مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الرّجل يحتكر الطّعام ويتربّص به ، هل يجوز ذلك؟ (يصلح في كا ـ ئل) قال : ان كان الطّعام كثيرا يسع النّاس فلا بأس به ، وإن كان الطّعام قليلا لا يسع النّاس فإنّه يكره ان يحتكر الطّعام ويترك النّاس ليس لهم طعام (١).

والأصل يقتضي حمل الكراهة على معناه (٢) الحقيقي ، وهو : المرجوح مع جواز النقيض.

وكذا عموم الأدلّة الدّالة على أنّ النّاس مسلّطون على أموالهم (٣) فلهم ان يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون.

فيحمل دليل التحريم على الكراهة جمعا بين الأدلّة ، وهو رواية إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا يحتكر الطّعام إلّا خاطئ (٤) قيل : هي صحيحة ، والمراد بالخاطي : فاعل الذّنب ، ورواية أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون (٥).

وفيه تأمّل ، لأن صحة الرّواية الأولى غير ظاهرة لاشتراك إسماعيل بن أبي زياد (٦) بين الثقة وبين السّكوني العامي المشهور ، وان كان الظاهر الأوّل.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ، الباب ٢٧ ، الحديث ٢.

(٢) هكذا في النسخ والصواب معناها.

(٣) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبعة الحديثة. وراجع عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٢٢ ، الحديث (٩٩) وص (٤٥٧) الحديث (١٩٨) وج ٢ ص (١٣٨) الحديث (٣٨٣) وج ٣ ص (٢٠٨) الحديث (٤٩).

(٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ، الباب ٢٧ ، الحديث ١٢.

(٥) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٧) من آداب التجارة ، الحديث (٣) وفيه (ابن القداح) بدل (ابى العلاء).

(٦) سند الحديث كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن إسماعيل بن أبي زياد.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيّد كونه الثّاني عدم الاكتفاء بالنقل عن الإمام كما هو دأبه بل اعتقاده.

وكأنّه لذلك ما سمّاها في التذكرة بالصّحة ، بل قال : لقول الباقر عليه السلام «قال :. الى آخره» ، والخاطى يحتمل معنى آخر وهو ظاهر.

والرّواية الثانية ضعيفة بعدّة عن سهل بن زياد (١) وغيره ، قال في الشّرح (٢) : «وأجاب في المختلف بمنع السند.

فالحمل على المبالغة غير بعيد» ويؤيّده لفظة ملعون ، فإنّ فاعل حرام لا يصير ملعونا.

ويمكن حملها على عدم وجدان شي‌ء بحيث لو لم يبع لهلك النّاس ، فيجب أن يبيع لوجوب حفظ النّاس ، كما قيل في المخمصة.

وكأنه إلى ذلك أشار في الاستبصار حيث اختار التحريم مع عدم وجود الغير.

ويمكن الحمل علي الكراهة ما روي عن طريق العامّة وما في صحيحة سالم الحناط ، أيضا ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : ما عملك؟ قلت : حناط ، وربما قدمت على نفاق ، وربما قدمت على كساد فحبست ، قال : فما يقول من قبلك فيه؟ قلت : يقولون محتكر ، فقال : يبيعه احد غيرك ، قلت : ما أبيع انا من ألف جزء جزء ، قال : لا بأس انما كان ذلك رجل من قريش يقال له : حكيم بن

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن أبي العلاء) وطريق الشيخ الي سهل بن زياد كما في المشيخة هكذا (وما ذكرته عن سهل بن زياد فقد رويته بهذه الأسانيد ـ عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا منهم على بن محمد وغيره عن سهل بن زياد) ومن هنا يعلم ان قوله قدس سره (عن سهل بن زياد وغيره) لا يخلو عن خلل.

(٢) لم نعثر عليه في المسالك ، ولكن ما نسبه في المختلف من منع السند في محله ، راجع الفصل الثاني في الاحتكار ص (١٦٨).

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

حزام ، وكان إذا دخل الطّعام المدينة اشتراه كلّه ، فمرّ عليه النبيّ صلى الله عليه وآله فقال له : يا حكيم بن حزام إيّاك أن تحتكر (١).

والعجب أنّهم ما جعلوا هذه دليلا مع صحّتها ، فكأنهم نظروا إلى اختصاصه بحكيم بن حزام ، فلا يظهر دلالتها على المطلوب إلا بمثل قوله : صلّى الله عليه وآله «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» (٢).

ويؤيّد عدم التحريم وجود التقييد في بعض الروايات ، مثل رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الحكرة في الخصب أربعون يوما ، وفي الشّدّة والبلاء ، ثلاثة أيّام ، فما زاد على الأربعين يوما في الحضب فصاحبه ملعون ، وما زاد على ثلاثة أيّام في العسرة فصاحبه ملعون» (٣) وهذه تدلّ على التّحريم بعد الأربعين والثلاثة ، وما سبق مطلقا ، والاختلاف دليل العدم ، فالحمل غير بعيد كأنه لذلك فعل المصنف هنا وفي المختلف ، حتى (حيث خ ل) افتى بالكراهة ، وأجاب عن اخبار التحريم بمنع السند ، ذكره في الشّرح (٤).

الثّاني

ان الخلاف مع عدم الضرورة مثل المخمصة ، والا فيحرم بالإجماع ظاهرا.

الثالث

هل يسعر عليه الحاكم علي تقدير التحريم؟ أو يبيع كيف يريد؟ ، فيه

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٨) من أبواب آداب التجارة الحديث (٣).

(٢) عوالي اللئالي ، ج ١ ص (٤٥٦) الحديث (١٩٧) وج ٢ ص (٩٨) الحديث (٢٧٠).

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٧) من أبواب آداب التجارة الحديث (١).

(٤) تقدم عدم العثور علي ما ذكره في الشرح.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضا خلاف وظاهر ما في رواية حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله : ـ «ثم قال ـ اى رسول الله صلّى الله عليه وآله يا فلان : إنّ المسلمين ذكروا إنّ الطّعام قد نفد إلّا شيئا عندك ، فأخرجه وبعه كيف شئت ، ولا تجسه» (١) ـ يدل على العدم ، ولا يضرّ ضعفها ، لأنها موافقة للعقل والنقل ، وأحد أدلّة المحرّمين.

وكذا ما روي عن علي بن أبى طالب عليه السلام رفع الحديث الي رسول الله صلّى الله عليه وآله انه مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم ان تخرج إلى بطون الأسواق ، وحيث تنظر الأبصار إليها ، فقيل لرسول الله صلّى الله عليه وآله : لو قوّمت عليهم ، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله حتى عرف الغضب في وجهه ، فقال : انا أقوّم عليهم؟ انّما السعر الى الله يرفعه إذا شاء ، ويخفضه إذا شاء» (٢).

ولا يضرّ عدم الصحّة هنا أيضا لما مر (٣) ولعلّ فيهما إشارة الي عدم التحريم ، والّا لانتفى فائدة إيجاب البيع بثمن لا يقدر احد على شرائه ، إلّا ان يوجب التسعير أو البيع بثمن مقدور غير مجحف.

وعلى تقديره : هل التسعير مخصوص بالإمام ، أو بالحاكم مطلقا؟ محتمل ، وو يحتمل للمسلمين أيضا ، خصوصا مع الضرورة.

والظاهر أنّ الأمر بالبيع على تقدير التحريم للكلّ مع ثبوته عندهم ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ، التجارة ، أبواب آداب التجارة ، الباب ٢٩ ، الحديث ١ ، وقد ذكر من الحديث آخره وأول الحديث : عن أبي عبد الله قال : نفد الطعام على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأتاه المسلمون فقالوا : يا رسول الله قد نفد الطعام ولم يبق منه شي‌ء إلّا عند فلان فمره يبيعه (ببيعه خ ل) ، قال فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال صلى الله عليه وآله : الحديث».

(٢) نفس المصدر والموضع ، الباب ٣٠ ، الحديث ١ ، وفيه : عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، انه قال : رفع الحديث. إلخ.

(٣) من كونها موافقة للعقل والنقل.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الرابع

انّه ليس له شرط إلّا الاحتياج بحسب العرف والعادة ، بان لا يكون الطعام عند الناس غير المحتكر مع الاحتياج إليه عادة لاشتراك العلّة ظاهرا ، وعموم بعض الأخبار ، المفهوم ظاهرا ، مثل ما مرّ من قوله : «يا فلان : إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام. الى آخره» (١) وحديث أمير المؤمنين (٢).

فلا يختصّ بمدّة ، بل مداره الاحتياج وعدم الوجدان ، ورواية السّكوني (٣) ضعيفة ويمكن حملها على شدّة الكراهة أو التحريم حينئذ.

نعم يدلّ علي اختصاصه بمن يشتريه للبيع ، ويحبسه للزّيادة ـ فلا يكون (٤) بحفظ طعامه الحاصل من زراعته وغير ذلك ـ حكاية حكيم بن حزام ، (٥) وحسنة الحلبي ـ لإبراهيم ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : الحكرة ان تشترى طعاما ليس في المصر غيره فتحتكره ، فان كان في المصر طعام ، أو يباع غيره فلا بأس بأن يلتمس لسلعته الفضل (٦) ، قال : وسألته عن الزّيت ، فقال : إذا (ان كا) كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه».

ولا يخفى ان لا دلالة في الاولى ، والثانية قد تكون خارجة مخرج الغالب ، مع

__________________

(١) قد مرّت الإشارة الى هذه الرّوايات.

(٢) قد مرّت الإشارة الى هذه الرّوايات.

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٧) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (١).

(٤) اى : فلا يكون الاحتكار.

(٥) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٢٨) من أبواب آداب التجارة ، الحديث (٣).

(٦) الى ها تنتهي رواية الصدوق ، والزيادة تشتمل عليها رواية الكليني والشيخ ، وفي الفقيه : «بان تلتمس بساحتك الفضل» مكان «سلعته الفضل» راجع كتاب التجارة من الوسائل ، أبواب آداب التجارة ، الباب ٢٨ ، الحديث ١ و ٢.

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم نفي الحكرة عن غير المشتري صريحا ، نعم صرح بعدمه عند وجود الغير ، ومعلوم ان مراده إذا كان ذلك كافيا ، والا فهو مثل المعدوم.

فلعل الحصر المفهوم (ظاهرا خ ل) مع عدمه صريحا بالنسبة الي عدم الوجدان ، لا الشراء ، ولهذا اقتصر في التفريع بقوله : (فان كان في المصر) علي ذلك ، وما ذكر ما حصل بغير شراء مثل الزراعة ونحوها.

ويؤيده قوله في آخر الخبر (إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه) فإنه ظاهر في العموم من غير قيد الشراء.

وأيضا ظاهر هذه الرواية عدم التحريم ، حيث يشعر بالبأس في عدم البيع ، وهو ظاهر في الكراهة.

الخامس : اختصاصه بالطعام

الظاهر أنّهم يريدون به هنا : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزّبيب ، والسّمن ، ولعله لا خلاف في وجوده فيها.

والظّاهر أنّه يجري في الزّيت أيضا ، لما تقدّم في حسنة الحلبي مع ظهور العلّة الجارية فيه ، ويدلّ علي الاختصاص بالأوّل رواية غياث عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ليس الحكرة إلّا في الحنطة ، والشّعير ، والتّمر ، والزّبيب ، والسّمن» (١) وهي مع ضعفها بالغياث ، يمكن حمل الحصر علي الإضافة إلى غير الزّيت ، وعلى الغالب والواقع.

وأمّا الملح : فما رأيت له دليلا ، مع وجود الخلاف فيه ، والأصل دليل

__________________

(١) هذا بحسب رواية الكليني ، أما رواية الصدوق والشيخ ففيها : «والزبيب ، والسّمن ، والزيت» راجع الوسائل ، كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ، الباب ٢٧ ، الحديث ٤.

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العدم ، مؤيّدا بعدم كونه ضروريّا مثل ما ثبت فيه الحكرة.

وبالجملة : لا يبعد التعميم في المشتري وغيره والخمسة المذكورة وغيرها بناء علي ظهور العلّة في الكلّ إن قلنا بالكراهة ، وإن قلنا بالتحريم فينبغي الاقتصار علي ما هو المجمع عليه ، وما عليه الدّليل من الخبر المعتبر ، فلا يتعدى عن المشتري ، ولا إلى الملح وغيره مما لا دليل عليه.

السّادس

إنّه لا شك في عدم دخول الطّعام في الحكرة لو حفظه لعياله ونفسه ، لا للبيع ، ومع ذلك لا يبعد ان يستحبّ بيعه وشراء ما يأكله النّاس ، والأكل مما يأكله النّاس.

لصحيحة حمّاد بن عثمان ، قال : أصاب أهل المدينة قحط حتّى أقبل الرّجل المؤسر يخلط الحنطة بالشعير ، ويأكله ويشتري «فينفق يب» ببعض الطّعام ، وكان عند أبي عبد الله عليه السلام طعام جيّد قد اشتراه أوّل السّنة ، فقال لبعض مواليه : اشتر لنا شعيرا ، فاخلطه بهذا الطّعام أو بعه ، فإنّا نكره أن نأكل جيّدا ويأكل النّاس رديّا» (١).

ورواية معتب ، قال : قال لي أبو عبد الله : وقد يزيد السّعر بالمدينة ، كم عندنا من طعام؟ قال : قلت : عندنا ما يكفينا أشهرا كثيرة ، قال : أخرجه وبعه ، قال : قلت له : وليس بالمدينة طعام ، قال : بعه ، فلما بعته قال : اشتر مع النّاس يوما بيوم ، وقال : يا معتب ، اجعل قوت عيالي نصفا شعيرا ونصفا حنطة فإنّ الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة علي وجهها ، ولكنّي أحببت (أحب خ كا) أن يراني

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع ، الباب ٣٢ ، الحديث ١.

٢٧

والمحرم ما اشتمل على وجه قبيح ، وهو خمسة : الأوّل : بيع الأعيان النّجسة

______________________________________________________

الله قد أحسنت تقدير المعيشة» (١).

و «عن معتب قال : كان أبو الحسن عليه السلام أمرنا إذا أدركت الثّمرة ان نخرجها فنبيعها ، ونشتري مع المسلمين يوما بيوم» (٢).

قوله : «والمحرّم ما اشتمل على إلخ» هذا هو القسم الخامس من الأقسام الخمسة للتّجارة ، فالخامس هو التكسّب بما اشتمل علي وجه قبيح ، ونهي الشّارع التكسّب بذلك نهي تحريم.

وهو أيضا خمسة أقسام.

الأوّل

بيع الأعيان النجسة وفي معناه : مطلق التكسّب ، كالخمر بناء على نجاستها ، وما في حكمها مثل النّبيذ ، قيل : هو الشّراب المخصوص المسكر المعمول من التّمر ، وهو يفهم من الرّوايات أيضا ، والفقّاع وهو المعمول من الشّعير ، والمسمّى به عندهم مع عدم العلم بأنّه حلال.

وكالميتة النجسة ، قال المصنف ره في المنتهى (٣) : «قد اجمع العلماء كافّة علي تحريم بيع الميتة والخمر والخنزير بالنّصّ والإجماع ، قال تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ» (٤) وتحريم الأعيان يستلزم تحريم وجوه الاستمتاع ،

__________________

(١) المصدر والموضع والباب نفسه ، الحديث (٢).

(٢) المصدر والموضع والباب نفسه ، الحديث ٣.

(٣) لم نعثر علي هذه العبارة في المنتهى ، ولكن هذه المضامين موجودة في ضمن مسئلتين راجع ص (١٠٠٨ و ١٠٠٩).

(٤) سورة المائدة ، الآية ٣.

٢٨

كالخمر والنّبيذ والفقّاع

______________________________________________________

و «إِنَّمَا الْخَمْرُ ... الآية» (١).

وفي دلالة الآيتين تأمّل.

وتدلّ عليه الأخبار أيضا من طرق العامّة والخاصّة ، مثل رواية السّكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : «السحت (أنواع كثيرة منها خ) ثمن الميتة ، وثمن الكلب ، وثمن الخمر ، ومهر البغيّ ، والرّشوة في الحكم ، وأجر الكاهن» (٢).

وروي أنّه «لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الخمر وغارسها ، وحارسها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وبائعها ، ومشتريها ، وآكل ثمنها ، وعاصرها ، وساقيها ، وشاربها» (٣) ثمّ قال فيه : وكذا كلّ نبيذ وكلّ مسكر ، لأنّه نجس.

وفي رواية عمّار بن مروان عن الباقر عليه السلام قال : «السّحت أنواع كثيرة ، منها : ثمن الخمر ، والنبيذ المسكر» (٤) (٥).

ولا خلاف بين المسلمين في ذلك.

والفقّاع حرام ، ولا خلاف بين علمائنا أجمع في ذلك.

عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام قال : كلّ مسكر حرام ، وكلّ مخمّر حرام ، والفقّاع حرام» (٦) وروي أنّه «خمر مجهول» (٧)

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٠ ، وتمام الآية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».

(٢) الوسائل كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٥ ، الحديث ٥ ، إلّا أنّ في أوّله ، السحت ثمن الميتة. إلخ».

(٣) الوسائل أبواب ، ما يكتسب به ، الباب ٥٥ ، الحديث ٤ مع تقديم وتأخير.

(٤) هكذا في الكافي ولكن في التهذيب والوسائل : والنبيذ والمسكر.

(٥) نفس المصدر والموضع ، الباب ٥ ، الحديث ١.

(٦) الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب ٢٧ ، الحديث ٣.

(٧) نفس المصدر والموضع ، الحديث ١١.

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنّه «خميرة استصغرها النّاس» (١).

والرّوايات الدّالّة على تحريم الفقّاع كثيرة (٢).

ثمّ إنّ ظاهر كلامهم تحريم الميتة ، وعدم جواز استعمالها في شي‌ء بوجه ، وأنّه استثني من الميّت ما لا تحلّه الحياة بالإجماع ، والخبر (٣) ، وعدم كونه ميتة ، لعدم الحلول.

وأنّه لا يجوز استعمال جميع أجزاء الميتة حتّى جلدها مع الدّباغة عند أكثر أصحابنا.

وكذا الخنزير ، ولكن في الرّواية ما يدلّ علي جواز استعمال شعره ، بأن يعمل منه حبال (٤) ، وأنّه يجوز العمل بشعر الخنزير الّذي لا دسم فيه (٥) ، مع غسل اليد عند كلّ صلاة (٦).

__________________

(١) نفس المصدر كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرمة ، الباب ٢٨ الحديث ١ ولكن العبارة فيها هكذا : خمرة استصغرها الناس.

(٢) لاحظ الوسائل الباب ٥٦ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة والباب ٢٨ ـ ٢٧ من أبواب الأشربة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٣) راجع الوسائل ج ٢ كتاب الطهارة الباب ٦٨ من أبواب النجاسات وج ١٦ الباب ٢٣ من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٤) الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، الباب (٣٣) من أبواب الأطعمة المحرّمة ذيل حديث (٤).

(٥) نفس المصدر والموضع ، الحديث ٤ ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ، إنّا نعمل بشعر الخنزير ، فربّما نسي الرّجل فصلّى وفي يده منه شي‌ء ، فقال : لا ينبغي أن يصلّي وفي يده منه شي‌ء ، فقال خذوه فاغسلوه ، فما كان له دسم فلا تعملوا به ، وما لم يكن له دسم فاعملوا به ، واغسلوا أيديكم منه.

(٦) نفس المصدر والموضع ، الحديث ٢ ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شعر الخنزير يعمل به ، قال : خذ منه ـ (إلى أن قال عليه السلام) واغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة ، قلت : ووضوء؟ قال : لا اغسل يدك كما تمسّ الكلب.

٣٠

وما ينجس من المائعات مما لا يقبل التطهير عدا الدهن النجس لفائدة الاستصباح به تحت السماء والميتة.

______________________________________________________

وبيّن في رواية أخرى طريق إخراج الدّسم منه (١) ، وليست الرّوايات ضعيفة ، وظاهرة في الجواز ، بل صريحة.

فجواب المصنّف في المنتهى بأنّها لا تدلّ على إباحة الاستعمال ، بل على نجاسته ، للأمر بغسل اليد بعيد.

والعقل يجوّز استعمالها فيما لا يشترط فيه الطهارة ، فلو لم يكن المنع من الشرع بإجماع ونحوه ، فهو حسن ، فتأمّل.

ثمّ إنّ ظاهر كلامهم أيضا عدم جواز استعمال الخمر للدّواء ، ويدلّ عليه أخبار كثيرة (٢).

ولا يبعد الجواز إذا علم توقّف الحياة عليه ، والموت دونه ، كما في إساغة اللّقمة ، وسيجي‌ء تمام البحث في كتاب الأطعمة ، إن شاء الله تعالى.

قوله : «وما ينجس من. إلخ» وفي حكم النجس العيني ما ينجس به ولم يقبل التطهير مثل الدّبس والعسل المذابين ، والشيرج (٣) ، وجميع الأدهان ، إلّا الدّهن المتنجس فإنّه يجوز استعماله لفائدة الاستصباح تحت السّماء ، فيجوز بيعه حينئذ مع الإعلام.

قال المصنّف في المنتهى (٤). الأعيان النجسة الجامدة كالثّوب وشبهه يجوز

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، الحديث ٣ ـ عن برد الإسكاف قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّي رجل خرّاز ، ولا يستقيم عملنا إلّا بشعر الخنزير تخرز به ، قال : خذ منه وبره فاجعلها في فخارة ، ثم أوقد تحتها حتّى يذهب دسمها ، ثم اعمل به.

(٢) راجع الوسائل ، الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب ٢٠ ، تجد أحاديث كثيرة في ذلك ، وجاء في بعضها : «إنّ الله عزّ وجلّ لم يجعل في شي‌ء ممّا حرّم دواء ولا شفاء.

(٣) الشيرج : دهن السّمسم ، معرب شيرة قاله في المصباح (مجمع البحرين).

(٤) لاحظ المنتهى ج ٢ ص (١٠ ١٠).

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

بيعها إجماعا ، والمائعات الّتي لا يمكن تطهيرها كالخلّ والدّبس فهذا لا يجوز بيعها إجماعا ، إلّا الدّهن المتنجّس للاستصباح ، وأمّا ما يقبل التطهير مثل المياه فنقل عن الشافعي القولين ، واختار هو جواز بيعه.

دليل الجواز : هو الأصل ، مع عموم أدلّة جواز البيع ، وظهور إمكان الانتفاع ، فالسرف منتف.

وفي عدم تطهير الخل مطلقا وكذا بعض المائعات تأمّل.

ونقل في شرح الشرائع الخلاف في قبول المائعات التّطهير مطلقا.

وفيه أيضا تأمّل ، فإنّ ذلك في الكلّ بعيد ، نعم يمكن في البعض. ويفهم ممّا نقلناه من المنتهى عدم الخلاف ، فتأمّل.

وما ترى لهم دليلا على عدم جواز بيع المتنجّس الّذي لا يقبل التّطهير ـ سوى الدّهن ـ إلّا الإجماع المدّعى ، وتخيّل السّرف لعدم الفائدة ، والأخير غير ظاهر ، لأنّه قد يظهر له فوائد ، مثل أن يستعمل في الأدوية الّتي تداوى بها من غير أكل ، كالجرب (١) ، وتداوى بها الحيوانات مثل أن يطعم الدّبس النحل ، وينتفع بها فيما لا يشترط فيه الطّهارة ، والإجماع إن كان حاصلا لا مرجع عنه.

وأمّا استثناء الأدهان فكأنّه لا خلاف على الاجمال ، وتدلّ عليه الأخبار الصحيحة. مثل : «صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «قال : إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه ، فان كان جامدا فألقها وما يليها ، وكل ما بقي ، وان كان ذائبا ، فلا تأكله واستصبح به ، والزيت مثل ذلك» (٢).

__________________

(١) الجرب : بثر يعلو أبدان النّاس والإبل ، قاله ابن سيده ، والبثر جمع بثور ، وهو مثل الجدري يفتح على الوجه وغيره من بدن الإنسان ، قاله ابن منصور ، راجع تاج العروس مادّة : جرب بثر.

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة الباب (٦) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٢).

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة الحلبي ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة والدّابّة تقع في الطّعام والشّراب ، فتموت فيه ، فقال : إن كان سمنا وعسلا أو زيتا ، فإنّه ربّما يكون بعض هذا ، فإن كان الشّتاء فانزع ما حوله وكله ، وإن كان الصيف فارفعه حتّى تسرج به ، وإن كان بردا (١) فاطرح الّذي كان عليه ، ولا تترك طعامك من أجل دابّة ماتت فيه» (٢).

وصحيحة سعيد الأعرج ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة تقع في السّمن والزّيت ثمّ تخرج منه حيّا ، فقال : لا بأس بأكله ، وعن الفارة تموت في السّمن والعسل ، فقال : قال علي عليه السلام : خذ ما حولها وكل بقيّته ، وعن الفارة تموت في الزّيت ، فقال : لا تأكله ، ولكن أسرج به» (٣).

وهذه صريحة في طهارة الفأرة ، فافهم.

وفي الكلّ دلالة علي عدم نجاسة مثل العسل غير المذاب (الذائب خ ل) بوقوع النجاسة فيه ، وعلى نجاسة الذّائب به ، فينجس الماء القليل بملاقاة النجاسة بالطريق الأولى ، أو المساواة ـ لا أقل.

وعلى عدم النجاسة بالسّراية حيث حكم بإلقاء ما حولها فقط ، وطهارة الباقي ، مع عدم انفكاكه عن رطوبة مّا.

وعلى تحريم النجس وجواز استعمال النجس في غير ما يشترط فيه الطهارة مطلقا ، وليس بمخصوص بالاستصباح ، لأنّه المتبادر منها ، وإن ذكر الاستصباح لكونه نفعا ظاهرا في الزّيت متداولا ، ولهذا ما نفى غيره.

__________________

(١) في المصدر : ثردا.

(٢) الوسائل ج ١٦ ، كتاب الأطعمة والأشربة ، الباب ٤٣ من أبواب الأطعمة الحرمة ، الحديث (٤).

(٣) الوسائل ج ١٦ كتاب الأطعمة والأشربة ، الباب ٤٥ من أبواب الأطعمة المحرمة ، الحديث (١).

٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والأصل في ذلك هو الأصل ، وعدم العلم بالمنع مع عدم الدّليل ، والاستصحاب.

بل يمكن أن يقال : عدم استعماله وإهراقه يكون إسرافا حراما ، ولعدم خروجه بالتنجس عن الملكيّة ، وجواز التصرفات في الأملاك حتّى يظهر المنع.

وتدلّ على ذلك ـ وعلى جواز بيعه أيضا ولكن مع الإعلام ، لئلا يستعمل فيما لا يجوز ، مثل ما يشترط فيه الطّهارة.

صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت له : جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل ، فقال : أمّا السّمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله ، والزّيت فيستصبح به» (١).

وقال عليه السلام في بيع ذلك الزيّت : «يبيعه ويبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» (٢).

الظّاهر عدم تقييد الاستصباح بما تحت السّماء ، لعموم الأخبار ، وعدم دليل مخصّص ، ويبعد كون نجاسة دخانه سببا لذلك ، علي تقدير تسليم عدم طهارة دخانه لوجود اجزاء الدّهن فيه ـ مع أنّ الأصل هو العدم ، ونقل الإجماع في طهارة دخان الأعيان النجسة ـ لأنّ نجاسة دخانه لا تستلزم تحريم الإسراج تحت السّقف ، إذ غاية ما يلزم تنجس السّقف ، وذلك ليس بحرام ، بل أكثر السّقوف والجدر نجس ، لعدم تجنّب العمّال عن النجاسة حين العمل ، ولهذا جوّز استعمال الكفّار في البناء.

__________________

(١) الوسائل كتاب التجارة الباب (٦) من أبواب ما يكتسب به الحديث (١).

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب (٦) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٤) ولفظ الحديث هكذا (معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال : بعه وبينه لمن اشتراه ليستصبح به).

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والإجماع بعدم جوازه تحت السّقف غير ظاهر ، لوجود الخلاف والدّليل.

وأيضا : الظاهر عدم اختصاص الجواز بفائدة الاستصباح ، بل يجوز جميع الانتفاعات ، ما لم يكن دليل على تحريمه ، مثل الاستعمال فيما يشترط فيه الطّهارة ، فيجوز صرف الزيّت النّجس في الصّابون ، وأدهان الحيوانات كما صرّح به البعض.

بل الإنسان ثم يطهّر البدن ، للأصل ، وعدم الدّليل على المنع ، وللإشعار في هذه الأخبار الى ذلك ، حيث ما نفى غير الأكل ، وانّ جواز الاستصباح لعدم شرط الطّهارة ، ولعدم الفرق.

بل الاستعمال في نحو الصّابون وأدهان الحيوانات واستعمال الجلود والخشبات وغيرها ، أبعد من شبهة وصول دخانه النجس إلى الإنسان المنتفع بضوئه ، ولهذا نرى وجود الدخان في الدماغ لو جلسنا عند السراج قريبا ، خصوصا في بيت ضيّق.

ولعلّ هذا هو سبب المنع عن تحت السقف ، لا التقييد (التعبد خ ل) ، إذ لا نصّ بل مجرّد الاجتهاد على ما يظهر.

فالظّاهر جواز سائر الانتفاعات في سائر المتنجّسات إلّا فيما ثبت عدم الاستعمال بإجماع ونحوه ، كما في النّجاسات العينيّة مطلقا ، حتّى في إليه الميتة ، وإن أبينت من حيّ ـ على ما قالوا ، وإن نقل عن المصنّف والشّهيد «ره» جواز الاستصباح بها تحت السّماء كغيره ، فلا إجماع ، وشمول الآية (١) له غير ظاهر ، والعقل والأصل يجوّزه ـ وفي المتنجس فيما يشترط فيه الطّهارة.

ثمّ إنّ الظّاهر وجوب (انه يجب خ ل) إعلام المشتري بالنّجاسة في الدّهن وغيره من سائر المتنجّسات الّتي تجوز بيعها ، للرّواية المتقدّمة (٢).

__________________

(١) وهي قوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ). إلخ» المائدة ، الآية ٣.

(٢) وهي قوله عليه السلام : «يبيعه ويبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به».

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولأنّ النجاسة عيب مخفيّ ، فيجب إظهاره كما قيل في سائر العيوب ، ليسقط خيار المشتري ، وإلّا يكون تدليسا ويكون له الخيار.

فلو لم يبيّن ، فظاهرهم انعقاد العقد ، ويكون الترك سبب الإثم على ذلك التّقدير ، وموجبا للخيار لا غير ، لأنّ غايته نهي في غير العبادة ، وهو ليس بمقتض للفساد كما حقّق في موضعه.

وقال في شرح الشّرائع : أفتى ـ أي العلامة ـ بالجواز مطلقا ما لم يعلم أو يظنّ بقاء شي‌ء من أعيان الدّهن ، وحيث جاز استعماله على بعض الوجوه جاز بيعه للعالم بحاله ، ولو باعه من دون الاعلام قيل : صحّ البيع وفعل حراما ، وتخيّر المشتري لو علم ، ويشكل الجواز بناء على تعليله بالاستصباح في الرّواية ، فإنّ مقتضاه الاعلام بالحال ، والبيع لتلك الغاية (١).

وفي ما نقله وذكره تأمّل.

(إذا الظاهر ان الاستصباح فائدة انما ذكر للتمثيل ، وكونه غايته وفائدته في أكثر الأوقات ، لعدم النص مع الأصل ، وعلى تقدير تسلم كونه للانحصار كان الواجب عليه ان يبيع ويبين تلك الفائدة التي انحصرت فائدته فيها ، فما فعل ، ففعل حراما ، وما علم كون تلك الفائدة شرطا للصحة ظاهرا ـ خ).

نعم يمكن أن يقال : البيع الصّحيح المملّك الذي علم كونه مملّكا صحيحا ، هو المجوز شرعا بقوله «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٢) والبيع لتلك الفائدة. وما علم كون غيره مملّكا وصحيحا. وهذا لا خصوصيّة له بهذا المحلّ بل هو إشكال يخطر بالبال في عدم الفساد بالنّهي في المعاملات ، وقد أشرنا إليه فيما سبق في بيع يوم الجمعة ، وحقّقناه في الأصول ، فتأمّل.

__________________

(١) إلى هنا كلام المسالك.

(٢) البقرة ـ ٢٧٥.

٣٦

وكلب الهراش والخنزير ،

______________________________________________________

قوله : «وكلب الهراش. إلخ» ومن النّجاسات العينيّة : الكلب والخنزير ، وقد مرّ البحث في الثّاني.

وأمّا الكلب فقال في المنتهى : وقد أجمع علماؤنا على تحريم بيع ما عدا كلب الصّيد والماشية والزّرع والحائط من الكلاب ، وعلى جواز بيع كلب الصّيد واختلفوا في الثّلاثة الباقية ، وسوغ في المبسوط ، وهو اختيار ابن إدريس ، وهو الأقوى عندي.

ويريد بكلب الهراش هنا ما لا ينتفع به ، فيكون مختاره هنا أيضا الجواز ، كما قوّاه في المنتهى ، وذلك غير بعيد للأصل مع حصول النّفع المطلوب للعقلاء ، مع عدم المنع في نصّ وإجماع ، ومجرّد كونه نجسا لا يصلح لذلك ، ولا لعدم التملك ، فالظّاهر التملّك ، وجواز ما يترتب عليه.

ويحتمل العدم ، لأنّ الأصل عدم التملّك ، والبيع فرعه ، وللرّواية الدّالّة على أنّ «ثمن الكلب سحت» (١) خرج كلب الصّيد بدليل آخر ، وبقي الباقي ، ولا دليل على التملّك.

ويمكن أن يكون عموم خلق الأشياء للإنسان (٢) ، ولانتفاعه بها ، وقبضه لها مع صلاحيّة الانتفاع به ، دليلا له ، كما في سائر المباحات.

ويحمل رواية «ثمن الكلب سحت» (٣) ـ مع عدم ظهور الصّحّة ـ على كلب الهراش الّذي لا نفع فيه ، غير الكلاب الأربعة ، فتأمّل.

ثمّ نقل في المنتهى عدم الخلاف في تحريم قتل كلب الصّيد ، وتجويز اقتنائه ، وكذا في جواز إتلاف الكلب العقور ، والظّاهر أنّ الكلاب الثّلاثة ككلب الصّيد على ما تقدّم.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٥) و (١٤) من أبواب ما يكتسب به ، فلاحظ.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» سورة البقرة ـ ٢٩.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٥ الحديث ٥ ـ الى ٩ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٦٢ ـ ٦٣.

٣٧

والأرواث والأبوال ، إلّا بول الإبل ، ولا بأس ببيع

ما عرض له التّنجيس ، مع قبول الطّهارة ، بشرط الاعلام.

______________________________________________________

قوله : «والأرواث والأبوال. إلخ» سوق الكلام سابقا ولاحقا يدلّ على أنّ المراد بالأرواث والأبوال أرواث ما لا يوكل وأبواله ، حتى تكون نجسة داخلة تحت الأعيان النجسة.

ولكنّ قوله : «الّا بول الإبل» يدلّ على كونهما أعمّ ، فيكون عنده هنا بيع الأبوال والأرواث مطلقا حراما ، الّا بول الإبل للاستشفاء به ، للرّواية (١).

ولكنّ ذلك خلاف الظاهر لعدم الدّليل على التحريم مطلقا ، مع وجود النّفع المعتاد ، خصوصا روث البقر والإبل للزّرع ، وللإشعال بالحمامات وغيرها للخبز والطّبخ وهو المتعارف في أكثر القرى ، وخلاف ما ذهب إليه في المنتهى أيضا.

قال فيه : «كلّ روث ما (مما خ ل) لا يؤكل لحمه نجس ، حرام بيعه وشراؤه وثمنه.

وحمل عليه رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «ثمن العذرة من السّحت» (٢).

ثم قال (٣) : «وأمّا البول فإن كان مما لا يؤكل لحمه فكذلك حرام بيعه وثمنه وشراؤه ، لأنّه نجس ، فكان كالدّم ، وامّا بول ما يؤكل لحمه فإنّه طاهر ، فيجوز بيعه حينئذ ، قاله السيّد المرتضى ، وادّعى عليه الإجماع ، وقال الشّيخ في النّهاية بالمنع من الأبوال كلّها ، إلّا بول الإبل خاصّة للاستشفاء.

__________________

(١) عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ قال : سئل عن بول البقر يشربه الرّجل؟ قال : إن كان محتاجا إليه يتداوى به يشربه ، وكذلك بول الإبل والغنم» الوسائل ، كتاب الطهارة ، أبواب النّجاسات ، الباب ـ ٩ ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٤٠ ، الحديث ١.

(٣) اي : المصنّف في المنتهى.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وامّا ما لا ينجس من العذرات ، كعذرة الإبل والبقر والغنم ، فإنّه لا بأس ببيعها لأنّها طاهرة ينتفع بها ، فجاز بيعها كغيرها.

وتؤيّده رواية محمد بن مضارب في الكافي ـ ويحتمل «مصادف» لوجوده في الرّجال دونه ـ عن أبي عبد الله عليه السلام (١) ، وسماعة بن مهران عنه عليه السلام أيضا (٢) ، قال : «لا بأس ببيع العذرة».

فحملها على الطّاهر والجمع بين الأدلّة يقتضيه ، وان لم يكن شي‌ء من هذه الأخبار صحيحة.

ويفهم من شرح الشّرائع عدم الإشكال في عدم جواز بيع روث ما لا يؤكل لحمه للنّجاسة والخباثة ، وفي المأكول جوّز البعض مطلقا ، ومنع الآخرون مطلقا للاستخباث ، إلّا بول الإبل للاستشفاء للنصّ.

وما فهمت دلالة الاستخباث والنّجاسة على عدم الملكيّة وعدم جواز البيع والقنية ، كما ادعيت أيضا في المنتهى (وفي الدروس أيضا خ) قال في التّذكرة : ولا يجوز بيع السّرجين النجس إجماعا منّا.

ويفهم من المنتهى أنّ الإجماع على عدم جواز بيع النجس عينا ، وذلك يدلّ على طهارة البول والرّوث من البغال والحمير والدّواب ، لعدم المنع من البيع والشراء وفيه تأمّل.

وينبغي عدم الإشكال في جواز البيع والشّراء والقنية فيما له نفع مقصود محلّل ، لعدم المنع منه عقلا وشرعا ، ولهذا ترى أنّ عذرة الإنسان تحفظ بل تباع ، وينتفع بها في الزّراعات في بلاد المسلمين من غير نكير ، وكذلك أرواث البغال والحمير والدّوابّ ، مع الخلاف في طهارتها.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب التّجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٤٠ ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل ، كتاب التّجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٤٠ ، الحديث ٢.

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولعل هذا مؤيّد للطّهارة ، فلو لم يكن إجماع يمنع من قنية النّجاسة وبيعها ينبغي تجويزهما ، للأصل ، وحصول النّفع المقصود للعقلاء ، مع عدم دليل صالح لذلك ، وإن كان فاقتصر على ما يدلّ عليه من بيع النّجاسة وقنيتها.

وتحمل عليه رواية يعقوب المتقدّمة ، وأمّا غيرها فينبغي جواز بيعها وقنيتها لما تقدّم.

وتحمل عليه رواية محمد.

وأمّا الأكل فلا يكون جائزا إلّا للاستشفاء إن ثبت بدليل ، كما في بول الإبل للنّصّ والإجماع إنّ صحّ وثبت ، وإلّا فالمنع متوجّه للاستصحاب (١) ، ودليل عدم الشفاء في المحرّم (٢) ، وسيجي‌ء له زيادة تحقيق في محلّه.

والظّاهر أنّه لا نزاع في جواز اقتناء الأعيان النجسة مع حصول نفع مقصود للعقلاء.

قال في المنتهى : «كلّ مالا منفعة فيه من الأعيان النجسة يحرم اقتناؤه كالخنزير ، لأنّه سفه ، ولو كان فيه منفعة جاز اقتناؤه ، وإن كان نجسا يحرم بيعه كالكلب ، والخمر للتخليل ، وأمّا السّرجين فإنّه يمكن الانتفاع به لتربية الزّرع ، فجاز اقتناؤه ، ولكنّه يكره ، لما فيه من مباشرة النّجاسة ، وكذا يحرم اقنتاء المؤذيات (كلها خ) كالحيّات والعقارب والسّباع ، لحصول الأذى منها».

جواز اقتناء الأعيان النجسة لا كلام فيه ، للأصل ، وحصول النّفع وأمّا تحريم اقتناء المؤذيات فليس بواضح الدّليل إلّا مع الخوف الواجب دفعه ، وكذا تحريم

__________________

(١) يعنى ان شرب بول الإبل لغير الاستشفاء كان حراما قطعا ، وللاستشفاء في جوازه فيستصحب المنع.

(٢) عن عمر بن أذينة قال : كتبت الى أبي عبد الله عليه السلام (الى ان قال) ثم قال عليه السلام : ان الله عز وجل لم يجعل في شي‌ء ممّا حرّم دواء ولا شفاء ـ الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب ٢٠ الحديث (١) وفي الباب أحاديث أخر بهذا المضمون فراجع.

٤٠