مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

ولو أبر البعض انتقل غيره خاصة.

وللبائع إبقاء الثمرة إلى وقت أخذها.

ولكل من البائع والمشتري السقي إذا لم يتضرر به صاحبه ولو تقابل الضرر ان قدمت مصلحة المشتري.

______________________________________________________

قوله : «ولو أبر البعض إلخ» أي لو أبر بعض النخيلات من بستان دون البضع ، وباع الكل ، انتقل ثمرة الغير المؤبرة إلى المشتري ، لا ثمرة المؤبرة ، وجهه ظاهر مما تقدم.

واما لو أبر بعض الطلع من نخلة واحدة ثم باعها ، فالظاهر انه لم ينتقل إليه شي‌ء ، بل الكل للبائع ، ذكره في التذكرة ، لصدق البيع بعد التأبير المستلزم لكونه للبائع ، وللأصل ، وعدم العلم بخروجه للإجماع ونحوه.

قوله : «وللبائع إبقاء الثمرة إلخ» أي في كل موضع حكم بكون الثمرة للبائع مع كون الأصل للمشتري ، يجوز للبائع إبقاء ثمرته الى وقت أخذه العرفي.

دليله ظاهر ، فان كون الثمر له يقتضي ذلك ، فإن الأصل والقاعدة اقتضى بقاء هذه الثمرة إلى أوانها ، ومع ذلك تصدى المشتري للشراء.

والظاهر عدم الفرق بين كون المشتري عالما بالمسألة أم لا ، لعدم الضرر المنفي.

قوله : «ولكل من البائع والمشتري إلخ» وذلك ظاهر ، لحصول النفع وعدم الضرر على الأخر. وكذا مع عدم النفع أصلا لمن يريد السقي مع عدم ضرر الآخر بوجه.

ولكن إذا حصل الضرر لأحدهما بالسقي ، وللآخر بعدمه ففيه التأمل ، ولا يبعد ترجيح جانب المشتري ، لانه اشترى لينتفع (انما اشترى لان ينتفع خ ل) بالمشتري ، والظاهر ان البائع قد أقدم على البيع لذلك وان حصل الضرر على نفسه ، فتأمل.

٥٠١

السادس : الثمرة ويستحق المشتري إلا بقاء الى القطاف ويرجع فيه الى العرف ، ويختلف باختلاف الثمار.

ولو استثنى نخلة فله الدخول والخروج ومدى جرائدها من الأرض.

______________________________________________________

قوله : «السادس الثمرة إلخ» في جعل هذا سادس الألفاظ تأمل ، لعدم شمولها الأشياء يدخل أو لم يدخل ، بل هي من تتمة بحث النقل (النخل خ) ، كما ان القرية والد سكرة من توابع الدار بالتقريب والاستطراد ، ولهذا جعلها في التذكرة وغيرها كذلك ، وزيد على ما عداه القرية والد سكرة ، لتتم الستة ، والأمر في ذلك هين.

قوله : «ويستحق المشتري إلخ» يعني إذا اشترى الثمرة دون الأصل ، بأن اشترى الثمرة ولم يدخل فيها الأصل يستحق الإبقاء على الشجرة الى أو ان أخذها وان لم يشترط ، ويعلم ذلك مما تقدم ، وهو ظاهر.

والمرجع في وقت القطاف والأخذ ، هو العرف المعلوم في كل فاكهة وثمرة وغيرهما.

ودليله ثبوت الرجوع اليه مع عدم الشرع والرجوع الى أوان كل شي‌ء إلى العرف فيه ، فما يؤخذ بسرا يؤخذ كذلك ، وكذا رطب وتمرا وقصبا وغير ذلك ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو استثنى نخلة إلخ» يعني لو باع بستانا مثلا واستثنى نخلة ، وكذا إذا اشترى نخلة معينة فله الدخول والخروج والتردد الى تلك النخلة من غير اذن المشتري وصاحب البستان ، مع انه ما يدخل فيه ليس ملكه ، لان ذلك مقتضى الاستثناء والشراء ، فكأنه استثناها أو اشتراها وشرط على المانع التردد الى تلك النخلة لإصلاحها وأخذ ثمرتها وذلك مقتضى العرف وانه مثل استحقاق صاحب الثمرة على النخلة مع انتقالها عن ملكه.

٥٠٢

وكلما قلنا بعدم دخوله فإنه يدخل مع الشرط ،

المطلب الخامس : في التسليم

يجب على المتبايعين دفع العوضين من غير أولوية تقديم ، مع اقتضاء العقد التعجيل ، ولو اقتضى تأخير أحدهما وجب على الأخر دفع المعجل.

______________________________________________________

ولكن ينبغي ان لا يكون ذلك إلا لمصلحة النخلة المتعارفة لا غير اقتصارا على العرفي فيما دليله العرف.

وكذا له (مدى جرائدها) أي مقدار ما يطول ويذهب في الأرض من أغصان تلك الشجرة.

وكذا عروقها ، فليس للمالك منعه وقطع الأغصان أو العرق ، أو شغل تلك الأرض بما يمنع ذلك ويضر.

وكذا موضع جمع ثمرة النخلة وغيرها من مصالحها ، فان ذلك كله استحق صاحب النخلة ، لا بمعنى انه يملك الأرض ، بل ليس له الملك إلا النخلة. وهذه كلها يستحق الانتفاع بها في مصالحها ، حتى ان الظاهر ان ليس له الجلوس في تلك الأرض تحتها والتردد إليها عبثا ومن غير مصلحتها ، اقتصارا على ما يستحقه عرفا للمصلحة التي للنخلة ، لا غير ، فلو قطع النخلة يبطل الاستحقاق بالكلية ، وهو ظاهر مما تقدم.

قوله : «وكلما قلنا إلخ» أي كلما قلنا بعدم دخوله في بيع شي‌ء من الأرض في الشجر ، يدخل إذا قيد في العقد ، بحيث يعلم كونه مبيعا ، وهو ظاهر ومجمع عليه.

واعلم ان الذي يفهم من البحوث ، والنزاع في دخول شي‌ء وعدمه ، وجواز البيع مع ذلك مطلقا يدل على عدم الاحتياج الى العلم التام بالعوضين ، وهو ظاهر فافهمه.

قوله : «المطلب الخامس في التسليم إلخ» اعلم ان الأكثر هكذا قالوا :

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصله : انه انما يجب عليهما معا الدفع ، أو بعد أخذ العوض ، ويجوز لكل المنع حتى يقبض.

وكأنهم نظروا الى ان البيع معاوضة محضة ، ولا يجب على كل منهما الدفع الا لعوض مال الآخر ، فما لم يأخذ ذا العوض ، لا يجب إعطاء العوض.

والمسألة مشكلة كسائرها ، لعدم النص. وثبوت الانتقال بالعقد ، يقتضي وجوب الدفع على كل واحد منهما عند طلب الآخر وعدم جواز الحبس حتى يقتص (يقبض خ) حقه ، وجواز الأخذ لكلّ حقه من غير اذن الآخر ان أمكن له على اي وجه كان ، لان ذلك هو مقتضى الملك. ومنع أحدهما حق الآخر وظلمه ، لا يستلزم جواز الظلم للآخر ، ومنعه من حقه. فيجبرهما الحاكم معا على ذلك ان امتنعا ، فيعطى من يد ويأخذ من آخر ، أو يقبض لأحدهما ويأمره بالإعطاء.

هذا كله مع اقتضاء العقد التعجيل والحلول ، سواء شرط أو أطلق ، فإنه المقتضي لما عرفت ، فلو كان أحدهما حالا والآخر مؤجلا ، اختص بالوجوب صاحب الحال ، وللآخر الصبر الى الحلول ، فيجب عليه أيضا حينئذ كالحال.

ولكن نقل عن الشيخ في التذكرة : جبر البائع أولا ، وقال : هذا رابع وجوه الشافعي.

كأن وجهه : ان العرف يقتضي ان البائع أحوج إلى المعاملة ، فهو أحق بالدفع أولا ، وانه المتداول بين التجار فإنه ما لم يسلم المبيع لم يطلب الثمن ، بل يعاب على ذلك. ولما كان أكثر الأمور مبنيا على عرف الناس والعادة فليس ذلك ببعيد (يبعد) كثيرا.

وحينئذ لا يجب الإعطاء والدفع أولا إلا عليه ، لا على المشتري.

الا انه ذكر في التذكرة في هذا المقام أكثر من مرتين : ان للبائع حق الحبس مع تعجيل الثمن ، وليس له ذلك في المؤجل ، ولا في المعجل بعد نقد الثمن.

٥٠٤

والقبض في المنقول ، القبض باليد ، وفي الحيوان الانتقال به ، وفي المكيل الكيل ، وفي الموزون الوزن وفي نحو الأرض التخلية.

______________________________________________________

وهذا يقتضي عدم وجوب الدفع أولا عليه ، بل له الحبس.

والظاهر أن للمشتري أيضا ذلك ، ويؤيده الأصل ، وان الرضا بالبيع انما حصل للانتفاع بالعوض وأخذه ، لا مجرد تملكه ، وان امتنع صاحبه ، فكأن العقد وقع بشرط عدم المنع ، فيجوز له المنع.

ويؤيده ما ذكروه في النكاح : من جواز امتناع الزوجة حتى يقبض مهرها مع الحلول فجاء الاشكال ، الله يرفعه.

قوله : «والقبض في المنقول إلخ» هذا أشد إشكالا ، لعدم النص ، والخلاف الكثير ، مع عدم ظهور العرف الذي هو مرجع الأمور ، مع عدم الشرع ، على انه مما يعم به البلوى ، : لانه ذو فروع كثيرة ، لما يعلم من التذكرة وغيرها ، ومبنى كلى لأحكام كثيرة مثل الوصية والهبة والرهن.

فان للقبض فيها دخلا ، اما شرطا للصحة ، أو اللزوم ، والبيع باعتبار جواز البيع قبله أم لا ، وسقوط الضمان من المالك وعدمه ، وجواز فسخ البائع مع تأخير الثمن وعدم قبض المبيع بعد ثلاثة أيام وغير ذلك ، فان للقبض فيها دخلا.

والذي يقتضيه النظر : رجوع أمثاله إلى العرف ، إذ لا شرع هنا على ما نعرف. وحينئذ لا فرق بين المنقول وغيره ، والمكيل وغيره في كون المرجع فيها الى العرف ، الا ان العرف فيها يكون مختلفا وغير ظاهر.

ولهذا اختار البعض التخلية مطلقا. قيل : المراد بها حيث تعتبر رفع المانع للمشتري من قبل البائع ان كان والاذن فيه ، ولا يختص بلفظ ، بل كل ما دل عليه كاف ، وقد لا يكفي اللفظ الصريح ، لوجود المانع منه.

الظاهر ان يقال : المراد إظهار عدم المنع بوجه ما ، مع عدم المانع.

وعلى التقديرين قد يتحقق في بيع المنقولات إذا كانت في بيت المالك

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وليس يقبض ، فإنه بمجرد ذلك مع كونه في بيت المال لا يقال انه قبّضه وسلّمه.

ولرواية عقبة بن خالد المتقدمة قال عليه السلام : من مال صاحب المال حتى يقبض المال ويخرجه من بيته (١).

ولا يضر عدم صحة سندها (٢) ولا القول بظاهرها ، ظاهرا.

إذ الظاهر عدم اعتبار الإخراج عن بيت المالك اتفاقا.

لأنه مؤيد ، على انها الدليل على كون التلف قبل القبض من مال البائع.

نعم لا يمكن جعلها حجة على من اعتبر التخلية مطلقا ، أو في سقوط الضمان فقط كما فعله في شرح الشرائع لعدم الصحة وعدم القول.

وأيضا لمّا قلنا رجوع الأمر إلى العرف ، فعلم (علم) عدم كونه بالكيل والوزن في المكيل والموزون ، ولا العدد في المعدود.

والأول موجود في أكثر العبارات ، والحق به الأخير الشهيد في الدروس ، وهو بعيد ، لعدم الدليل ، إذ لا يقال عرفا على ذلك فقط القبض.

وأيضا يلزم ان لو اشترى شيئا بخبر المالك بالكيل ، بل مع علم المشتري به أيضا ، ثم تصرف فيه بالطحن والعجن والخبر والأكل ، لم يكن قابضا له ، مع كون كل ذلك باذن المالك.

على انهم صرحوا بأن إتلاف المشتري قبض ، فتأمل.

وأيضا لا يكون تسليمه الى المستحق بعد ان كان مكيلا عند الشراء وغيره الا بكيل آخر ، إذ لا شك ان التسليم لا بد له من التسلم وما تسلّمه بالكيل. والظاهر خلاف ذلك كله.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة الباب (١٠) من أبواب الخيار ، الحديث (١).

(٢) سند الحديث كما في الفروع (محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد).

٥٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا يلزم ان يجب على البائع الكيل للقبض مرة أخرى بعد ما كاله للبيع ، لان القبض واجب عليه ، مع انه قد لا يقبله المشتري ، فلا يتحقق.

ولانه لا دليل على إخراجهما عن القاعدة إلّا ما روى في صحيحة معاوية بن وهب (المتقدمة في جواز البيع قبل القبض) قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع المبيع قبل ان يقبضه فقال : ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه الا ان توليه الذي قام عليه (١).

وقد جعلت هذه مع المتقدمة حجة على من يعتبر التخلية مطلقا ، والأولى حجة على من اعتبر الكيل والوزن فيهما وذكرها مرتين.

وأنت قد عرفت المتقدمة ، وهذه ما افهم دلالتها ، لان ظاهرها ان البيع قبل القبض لا يجوز حتى يكيل أو يزن وذلك لا يدل على كون القبض ذلك ، وهو ظاهر ، ولا يدل على ذلك بضم السؤال ، إذ يصح جواب السائل ، هل يجوز قبل القبض؟ بأنه لا يجوز بدون الكيل ، يعنى لا بد من الكيل الذي القبض حاصل في ضمنه ، اى لا بد من القبض وشي‌ء آخر.

لا يقال : قد نقل في التذكرة لإتمام الاستدلال بهذه : ان الإجماع عندنا حاصل على منع جواز بيع الطعام قبل القبض ، فلو لم يكن الكيل المطلوب هو القبض ويتحقق القبض بدونه لم يكن لقوله (حتى يكيله) معنى.

(لأنا نقول) : على تقدير تحقق الإجماع ، معناه الجواز بعد القبض. مع باقي الشرائط ، والكيل من جملته ، لا أن كيله هو القبض.

وقد علم بذلك انها لا تدل على كون القبض المعتبر في بيع الطعام أيضا ذلك ، وان لم يكن في نقل الضمان ، كما هو مذهب الدروس على ما قاله في شرح

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٦) من أبواب أحكام العقود ، الحديث (١١) وفي التهذيب والوسائل (البيع).

٥٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرائع ، فيمكن ان يكون القبض في الطعام أيضا بالنقل أو غيره لإسقاط الضمان كما هو مذهب البعض ، مع عدم جواز البيع الا كيلا أو وزنا ، لان الظاهر انه مذهب لمختلف وغيره ، فليس ذلك احداث قول كما يفهم من شرح الشرائع ، حيث رجع عن كونها حجة وكونها صريحة في كون القبض بالكيل أو الوزن في الطعام ، وقال : التحقيق ان الخبر (١) دل على النهي ، عن البيع قبلهما ، لا أن القبض لا يتحقق بدونهما ، فلو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل أمكن ، ان لم يكن احداث قول ، فتأمل لأن الظاهر انه مذهب المختلف وغيره.

ثم انه على تقدير القول باعتبارهما في المكيل والموزون ، الظاهر انه انما يكون فيما لم يعلم كيله ووزنه ، مثل ان اشترى كيلا من صبرة مشتملة عليه ، أو بإخبار البائع ، واما إذا حضر المشتري الكيل فأخذه وحمله الى بيته ، فالظاهر ان لا شك في ان كونه قبضا لإسقاط الضمان ، ولا في جواز البيع ، لما تقدم من لزوم المحذورات عن قريب ، مثل تكلف البائع بالكيل مرة بعد أخرى للإقباض ، على انه قد لا يأخذه المشتري ، فلا يقع ، وغير ذلك ، وللأصل ، ولعدم الفائدة ، لأنه تحصيل للحاصل ، ولدلالة رواية معاوية المتقدمة حيث قال : ما لم يكن كيل (أو وزن) فإنه كالصريح في ان الاحتياج انما يكون مع عدم الكيل ، لا معه.

غاية الأمر انه حينئذ يلزم ان يكون اشتراه بغير كيل ولا وزن ، فان ثبت عدم جواز ذلك بالدليل ، يقيد به ، ولكن ما ثبت ولا إجماع ، لأنه نقل في شرح الشرائع عن بعض الأصحاب جواز بيع المكيل والموزون مع المشاهدة بغيرهما ، وعن ابن الجنيد بيع الصبرة مع المشاهدة من غير كيل ، وقد علمت من قبل عدم النص في ذلك الا حديث واحد (٢) ، مع عدم ظهور الدلالة.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ التي عندنا ، ولكن في المسالك هكذا (والتحقيق ان الخبر الصحيح دلّ على النهي عن بيع المكيل والموزون قبل اعتباره بهما له ، لا على ان القبض لا يتحقق إلخ).

(٢) وهو خبر معاوية بن عمار المتقدم آنفا.

٥٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وما يدل على عدم الجواز قبل القبض الا مع الكيل أو الوزن مثل هذه في غير التولية ، وذلك غير كاف ، وقد قدمنا الإشارة اليه وقلنا لا يلزم ذلك ، إذ قد يكون اشتراه بخبر البائع ، أو كيلا من صبرة كما مر.

ثم انه لما أراد البيع ولم يمكنه الخبر لعدم العلم ، فلا بد من الكيل أو الوزن.

ويؤيده خبر محمد بن حمران الدال على ان شرائه بالخبر يجوز ، ولا يجوز بيعه الا بالكيل لا بالخبر وقد تقدم (١).

وحينئذ يكون معنى قوله عليه السلام (الا ان توليه الذي قام عليه) (٢) الا ان تسلطه وتبيعه من شخص حضر على كيله ووزنه ، أو يلتزم انّ بيع التولية يكفي فيه ذلك الذي وقع أولا ، أو يقال : لا يحتاج إليهما أصلا ، ولا بد لنفي ذلك مع الاخبار الصحيحة من دليل ، أو يكون مخصوصا بما لم يقبض ، فدلت على ان المكيل الغير المقبوض لا بد في بيعه من المكيل.

فقد علم وسبق أيضا انها لا تدل على وجوب الكيل والوزن فيهما مرة أخرى للقبض ، فتأمل وتذكر.

فكون وجوب الكيل مرة أخرى للقبض مع تحققه أولا عند الشراء ـ كما نقل في شرح الشرائع التصريح به عن العلامة والدروس وجماعة ، وقواه ـ ليس بقوي لما تقدم من المحذورات.

والرواية التي هي الحجة كالصريحة في ذلك ، ولا دلالة في قوله (الا ان توليه الذي قام عليه) لان مقتضى قوله عليه السلام (الا ان توليه) انه لا يحتاج

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٤ ولفظ الحديث (عن محمد بن حمران قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه وأخذناه بكيله ، فقال : لا بأس ، فقلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال : لا ، اما أنت فلا تبعه حتى تكيله).

(٢) أي في صحيحة معاوية المتقدمة.

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

حينئذ إلى كيل ووزن ، فلو لم يكن الكيل المذكور المحتاج اليه ، للقبض والبيع ثانيا ، بل يكون كيل واحد كافيا ، وذلك منفي عن التولية ، يلزم جواز بيع التولية من غير كيل ، وذلك غير جائز كما قاله في شرح الشرائع ، لما قد عرفت معنى الرواية.

وأيضا نقل فيه عن التذكرة : الاكتفاء بالخبر الذي حصل من البائع بالكيل الأول أيضا ، فلا يحتاج مرة أخرى مع الحضور.

ثم ان ظاهر كلامه انه لا بد للقبض فيهما الكيل والوزن مرة أخرى مطلقا.

والظاهر ان مراد العلامة والدروس والجماعة الاحتياج إليهما فيهما مرة ثانية للبيع الثاني ، لا لتحقق مطلق القبض حتى في إسقاط الضمان وفي جميع ما يعتبر فيه ذلك ، فان ذلك بعيد جدا لما أشرنا إليه.

قال في الدروس : بعد ان قال : ولا بأس بالقول بالتخلية مطلقا في نقل الضمان لا في عدم التحريم والكراهة (١) ، ولا يكفي الاعتبار الأول عن الاعتبار للقبض.

وهذه العبارة غير صريحة في اعتبارهما مرة ثانية في جميع الأمور ، ولو كان الاعتبار بحضور المشتري للقبض فيمكن حملها على ما ذكرناه من الاحتياج اليه عند القائل به إذا لم يحضر المشتري الاعتبار الأول.

وما رأيت تصريح العلامة وجماعة ، فيمكن هو مرادهم أيضا ، ولهذا نقل عن التذكرة عدم الاحتياج في صورة عدم الحضور أيضا ، بأنه ان اشترى بالخبر يجوز البيع بالخبر ، فيبعد حينئذ التصريح باعتباره ثانيا مع حضور الاعتبار الأول في كل شي‌ء.

ولكن رأيت في حاشيته (حاشية خ) : فلو كان قد وزن قبل البيع وجب ان

__________________

(١) اي في تحريم البيع قبل القبض على القول به أو الكراهة.

٥١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

يزنه مرة أخرى للقبض (سماع) (١).

وبالجملة المعتبر هو العرف مطلقا.

ولا يبعد عدم النزاع في الاكتفاء بالتخلية فيما لا ينقل ، خصوصا في سقوط الضمان مثل الأراضي والعقارات. ويمكن دعوى العرف أيضا في ذلك.

ويؤيده الأصل ، وانه قد يكون المشتري بعيدا ، فتكليفه بالذهاب إليها وبوضع اليد عليها بعيد ، مع ان وضع اليد على الكل متعسر ، بل متعذر ، وكون البعض كافيا وقبضا عرفا ، غير ظاهر ، ولا يمكن غير الوضع.

والظاهر حينئذ انه لا يحتاج الى مضى زمان يمكن الوصول اليه.

ويؤيده انه قد يوصى ويوهب بمثل الأراضي في بلد بعيد ، والقول بعدم حصول الملك الا بعد الوصول هناك ووضع اليد ، أو مضى الزمان بعيد ، والأصل بنفيه ، وعدم دليل على اشتراط القبض في سقوط الضمان خصوصا على مثل الأراضي ، إذ ما رأيت شيئا إلا رواية عقبة بن خالد المتقدمة وقد عرفت حالها مع انها في غير الأرض. ودعوى عدم الخلاف عندنا في التذكرة ، في ان التلف قبل القبض على البائع.

ومعلوم الخلاف وعدم الإجماع على انه لا بد هناك من وضع اليد ، أو مضى الزمان للخلاف المقرر.

ولا يبعد الاكتفاء في الأمور البعيدة مطلقا بالتخلية في سقوط الضمان للأصل ، وما مرّ.

واما في غير سقوط الضمان ـ مما له دليل على اعتبار القبض في تملكه أو لزومه ، ولو كان بعيدا مع تأييده بالأصل ـ فمشكل.

__________________

(١) في جميع النسخ هنا كلمة (سماع).

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم ان الظاهر في غيرها ، لا يبعد القول بالاكتفاء بوضع اليد والقبض بها ، وهو راجع الى مذهب المختلف ، حيث اعتبر القبض باليد ، أو النقل به ، أو الكيل أو الوزن المستلزمين له مطلقا لان الظاهر انه إذا أخذ المبيع وان كان مكيلا يقال انه قبضه عرفا ولغة.

والظاهر انه لا نزاع في ذلك في غير المكيل والموزون والحيوان ، فبقي التأمل في التحقق بالنسبة إليهما ، وحيث علمت عدم النقل في الأولين ، فالظاهر انه ما بقي فيهما أيضا الإشكال ، كما يفهم من كلامهم أيضا ، لأن المفهوم ان سبب القول به ـ مع انه خارج عن العرف ـ هو النص ، وهو رواية معاوية وقد عرفت عدم دلالتها كما يدل عليه شرح الشرائع وغيره.

والظاهر عدم نص في الحيوان أيضا ، وانه إذا ركبه من غير ان ينقله ويذهب به ، يقال انه قبضه عرفا من غير شك ، وكذا الحمل ، فعلم عدم انحصار قبضه في النقل به وعدم اعتباره فقط ، وحيث علم ان ليس هنا شي‌ء أخر ، فينبغي القول بوضع اليد فيه أيضا ، والعرف غير بعيد عن ذلك.

ولكن ينبغي ان يكون ذلك بقصد التملك وانه ملكه ، لا سهوا ، ولا لغرض الامتحان ونحوه.

ويؤيده ما تقدم في بيان ما يوجب سقوط الخيار ، فإنه يقال : المس تصرف ، وهو قريب من القبض ، هذا ، فتأمل.

ثم ان الظاهر ان القبض والتسليم الذي يجب على البائع مثلا ، ليس هو النقل الذي هو فعل المشتري ولا وضع اليد والقبض بها ، لان ذلك فعل المشتري ، ولا معنى لا يجابه على الغير.

ولان الظاهر انه لا يجب عليه ان يجي‌ء ويأخذ يد المشتري ويضعها على المبيع.

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا الظاهر عدم إيجاب كيل عليه ان باعه مكيلا بحضوره وعلمه ، فالظاهر ان ليس عليه الا التخلية ، أي رفع يده والاذن في القبض مع عدم المانع ، بحيث يسهل على المشتري قبضه بسرعة عرفا ، فلا يبعد كونها هي المعتبرة بسقوط الضمان مطلقا من جانبه ، والظاهر انه المعقول ، ولا ينبغي النزاع في ذلك كما في سائر الحقوق ، فإنهم صرحوا بان الغاصب إذا وضع المغصوب عند المالك بحيث يسهل عليه تناوله تبرأ ذمته ، وكذا في الديون وغيرها ، بل صرحوا في هذا المقام أيضا ، ان لو جعل المبيع اليه ومكنه منه ، ولا يأخذه المشتري لا ضمان عليه.

فبعد ذلك كله لا معنى للنزاع في ان التخلية تكفي للقبض الذي هو مسقط للضمان وانتقاله أم لا.

وكأنه لذلك قال في الدروس : انه التخلية لسقوط الضمان مطلقا من جانب البائع.

واما لغيره فالظاهر عدم الفرق أيضا بين الكل في ان المراد هو العرفي ، وكأنه يتحقق بما مرّ من القبض باليد مطلقا ولما بين ان قبض البائع لسقوط الضمان عنه في الشرع لا يكون إلا بالتخلية ، قلنا فيه بها ، ولا يدل رواية عقبة على عدم اعتبارها لما مرّ ، فتذكر ، الله يعلم.

فروع

(الأول) : لو كان المبيع بيد المشتري ، فالظاهر انه لا يحتاج الى تجديد القبض والاذن مطلقا ولا مضى الزمان ، لوجود القبض الذي هو المسقط ، والموجب لجواز البيع وغيره ، كما قيل ذلك في الهبة المقبوضة.

والتفصيل بما إذا كان القبض مشروعا ، وعدمه ـ فإنه لا بد حينئذ لرفع التحريم والكراهة ويحتمل لرفع الضمان أيضا ـ ليس بواضح.

٥١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني) : قيل : ان القبض المعتبر يكفي لإسقاط الضمان ، وان كان مشغولا بأمتعة المالك ، مثل الصندوق فيه المتاع ، والبيت الذي فيه الأمتعة ، ويكون مكلفا بان يفرغه.

ويحتمل العدم ، وجواز الامتناع لقبضه ، لعدم الفراغ ، وعدم حصول الفائدة المطلوبة من شرائه ، نعم لو رضى مع ذلك وقبض ، الحصول غير بعيد.

(الثالث) : الظاهر جواز قبض المشترك إذا كان تخليته من غير اذن الشريك ، لعدم التصرف الممنوع إلا بإذن المالك ، بل إعطاء تسلطه له للمشتري ، ولان الناس مسلطون على أموالهم.

واما فيما يحتاج الى التصرف مثل النقل والقبض ، فالظاهر طلب الإذن ، فإنه تصرف في مال الغير ، ولا ينبغي من غير اذن صاحبه.

والظاهر ان ليس له الامتناع ، فيجبره الحاكم ، أو يسقط اعتباره. ويمكن ذلك في الغائب.

نعم لا ينبغي ان يفعل ذلك بغير اذن الحاكم ، مع عدم الوكيل ، الا ان يكون فيه ضرر ، فيقسم ان قبل القسمة ، والا فيصلح الحاكم بينهما ببيع الكل ونحوه على تقدير اعتبار النقل.

(الرابع) : الظاهر عدم الفرق بين النقل باذن المالك وعدمه في سقوط الضمان وحصول القبض مع أثره ، لحصوله كالوضع والقبض والكيل ، ولا بين كونه في أرض يختص بالمالك وعدمه ، لحصول ما هو شرط ، وهو القبض ، للصدق على الجميع ، والأصل عدم اعتبار شي‌ء أخر حتى يثبت.

وقد فرق في شرح الشرائع ، بأنه ان كان فيما لا يختص بالبائع يكفي نقله من حيز الى أخر ، وان كان فيما يختص به ، فان كان باذنه فهو كاف ، والا فهو كاف لسقوط الضمان لا غير ، إذ لا يشترط سقوطه بالقبض بالإذن ، فإنه لو قبض بغير اذنه

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يسقط (لسقط خ ل).

(الخامس) : لو اشترى الأرض التي فيها الحيوان المشتري ، فيحتمل القبض الجديد بالنقل على تقديره. ويحتمل الاكتفاء بالتخلية الكافية في قبض الأرض ، ولعل الأول أظهر ، لعموم اعتبار النقل مثلا ، وليس بمقبوض قبل البيع

(السادس) : انه لو كان يحتاج الى النقل ، مع القول به ، يمكن ان لا يكفى كونه مقبوضا بل يحتاج الى النقل وهو الظاهر.

الحق في الدروس المعدود بالمكيل والموزون ، فاعتبر العدّ فيه.

وهو غير واضح الطريق ، وان قلنا انه يشترط في بيعه العد ، وهو ظاهر ، لعدم الدليل وبطلان القياس وهو اعرف.

واكتفى فيه أيضا بالنقل في المكيل والموزون والمعدود ، ولا بأس به كما عرفت.

وقال في شرح الشرائع : والخبر الصحيح حجة عليه (١) ، وقد عرفت عدمها ، ولهذا قال هو أيضا بعد أسطر والتحقيق : ان الخبر الصحيح دل على النهي عن بيع المكيل والموزون قبل اعتباره بهما له ، لا على ان القبض لا يتحقق بدونهما ، الى (ان قال) وحينئذ لو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما ، بالنقل ـ عملا بمقتضى العرف والخبر الآخر وبتوقف البيع ثانيا على الكيل والوزن ـ أمكن ، ان لم يكن احداث قول.

هذا رجوع بعد ان بالغ مرارا في كون الخبر حجة على كون اعتبار الكيل والوزن فيهما ، وحجة على من يقول بالاكتفاء بالتخلية مطلقا ، أو في إسقاط الضمان ، والرجوع جيد ، إذ قد عرفت عدم الدلالة مرارا ، وانه ليس باحداث ، بل

__________________

(١) وهو صحيحة معاوية بن عمار.

٥١٥

وكل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع.

______________________________________________________

هو قول ابن إدريس ، بل قول سائر من يقول بالنقل ، بل قول من يقول به وبالوضع والكيل كما نقل عن المختلف ، حيث قال ـ بعد نقله عن الدروس ، الاكتفاء في المكيل والموزون والمعدود بالنقل ـ انه قريب من مختار العلامة في المختلف ، فإنه اكتفى فيه بأحد أمور ثلاثة ، النقل والقبض باليد ، والاعتبار بالكيل أو الوزن.

وان كان فيه تأمل.

فتأمل لأنهم إذا قالوا بحصول القبض بالنقل ـ مع انهم قد صرحوا في محله : بوجوب الكيل ، واشتراط البيع بالكيل إذا أراد بيعه مثلا ، لإزالة الكراهة أو التحريم ـ فهو هذا القول بعينه. والظاهر ان لا خلاف عندهم في ان الكيل مثلا معتبر حينئذ ، ولا يكفى مجرد النقل ، فليس باحداث قول ، وهو ظاهر.

على انك قد عرفت عدم الدلالة على النهي عن مطلق بيع المكيل والموزون قبل اعتبارهما فتذكر.

ثم اعلم ان ظاهر المتن : ان حكم المشتري حكم البائع فيما سلف وتسليم الثمن وقبضه ، وان الموزون ليس مثل المكيل بل يكفي فيه النقل كالمعدود ، الا ان يقال : تركه لظهور ان حكمه حكم المكيل ، لعدم القائل بالفرق ، والظاهر ان ليس المعدود مثلهما ، لما تقدم.

قوله : «وكل مبيع تلف إلخ» قد مرت هذه المسألة ، كأنه أعادها لبعض الفروعات ، وقد مرّ ما دل عليها أيضا. وانه لا دليل سوى رواية عقبة ، ودعوى عدم الخلاف عند علمائنا في ذلك ، على ان الأصل عدم الضمان على البائع بعد انتقال المال عنه الا بالتفريط ، ولو كان بمنعه المالك.

ويمكن حمل الرواية مع ما فيها ، عليه ، وكذا الإجماع لو كان.

فيمكن ان يكون التلف عن المشتري ، الا ان طلبه المشتري وما سلمه البائع كما نقل عن مالك واحمد وإسحاق ذلك في التذكرة لقوله صلّى الله عليه

٥١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وآله : الخراج بالضمان والنماء للمشتري ، فضمانه يكون عليه ، لخراج الغلة.

وأجاب عن الرواية بأنه يأول بالضمان الخراج (١) ، فافهم.

فلو تلف المبيع قبل القبض قال في التذكرة : انفسخ البيع (العقد ـ تذكرة) ، وكان المبيع تالفا على ملك البائع ، فيرد الثمن على المشتري ان أخذه ، والا فلا يطالبه ، فمؤنة تجهيزه لو كان عبدا ، على البائع.

وهل بتقدير انه ينتقل الملك إلى البائع قبل التلف ، أو يبطل العقد من أصله ، فيه احتمال ، وأصح وجهي الشافعي الأول ، فالزوائد الحادثة في يد البائع كالولد والثمرة والكسب للمشتري ، وعلى الثاني للبائع.

إتلاف البائع كتلفه. نقله في التذكرة عن الشيخ (٢).

ولى فيه تأمل : لأنه قد تقرر ان الملك للمشتري ، فينبغي ان يكون التلف منه ، لما مرّ.

فان لم يكن كذلك لما مرّ من عدم الخلاف والرواية ، فينبغي ان يكون

__________________

(١) قال في التذكرة ج ١ في أحكام القبض ص ٤٧٣ وقال أبو حنيفة : كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع إلا العقار ، وقال مالك : إذا هلك البيع قبل القبض لا يبطل البيع ويكون من ضمان المشتري الا ان يطالبه به فلا يسلمه فيجب عليه قيمته للمشتري ، وبه قال : احمد وإسحاق ، لقوله عليه السلام الخراج بالضمان ونمائه للمشتري فضمانه عليه ، ولانه من ضمانه بعد القبض وكذا قبله كالميراث ، ولا حجة في الخبر لانه لم يقل الضمان بالخراج والخراج الغلة ، والميراث لا يراعى فيه القبض فهنا يراعى ، فإنه يراعى في الدراهم والدنانير بخلاف الميراث فيهما ، وهذا مذهب مالك وهو اختيار احمد.

(٢) قال في التذكرة ج ١ في أحكام القبض ص ٤٧٤ مسألة إذا تلف المبيع قبل القبض ، فان تلف بآفة سماوية فهو من مال البائع على ما تقدم ، فإن أتلفه المشتري فهو قبض منه ، لأنه أتلف ملكه فكان كالمغصوب إذا أتلفه المالك في يد الغاصب تبرأ من الضمان وبه قال الشافعي وله وجه انه ليس بقبض ، ولكن عليه القيمة للبائع ويسترد الثمن ويكون التلف من ضمان البائع ، وان أتلفه البائع قال الشيخ : ينفسخ البيع وحكمه حكم ما لو تلف بأمر سماوي لامتناع التسليم ، وهو أصح وجهي الشافعية إلخ.

٥١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التلف في ملك المشتري ، للاستصحاب وأصل عدم رجوعه الى ملك البائع ، وعدم الفسخ من الرأس أو الإن ، وبقاء البيع ، وحينئذ لما تعذر التسليم ينبغي ان يكون على البائع المثل أو القيمة ، ويكون الثمن له ، والمبيع يكون تالفا في ملك المشتري مضمونا على البائع ، ويكون النماء له الى حين التلف ، ومؤنة التجهيز عليه.

ويؤيده انه كما ان النفع له يكون الضرر أيضا عليه.

وأيضا ما قيل في التذكرة وغيرها : انه لو أتلفه أجنبي ، فالمشتري مخير بين فسخ العقد لتعذر التسليم وبين إبقائه وأخذ القيمة أو المثل من المتلف.

وأيضا انهم قالوا : ان إتلاف المشتري قبض له.

وأيضا عدم حصول العلم بالانتقال الى ملك البائع ، وانه كان الى زمان التلف محكوما بأنه ملك المشتري ، فالانتقال اليه قبل التلف يحتاج الى ناقل ، وليس ، فلا انتقال ، والابطال والتلف المتأخر لا يمكن ان يكون سببا للانتقال ، وكذا كونه سببا للانفساخ من الرأس ، إذ لا بد من سبب له ومن ناقل الى ملك البائع ، والتلف لا يصلح لذلك ، ولا ما يقاربه ، وكشف ذلك بالموت ، يحتاج الى ناقل غير الكاشف ، وهو ان كان موجودا قبل التلف ، فيكون الانتقال معلوما قبله ، وان كان يوجد حين التلف ، فلا سبب.

ويبعد ان يقال : ان السبب كان غير التلف ولا ما يقاربه ، بل أمر أخر موجود حين البيع ، أو بعده قبل التلف ، وما حصل العلم به الا بعد الموت.

إذ شرائط صحة العقد وبطلانه وإبطاله محصورة عندهم فتأمل وهم اعلم ، ولا يضرك ما قلنا.

ثم ان الظاهر عدم الفرق بين المبيع والثمن ، فحكم الثمن المعين حكم المثمن المعين ، فلو تلف عند المشتري قبل القبض حكمه حكم المبيع ، وان الأكثر سكتوا عنه ، إذ معلوم ان ذلك الحكم في المثمن المعين ، ولا يجري في المثمن الذي في الذمة ،

٥١٨

وكذا ان نقصت قيمته بحدث فيه.

______________________________________________________

وان عينه البائع عند نفسه ، فان العقد حينئذ يبقى على حاله ويطالب بالبدل. ولما كان الغالب ان يكون المبيع معينا والثمن في الذمة ، مثل ان يقال : بعتك هذه بعشرة دراهم ، مع ظهور الاشتراك في الحكم ، خص ذلك بالذكر.

قوله : «وكذا ان نقصت إلخ» يعني لو نقصت قيمة المبيع عند البائع قبل قبضه بآفة.

ويمكن كون إتلافه كذلك ، فالضمان على البائع مثل الكل.

فلو تعيب بعيب يرد به ، ثبت له الخيار بين الرد وأخذ الثمن ، وبين الإمساك وأخذ الأرش ، وقيل : من غير أرش ، ولعل الأول أقوى كما قيل في التذكرة وغيرها ، لان ضمان الكل يستلزم ضمان البعض بالطريق الاولى.

وفيه تأمل ، لأن هناك يبطل البيع وينتقل المال إلى البائع ، بخلاف ما هنا على ما قالوه.

ولعله لا يؤثر ذلك في الضمان ، لان العيب بمنزلة ابطال البيع في قبض (بعض خ) المبيع وانتقاله اليه قبله مثل الكل.

والظاهر عدم الفرق بين حدوث عيب ونقص شي‌ء ، وجزء له قسط من الثمن ، مع عدم صحة إيقاع العقد عليه ، مثل يد عبد ورجليه. واما فوت الجزء الذي له قسط منه ويصح العقد عليه كموت عبد من عبدين ، فالظاهر انه يبطل في الميت ، فيسقط ، ويسترد قيمته مثل ما قيل في أمثاله. وفي الأخر يثبت الخيار للمشتري بين الفسخ وأخذ الثمن ، والرضا به بقيمته ، من غير شي‌ء أخر ، لتبعيض الصفقة ، ولعله يفهم عدم الخلاف عندنا عن التذكرة ، ويمكن ثبوته للبائع أيضا ، لذلك ، وعدمه لان التلف في يده ، كالإتلاف على نفسه ، فتأمل.

وكذا الكلام في الثمن ، وهو ظاهر.

٥١٩

والنماء قبل القبض للمشتري ، فإن تلف الأصل رجع بالنماء والثمن.

ولو باع القابض ما قبضه وتلف الأخر قبله ، بطل الأول دون الثاني ، فيلزم بايعه المثل أو القيمة.

______________________________________________________

واعلم ان التشبيه (١) بين الكل والجزء في لزوم العوض فقط.

قوله : «والنماء قبل القبض إلخ» قد مرّ انه بعد العقد يكون المبيع للمشتري والثمن للبائع ، فنماء كل منهما لمن انتقل اليه ، فلو تلف الثمن أخذ البائع المبيع مع نماء الثمن المعين ، ان كان ، ولو تلف المبيع أخذ المشتري الثمن مع نماء المبيع ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو باع القابض إلخ» أي لو تبايع اثنان بعينين ، وقبض أحدهما ما انتقل اليه بالعقد ، وما قبض الأخر عوضه ، ثم باع الذي قبضه مقبوضه ، فتلف بعد البيع الثاني وقبل القبض ، ذلك الغير المقبوض ، صح البيع الثاني وبطل الأول ، فلما صح الثاني فليس لغير القابض شي‌ء على المشتري الثاني ، لأنه قبض عوض ماله ، ولما بطل الأول فله عين ما له الذي باعه القابض ، ولما حكم بصحة العقد تعذر إرجاعه ، فوجب على القابض المثل أو القيمة له.

دليل البطلان : ما تقدم ، أن التلف قبل القبض مبطل.

ودليل صحة الثاني : وجود العقد مع الشرائط ، ولانه باع ما يملك ، وبطلان العقد السابق المتأخر عن البيع الصحيح لا يبطله.

وفيه تأمل. لأن مبنى صحة العقد الثاني على الأول ، لأنه مبنيّ على كون العوض المبتاع ثانيا ملكا لبائعه ، وهو يخرج عن ملكه ببطلان البيع الأول.

وهو واضح على احتمال ان البطلان من الرأس ، لما مرّ.

__________________

(١) أي في عبارة المصنف في قوله وكذا ان نقصت إلخ.

٥٢٠