مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغش إذا كانت معلومة الصرف بين الناس.

ولا يجوز إذا كانت مجهولة الصرف إلا بعد الاعلام.

______________________________________________________

قوله : «ويجوز إخراج إلخ» يعني يجوز المعاملة بالدرهم والدينار المشتملين على غش من غير جنسه وإخراجهما والشراء بهما من غير اعلام ، مع جهالة قدر الغش ، ان كانتا معلومتي الصرف والبيع ، بشي‌ء معين عند الناس في بلد الصرف.

ولا يلتفت الى أنه مغشوش ، فيلزم الغش الذي هو حرام ، أو الجهالة فيهما ، إذ جهالة قدره مستلزمة لجهالة قدرهما.

لقلة ذلك وجريان العرف به ، وعدم الالتفات بمثل هذا المقدار بين الناس الى الإن ، ولانه قليلا ما يوجد الصافي بحيث لا غش فيه أصلا فيلزم تعطيل المعاملات لو شرط ذلك ، ولانه المتداول من أول الدهر الى الان ، فكان المثقال من الذهب مثلا عبارة عن مجموع من ذهب وغش ما.

ولا يجوز لو كان مجهول الصرف اي لا يعلم انه بكم يؤخذ هذا من الذهب أو الفضة مثلا ، للغرر والجهالة ويدل عليه الروايات أيضا وقد تقدمت مثل حسنة عمر بن يزيد (١) ومحمد بن مسلم (٢) وصحيحة فضل (٣) وعبد الرحمن بن الحجاج (٤).

ورواية حريز بن عبد الله قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه قوم من أهل سجستان فسألوه عن الدراهم المحمول عليها؟ فقال : لا بأس إذا كان جواز المصر (٥).

__________________

(١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٠ من أبواب الصرف الحديث ٤ و ٢ و ٩ و ٧.

(٥) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٠ من أبواب الصرف ، الحديث ١٠.

٣٢١

ويجوز أن يقرضه شيئا ويشترط أن ينقده بأرض أخرى.

______________________________________________________

قوله : «ويجوز ان يقرضه إلخ» إشارة الى ان القرض ليس ببيع صرف يحتاج الى التقابض في المجلس ، بل هو معاملة أخرى برأسه ، وليس فيه التقابض قبل التفرق شرطا ، وهو ظاهر ، للأصل ، ولانه قد شرع لأجل دفع الضرورة ، إذ كثيرا ما لا يكون للإنسان شي‌ء فيستقرض ويقضى غرضه ، ولو اشترط التقابض لا يبقى ذلك.

ويدل عليه الاخبار أيضا مثل صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت : يسلف الرجل الورق على ان ينقدها إياه بأرض أخرى ويشترط عليه ذلك؟ قال : لا بأس (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٤ من أبواب الصرف ، الحديث ١ وقريب منه الحديث ٦ من تلك الباب.

٣٢٢

المقصد الثالث في أنواعها

وفيه ثلاثة مطالب

المطلب الأول : في النقد والنسية

من باع مطلقا أو شرط تعجيل الثمن كان الثمن حالّا.

وان شرط التأجيل لزم ان كان مضبوطا ، والا بطل.

______________________________________________________

في النقد والنسية

قوله : «من باع مطلقا إلخ» إشارة إلى بيع النقد والنسية ، فإن شرط الحلول والتعجيل أو أطلق لزم كون الثمن حالا وكذا المثمن ، وهو النقد ، وان أجّل الثمن فقط فهو النسية ، أو المثمن فقط فهو السلف والسلم.

ولا فرق في لزوم الدفع في الحال على سبيل العرف بين ذكر التعجيل أو إهماله فيهما ، فإن الإطلاق ينصرف الى التعجيل ، وتقييده ما يفيد إلّا التأكيد.

وقال في الدروس : فان شرطه تأكد ، وأفاد التسلط على الفسح إذ أعين زمان النقد فأخل المشتري به.

لعله نظر الى انه شرط مثل سائر الشروط ، فلو أخل به من اشترط عليه حصل لصاحبه الخيار ، فإن فائدة الشرط هو اللزوم من جانبه ، والخيار له على تقدير عدم إتيان من شرط عليه به.

ولا يجب عليه الإتيان بالشرط ، بل له ان لا يفعل فيفسخ صاحبه كما فهم

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

من حاشية على الدروس.

وفيه تأمل ، لأن ظاهر دليل الشرط ، هو اللزوم والوجوب ، مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (المسلمون عند شروطهم) فيمكن ان يجب عليه ويعاقب بتركه ، ويجبر على ذلك ، وان كان موجبا لجواز الفسخ للمشترط بعد التعذر ، بل قد يخطر بالبال عدم جوازه في مثل شرط العتق ، إذ فيه حق لله وحق للعبد أيضا فكيف يجوز له إبطاله.

وقد يتخيل أيضا بطلان البيع بنفسه ، لعدم تحقق الشرط ، الا ان الظاهر ان الشرط ليس بشرط صحة العقد حتى يبطل البيع بعدمه ، والا لم يصح بدونه في مثل شرط العتق ، فإنه فرع صحة العقد وبعده ، وإذا كان العقد موقوفا عليه يلزم الدور ، فكأنه عقد وشرط ، وقصد لزوم العقد معه من صاحبه مع إتيان الأخر به ، وجواز الفسخ له بدونه ، وهذا هو المفهوم من كلامهم عند ذكر أحكام الشرط.

واما عباراتهم في ذكر الشروط وإيقاع الصيغة مع الشرط فلا تفيد ذلك ، بل قاصرة عن ذلك وهو ظاهر لمن تأمل كلامهم ، فتأمل.

ولان جواز الفسخ إذا أخل المشتري بإعطاء الثمن في الزمان المعين غير ظاهر ـ إذا سلم في الشروط لإجماع ونحوه ـ لاحتمال عدم دخوله في الشرط الموجب لذلك عندهم ، ولو دخل فالظاهر عدم الفرق بينه وبين عدمه مع التعجيل والإطلاق ، بل مع التأجيل أيضا بعد حضور الأجل ، إذ لا شك ان المقصود والمفاد وصريحه ، لزوم الإعطاء بعد العقد بلا فصل ، وبعد الأجل عرفا ، وانتقال المبيع اليه بذلك الشرط ، وليس مفاد الإعطاء في زمان معين أكثر من ذلك ، بل هو بعينه.

الا انه قد يستفاد من التعيين عدم لزوم الإعطاء قبله وعدمه يفيده دائما ، فهذا لو لم يكن مؤكدا للمقصود من لزوم جواز الفسخ (١) ، لم يكن مضعفا له ، بل

__________________

(١) هكذا في أكثر النسخ ولعل الصواب (من جواز الفسخ) وفي بعض النسخ المخطوطة (من لزوم الفسخ).

٣٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا المعنى بعينه موجود في الأجل ، وهو ظاهر.

وبالجملة مقتضى العقد اللزوم لما مرّ وعدمه يحتاج الى دليل وفعل غير مشروع ، والخروج عن مقتضى الشرع لا يستلزم جواز الفسخ ، بل يجبر على أداء الحق ويلزم به كما في سائر الحقوق ، فان تعذر استيفاء الثمن في وقته بوجه يمكن التصرف في المبيع والأخذ منه على طريق المقاصة بشرائطها.

نعم لو قيل بعدم لزوم البيع في الأصل حتى يقبض الثمن أو كان باذلا ، فإذا امتنع كان للآخر الفسخ كما يقال ذلك في التسليم ، فإنه لا يجب التسليم حتى يتسلم ، وقيل : يجب على البائع أولا ، وليس بثابت ، والظاهر إلزامهما معا ، أو إلزام أحدهما بالتسليم الى الحاكم أو الأمين حتى يتسلم العوض ونحو ذلك.

لكان وجها (١) ، لأن الأصل عدم اللزوم وبالعقد يتحقق الملك واللزوم غير لازم منه ، والذي قيل في اللزوم بالعقد مما يمكن المناقشة فيه (٢).

وكذا ما قيل : ان الغرض هو التصرف ولا يتم الا باللزوم ، إذ (٣) على تقدير عدمه قد يخاف من الرجوع ، فلا يتصرف.

لانه وان سلم ذلك ، يبذل العوض حتى يتم مقصوده ، وسقوط المقصود بسبب تقصيره في البذل ، لا ينافي كون ذلك غرضا للشارع ، وهو ظاهر.

وبالجملة يكون لازما مع البذل وجائزا مع الامتناع ، فيجوز للآخر الفسخ.

ويؤيده الأصل وعدم الضرر على الممتنع وحصوله على الآخر ، فتأمل.

الا ان في صحيحة على بن يقطين انه سأل أبا الحسن عليه السّلام عن

__________________

(١) جواب لقوله قدس سره قبل أسطر (نعم لو قيل).

(٢) وفي بعض النسخ بعد قوله (مما يمكن المناقشة فيه) ما لفظه (وفي نسخة : لأن الاستصحاب على تقدير التسليم هنا لا يفيد اللزوم).

(٣) هكذا في النسخة المطبوعة ، وفي النسخ المخطوطة (أو) بدل (إذ) والصواب ما أثبتناه.

٣٢٥

وان شرط التأجيل لزم ان كان مضبوطا ، والا بطل.

______________________________________________________

الرجل يبيع البيع ، فلا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن؟ قال : (فان ئل) الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه ، والا فلا بيع بينهما (١).

وقريب منها رواية إسحاق بن عمار (٢).

وكذا في رواية زرارة لزوم البيع ثلاثة أيام ، وانفساخ العقد بعدها (٣).

وكأنه محمول على الخيار وعدم اللزوم ، لكن مع عدم قبض المبيع أيضا ، فالعمل بهما لا بأس به ، كما فعل في الاستبصار ، وحمل على الاستحباب رواية علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى جارية وقال أجيئك بالثمن ، فقال : ان جاء فيما بينه وبين شهر ، والا فلا بيع له (٤).

وقوله عليه السّلام : (فلا بيع له) (٥) الخيار في البطلان وان كان ظاهرها يدل على بطلان البيع عن رأس بعد شهر مع الإطلاق ، والقائل به أيضا غير ظاهر.

وفي السند أبو إسحاق وهو مذكور في باب الكنى من القسم الأول من غير مدح ولا ذم ، ومحمد بن أبي حمزة وهو مشترك بين البجلي الثقة والثمالي المهمل (٦).

فحمل الشيخ غير بعيد.

قوله : «وان شرط التأجيل إلخ» قد ادعى الإجماع في التذكرة على جواز بيع مؤجل الثمن مستندا الى دعوى الضرورة إليه ، إذ قد يحتاج الإنسان إلى شي‌ء وليس عنده الثمن ، ومعلوم جواز ذلك من عموم أدلة البيع أيضا ، وخصوص السلف ،

__________________

(١) و (٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ ـ ٤.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب الخيار ، الحديث ١.

(٤) الوسائل ، ج ١٢ ، كتاب التجارة ، الباب ٩ من أبواب الخيار ، الحديث ٦.

(٥) يعني أريد من قوله عليه السلام (فلا بيع له) الخيار.

(٦) سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن احمد بن يحيى عن (ابن يب) أبي إسحاق عن ابن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين).

٣٢٦

ويبطل لو باعه بثمنين إلى أجلين ، أو الى أجل بثمن وحالا بدونه.

______________________________________________________

والبيوع المؤجلة الواقعة أيضا.

واما دليل كون الأجل مضبوطا فكأنه الإجماع أيضا مستندا الى لزوم الغرر المنفي بالخبر (١) وغيره لان للأجل قسطا من الثمن عند التجار ، فيتفاوت الغرض ويحصل الغرر بإجماله وبذكر ما لا ينضبط مثل قدوم الحاج وادراك الغلات ، ولانه قد يؤل الى النزاع والتشاجر ، فيبطل حينئذ لو باع بأجل مجهول.

ثم قيل : لا فرق في الصحة في الأجل المعين بين القليل والكثير ، مثل ألف سنة ، وان علم عدم بقاء العاقد الى ذلك الوقت ، للعموم ، وانتقاله الى الوارث ، وحلوله بموت المشتري على ما تقرر عندهم ، ومنعه بعض العامة.

قوله : «ويبطل لو باعه إلخ» ظاهر الأكثر البطلان في المسئلتين كما في المتن.

ووجهه يظهر مما تقدم ، وهو لزوم الغرر المنهي ، والجهل بالثمن ، ووقت الانتقال ، لانه مردد.

ويؤيده ما نقل عن العامة (٢) والخاصة من النهي عن بيعين في بيع واحد (٣) وقد فسر بمثل ذلك.

ولكن ذهب جماعة إلى الصحة ، وانه إذا وقع على هذا الوجه ، وقبل المشتري يلزمه أقل الثمنين بأبعد الأجلين ، والمؤجل ، للرواية في الثانية وحملت الاولى

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ٢ ص ٢٤٨ الحديث ١٧.

(٢) سنن الترمذي ج ٣ ، كتاب البيوع (١٨) باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة الحديث ١٢٣١ ولفظ الحديث (عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم عن بيعتين في بيعة. وقال في شرح الحديث : وقد فسر بعض أهل العلم قالوا : بيعتين في بيعة ان يقول : أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين إلى أخره.

(٣) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤ ـ ٥.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عليها لعدم الفرق.

وهي رواية النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ان عليّا عليه السلام قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين بالنقد كذا وبالنسية كذا ، فأخذ المتاع على ذلك الشرط؟ فقال : هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين.

يقول : ليس له الا أقل النقدين الى الأجل الذي أجله بنسية (١).

في قوله : بأبعد الأجلين ، تغليب ومسامحة ، فإنه ليس إلا أجل واحد ، وأشار الى ذلك بقوله : يقول : ليس له الا أقل النقدين اي الثمنين إلى الأجل الذي إلخ.

وقال في التذكرة : وهي ضعيفة جدا ، لضعف النوفلي والسكوني.

ورواية عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : من باع سلعة وقال : ان ثمنها كذا وكذا يدا بيد ، وثمنها كذا وكذا نظرة ، فخذها بأي ثمن شئت واجعل صفقتها واحدة ، فليس له الا أقلهما وان كانت نظرة ، قال : وقال عليه السلام : من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا والآخر نظرة ، فليسم أحدهما قبل الصفقة (٢).

لعل معناه انه يبين كل واحد منهما قبل وقوع البيع : وهذه ما ذكرها في التذكرة.

وأظن حسن سندها ، لان الظاهر ان محمد بن قيس هو الثقة الذي ينقل عنه عاصم بن الحميد قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ، وانه الذي طريق الفقيه اليه صحيح ، لان الطريق الواصل إليه في مشيخة الفقيه يصل اليه بنقل عاصم المذكور عنه.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٢ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١.

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة قد علم بقرائن متعددة ـ وقد ذكرت من قبل بعضها وقد حققتها في محله ـ ان محمد بن قيس الذي ينقل عنه عاصم المذكور خصوصا قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام هو البجلي الثقة ، دون الضعيف وان نقل هو أيضا عن أبي جعفر عليه السلام ، ولا يضر وجود ابن أبي نجران ، لان الظاهر انه عبد الرحمن بن أبي نجران الثقة (١) ، لأن الظاهر انه ليس بكنية شخص آخر وبقرينة ما قبله وما بعده.

وبالجملة الظاهر اعتبار سندها ، ولكن في مضمونها تأمل ، وان عمل به جماعة ، لأن المالك انما رضي بالبيع بالثمن الكثير نظرة ، فكيف يلزم بأقلهما نظرة ، ومعلوم اشتراط رضا الطرفين في العقد ، ولا يحل مال امرء الا بطيب نفس منه.

والحاصل ان الأدلة العقلية والنقلية كثيرة على عدم العمل بمضمونها ، فلا يعمل بها ان كانت صحيحة ، فكيف العمل بها مع كونها حسنة ، لوجود إبراهيم بن هاشم لو سلم ما تقدم ، وان كان الظاهر ان إبراهيم لا بأس به وما تقدم صحيح.

وتقديم مثل هذه على الأدلة العقلية والنقلية وتخصيصهما بها والحكم بصحة البيع لا يخلو عن شي‌ء ، لأجل ذلك.

لا لأنها مستلزمة للجهالة والغرر كما فهم من التذكرة ، لأن دخوله تحت الغرر المنفي والجهل الممنوع غير ظاهر ، لان الاختيار اليه ، وعلى كل من التقديرين الثمن معلوم ، على انه قد تقرر ان له الأجل بالأقل.

ولا لأن في سندها جهالة أو ضعفا كما قال في شرح الشرائع ، لأن ذلك غير ظاهر.

بل الظاهر ما عرفت.

__________________

(١) سند الحديث كما في الكافي هكذا (علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام).

٣٢٩

ولو باع نسية ثم اشتراه قبل الأجل من غير شرط في العقد صح ، بأزيد وانقص حالا ومؤجلا.

______________________________________________________

فينبغي أما العمل بمضمونها وفيه بعد ، واما تأويلها ، فتأمل.

قوله : «ولو باع نسية إلخ» الظاهر عدم الخلاف في صحة البيع لو اشترى الإنسان ما باعه نسية قبل الأجل بأزيد مما باعه ، أو انقص ، والمثل حالا ومؤجلا ، بجنس ما باعه وبغيره ، بشرط ان لا يشترط في العقد الأول بيعه عليه.

فكان الإجماع دليله ، وكذا أدلة صحة العقود ، مثل (أَوْفُوا) (١) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٢) و (الناس مسلطون على أموالهم) (٣) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٤) وغير ذلك ، مع عدم المانع من ذلك عقلا ولا شرعا.

والظاهر ان البطلان مع الشرط كذلك (٥) ، وان لم يتم ما استدل به من لزوم الدور ، وعدم قصد الخروج عن ملكه لتعلقه بشراءه بعده.

إذ الدور انما يلزم ان لو كان صحة العقد موقوفة على الشرط ، والذي تقرر عندهم توقف سقوط خيار المشترط ولزوم العقد على ذلك الشرط ، لا صحته ، والا يشكل الأمر في شرط العتق ونحوه ، كذا قيل في شرح الكتاب وشرح الشرائع.

وان أمكن دفعه بان الظاهر من الشرط في العقد ، والبيع بالشرط هو توقف صحته ، لا لزومه وما قيل من اللزوم في المواضع ، للإجماع وغيره ، وقد لا يسلم الإجماع هنا على كونه شرطا للزوم.

وكذا القصد ، فإنه كان شرطا لأصل العقد على ما قلناه ، فلا شك في عدم تحقق القصد بإخراجه عن الملك ، لانه مشروط فلا يحصل قبله ، فتأمل.

__________________

(١) سورة المائدة ـ ١.

(٢) سورة البقرة ـ ٢٥٧.

(٣) عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٢٢ ح ٩٩ وص ٤٥٧ ح ١٩٨ وغيرهما فلاحظ.

(٤) سورة النساء ـ ٢٩.

(٥) في هامش بعض النسخ المخطوطة هكذا (قد أشير إليه في شرح المتن للشهيد رحمه الله).

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

واما على تقدير ما قيل ، فظاهر تحققه. إذ حاصل الشرط حينئذ عدم سقوط الخيار واللزوم مع انتقاله اليه ، وذلك لا ينافي انتقاله إليه مرة أخرى ، وهو صحيح ظاهر.

ثم ان قلنا الاعتبار بهذا الشرط وسائر الشروط الفاسدة المفسدة والصحيحة المصححة ، انما هو بذكرها في نفس العقد.

ولا يبعد اعتباره لو ذكر قبل العقد ، مع إيقاع العقد منهما على ذلك الشرط متذكرا له أيضا.

ولو كان الإيقاع على ذلك في قصدهما مع عدم الذكر ، فالظاهر انه كذلك ، فان حكمه حكم الذكر ، لان الرضا ما حصل الا معه بالقصد مع علم الطرفين بذلك حينئذ ، فلا يحصل الا معه ، فيصح معه صحته ويبطل ببطلانه.

نعم ان كان في بالهما ذلك ، وما ذكرا وما وقع العقد على ذلك الوجه قصدا وما حصل التراضي إلا به ، فلا يؤثر (١) ، فتأمل.

__________________

(١) توضيح قوله قدس سره (الظاهر عدم الخلاف) الى قوله (فلا يؤثر).

ان نقول : الصور التي يستفاد من عبارته قدس سره في المسألة خمسة.

أوليها صحيحة بالإجماع ، وثلاثة منها باطلة عنده قدس سره ، وواحدة صحيحة أيضا عنده.

(الأولى) صحة بيع ما اشتراه نسية قبل الأجل مطلقا ، إذا لم يشترطا في العقد الأول بيعه عليه ، وهي اجماعية.

(الثانية) البطلان مطلقا مع الشرط المذكور في نفس العقد لفظا.

(الثالثة) البطلان أيضا مع ذكر الشرط قبل العقد مقاومة وإيقاع العقد مبنيا عليه وان لم يذكراه لفظا حين العقد.

(الرابعة) البطلان أيضا لو كان إيقاع العقد بذلك مقصد إذا كان كل واحد منهما يعلم قصد الأخر ذلك وان لم يكونوا قد ذكرا قبل العقد ، أو أوقعاه مبنيا عليه.

(الخامسة) الصحة إذا كان كل واحد منهما قاصدا لذلك من دون علم بقصد الأخر ذلك والصحة في هذه الأخيرة كالبطلان في الثلاثة قبلها استظهاري ، وفي الأولى إجماعي ، والله العالم.

٣٣١

ولو حل الأجل فاشتراه بغير الجنس صح ، سواء ساواه أو لا ،

وان كان بالجنس صح مع المساواة ، والأقوى الجواز مع التفاوت.

______________________________________________________

ويؤيد ما قلناه صحيحة يعقوب بن شعيب الثقة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام قلت له : اعطى الرجل له الثمرة (الثمن قيه) عشرين دينارا وأقول له : (على ان أقول له كا) إذا قامت ثمرتك بشي‌ء فهي لك (لي) بذلك الثمن ان رضيت أخذت وان كرهت تركت ، فقال : أما (وما كا) تستطيع ان تعطيه ولا تشترط شيئا؟ قلت : جعلت فداك لا يسمى شيئا (وـ كا قيه) الله يعلم من نيته ذلك ، قال : لا يصلح إذا كان من نيته (ذلك كا) (١).

واما بعد الحلول ، فالظاهر ان لا كلام أيضا في صحة شراء البائع الأول إذا اشتراه بغير جنس الثمن الأول الذي باعه وما أخذ ، سواء كان بالأزيد أو الأقل أو المساوي حالا ومؤجلا.

واما بالجنس ففيه الخلاف ، فذهب الشيخ الى عدم الجواز وعدم الصحة مع التفاوت مطلقا ، سواء كان مع الزيادة أو النقيصة ، ودليله الروايات ، والجمع بينهما بحمل ما يجوز على المساوي وما لا يجوز على التفاوت.

مثل رواية خالد بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى فلما جاء (حلّ ئل) الأجل أخذته بدراهمي ، فقال : ليس عندي دراهم ولكن عندي طعام فاشتره مني فقال : لا تشتره منه فإنه لا خير فيه (٢).

وهذه مع عدم صحة سندها ، وعدم صراحتها في المطلوب ـ لأنها مخصوصة بالطعام ، وكأنه لذلك خص التحريم البعض بالطعام على ما نقل في بعض

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١٢ من أبواب السلف ، الحديث ٣.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الحواشي ، وليست في الطعام الذي مال المشتري الذي فيه النزاع ـ معارضة بأصح منها وأكثر ، والتأويل المذكور لا تأييد له بوجه.

ويمكن الجمع بوجوه أخر ، مثل الكراهة ، والربا المذكور في الاستبصار ما نفهمه ، الا ان يخرج عن المسألة المفروضة ، ولهذا ذهب الأكثر إلى الجواز والصحة ، وما تقدم من أدلة عموم جواز البيع دليله.

وتدل عليه بالخصوص رواية بشار بن يسار قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع المتاع بنس‌ء ، فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال : نعم لا بأس به فقلت له : أشترى متاعي؟ فقال : ليس هو متاعك ، ولا بقرك ولا غنمك (١).

وهذه ظاهرة في جواز الشراء بالزيادة والنقيصة أيضا.

وقال بعد ذلك في الكافي والتهذيب بسند آخر عن بشار بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام : مثله.

وهذا السند صحيح (٢) لان شعيب الحداد الذي فيه ، هو شعيب بن أعين الثقة ، والباقي ظاهر التوثيق.

ويمكن الجمع والتأويل بحمل ما ينافي ذلك على الكراهة ، ويؤيده أخبار أخر.

ولكن قد يوجد في اخبار السلم الذي عجز صاحبه ، ليس له الا ثمنه أو ما اشتراه لا أزيد (٣) الا ان دلالتها على ما هنا يحتاج الى تكلف ، مع انها أيضا معارضة ،

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٣.

(٢) سند الحديث كما في الكافي هكذا (أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن شعيب الحداد عن بشار بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام).

(٣) راجع الوسائل ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ١١ من أبواب السلف.

٣٣٣

ولا يجب دفع الثمن قبل الأجل ولا قبضه.

ويجب بعد الأجل ، فإن امتنع دفعه الى الحاكم ، فان تلف عند الحاكم فمن البائع.

______________________________________________________

وسيجي‌ء ان شاء الله تعالى ، فتأمل.

قوله : «ولا يجب دفع الثمن إلخ» عدم وجوب دفع الثمن قبل الأجل في النسية معلوم ، لأنه فائدة الأجل بل لا يجوز طلبه ، لوجوب الإيفاء بالشرط والعقد والعهد.

وكذا لا يبعد عدم وجوب قبضه على البائع لو دفع إليه المشتري قبل الأجل لما تقدم.

وقد يتخيل الوجوب لأن الأجل لرعاية حال المشتري والترفه له كالرخصة له ، لا لأجل البائع ، ولهذا يزاد الثمن ، فإذا حصل الثمن الزائد للبائع نقدا فهو غاية مطلوب التجار ، فلا ينبغي الامتناع عنه.

وأيضا قد يتضرر المشتري بعدم الأخذ.

ولان الظاهر ان الحق ثابت والأخذ مع دفع صاحبه واجب عندهم عقلا ونقلا ، وقد أفاد الأجل عدم وجوب الدفع ، لا عدم وجوب الأخذ ، فتأمل.

ولان الظاهر من قولنا بعتك هذا بكذا إلى مدة كذا ، ان زمان الأداء الى تلك المدة توسعا (موسعا خ ل) فذلك الزمان نهاية الأجل للتوسعة ، بمعنى عدم التضييق إلا في ذلك الزمان كالواجبات الموسعة ، ولا شك ان الأخذ أحوط إلا مع ظهور ضرر عليه.

قوله : «ويجب بعد الأجل إلخ» أي يجب دفع الثمن على المشتري بعد الأجل مع الطلب ويجب على البائع أخذه حينئذ ، فإن امتنع المشتري رفع امره الى الحاكم ليأخذه له ، وان تعذر فالظاهر ان له الأخذ على وجه قهري أو مقاصة ، ان تمكن منه ، ولكن يجب مراعاة الأسهل فالأسهل ، فإن وجد الجنس المساوي

٣٣٤

وكذا كل حق حال أو مؤجل حل فامتنع صاحبه من قبضه.

______________________________________________________

لا يتعدى الى غيره ، وان أمكن رضاه على وجه بتوسط (يتوسطه خ) بعض الناس ، لا يفعل غيره.

ولا يرجعه حينئذ إلى حكام الجور والطاغوت المنهي عنه في الاخبار الكثيرة (١) ، بل لا ينبغي الاقتضاء ، والتضييق عليه ان كان مؤمنا ، للنهي عن ذلك والترغيب الى التسامح معه في القضاء والاقتضاء وسائر المعاملات (٢).

وان امتنع البائع عن الأخذ دفع الثمن الى الحاكم الشرعي وبذلك تبرء ذمته ، فان تلف ، فمن مال البائع ولا ضمان على المشتري ولا على الحاكم لانه وكيله وهو أمين.

وكذا في كل حق لازم القبض ، ثمن مبيع أو غيره.

ولعل دليله اعتبار العقل والإجماع.

فإن تعذر يمكن ان يخلى عنده بحيث يسهل عليه أخذه ويرفع يده عنه ويسلط صاحبه عليه ، فلا يضمن ، بل يخرج عن العهدة ، فيجب عليه أخذه ، والا يكون مضيعا لماله.

بل يمكن جواز ذلك مع إمكان الحاكم أيضا ، لوجوب الأخذ عليه ، وهو متمكن فلا عذر له ، فان الممتنع عن أخذ حقه مع إمكانه هو مضيع لماله ، والأصل عدم وجوب الدفع الى الحاكم الذي هو الوكيل مع وجود الموكل وإمكان تسلمه ، وقد أشار إليه في التذكرة في أحكام السلف.

لعلّي رأيت خبرا دالا على ان يخليه عنده من غير قيد تعذر الحاكم وعدمه ، وتخصيصه به يحتاج الى دليل غير ما مرّ ، فتأمل ، نعم لا شك ان ذلك أحوط.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ كتاب القضاء ، الباب ١ من أبواب صفات القاضي فراجع.

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٤٢ من أبواب آداب التجارة ، الحديث.

٣٣٥

ويجوز بيع المبتاع حالا ومؤجلا بأزيد من ثمنه أو أنقص مع علمهما بالقيمة.

______________________________________________________

قوله : «ويجوز بيع المبتاع إلخ» ظاهرها ان شرط العلم بالقيمة ، لجواز البيع بالزيادة والنقيصة.

ويمكن الجواز مطلقا ويكون للمغبون الغير العارف خيار الغبن.

ويحتمل ان يريد بقوله : (يجوز) جوازا يترتب معه جميع أحكام البيع حتى سقوط خيار الغبن ، فيرجع الى ان العلم شرط اللزوم.

والظاهر ان المراد بالزيادة والنقيصة ما لا يؤدي الى الإسراف وان كان عدم أدائهما إليه بأن ينضم اليه غرض صحيح شرعي ، أو لا يصلان إلى مرتبة السرف والإسراف ، فتأمل.

ثم اعلم ان ظاهر هذه العبارة جواز بيع المبتاع والمشتري مطلقا قبل القبض وبعده في المكيل طعاما كان أو غيره ، أولا ، بيع تولية وغيرها.

والمسألة مشكلة ، وفيها أقوال ، والروايات مختلفة ، يمكن القول بالجواز كما هو الظاهر مطلقا ، مع الكراهة في المكيل خصوصا الطعام ، سواء أريد به الحنطة والشعير كما هو مصطلح في كلام البعض ، أو ما يطلق عليه لغة وعرفا ، وبيع المرابحة ، إذ غير التولية أشد.

والوجه هو الجمع بين الأدلة ، فإن عموم القرآن والاخبار الدالة على جواز البيع ، يدل على الجواز ، مع الأصل والعقل المؤيد لهما ، وبان الناس مسلطون على أموالهم ، وحصول التراضي ، مع عدم المانع عقلا ، وعدم الخروج عن قانون وقاعدة.

ويزيده تقوية ما ورد في الاخبار الصحيحة من جواز بيع ما اشتراه ، مثل صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا فيشتريه منه؟ قال : لا بأس بذلك انما البيع بعد ما يشتريه (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٦.

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن رجل أتاه رجل فقال : ابتع لي متاعا ، لعلي أشتريه منك بنقد أو نسية ، فابتاعه الرجل من أجله؟ قال : ليس به بأس ، إنما يشتريه منه بعد ما يملكه (١).

ولا يخفى ان في الابتياع مسامحة بان يشتري ثم هو يشتري منه كما هو ظاهر ، وان قوله : بعد التملك وبعد الشراء ، كالصريح في الجواز قبل القبض مطلقا فافهم.

ويدل عليه أيضا صحيحة محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل ان يأخذها؟ قال : لا بأس به ، ان وجد ربحا فليبع (٢).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام انه قال في رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل ان يقبضها؟ قال : لا بأس (٣).

ولا يخفى أن الثمرة مكيل ، بل طعام على بعض الإطلاقات ، وان الاولى صريحة في الجواز مع إرادة المرابحة أيضا ، فيحمل ما يدل على عدم جوازها ، على شدة الكراهة للجمع.

فتأمل فيهما ، فاني ما رأيت الاستدلال بهما إلا بالأخيرة في التذكرة.

ويؤيد الجمع رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل ان يكيله؟ فقال : لا يعجبني ان يبيع كيلا أو وزنا قبل ان يكيله أو يزنه الا ان يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع ، وما كان من شي‌ء عنده ليس بكيل ولا وزن فلا بأس ان يبيعه قبل ان يقبضه (٤).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٨.

(٢) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ، ج ١٣ كتاب التجارة ، الباب ٧ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٣.

(٤) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٦.

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه صريحة في الكراهة مرابحة ، وكراهة المكيل والموزون قبل القبض ، وعدم البأس في غيرهما.

ولا يضر الكلام في سندها بجهل القاسم بن محمد واشتراك غيره أو ضعفه (١) لأنه مؤيد.

وكذا ما في رواية ابن الحجاج الكرخي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشترى الطعام إلى أجل مسمى ، فيطلبه التجار بعد ما اشتريته قبل ان أقبضه؟ قال : لا بأس ان تبيع إلى أجل كما اشتريت إلخ (٢).

وظاهرها في المرابحة ، حيث انه طلبه التجار ، وحيث قال : لا بأس ان تبيع إلى أجل ، فإنه إشارة الى عدم البيع نقدا مرابحة ، لدخول الأجل في بيعه ، وهو المقرر عندهم وسيجي‌ء.

ولا يضر جهل ابن الحجاج واشتراك ابن مسكان (٣) لما تقدم.

وكذا رواية جميل بن دراج عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل ان يقبضه؟ قال : لا بأس ، ويوكل الرجل المشتري منه بكيله وقبضه؟ قال : لا بأس (٤).

ولا يضر وجود علي بن الحديد الضعيف (٥) لما مرّ.

ويؤيده أيضا أن أكثر أخبار المنع وردت بلفظة (لا يصلح) كما ستسمع ، وهو ظاهر في الكراهة.

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب (الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن علي عن أبي بصير).

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، قطعة من حديث ١٩.

(٣) سند الحديث كما في التهذيب (الحسين بن سعيد عن ابن مسكان عن ابن الحجاج الكرخي).

(٤) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٦.

(٥) سند الحديث كما في الكافي (محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن حديد عن جميل بن دراج).

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قال الشهيد رحمه الله في شرح الكتاب : في قوله : ولو باع نسية إلخ وقوله (لا يصلح) من عبارات الكراهية في بعض الموارد ، فليست بصريحة في التحريم ، والتي بغير لفظة (لا يصلح) ليست بصريحة أيضا في التحريم قبل القبض ، مثل رواية معاوية الآتية ، لأن فيها النهي عن البيع قبل الكيل مع الإجمال في قوله : الا ان توليه الذي قام عليه.

نعم رواية منصور ظاهرة فيه ، ويمكن تأويلها كما سيجي‌ء.

وبالجملة الأدلة التي أفادت العلم لا ينبغي الخروج عنها الا بدليل قوى ، ولا شك في ثبوت جواز البيع يقينا قبل القبض ، فتأمل.

واما روايات المنع فهي كثيرة ، وأكثرها مخصوصة بالطعام.

والظاهر عدم الاختصاص لوجود مطلق المكيل والموزون في البعض.

ولا ينبغي حمله على الطعام ، لعدم المنافاة.

ويؤيده صحيحة الحلبي (ولا يضر اشتراك ابن مسكان) لما مرّ (١) قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم اشتروا بزا ـ فاشتركوا فيه جميعا ولم يقتسموه ، أيصلح لأحد منهم بيع بزه قبل أن يقبضه؟ قال : لا بأس به وقال : ان هذا ليس بمنزلة الطعام ، لان الطعام يكال (٢).

وهذه كالصريحة في عدم الفرق بين الطعام وغيره من المكيلات ، وان العلة والمدار هو الكيل ، وفهم من غيرها الوزن أيضا ، وهي تدل على عدم البأس في غيرهما ، فتأمل.

والتي تدل على النهي في الطعام هي صحيحة الحلبي (ولا يضر اشتراك ابن

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب (الحسين بن سعيد عن صفوان ، عن ابن مسكان عن الحلبي).

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٠

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مسكان لما مرّ (١) عن أبي عبد الله عليه السلام (انه خ) قال في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل ان يكتاله؟ قال : لا يصلح له ذلك (٢).

قال في التهذيب : عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله وأبي صالح عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ذلك وقال : لا تبعه حتى تكيله (٣).

كان هذه أيضا صحيحة ، ولا ينبغي حمل غيرهما عليهما لما تقدم ، ولا يخفى عدم صراحة دلالتها على التحريم فافهم.

نعم ينبغي حمل المطلق الوارد في منع بيع المكيل والموزون على بيع المرابحة أو غير التولية مطلقا ، والأول مفاد بعض الاخبار والثاني مفاد الأكثر لما يدل على عدم نهى غير ذلك.

مثل صحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه؟ فقال : ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه الا ان توليه الذي قام عليه (٤).

ومثله صحيحة منصور بن حازم عنه عليه السّلام أيضا قال : إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه الا ان توليه ، فإن (فإذا ئل) لم يكن فيه كيل أو وزن قبعه (٥).

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب (الحسين بن سعيد عن صفوان عن ابن مسكان وفضالة بن أيوب عن ابان جميعا عن الحلبي).

(٢) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٤.

(٤) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١١.

(٥) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١ وتمامه (يعنى انه يوكل المشتري بقبضه).

٣٤٠