مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

ويجب في بيع خيار الرؤية ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة ، فإن أخل بأحدهما بطل.

وان ظهر على خلاف ما وصف (له خ) تخير المشتري بين الفسخ والإمضاء بغير أرش ،

______________________________________________________

قوله : «ويجب في بيع خيار الرؤية إلخ» إشارة إلى شرط صحة بيع الغائب الذي هو أصل ما ثبت فيه خيار الرؤية ، وهو ذكر الجنس الذي يقع عليه العقد ، وذكر الوصف الذي يختلف بوجوده وعدمه الثمن كما مرّ في السلم.

وبالجملة صرح في التذكرة : بأن جميع ما لا بد ذكره في بيع السلم ، لا بد ذكره في بيع الغائب ولا فرق بينهما الا بذكر الأجل وعدمه وهو ظاهر.

وقد مرّ تفصيل الوصف فيه ، فتذكر.

فإن أخل بالجنس وان ذكر الوصف ولكن بحيث لم يتحقق الجنس ، أو العكس ، بطل البيع لما مرّ آنفا.

قوله : «وان ظهر على خلاف إلخ» يعني لو ظهر المرئي على جنس الموصوف ، ووصف ادنى من الوصف الذي وصف به ، فالمشتري مخير بين الرد وأخذ ثمنه وبين قبوله بالثمن من غير نقصان ، وليس له أخذ الأرش ، يعني التفاوت بين الوصفين الذي وصف والذي وجد.

دليل عدم الأرش ظاهر ، وهو الأصل مع عدم كونه معيبا.

وكذا دليل الرد والأخذ الثمن ، هو عدم خروجه على وجه رضي به.

واما وجه جواز الأخذ والرضا به ، فكأنه الإجماع ، وانه له ان ينقص من ماله وليس الضرر الا عليه وله ارتكابه مع عدم السرف.

وقد يتخيل انه ليس مما وقع عليه البيع فليس له قبوله بالعقد (١).

__________________

(١) وفي هامش النسخة المطبوعة ما لفظه (وليس له قبوله بالعقد الفضولي ، وفيه تأمل ، مع انهم لا يجعلون

٤٢١

ولو كان البائع باعه بوصف الوكيل فظهر أجود فالخيار له ، ولو اشترى ضيعة شاهد بعضها ووصف له الباقي ولم يوافق تخير بين (في خ) فسخ الجميع وإمضائه.

المطلب الثاني : العيب

وهو كل ما يزيد أو ينقص عن المجرى الطبيعي.

______________________________________________________

ومثله يجري في المعيب وأمثاله وقد مرّ إليه الإشارة فتذكر وتأمل.

قوله : «ولو كان البائع إلخ» ومثله ان باع المالك بعد ان غاب عنه مدة يمكن التغيير فيها وقد مرّ دليله ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو اشترى ضيعة إلخ» قد مرّ مثل هذه في صحيحة جميل بن دراج في بحث خيار الرؤية (١) ، ولكن ليس فيها ووصف له الباقي ولم يوافق إلخ ، فهي دليله مع قول الأصحاب ، كأنه مجمع عليه.

وكأنه أشار بقوله : تخير في فسخ الجميع ، الى ان ليس له فسخ البعض الذي ما رأى وأخذ الذي رأى ، لعدم تبعض الصفقة ، فإنه عيب ونقص عندهم ، كأنه بالإجماع.

قوله : «المطلب الثاني : في العيب إلخ» هذا إشارة إلى ذكر خيار العيب الذي هو السابع ، وهو موقوف على ذكر العيب الموجب لذلك وتحقيقه واحكامه والأمور الاستطرادية.

والمراد بكل ما يزيد أو ينقص عن المجرى الطبيعي ، كل ما يزيد أو ينقص عن أصل الخلقة التي عليه خلق أكثر ذلك النوع وأغلبه.

__________________

هذا من ذلك القبيل ، فان ذلك المختلف ، ثم فيه الخلاف هل هو كاشف أولا ، خلاف فيه على الظاهر).

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٥ من أبواب الخيار ، الحديث ١.

٤٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وقيد في التذكرة وغيرها الزيادة أو النقيصة بكونهما موجبتين لنقصان مالية ، واعترض عليه بان عدمه اولى كما في الشرائع والمتن ، إذ قد يكونان عيبا مع الزيادة المالية كما في الخصى والمجبوب وعدم الشعر على العانة كما في الرواية (١).

ويمكن ان يقال : المراد كون ذلك موجبا بالنسبة إلى التجار في معاملاتهم ورغبة أكثر الناس فيهم.

والظاهر انهما كذلك ، إذ لا يرغب فيهما ولا يزيد الثمن الا من كان سلطانا أو حاكما ، أو ان ذلك النفع المرتب الموجب للزيادة ليس بمعتبر في نظر الشرع ، بل فعل ذلك النقصان والانتفاع الذي قصدوه ـ وهو رؤية النساء واختلاطهما معهن ـ حرام عند الأكثر ، فلا اعتداد بها ، فإذا أسقطت بقيا ناقصين نقصانا مالية ، ولهذا لو أريد الأرش ينبغي ان يقطع النظر عن تلك الزيادة ، بأن يفرض سلب المنفعة المرتبة على تلك النقيصة ، فيكون عندنا ناقصا لا يقدر على كثير أفعال الفحول ولا قابلا لحصول النسل منه ، فيقوم ، ثم يقوم صحيحا قابلا لذلك كلّه.

أو يقال : ان المراد بالنقصان المالي ، ان يقال في العرف في هذا المال نقص ، لا القيمة ، فتأمل.

وينبغي ملاحظة ذلك فإنه قد استشكل في التذكرة في الأرش وهنا كما سيجي‌ء.

وأيضا لو أسقط ذلك واختصر على غيره يلزم ان يدخل كثير من الأمور في العيب ، مثل ان يزيد الشعر في بعض أعضائه بحيث يزيد في حسنه مثل الأشفار والحواجب خارجا عن العادة والغالب ، بل ما وجد مثله قطعا ، ولا شك ان ذلك ليس بعيب.

__________________

(١) سيجي‌ء عن قريب.

٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم يمكن ان يسقط الكل واكتفى بما يعد عرفا نقصا وعيبا ، اي كل زيادة ونقيصة يقال في العرف انه نقص وزيادة فهو عيب والا فلا ، ولا يضر إجماله كسائر ما يحال الى العرف الا ما ورد في الشرع كونه عيبا وان لم يعد في العرف ذلك كما لو فرض مع ثبوته في عدم شعر العانة.

ولكن الظاهر انه لا بد من نقصان القيمة وعدم الزيادة والا لم يمكن الأرش مع ثبوته في كل معيب.

وأصل التعريف مأخوذ مما روى عن الحسين بن محمد عن السياري قال : روى عن ابن أبي ليلي انه قدم اليه رجل خصما له فقال : ان هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها (١) حين كشفتها شعرا وزعمت انه لم يكن لها قط ، قال : فقال له ابن أبي ليلي : ان الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به ، فما الذي كرهت؟ فقال : ايها القاضي ان كان عيبا فاقض لي به ، فقال : اصبر حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في بطني ، ثم دخل وخرج من باب آخر فاتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له : أي شي‌ء تروون عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعرا يكون ذلك عيبا؟ فقال له محمد بن مسلم : اما هذا نصا فلا أعرفه ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن النبيّ صلّى الله عليه وآله انه قال : كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب ، فقال له ابن أبي ليلى : حسبك ، ثم رجع الى القوم فقضى لهم بالعيب (٢).

والظاهر أن المراد كل ما يعدّ عرفا نقصا وزيادة في الخلقة المطلوبة في ذلك النوع ، ولا يضرّ عدم صحّة السند ، للقبول ، بل الإجماع في الجملة ، فتأمل.

__________________

(١) الركب بالتحريك منبت العانة.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ١.

٤٢٤

ولو شرط المشتري وصفا لم يوجد فله الفسخ وان لم يكن فواته عيبا كالجعودة في الشعر ،

وإطلاق العقد يقتضي السليم فان ظهر فيه عيب سابق على العقد تخير المشتري بين الرد والأرش.

______________________________________________________

قوله : «ولو شرط المشتري إلخ» دليل الخيار بعدم وجدان الشرط المذكور في متن العقد ـ سواء كان عدمه عيبا أم لا ، وسواء كان في الثمن أم المبيع للمشتري والبائع ـ هو ما تقدم ان الشروط لازمة وملزمة للعقد وموجبة له ، فلو فقدت لم يجب ، بل يثمر الخيار لمن شرط له ذلك ، بل يتخيل البطلان لفقده رأسا ، لأن فقد الشرط موجب لفقد المشروط وهو صحة العقد.

ولكن ذكروا ان الشرط للّزوم لا للصحة ، والا يلزم الدور في بعض الصور ، فلو قصد ذلك فلا بأس ، وإذا قصد الصحة فالظاهر البطلان على تقدير الدور ، وكذا على تقدير عدم الموافقة والوفاء به ، والإطلاق يحمل على اللزوم ترجيحا لجانب الصحة ، وتبعا للأصحاب ، خصوصا من يعرف ان ذلك هو المذهب ، فتأمل.

قوله : «وإطلاق العقد إلخ» هذا أيضا بناء على ما يفهم من كلامهم ، ان معنى مقتضى العقد السلامة ، اللزوم معها ، والخيار مع عدمها إلّا (١) ما هو الظاهر من وقوع العقد على السالم دون المعيب كما هو الظاهر ، والا يلزم البطلان لو ظهر معيبا مع تعيينه ، ومع الإطلاق لا يكون ذلك مبيعا مورد العقد ، فيطلب المبيع ان وجد والا بطل العقد مع اليأس ، أو ينتظر ، مثل ما مرّ في السلم.

هذا مثل ما تقدم من الشروط ، ومثل قولهم : إطلاق الوكالة يفيد التوكيل في شراء الصحيح دون المعيب ، وأمثالها كثيرة ، ثم يجوزون الخيار فيه للمالك ، وهو بحسب ظاهر العبارات لا يخلو عن مناقشة ، فتأمل.

__________________

(١) هكذا في النسخة المطبوعة ، وفي النسخ المخطوطة (لا) بدل (الا).

٤٢٥

وهو جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة نقص قيمة المعيب عن الصحيح ،

ولو تبرء البائع في العقد إجمالا أو تفصيلا ، أو علم المشتري به ، أو أسقط خياره سقط الأرش والرد.

______________________________________________________

قوله : «وهو جزء من الثمن إلخ» يعني الأرش جزء من الثمن وله نسبة اليه بالنصف أو الثلث مثلا ، مثل نسبة النقصان الذي في قيمة المعيب إلى قيمة الصحيح.

بمعنى ان يقطع النظر عن الثمن الذي وقع عليه العقد ، ويقوم ما وقع عليه العقد صحيحا قيمة عادلة بنظر أهل الخبرة المعتبرين في ذلك ، ثم يقوم بنظرهم مرة أخرى معيبا بالعيب الموجود ، كل ذلك وقت وقوع العقد عليه ، ثم ينسب النقصان الذي في المعيب إلى قيمة الصحيح ويحط (١) تلك النسبة عن الثمن الذي وقع عليه العقد ، وهو الأرش الذي يرد إلى المشتري بسبب العيب السابق.

قوله : «ولو تبرء البائع إلخ» يعني لو قال : انا بري‌ء من عيبه ، بمعنى انه لا يلزمني لوازم العيب ، مثل ان يقول : بعتك هذا بكل عيبه ، أو انا بري‌ء من كل عيبه ، هذا المجمل.

والمراد بالتفصيل ان يقول : بعتك بالعيب الفلاني ، أو انا بري‌ء عن عيب كذا وكذا ونحو ذلك مما يدل على إعلام المشتري بأنه بيع مع ذلك العيب ورضي المشتري بذلك.

الظاهر انه يكفي الذكر قبل العقد كما في الأثناء ، لأنه إذا حصل رضا المشتري بالعيب ، لا خيار له ، إذ سبب الخيار هو جهله به ، ولهذا قال : أو علم

__________________

(١) هكذا في النسخة المطبوعة ، وفي النسخ المخطوطة بعد قوله (إلى قيمة الصحيح) ما لفظه (وتحفظ تلك النسبة ويؤخذ بتلك النسبة من الثمن).

٤٢٦

ولو تصرف سقط الرّد دون الأرش ، سواء تصرف قبل العلم به أو بعده

______________________________________________________

المشتري به ، أو أسقط خياره سقط الأرش والرد.

ولا فرق بين العيوب القديمة والمتجددة في الإيجاب لهما ، ولا بين علم البائع وعدمه.

دليل الكل ظاهر ، وقد مرّ ما يستفاد منه ، مثل ان يقال : أصل العقد اللزوم (لاوفوا) ونحوه ، خرج الصور المذكورة ، فبقي الباقي ، ولان المسلمين عند شروطهم ، وقد شرط البائع ان لا ضمان عليه من جهة العيب ، ولانه قد علم واشترى ، فقد رضي بالثمن مع العيب ولزم البيع فليس له الا هو.

ولأن في الاخبار مثل رواية جعفر بن عيسى في أخر باب عيوب التهذيب (١) إشارة إلى السقوط مع البراءة والعلم ، ولانه قد أسقط حقه فسقط كما في الإبراء عن الحقوق ، وللترغيب بالعمل على القول ، والترهيب عن ترك العمل بمقتضى القول.

والظاهر انه لم يرد أنه إبراء عما لم يجب في العيوب المتجددة ، لما تقدم ، وللتأمل في عدم سقوط مثل هذه الأمور بالإسقاط ، لأن الظاهر العمل بمقتضاه والمؤاخذة به بناء على الظاهر من الشرع ولم نجد لذلك مانعا ، فتأمل.

قال في التذكرة : لو شرط البراءة من العيوب الكائنة والحادثة جاز عند علمائنا ، عملا ب (المؤمنين عند شروطهم) ، فيفهم انه إجماع ويشمله الدليل ، فتأمل.

واما التصرف بالمعنى الذي تقدم ، فهو مسقط للرد لا الأرش ، لأن كليهما

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٨ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ١ ولفظ الحديث (عن جعفر بن عيسى قال : كتبت الى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك ، المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي ، فإذا نادى عليه بري‌ء من كل عيب فيه ، فإذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق الا نقد الثمن فربما زهد ، فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا وانه لم يعلم بها ، فيقول المنادي : قد برئت منها ، فيقول المشتري : لم أسمع البراءة منها ، أيصدق فلا يجب عليه الثمن ، أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب : عليه الثمن).

٤٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كانا ثابتين ، وقد سقط الرد بالرواية وبقي الأرش على حاله ، وللاستحباب ، ولانه ما حصل منه الرضا بالثمن في المعيب ، فكأنه يحتاج الى جبر ذلك النقص لتحصل (فيحصل خ) الاسترضاء.

ولا فرق في ذلك بين التصرف قبل العلم بالعيب وبعده ، للعموم ، وقد مرّ دليل السقوط بالتصرف ، وبيان التصرف المسقط ، والمستثنى منه وعدمه فتذكر.

وقد يسقط الرد دون الأرش أيضا فيما إذا اشترى من ينعتق عليه وظهر عيبه.

قال في التذكرة : لو اشترى من ينعتق عليه ثم وجد به عيبا ، فالأقوى ان له الأرش دون الرد ، لخروجه عن الملك بالعتق ، وللشافعية في الأرش قولان : الثبوت وعدمه.

وكذا إذا سقط الرد دون الأرش.

وقد يعكس بان يسقط الأرش دون الرد ، قيل : فيما إذا زاد القيمة بالعيب مثل ان يظهر العبد خصيا.

وفيه تأمل ، لاحتمال ثبوت الأرش أيضا على الوجه الذي قلناه ، ولكن الظاهر العدم ، إذ يلزم الظلم على البائع.

قال في التذكرة : لو خرج خصيا كان له الرد ، لانه نقص في الخلقة خارج عن المجرى الطبيعي ، وكان له الرد ، وفي الأرش إشكال ، ينشأ من عدم تحققه ، إذ لا نقص في المالية هنا إلخ.

وفيه تأمل ، فإنه موجب لعدم كونه معيبا ، فلا رد أيضا.

ثم اعلم انه ينبغي التأمل في الدليل الموجب للرد والأرش ، فإن كان بحيث يشمل العيب الذي يزيد به القيمة يلزم ذلك للدليل ، والا فما ذكر من سقوط الأرش جيد ، ثم ينظر في دليل جواز الرد ، فان شمله يرد والا فلا ، فحينئذ بالحقيقة

٤٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ليس بعيب فتأمل.

والدليل على الرد كثير من الروايات الأصحاب (١).

واما على الأرش فقليل فقال في التذكرة : والأصل فيه ما رواه الجمهور ان رجلا اشترى غلاما في زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله وكان عنده ما شاء الله ثم رده من عيب وجد به (٢).

ومن طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام : في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا؟ قال : ان كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن ، وان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع (يرجع ئل) بنقصان العيب (٣) (٤).

وفي إفادتهما المطلوب تأمل واضح ، في السند أولا والدلالة ثانيا ، إذ الأولى خالية عن الأرش بالكلية ، مع ان الظاهر منه جواز الرد بعد التصرف أيضا ، إذ يبعد ان يكون العبد عند العرب ما شاء الله وما قال له اسقني ماء أورد الجمل ونحو ذلك.

مع انه مخصوص بالعبد وما علم النقل عنه صلّى الله عليه وآله ولا تقريره.

وكذا في الثانية فإنها مرسلة جميل (٥) عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام إلخ.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦ ـ ٧ من أبواب أحكام العيوب ، فلاحظ.

(٢) مسند احمد بن حنبل ج ٦ ص ٨٠ و ٢٠٨ ولفظه (حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا إسحاق بن عيسى قال : حدثني مسلم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ان رجلا ابتاع غلاما فاستغله ، ثم وجد أو راى به عيبا فرده بالعيب ، فقال البائع : غلة عبدي ، فقال النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : الغلبة بالضمان.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٣.

(٤) انتهى كلام التذكرة.

(٥) سند الحديث كما في الكافي (علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام).

٤٢٩

إلّا وطي الحامل وحلب المصراة.

______________________________________________________

وتدل على جواز الرد ما دام عينه باقيا وعدمه بعد ذلك.

وفيه تأمل يعرف من مسائل العيب المقررة عندهم.

وانه ان كان ثوبا تصرف فيه احد التصرفات المذكورة ونحوها ، يرجع الى الأرش.

فما يفهم كلاهما في صورة واحدة ، بل الظاهر وجود ثبوت الرد في البقاء مع عدم التصرف بتلك التصرفات المذكورة في الصورة الثانية والأرش في الثانية ، وهو ظاهر ، فبقي المسألة بلا دليل على الحكم المشهور المقرر كالمتيقن.

مع كونها على خلاف الأصل من وجوه ، من جهة الفروع المتكثرة ، الا ان تكون اجماعية ، فيكون دليله ، وذلك غير ظاهر.

وعلى تقديره يتعطل أكثر فروعاته ، مثل ما تقدم من حكاية الخصى والمجبوب والعنين ، لعدم الإجماع.

على انه ما ادعى في التذكرة الإجماع على أصله ، بل اقتصر في ذكر الدليل على الروايتين اللتين ذكرناهما كما قال : فتأمل فإنه من المهمات والمشكلات يستفهمنا الله يفهمنا مع سائر المشكلات الغير المفهومة الكثيرة جدا.

نعم يوجد في الاخبار ما يدل على الرد بالعيب قبل الحدث والتصرف والأرش بعده ، مع عدم البراءة من العيوب ، وكذا أرش الجارية المعيبة بعد الوطي دون الرد الا ان تكون حاملة كما سيجي‌ء (١).

قوله : «إلّا وطي الحامل إلخ» قد استثنى من عدم جواز ردّ المعيب بالعيب أمران (٢).

الأوّل : وطى الحامل (إذا تصرف فيها بالوطي خ) فإذا اشترى شخص امة

__________________

(١) راجع الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة الباب ٤ و ٥ وغيرهما من أبواب أحكام العيوب.

(٢) في بعض النسخ المخطوطة هكذا : قد استثنى من التصرفات المسقطة للرّد بالعيب أمران.

٤٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ووطئها ثم ظهر انها كانت حاملا قبل الشراء ، فله الرد ، ومعلوم ان الحمل عيب لأنه زيادة معرضة للتّلف ومانعة من بعض الانتفاعات في الجملة ، ولا شك ان الوطي أيضا تصرف.

فمقتضى القاعدة عدم جواز الرد حينئذ ، بل الاقتصار على الأرش كما في سائر العيوب مع التصرفات.

ولكن قد استثنى هذه كأنه ـ بالإجماع ـ مستندا الى النصوص ، مثل رواية ابن سنان (كأنه عبد الله فهي صحيحة) قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية حبلى ولم يعلم بحبلها فوطئها؟ قال : يردّها على الذي ابتاعها منه ويرد عليه نصف عشر قيمتها ، لنكاحه إياها ، وقد قال علي عليه السلام : لا يرد التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب ان كان فيها (١).

وقريب منها رواية عبد الملك بن عمرو (٢) ورواية سعيد بن يسار (٣).

وهي صحيحة الا ان فيها إرسال ابن أبي عمير (٤).

وفي بعضها يرد معها شيئا (٥).

وفي بعضها يكسوها (٦).

وفي الرواية الأخرى لعبد الملك بن عمرو عشر ثمنها (٧).

__________________

(١) أورد صدرها في الباب ٥ الحديث ١ وذيلها في الباب ٤ الحديث ١ من أبواب أحكام العيوب.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٣.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٩.

(٤) سند الحديث كما في التهذيب (احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سعيد بن يسار).

(٥) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٥.

(٦) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٦.

(٧) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٧.

٤٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

حمل الشيخ الأولتين على نصف العشر ، والأخيرة على غلط الكاتب أو الراوي.

ويمكن حملها على كونها مع البكارة ، لما تقرر عندهم.

ولو لا الإجماع لأمكن الجمع بينهما بحمل ما فيه العشر أو نصفه على الاستحباب ، والباقية على كفاية ما يصدق عليه الشي‌ء والكسوة ، لعل الأخيرة حسنة ، (والاولى يحتمل كونها صحيحة أو حسنة خ).

فقد استثنى من بين العيوب الحمل ، ومن التصرفات الوطي ، للإجماع والنص.

فلو كان العيب غير الحمل فالحكم ليس كذلك ، وان كان التصرف هو الوطي ويدل عليه أخبار كثيرة (١) وكذا لو كان التصرف غير الوطي وان كان العيب حملا.

وعلى تقدير كون التصرف حينئذ لمسا وتقبيلا ونظرا احتمال المساواة للوطي ، من باب مفهوم الموافقة ، واستلزام الوطي لها غالبا ، قاله في شرح الشرائع : وليس ببعيد ، وليس في الاستثناء قصور أو خرق للقاعدة ، إذ ما من عام الا وقد خص ، وتخصيص القواعد بالحجة كثيرة ، مثل ثبوت التخيير بين الرد والأرش قبل التصرف ، وقد لا يجوز الرد مثل ان خرج من ينعتق على المشتري معيبا ، وقد لا يجوز الا الرد مثل الخصى ، وأمثالها كثيرة ، ولا يحتاج الى الذكر.

وكذا لا استبعاد في استثناء هذه عن لزوم العشر على من وطئ بكرا ، مع ان ذلك ليس بمتفق عليه ، للنص والإجماع.

ويؤيده أن البكارة هنا قد صارت بمنزلة الزائلة ، لأنها قد تزول بوضع

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب ، فراجع.

٤٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الحمل ، فحكمها حكم العدم ، فإنه ما فوت شيئا على البائع.

على انه يمكن حملها على الثيب ، ويكون سبب الإطلاق والعموم كون الغالب ذلك.

نعم قد يستبعد بعض ما في الاستثناء مثل لزوم شي‌ء على المالك من جهة وطئه ماله ، إذ قد تقرر عندهم ان المال عندهم ان المال بعد العقد ينتقل إلى المشتري ، وان الانتفاعات والنماء له وان رد المبيع بالعيب وغيره وأخذ ثمنه.

على ان ذلك أيضا غير مجمع عليه ، بل ولا منصوص عليه بخصوصه ، ولهذا ذهب البعض الى ان المبيع في زمان الخيار والنماء للبائع.

ويؤيده بعض الاخبار مثل ما روى في الفقيه ، حيث قال فيه : وقال عليه السلام : في رجل اشترى عبدا أو دابة وشرط يوما أو يومين فمات العبد أو نفقت الدابة أو حدث فيه حدث على من الضمان؟ قال : لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط ويصير المبيع له (١).

وقد قال فيه قبله : روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام الخبر (١) ثم قال : وقال : إلخ.

فهو يدل على ان هذا أيضا عن الحلبي ، فيكون صحيحا ، الا ان في قوله : (يوما أو يومين) تأملا.

وفيها دلالة على ان التلف والعيب في زمان خيار البائع منه وان حملت على اللازم له بحيث لا خيار للبائع ، لما تقدم ، فعلى تقدير القول به ـ كما هو الظاهر للنص والإجماع ـ فلا استبعاد بعدهما ، فإن وطي امة الناس ثم الرد لا يخلو عن نقص ،

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب أحكام الخيار ، الحديث ٢ ورواه في الفقيه ج ٣ ، باب الشرط والخيار في البيع ، ص ٢٠٢.

(٢) يعني قال الصدوق (ره) في الفقيه قبل هذا الخبر (روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام إلخ).

٤٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فيمكن ان يكون ذلك الرد جبرا لذلك.

وما أجد هنا شيئا من المخالفة غير ما تقدم.

وقد جعله (١) في شرح الشرائع مخالفة لمقدمات وذكرها وما فهمتها ، وهو اعرف ثم قال : لذلك حمل البعض الحكم في الحمل الذي يكون من البائع ـ فظهر كونها أم ولد فبطل البيع وصار الدخول في ملك الغير ، وحينئذ يكون الرد واجبا ، بل لا يكون المسألة مما ذكروه من جواز الرد بسبب العيب مع التصرف.

وهذا الحمل ما هو أقرب واولى من ارتكاب الاستثناء المذكور ، لانه موجب لتخصيص النصوص والإجماع بفرد نادر وإخراجهما من ظاهرهما.

على انه لا يوجبه حقيقة كل ما ذكره ، بل انما الموجب بعض ما فيه من لزوم

__________________

(١) قال في المسالك بعد نقل مقدمات سبعة ما هذا لفظه (إذا تقررت هذه المقدمات فنقول : إذا اشترى امة وتصرف فيها ثم علم فيها بعيب سابق لم يجز له ردها ، بل يتعين الأرش ، لكن وردت النصوص هنا باستثناء مسألة ، وهي ما لو كان العيب حبلا وكان التصرف بالوطي ، فإنه حينئذ يردها ويرد معها نصف العشر لمكان الوطي ، وهذا الحكم كما ترى مخالف لهذه المقدمات من حيث جواز الرد مع التصرف ، وفي وجوب شي‌ء على المشتري مع انه وطئ أمته ، وفي إطلاق وجوب نصف العشر مع ان ذلك عقر الثيب ، والمسألة مفروضة فيما هو أعم منها.

ولأجل هذه المقدمات التجاء بعض الأصحاب إلى حملها على كون الحمل من المولى البائع ، فإنها حينئذ تكون أم ولد ، ويكون البيع باطلا ، والوطي في ملك الغير جهلا ، فيلزم فيه العقر ، وإطلاق نصف العشر مبنى على الأغلب من كون الحمل مستلزما للثيبوبة ، فلو فرض على بعد كونها حاملا بكرا كان اللازم العشر. وفي هذا الحمل دفع لهذا الإشكالات ، الا انه يدافع لإطلاق النصوص بالحمل وبنصف العشر من غير تقييد بكونه من المولى وكونها ثيبا.

وفيه أيضا لا وجه لتقييد التصرف بكونه بالوطي ، بل اللازم حينئذ الرد على كل حال ، لبطلان البيع وليس تقييد الحمل المطلق في النصوص الصحيحة وفتوى أكثر الأصحاب وكون المردود نصف العشر خاصة أولى من استثناء هذا النوع من التصرف من بين سائر التصرفات ، وكون المنفعة مضمونا على المشتري (المسالك ج ١ كتاب التجارة ص ١٩٤).

٤٣٤

ولو تجدد قبل القبض فله الرد أيضا ، وفي الأرش خلاف ،

ولو ظهر العيب في البعض فله الأرش أو رد الجميع دون المعيب خاصة ،

______________________________________________________

الشي‌ء على الواطي المالك ، إذ لا موجب لعدم القول بالاستثناء برد الجارية الحامل بعد التصرف بالوطي الا الرد بعد التصرف وعموم ذلك لا نص فيه ولا إجماع ، وعلى تقديره يخرج هذه بهما كما مرّ ، فالمشهور غير بعيد ، فتأمل.

(الثاني) حلب المصراة ، فإنه إذا ظهر العيب بالتصرية بعد ان تصرف بالحلب ، يجوز الرد مع التصرف ، وسيجي‌ء أحكام العصرية.

قوله : «ولو تجدد قبل القبض إلخ» أي لو تجدد العيب الموجب للرد والأرش ـ لو كان سابقا على العقد ـ بعد العقد وقبل القبض ، فللمشتري الرد بغير خلاف.

وهل له الأرش أيضا أم لا؟ ففيه خلاف ، والظاهر ذلك لما ثبت عندهم من كون التلف بالكلية حينئذ على البائع ، والعيب (أيضا خ) تلف للبعض فهو منه بالطريق الاولى.

ولما تقدم في الرواية المنقولة عن الفقيه عن قريب من كون البيع والنماء في زمان الخيار للبائع ، وهو على ذلك القول أظهر.

ونقل عن الشيخ منع الأرش إلا برضا البائع وادعاء الإجماع.

وحمل على إجماع العامة ، وهو بعيد بعدا واضحا.

قوله : «ولو ظهر العيب إلخ» دليل الأرش ما تقدم من ثبوت الأرش بالعيب عموما ، وكذا رد الجميع واما رد المعيب فقط دون الصحيح فلا دليل عليه ، مع انه موجب للتشقيص (للتنقيص خ) الذي هو عيب لا يجب على البائع ارتكابه.

٤٣٥

وكذا لو اشترى اثنان صفقة لم يكن لهما الاختلاف بل يتفقان على الأرش أو الرد.

وله الرد بالعيب السابق (على العقد خ) وان أخره عالما به ما لم يصرح بالإسقاط ، سواء كان غريمه حاضرا أو غائبا ،

______________________________________________________

قوله : «وكذا لو اشترى إلخ» دليل وجوب الاتفاق هو ما تقدم من لزوم تشقيص العيب بالتفريق.

ويمكن جواز التفرق إذ ببيعه على اثنين ، ارتكب التشقيص فان كل واحد منهما صار مشتريا للبعض ، فهو بمنزلة بيعين مع كل واحد بيع.

ويؤيده عدم ثبوت كون التشقيص عيبا مطلقا بالدليل مع عموم دليل ثبوت الخيار بين الرد والأرش ، الا ان يكون جاهلا بذلك ، فلا يكون لهما حينئذ إلا الاتفاق في الرد والأرش.

ويمكن حمل كلام المصنف على ذلك ، ولكنه بعيد ، وان كان التفصيل بالعلم والجهل غير بعيد كما نقل عن المصنف في التحرير.

وقال في شرح الشرائع : وان كان القول بالجواز مطلقا متوجها ، وفيه تأمل ، لأن الظاهر ان الجهل عذر.

قوله : «وله الرد بالعيب السابق إلخ» يعني ان خيار العيب ليس بفوري ، فإن أخره عالما بالعيب يجوز له الرد والأرش أيضا ، وان تصرف له الأرش دون الرد ، فإنه مؤذن بالرضا بالعقد فيسقط الرد دون الأرش ، لا بإسقاط الخيار والأرش حتى لا يكون له ذلك أيضا وهو ظاهر ، كأنه لا خلاف في ذلك كله.

ومستنده عموم أدلة ثبوت الخيار من غير قيد ، وقد مرّ في الخبر أيضا : انه يجوز الرد وان كان عنده ما شاء الله (١) ، فالخيار باق ما لم يسقطه ويصح لاختيار

__________________

(١) راجع ص : ٤٢٩.

٤٣٦

ولو ادعى البائع البراءة فالقول قول المشتري مع اليمين وعدم البينة.

وقول البائع في عدم سبق العيب مع عدم البينة وشهادة الحال ،

وترد الأمة الحامل إذا وطئها مع نصف عشر قيمتها ،

______________________________________________________

والاسقاط ، سواء كان الغريم حاضرا أو غائبا ولا يحتاج الى الشهود ولا الحاكم مطلقا ، : الظاهر انه لا خلاف في ذلك أيضا بين الأصحاب.

قوله : «ولو ادعى البائع إلخ» أي من العيب سواء كان مفصلا أو مجملا.

ودليل كون القول قول المشتري مع اليمين وعدم البينة ، هو كونه منكرا وكون البائع مدعيا ، مع ما اشتهر في الخبر : البينة على المدعي واليمين على من أنكر (١) وسيجي‌ء تحقيق المنكر والمدعى وكون القول قول المنكر في محله.

ويؤيده ان الأصل عدم صدور البراءة منه حتى يتحقق ، والغرض ثبوت العيب السابق الا انه يحلف على عدم علمه من براءة البائع.

ولا يلتفت الى ما في الخبر عن جعفر بن عيسى في مكاتبته الى أبي الحسن عليه السلام فيقول له المنادي قد برئت منها فيقول المشتري : لم اسمع البراءة منها ، أيصدق فلا يجب عليه الثمن أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب عليه الثمن (٢) لضعفه للكتابة ومخالفته للقاعدة.

قوله : «وقول البائع في عدم إلخ» دليله ظاهر ما تقدم ، مع عدم البينة وعدم شهادة الحال الموجبة للقطع على ان العيب سابق عادة.

قوله : «وترد الأمة الحامل إلخ» قد مرّ عن قريب فتذكر ، وانما الإعادة

__________________

(١) لاحظ عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٤٤ وص ٤٥٣ وج ٢ ص ٢٥٨ وص ٣٤٥ وج ٣ ص ٥٢٣ وفي الوسائل ج ١٨ كتاب القضاء ، الباب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم ، ذيل حديث ٣ نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٨ من أبواب أحكام العيوب ، قطعة من حديث ١.

٤٣٧

والشاة المصراة مع اللبن ، أو مثله مع التعذر ، أو القيمة مع عدم المثل.

______________________________________________________

لعدم استيفاء حكمه من لزوم نصف العشر مطلقا ، وقيد بالثيب ، فاثبت العشر ان كانت بكرا ، وإطلاق الاخبار وعدم التفصيل دليل الأول كما هو في أكثر العبارات ، فالشهرة أيضا يؤيده.

والظاهر عدم الفرق بين الوطي قبلا ودبرا في لزوم نصف العشر ، لثبوت التساوي بينهما في إيجاب المهر ، ولصدق الوطي ، فيشمله الاخبار.

قوله : «والشاة المصراة إلخ» عطف على الأمة ، وقد مرّ أيضا وأعادها لما مرّ ، فيردها مع اللبن عينا ان كانت والا فمثلها لو كان والا فالقيمة.

وقد علم مما مرّ ان هذا أيضا خلاف القاعدة ، والأمر هين مع النص أو الإجماع ان كان وان استبعد رد اللبن ، لما تقرر انه ملك للمشتري ، فهذا أيضا (خلاف القاعدة خ) مثل عقر الأمة مؤيد للقول بان المبيع ملك للبائع في زمن الخيار.

ولكن لما تقرر ذلك عندهم ، خصوصا عند القائل بأنه ملك للمشتري كالمصنف لما تقدم ـ فلا بد لاخراجهما من دليل.

ولكن الظاهر انه لا دليل للأصحاب على رد الشاة واللبن عينا أو مثلا أو قيمة ، بعد التصرف الموجب للسقوط ، بل هذه المسألة مما لا نص للأصحاب فيها كما قال المصنف والشارح وغيرهما ، وانما هي مذكورة في كتب بعض العامة (على ان الدليل عام ، ولهذا ترى عبارات المتون المختصرة كذلك) واخبارهم (١) ، ولهذا قالوا : المراد برد اللبن ، رد اللبن الموجود حال البيع وقبل ان تصير الشاة للمشتري.

ولكن الظاهر ان ظاهر دليل بعض العامة أعم ، وهو بناء على مذهبهم من

__________________

(١) سنن ابن ماجة ، ج ٢ ، ص كتاب التجارة ، ص ٧٥٢ (٤٢) باب بيع المصراة ، الحديث ٢٢٤٠ ولفظه قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : يا ايها الناس من باع محفّلة فهو بالخيار ثلاثة أيام ، فإن ردها رد معها مثلي لبنها ، (أو قال) مثل لبنها قمحا).

٤٣٨

وتختبر التصرية بثلاثة أيام.

______________________________________________________

كون المبيع في زمن الخيار ملك البائع فلا إشكال حينئذ.

ولكن يشكل ذلك على مذهب الأصحاب بناء على ما تقرر عندهم ، لان ظاهر كلامهم انه يرد جميع اللبن الذي كان في أيام الاختبار ، ومعلوم ان ليس كله موجودا في ملك البائع ، الا ان يكونوا بنوا على ان الأصل عدم وجود لبن أخر ووجود ما كان ، فتأمل وان علم شي‌ء لا يرد (١) ، وان مزجا اصطلحا.

والظاهر ان لا خلاف عندهم في رد الشاة المصراة ، بل لبنها أيضا في الجملة ، لأنه غرّ (٢) المشتري بها إذ لو لم تكن الشاة مصراة لم يشترها ، ولما كان عندهم ان ذلك ليس بعيب ـ بل هو إظهار شي‌ء لم يكن فيه ، وعدمه ليس بعيب وان مثله لا يجوز ، كتحمير وجه الأمة وتلوين شعرها ووصلها وغير ذلك مما يدلس به ويكون (به خ) مخفيا في الجملة وظاهرا فيما قصده المدلس ويختلف به الثمن ، لا كتسويد ثياب العبد لظن الكتابة ، وتعليف الدابة لتنفخ بطنه ليظن الحمل والسمن ، لانه غير ظاهر فيها ، بل هو أعم ، والتقصير من المشتري حيث ظن ظنا باطلا ـ قالوا بان له الرد فقط دون الأرش للتدليس ، واللبن ماله.

ويؤيده أخبار العامة.

واما وجه رد اللبن فقط مع وجوده من غير تغيير ، فظاهر ، ومعه مثل الحموضة الموجبة لنقص القيمة مع الأرش كذلك ، وكذلك مع التلف ، أو التغيير المفسد رد المثل مع الإمكان والقيمة مع التعذر ، والكل واضح.

قوله : «وتختبر التصرية إلخ» اعلم انه إذا كانت التصرية معلومة بإقرار البائع أو البينة ، فالظاهر انه لا يحتاج الى الاختبار ثلاثة ، بل يمكن ان يكون له الرد في الحال.

__________________

(١) اي لو علم حدوث شي‌ء من اللبن بعد البيع ، فلا يرد ، لانه ملك المشتري.

(٢) وفي بعض النسخ هكذا (لانه تدليس موجب لغرر المشتري).

٤٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قال في الشرح : لو لم يحلبها وعلم كونها مصراة ـ قبل الحلب وبعد العقد ـ ثبت له الخيار على الفور إلخ.

أي في الحال ، لأن التصرية التي هي تدليس وموجبة لجواز الرد قد ثبتت ، فيكون مقتضاه أيضا ثابتا.

الا انه قد يجوز له هنا أيضا الصبر والاختبار ، لاحتمال الارتفاع بسبب ما ، مثل تغيير المرعى والمكان ، أو بهبة من الله ، فلا يثبت ، لزوال الموجب ، لان مجرد التصرية غير موجبة من حيث هي ، بل انما هي موجبة لإظهار ما ليس فيه مما يوجب زيادة الثمن والرغبة ، فلو لم يكن كذلك بل وجد ما أظهره ليس له ذلك.

وكأنه لذلك أوجب البعض هنا أيضا الاختبار للرد ولا يجوزونه في الحال.

قال في شرح الشرائع : فلو ثبت بإقرار البائع أو البينة جاز الفسخ قبل الثلاثة لكن بشرط النقصان.

ولكن نقل في الشرح عن الشيخ انه قوى في الخلاف جواز الرد مع ثبوت التصرية وان زالت ، وصار اللبن زائدا كل يوم على اللبن الأول أو ساواه ، وقال في المبسوط بسقوط الخيار.

ويؤيد الأول ان التدليس ثابت ، يعني قد علم ان ما لم يكن فيه ثابت ، ولا اعتداد بما وجد مع العلم ، إذ قد يزول ، بخلاف ما لو لم تكن ثابتة وثبت التساوي ثلاثة أيام ، كما انه لو علم التصرية بالاختبار في الثلاثة ، ثم زال بعد الثلاثة لم يزل جواز الرد مع عدم علم المشتري ، لأنه قيل : فوري ، وان قاله في الشرح.

ويظهر عدمه هنا أيضا كالأول من شرح الشرائع حيث قال : لو علم التصرية بالإقرار أو البينة ولم ينقص في الثلاثة ، بل زاد أو ساوى هبة من الله ، فالأشهر زواله كالأول ، كما إذا علم بالعيب قبل العقد بعد زواله ، واما إذا لم تكن

٤٤٠