، لانه ما كان الرضا الا بأنه بيع صحيح ، وقد فسد ذلك ولم يعلم الرضا بوجه آخر غير ذلك ، فتأمل واجتهد في الاحتياط.

قوله : «وللحاكم البيع على السفيه إلخ» لعل دليل جواز بيع الحاكم مال السفيه والمفلس والغائب مع المصلحة ، هو الإجماع ، وكونه إحسانا ولا سبيل على المحسن ، والضرورة لأنه قد يحتاج الى البيع للحفظ وعدم التضييع والنقص ، وقد يعلم رضا كل عاقل به ، فصار تجارة عن تراض ووكيلا له لحصول العلم به ، ولأنه قائم مقام الامام عليه السلام ونائب عنه كأنه بالإجماع والاخبار مثل خبر عمر بن

__________________

(١) عطف على قوله (في بيع ماله).

١٦٠