مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٨

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٨

الثاني : ما قصد به المحرّم كآلات اللهو والقمار والأصنام والصلبان

______________________________________________________

حفظ الأعيان النجسة ، مثل الخنزير والكلب العقور ، مع عدم المنفعة بوجه ، إلّا أن يؤدّي إلى الخوف والإسراف والسّفه ، كما أشار إليه رحمه الله.

قوله : «الثّاني ما قصد به المحرم إلخ» الثّاني ممّا يحرم بيعه والتّكسّب به : ما يحرم لتحريم ما يقصد به ، كالات اللهو ، مثل الدّفوف ، والمزامير ، والعود ، وغيرها ، وكالات القمار.

والقمار هو : اللّعب بالآلات المعدّة له ، كالنّرد ، والشّطرنج ، حتّى اللّعب بالخاتم ، والجوز ، والكعاب ، وكالأصنام والصّلبان.

ودليل تحريم الكلّ : الإجماع ، قال في المنتهى : ويحرم عمل الأصنام وغيرها من هياكل العبادة المبتدعة ، وآلات اللهو ، كالعود ، والزّمر ، وآلات القمار كالنرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر (١) ، وغيرها من آلات اللعب ، بلا خلاف بين علمائنا في ذلك.

ويدل على بعضها الأخبار بخصوصها ، مثل صحيحة معمّر بن خلّاد الثّقة عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «النّرد والشّطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر» (٢).

وفي الرّواية «قيل : يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما الميسر؟ قال : كلّ ما يقمر به حتّى الكعاب والجوز» (٣).

__________________

(١) قال الطّريحي في مجمع البحرين ـ مادّة عشر ـ : لعلّ المراد بالأربعة عشر : الصّفّان من النّقر ، يوضع فيها شي‌ء يلعب فيه ، في كلّ صفّ سبع نقر محفورة ، فتلك أربعة عشر ، والله أعلم».

(٢) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ١٠٤ ، الحديث ١. والموجود في الوسائل وفي الكافي : «عن أبي الحسن ـ اي الرضا عليه السلام ـ» وهو الصّحيح فإنّ معمّرا لم يرو إلّا عنه عليه السلام.

(٣) الفروع من الكافي ج ٥ ، ص ١٢٢ ، الرّواية فيه هكذا : «عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : لمّا انزل الله عزّ وجلّ على رسول الله صلى الله عليه وآله «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ» قيل : يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما الميسر؟ فقال : كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز ، إلخ.».

٤١

وبيع السلاح لأعداء الدين

______________________________________________________

والرّواية في منع الشطرنج والنّرد كثيرة (١).

وفي رواية زيد الشحام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجلّ «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ، وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» فقال : الرّجس من الأوثان ، الشّطرنج ، وقول الزور ، الغناء» (٢).

وفي رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام «قال : انّ لله عزّ وجلّ في كلّ ليلة من شهر رمضان عتقاء من النّار ، إلّا من أفطر على مسكر ، أو مشاحن ، أو صاحب شاهين ، قلت : وأيّ شي‌ء صاحب الشّاهين؟ قال : الشّطرنج» (٣).

وهذه موجودة في الفقيه أيضا (٤) ، وبطرق متعدّدة في الكتب.

ومعلوم تحريم التكسّب بما هو المقصود منه حرام ، وهو اللّعب المحرّم ، والقمار والعبادة ، مع قصد ذلك في البيع ، وكذا مطلقا ، إلّا أن يكون بحيث يمكن الانتفاع بها في غير ذلك المقصود ، فيجوز بيعه حينئذ. ويمكن مطلقا أيضا إذا كان ذلك المقصود واضحا ، ولا شك في بعد هذا الفرض ، فيحرم مطلقا كعمله ، بل حفظه أيضا على الظّاهر ، ولهذا وجب كسرها.

ويحرم بيع السّلاح لأعداء الدّين ، ويدلّ عليه الاعتبار ، وأنّه معونة على الإثم والعدوان ، فيمكن تحريم بيعه لمطلق من يظلم ، مثل قطّاع الطريق والظلمة ، بل تحريم كلّ مائعان به على الظّلم ، ولو كان مدّة قلم مع العلم والقصد (٥) وهو

__________________

(١) راجع الوسائل كتاب التجارة أبواب ما يكتسب به ، الباب ٣٥ ، و ١٠٢ ، و ١٠٣ ، و ١٠٤ ، والكافي ج ٥ ص ١٢٢ وج ٦ ص ٤٣٥. والباب (١٨) من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ١٠٢ ، الحديث ١.

(٣) نفس المصدر والموضع ، الحديث ٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه ، ج ٢ الطبعة الحديثة ، ص ٦١ ، وجاء في الكافي ج ٦ ص ٤٣٥.

(٥) راجع الروايات الواردة في ذلك ، في كتاب التجارة من الوسائل ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٤٢ وما بعده.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر ، كاستحباب المعونة على البرّ والتّقوى.

ويدلّ على تحريم بيع السّلاح بخصوصه الرّوايات ، مثل رواية أبي بكر الحضرمي قال : «دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فقال له حكم السّرّاج : ما ترى (١) فيمن يحمل إلى الشّام من (٢) السروج وأداتها ، فقال : لا بأس ، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السرج (٣) والسّلاح» (٤).

ولا يضرّ اشتراك عليّ بن الحكم (٥) لأنّ الظّاهر أنّه الثّقة لما مرّ مرارا ، ولا أبي بكر الحضرمي ، لأنّه نقل في باب الكنى ابن داود من الكشيّ أنّه ثقة (٦) ، فمقتضى ذلك كونها صحيحة ، ولكن ليس التّوثيق عادة الكشيّ ، وما وثقه غيره ، وما نقل عنه ، وما نقل هو أيضا عند ذكر اسمه ، ورأيت في كتاب ابن داود خلطا كثيرا (٧) ، بحيث لا يمكن الاعتماد على نقل توثيق مثله عن الكشي ، مع سكوت غيره ، لأنّه كثيرا ما يقول : «كش ، ثقة» مثلا ، ونرى أنّه روى ما يدلّ على ذلك لا أنّه حكم بذلك ، والرّواية قد تكون صحيحة ، وقد لا تكون ، وغير ذلك.

__________________

(١) و (٢) و (٣) في المصدر : «ما تقول» «الى الشّام السّروج» «تحملوا إليهم السروج».

(٤) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٨ ، الحديث ١.

(٥) سند الرواية كما في الكافي هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن احمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي.».

(٦) قال ابن داود : «أبو بكر الحضرمي ، ق ، كش ، جرت له مناظرة حسنة مع زيد» رجال ابن داود ص ٣٩٣.

(٧) وقال المحقق المامقاني معلّقا علي كلام المصنف : «وهذا اشتباه نشأ من عدم الأنس برجال ابن داود فإنّ من سبر رجال ابن داود عرف أنّ مراده ب «كش» غالبا ـ بل في ما عدا النّادر من موارده ـ هو «جش» وذلك قد نشأ من ردائه خطّه فزعم أنّ المكتوب «كش» فكتب كذلك والحال انه «جش». الى آخر كلامه» تنقيح المقال ج ٢ ص ٢٠٥.

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فكأنّه لهذا ما قيل إنّها صحيحة ، لكن لا يضرّ ، لأنّها مؤيّدة بالقبول والشّهرة.

وكذا رواية هند السّراج ، قال : «قلت لأبي جعفر عليه السلام : أصلحك الله ، إنّي كنت أحمل السّلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم (فيهم خ ل) فلما أن عرّفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت : لا أحمل إلى أعداء الله ، فقال لي : احمل إليهم ، فإنّ الله يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم ـ يعني الرّوم ـ وبعهم ، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا ، فمن حمل إلى عدوّنا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك» (١).

ورواية السّرّاد (٢) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «قلت له : إني أبيع السّلاح ، قال : فقال : لا تبعه في فتنة» (٣).

وهند غير ظاهر التوثيق ، لو كذا السّرّاد.

إلّا أنّ الظاهر أن لا خلاف بينهم ، والآيات والأخبار الدالّة على تحريم معونة الظالمين تدلّ عليه ، إلّا أنّ دلالة هذه الأخبار على التحريم حين عدم الصّلح والهدنة ، دونهما.

والظّاهر أنّ التّحريم حينئذ مطلق وإن لم يقصد المعونة ، بل مجرد بيعه حين المباينة فقط.

ولكن في الخبر ما يدلّ على أنّه حينئذ شرك ، فلعلّه محمول على قصد المعونة على المسلمين ، كما يظهر منه ، واعتقاد إباحتها ، أو على المبالغة.

ولا يبعد عدم التّحريم حينئذ أيضا لو علم عدم المعونة ، بأن يشتروا التّجارة والرّبح على المسلمين ، أو لمعونتهم على الكفّار ، كالتّحريم مع القصد ، كما تدلّ عليه

__________________

(١) الوسائل ، التّجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٨ ، الحديث ٢.

(٢) في المصدر : السّرّاج وفي النسخ كما في الكافي (السراد).

(٣) المصدر السابق والموضع نفسه ، الحديث ٤.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الآيات والأخبار مع الصّلح وعدمه.

ثمّ اعلم : أنّ ظاهر هذه الأدلة ـ خصوصا هذه الأخبار ـ تحريم السرج ونحوه أيضا ، فلا يكون التحريم مخصوصا بما يعدّ سلاحا يقتل به.

فلا يحرم ما يكنّ ـ كما قيل لرواية محمّد بن قيس ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السّلاح؟ فقال : بعهما ما يكنّهما ، الدّرع والخفين ونحو هذا» ـ (١).

لأنّ (٢) أدلّة تحريم المعونة تشمل الكلّ ، والسّرج بخصوصه ممنوع في الأخبار المتقدمة (٣) وليس الدّرع أقلّ معونة منه ، لأنّه يصير سببا لأن يقتل المسلم ولا يقتل الكافر اللابس له ، لعدم القدرة بسببه على ذلك ، وهو فساد عظيم بخلاف السّرج ، بل احتياج العرب إليه نادر ، خصوصا سرج الفرس.

قال في المنتهى : «انها صحيحة».

وفي صحّتها تأمّل ، لوجود علي بن الحكم (٤) المشترك ، وقد اعترض في شرح الشرائع كثيرا على تسمية مثل هذا الخبر بالصّحة ، لاشتراكه ، ولاشتراك محمد بن قيس فإنّه يحتمل غير الموثّق ، وقد صرّح أيضا في الدّراية بأنّ خبر محمّد بن قيس عن الصّادق عليه السلام ليس بصحيح.

نعم ليس بضعيف ، بل إمّا حسن أو صحيح ، مع أن فيه تأمّلا ذكرناه هناك.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (٨) من أبواب ما يكتسب به الحديث (٣).

(٢) تعليل لقوله : فلا يكون التحريم.

(٣) مضى النّهى عنه بخصوصه في رواية أبي بكر الحضرمي.

(٤) سند الرّواية كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم عن محمد بن قيس.».

٤٥

وإجارة المساكن للمحرّمات والحمولات لها.

______________________________________________________

ولكنّ الظّاهر أنّ عليّ بن الحكم هو الثقة لما مرّ ، وأنّ محمدا أيضا هو الثقة ، لأنّ محمد بن قيس اثنان ، مع كونهما مصنّفين صاحبي أصول ، وثبوت نقلهما عن الصّادق عليه السلام بخلاف الممدوح ، فإنّه واحد غير معلوم نقله عنه عليه السلام ، ولهذا ما ذكر في الرّجال روايته عن إمام فتأمّل.

وفي دلالته أيضا تأمّل ، لأنّه ليس بصريح في جواز بيع الدّرع ونحوه علي الكفّار حين حربهم المسلمين ، بل جواز ذلك حين حرب إحدى الفئتين من الكفّار مع الأخرى منهم ، وهو صريح في ذلك. نعم قد يشعر حينئذ بعدم جواز ما لا يكنّ من السّلاح ، ويحتمل كون ذلك للإعانة على الظّلم حين ما كان قتالهم حقّا بل ظلما.

وبالجملة : إخراج نحو الدّرع ، وإدخال نحو السرج بمثل ما تقدّم مشكل.

نعم لو يقطع النّظر عن هذه الأخبار ـ ويجعل المعونة مع القصد حراما ، ويجوز الدّرع حين الحرب مع عدم العلم والقصد للأصل وغيره ـ فهو ممكن ، ولكن الظّاهر حينئذ لا اختصاص به ، بل ما يقطع أيضا كذلك.

والظّاهر أنّه على تقدير التحريم لو بيع لم يصحّ البيع ، لما تقدّم ، ولأنّ الظّاهر أنّ الغرض عن النّهي هنا عدم التملّك ، وعدم صلاحيّة المبيع لكونه مبيعا ، لا مجرّد الاسم ، فكان المبيع لا يصلح لكونه مبيعا لهم ، كما في بيع الغرر.

قوله : «واجارة المساكن إلخ» من المحرّم الّذي يكون القصد منه حراما إجارة المساكن لوضع المحرّمات ، وبيعها فيها ، مثل الخمر ، والقمار ، وجعلها كنيسة وبيعا ، ونحو ذلك ، وكذا الدّوابّ والسّفن المؤجرة لحمل الخمر ونحوها.

قالوا : إنّ المحرّم حينئذ هو الإجارة والأجرة والبيع ، بشرط أن يذكر في العقد كونها لذلك ، بأن يقول : «آجرتك البيت لأنّ تبيع فيه الخمر مثلا ، أو تحطّ فيه الخمر ، أو تحفظها فيه».

ولكن هذا بأن يكون المراد للشرب أو لبيعه ونحوه ، لا حفظها لأن تصير خلا.

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لا إجارتها لمن كان عمله ذلك.

والتّحريم حينئذ ظاهر ممّا تقدّم ممّا يدلّ علي تحريم المعونة على الإثم والعدوان.

وتدلّ عليه أيضا رواية جابر ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرّجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، قال : حرام اجره» (١).

وهي محمولة علي الشّرط ، لضعفها ، ولدليل عدم التّحريم لمن يعمل ذلك بدون الشرط ، وهو الأصل.

وحسنة ابن أذينة ، قال : «كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن الرّجل يؤاجر سفينته ودابته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ، فقال : لا بأس» (٢).

وعموم أدلّة جواز الإجارة والبيع مثل «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» (٣).

هكذا ظاهر بعض العبارات ، ويمكن أن يقال : ينبغي عدم النّزاع في عدم تحريم الإجارة مثلا ممن يحمل مع العلم بعدم الحمل ، بل مع عدم العلم ، والظّن بالحمل.

ثمّ إن علم الحمل بعد ذلك يجب عليه وعلي غيره منعه من ذلك من باب النّهي عن المنكر مع شرائطه ، ولا يسقط بذلك أجرته إن لم يحمل غير المحرّم ، وكان قصده ذلك.

ولا يبعد كراهة الإجارة حينئذ لكراهة معاملة الظّالمين والفسّاق ،

__________________

(١) الوسائل كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٣٩ ، الحديث ١ ، وفيه : صابر بدل جابر ، وكذا في التهذيب ج ٧ ص ١٣٤ وفي بعض نسخ التهذيب. وفي الكافي ، والاستبصار : جابر ، راجع الكافي ج ٥ ص ٢٢٧ ، والاستبصار ج ٣ ص ٥٥.

(٢) المصدر والموضع السابق ، الحديث ٢.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٧٥.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لاحتمال ذلك.

وكذا ينبغي عدم النّزاع في التّحريم بل في عدم انعقاد العقد لو آجر للحمل ، بأن يقول : «آجرتك لأن تحمل عليها خمرا» بل يكفي في ذلك العلم به ، أو الاتفاق بينهما علي ذلك ، وإن لم يشترط في متن العقد ذلك.

ودليله دليل تحريم المعونة علي الإثم من الآيات والأخبار ، بل العقل ، فإنّه يجد بالبديهة قبحه وتحريمه ، لاستحقاق الذّمّ ، وأنّه مسرف لعمله الخمر.

وكأنّ الخلاف والنّزاع إنّما هو فيما ظنّ الحمل ، فيقال بعدم التّحريم ، لحسنة ابن أذينة المتقدّمة ، وعموم أدلّة جواز عقد الإجارة ، وللجمع بينهما وبين رواية جابر ، بحملها علي الذّكر في العقد ، وشرطه ذلك ، والعلم بالحمل. أو حمل الحسنة علي الكراهة.

ووجه الكراهة : احتمال وقوع المحرّم ، والمعونة ومعونة (ومعاونة خ) الظّلمة.

ويقال بالتحريم لعموم أدلّة تحريم المعونة من الكتاب والسّنّة ، بل العقل أيضا ، ولرواية جابر ، وتقييد عموم أدلّة الجواز بعدم الظّن بحمل المحرّم ظاهر ، لأنّه معلوم تقييدها بشرائطها ، ومن جملتها عدم ترتّب حرام عليه ولو ظنّا ، فتأمّل.

ومعلوم أيضا عدم بقاء الأصل مع الدّليل ، مع عدم صحّة رواية ابن أذينة ، والحسنة ليست بحجّة كما ثبت في الأصول ، إذ المحقّقون القائلون (العاملون خ ل) بالعمل بخبر الواحد لا يقبلون إلّا خبر العدل المعلوم عدالته بطريق شرعي ، فلا يصلح للمعارضة لما قلناه من الكتاب والسّنّة بل العقل أيضا.

مع أنّها مكاتبة ، ويجوز حملها أيضا علي من يحمل الخمر للتّخليل ، وعدم العلم والظّنّ بحمل الخنزير فيها ، إذ ليس فيها القيد بذلك.

أو يكون المراد الّذي يحمل بطريق الوهم ، دون العلم أو الظّنّ.

أو يكون بالنّسبة إلى أهل الذّمّة الّذين لهم أن يفعلوا ذلك.

٤٨

وبيع العنب ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما ، ويكره لمن يعملهما.

______________________________________________________

ويؤيّده أنّه لا معنى لعدم البأس بذلك فإنّ الظّاهر أنّه لو كان الحمل فيه يجب منعه من باب النّهي عن المنكر ، فكيف يكون لا بأس فيه ، ويجوز إعانته علي ذلك.

وبالجملة : ترك مقتضى العقل ظاهرا ، وظاهر الآيات والأخبار ، لهذا الخبر ، مشكل ، والاحتياط يقتضي المنع ، ولما سيجي‌ء في آخر هذا المبحث من الأخبار ، فالظّاهر التّحريم مع العلم ، ولا يبعد في الظّنّ المتاخم له ، بحيث يعدّ من العلم عادة ، وغير قابل مع مطلق الظّن.

قوله : «وبيع العنب إلخ» قد علم شرحه ، فإنّ البحث فيه مثل بحث السّفينة والدّابّة بعينه من غير فرق.

ويدلّ علي جواز البيع ممّن يعمله خمرا أخبار مذكورة في التّهذيب ، في باب الغرر ، من كتاب التّجارة.

مثل صحيحة رفاعة بن موسى ، قال : «سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عن بيع العصير ممّن يخمّره ، فقال ، حلال ، ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شرابا خبيثا» (١).

وصحيحة الحلبي ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع عصير العنب ممّن يجعله (خمرا خ ل يب حراما) ، فقال : لا بأس به تبيعه حلالا ، فيجعله حراما ، فأبعده الله وأسحقه» (٢).

وتدل على الكراهة صحيحته عنه أيضا : «أنّه سئل عن بيع العصير ممّن

__________________

(١) التّهذيب ج ٧ ص ١٣٦ ، والوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٥٩ ، الحديث ٨.

(٢) نفس المصدر والموضع ، والوسائل نفس الموضع ، الحديث ٤.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يصنعه خمرا ، فقال : بيعه «بعه خ ل يب ـ ئل» ممّن يطبخه أو يصنعه خلّا أحبّ إليّ ولا أرى بالأوّل بأسا» (١).

فيحمل ما يدلّ علي المنع علي الكراهة ، لصراحتها فيها ، أو على الشرط فيكون بالشّرط حراما ، وبدونه جائزا مكروها.

ولكن في الجواز تأمّل إذا علم أو ظنّ بعمل المبيع خمرا ، فإنّه معاونة على الإثم والعدوان ، وهو محرّم بالعقل والنّقل ـ كما مر.

ويمكن حملها على وهم البائع أنّ المشتري يعمل هذا المبيع خمرا ، لكونه ممّن يجعله خمرا ، أو يكون الضمير راجعا إلى مطلق العصير والتمر ، لا إلى المبيع ، ولا صراحة في الأخبار ببيعه ممّن يعلم أنّه يجعل هذا المبيع خمرا ، بل لا يعلم فتوى المجوّز بذلك.

وبالجملة : الظاهر التّحريم مع علمه بجعل هذا المبيع خمرا ، بل ظنّه أيضا ، فتأمّل.

وكذا بيع الخشب وغيره ليعمل صنما ، وكذا ليعمل آلات اللهو وأمثالها.

ويؤيّد التّحريم هنا مطلقا ما سيجي‌ء من الأخبار من غير قيد بقوله «ليعمل» ويمكن حمل كلام المصنّف وغيره في مثل هذه العبارة «ليعمل صنما» في القول بالتحريم على الشّرط والذّكر في العقد ، والاتّفاق ، فيكون مذهبهم الجواز والكراهة بدون ذلك وإن كان مع العلم ، ويكون هو المراد بقولهم : «ويكره لمن يعملهما» وهو الظّاهر ، ويمكن حمله علي العلم والظّنّ أيضا ، فإنّه إذا باعه مع العلم بأنّه يعمله صنما فكأنّه باعه لأن يعمله صنما ، وهو ظاهر ، وكذا الظّنّ ، فإنّ ذلك بحسب ظنّه بيع لأن يعمل صنما.

__________________

(١) التهذيب ، ج ٧ ، ص ١٣٧ ، وكذا الوسائل ، الموضع السابق ، الحديث ٩.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بل يمكن أن يقال : إذا باعه من الّذي يعمله ، مع العلم بأنّه يعمله صنما ، وأنّه إنّما اشتراه ليعمل ، وقد عمله ، فهو قاصد لذلك.

أو يقال : إنّه لام عاقبة ، فإنّه باع وكان عاقبته أن يعمل صنما ، كما يقال في «لدوا للموت وابنوا للخراب» (١).

ومما يستبعد الجواز وعدم البأس ـ وهو الباعث علي تأويل كلامهم ـ (٢) أن يجوز للمسلم ان يحمل خمرا لأن يشرب ، والخنزير لأن يأكله من لا يجوز له أكله ، ويبيع الخشب وغيره ليصنع صنما ، والدّفوف والمزمار ، مع وجوب النّهي عن المنكر ، وإيجاب كسر الهياكل وعدم جواز الحفظ ، وكسر آلات اللهو ، ومنع الشّرب ، والحديث الدّالّ على لعن حامل الخمر وعاصرها المذكور في الكافي (٣) ـ وقد تقدّم ـ وكذا ما تقدّم (٤) في منع بيع السّلاح لأعداء الدّين ، فإنّه يحرم للإعانة علي الإثم ، وهو ظاهر ، والله يعلم.

ويؤيّده ، أيضا ما يدلّ علي تحريم بيع الخشب ممّن يعمله صليبا من غير قيد «ليعمل» ولا معارض ، وهي حسنة ابن أذينة ، قال : «كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسئله عن رجل له خشب ، فباعه ممن يتخذه برابط؟ فقال : لا بأس به. وعن رجل له خشب ، فباعه ممّن يتّخذه صلبانا ، قال : لا» (٥).

ورواية عمرو بن حريث ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

__________________

(١) روي الرّضي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين ع أنّه قال : «إنّ الله ملكا ينادي في كلّ يوم : لدوا للموت واجمعوا للفناء وابنوا للخراب» نهج البلاغة ، بشرح محمد عبده ، ج ٣ ص ١٦٩.

(٢) الذي ذكره أنفا بقوله : ويمكن حمل كلام المصنف وغيره.

(٣) الفروع من الكافي ج ٦ ص ٣٩٨ ، وجاء في الوسائل ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٥٥ ، الحديث ٤.

(٤) مثل رواية حكم السّراج ، ورواية هند السّراج ، ورواية السّراد ، وقد تقدّمت الإشارة إليها جميعا.

(٥) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٤١ ، الحديث ١.

٥١

الثالث : ما لا انتفاع فيه كالخنافس ، والدّيدان ، والذّباب ، والقمّل والمسوخ البرّيّة : كالقرد ، والدّبّ ، عدا الفيل ، والبحريّة : كالضّفادع ، والسّلاحف ، والطّافي ، وفي السّباع قولان.

______________________________________________________

التّوت أبيعه يصنع به الصّليب والصنم ، قال : لا» (١).

فيمكن إسقاط حسنة ابن أذينة (٢) بمثل هذه ، ويبقى باقي الأدلّة من غير معارض.

والعجب أنّ في الدّروس قال : «وفي رواية ابن حريث المنع ممّن يعمله ، وليس فيها ذكر الغاية» أي : (ليعمل) ، مريدا لرجحان التّحريم مطلقا ، مع عدم صحّة السّند ، وعدم وضوح الدّلالة ، بل هي ظاهرة في الغاية حيث قال : «أبيعه يصنع به الصّليب» وعدم ذكر الغاية في شي‌ء من أخبار التّحريم ، مثل خبر جابر ، بل هو أولى من خبر ابن حريث ، وترك حسنة ابن أذينة (٣) مع وضوحها سندا ودلالة.

قوله : «الثّالث مالا انتفاع فيه إلخ» لعلّ دليل عدم جواز بيع ما لا ينتفع به هو الإجماع ، وأنّ شراءه إسراف ، فالبيع معونة ، ولا يجوز معاملة المسرف بشرط الرّشد ، فلا يملك الثّمن ، لعدم انعقاد البيع.

ومنه ظهر أنّه علي تقدير التّحريم إن فعل لم يقع العقد ولا يصحّ.

وكذا الكلام في بيع المسوخ ، إن كان مما لا ينتفع به كالقرد.

ويدلّ على منع بيع القرد رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عن القرد أن يشترى أو يباع» (٤).

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل كتاب التجارة الباب (٣٩) من أبواب ما يكتسب به الحديث (٢).

(٣) أي الأخيرة ، وحاصل المقصود أنّ الاستناد إلى رواية ابن حريث لمطلق التحريم لا محلّ له مع وجود الروايات الصحيحة السّند الظاهرة الدّلالة في ذلك مثل خبر جابر ، وحسنة ابن أذينة الأخيرة.

(٤) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٣٧ ، الحديث ٤.

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ونقل عن الشّافعيّ في المنتهى عدم جواز بيعه للإطافة واللّعب ، دون بيعه لحفظ المتاع والدّكّان ونحوه.

ونقل عن ابن إدريس جواز بيع السّباع كلها ، سواء كان يصاد عليها كالفهد والهرّ والبازي ، أم لا كالأسد والذّئب والدّبّ وغيرها ، للانتفاع بجلودها ، ثم قال : وهو حسن.

والأصل فيه ، أنّ المنع خلاف الأصل وعموم أدلّة البيع ، فكلّ موضع منع بالإجماع ونحوه ، وإلّا فالجواز متوجّه.

فكلّ ما يتصوّر فيه نفع محلّل شرعا مقصودا للعقلاء ، ولو كان نادرا ، مثل حفظ الدكان من القرد ، والانتفاع بعظم الفيل ، بل بشعور الحيوانات ، والاصطياد بها ، يجوز بيعه وشراؤه لعدم الإجماع على عدم جوازه ، وعدم الإسراف ، وعدم دليل آخر ، خصوصا فيما يقبل التذكية من الحيوانات ، للانتفاع بجلودها.

فيمكن جواز البيع علي كلّ مسلم مع العلم بقصده ذلك النّفع ، بل مع عدمه أيضا ، لاحتمال ذلك وحمله عليه.

بل يمكن مع العلم بعدم ذلك القصد ، بل قصد المحرّم عند من يجوّز بيع العنب لمن علم جعله خمرا ، فإنّه ليس بأبعد منه ، ولجواز أن يرجع عن ذلك القصد به.

ولا ينظر الى كون ذلك النّفع نادرا ، وعدم الاعتماد به ، مثل حفظ المتاع للقرد ، ولا إلى قلّته مثل الانتفاع بعظم الفيل. نعم يشترط كونه مقصودا ، للعقلاء وتجويز صرف المال فيه.

ويؤيّد ما ذكرناه ، رواية عبد الحميد بن سعيد ، قال : «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن عظام الفيل ، أيحلّ بيعه وشراؤه للّذي يجعل منه الأمشاط؟ قال : لا

٥٣

الرّابع : ما هو حرام في نفسه ، كعمل الصّور المجسّمة ،

______________________________________________________

بأس ، قد كان لأبي عليه السلام منه مشط أو أمشاط» (١).

وصحيحة عيص بن القاسم ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفهود وسباع الطير ، هل يلتمس التجارة فيها؟ قال : نعم» (٢).

ويمكن حمل رواية النّهي عن بيع القرد على قصد الإطافة واللعب ، مع ضعفها بعدّة عن سهل (٣) ، وغيره.

قوله : «الرّابع. إلخ» رابع المحرّمات ما هو حرام في نفسه ، لا باعتبار ما يقصد ، ويفضي إليه ، كعمل الصّور المجسّمة ، كأنّه احترز بها عن النقوش والتصاوير على البسط ، والورق (والأوراق خ ل) ، والحيطان ، مطلقا ، لأنّ الظّاهر أنّه يريد به تصوير الجسم بحيث يكون له ظلّ ، فيجوز عنده غير ذلك ، فظاهره تحريم تصوير المجسّمة ـ أي ذي الظّلّ ـ مطلقا ، ذي الرّوح وغيره.

والظّاهر أنّ للنّقش أقساما خمسة :

النقش المطلق من غير تصوير صورة شي‌ء ، وهو جائز بالإجماع.

وتصوير الحيوان ذي الظّلّ بحيث إذا وقع عليه ضوء يحصل له ظل ، وهو محرّم بالإجماع.

والثلاثة الباقية : وهو الحيوان غير المذكور ، وغيره : ذي ظلّ وغيره ، مختلف فيه.

فالّذي لا خلاف فيه لا مصير عنه لذلك ، ولما سيجي‌ء من الأخبار ، وأمّا غيره فلا دليل عليه ظاهرا سوى ما روى الصّدوق عن الصّادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ١٣٣ ، ومع اختلاف يسير في الوسائل ج ١٢ باب ٣٧ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢

(٢) نفس المصدر والموضع ، وكذا الوسائل الموضع نفسه.

(٣) مضت الإشارة إلى مصدر الرواية ، وسندها كما في الكافي هكذا : عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمّون ، عن الأصمّ ، عن مسمع ، عن أبي عبد الله عليه السلام.

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عن آبائه عليهم السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن التّصاوير وقال : من صوّر صورة كلّفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ» (١) «ونهى أن ينقش شي‌ء من الحيوان على الخاتم» (٢) وهي مع عدم ظهور الصّحّة تحتمل الاختصاص بذي الرّوح ، بقرينة «من صوّر إلخ» فتفيد تحريم ذي الرّوح مطلقا ، مجسّما وغيره ، كما هو ظاهر قوله «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن التصاوير.

وروى أيضا في عقاب الأعمال عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «سمعته يقول : ثلاثة يعذّبون يوم القيامة : من صوّر صورة من الحيوان يعذّب حتّى ينفخ فيه وليس بنافخ فيها ، والّذي يكذب في منامه حتّى يعقد بين شعيرتين وليس بعاقدهما ، والمستمع من قوم وهم له كارهون ، يصبّ في أذنيه الا فك ، وهو الأسرب» (٣).

وهذه أيضا تدلّ على عموم تحريم تصوير ذي الرّوح مطلقا.

وقال في شرح الشّرائع : إنّها صحيحة.

ولكن لي في الصّحّة تأمّل ، لأنّ محمد بن مروان غير ظاهر التوثيق فإنّه مشترك ، والظّاهر من كتاب ابن داود أنّه الشعيري الّذي قال فيه : «قر ، ق [كش] ممدوح» (٤) لأنّ غيره غير ثابت نقله عن الصّادق عليه السلام.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه في حديث المناهي الطويل ، ج ٤ ص ٥ الطبعة الحديثة. وفي الوسائل الباب ٩٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث (٦).

(٢) الوسائل ، كتاب الصلاة الباب ٤٦ من أبواب لباس المصلى الحديث (٢).

(٣) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب ٩٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث (٧ و ٨).

(٤) رجال ابن داود ص ٣٣٥ ، ولكنّ الكشي لم يتعرّض لمحمد بن مروان الشعيري وانّما ذكر رجلين بهذا الاسم أحدهما : محمد بن مروان البصري وثانيهما : محمد بن مروان السّدّي وهو الّذي روى تفسير الكلبي [راجع.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنت تعلم أنّ ذلك لا يوجب توثيقا حتّى يكون خبره صحيحا ، بل ولا إماميّا حتّى يكون حسنا.

مع أنّك قد عرفت أن ليس عادة «كش» أن يقول : «ثقة» أو «ممدوح» من عند نفسه ، بل ينقل ما ورد في حقّه ، وحينئذ وجود المدح منه أيضا غير ظاهر وقد تكون رواية ضعيفة.

ثم إنّه تدلّ روايات كثيرة على جواز إبقاء الصّور مطلقا (١) ، وهو يشعر بجوازه وقد نقلنا من قبل روايات صحيحة دالّة عليه.

وتؤيّده رواية أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّا نبسط عندنا الوسائد فيها التّماثيل ونفترشها ، قال : لا بأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ ، إنّما يكره ما نصب منها علي الحائط و (على خ) السّرير» (٢)

وبعد ثبوت التّحريم فيما ثبت يشكل جواز الإبقاء ، لأنّ الظّاهر أنّ الغرض من التّحريم عدم خلق شي‌ء يشبه بخلق الله وبقائه ، لا مجرّد التّصوير.

فيحمل ما يدلّ على جواز الإبقاء من الرّوايات الكثيرة الصّحيحة وغيرها (٣) على ما يجوز منها ، فهي من أدلّة جواز التّصوير في الجملة على البسط والسّتر والحيطان والثياب ، وهي الّتي تدلّ الأخبار على جواز إبقائها فيها ، لا ذو الرّوح التي

__________________

الكشي ، الرّقم ٣٨٣] وقال المامقاني : محمد بن مروان الشعيري عنونه ابن داود كذلك وقال : قر ، ق ، كش ، ممدوح انتهى ولم أقف علي روايته عن الباقر والصّادق عليهما السّلام ولا علي مدح له في كش ولا جش ، ولا لذكر للرّجل في كلام غيره ولا استبعد أنّ غرضه السّدّي ، وأنّ نسخته كانت مغلوطة مصحّفة السّدّي بالشّعيري. (تنقيح المقال ج ٣ ص ١٨٢).

(١) الوسائل ج ٣ كتاب الصلاة الباب (٤) من أبواب المساكن فلاحظ.

(٢) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٩٤ ، الحديث ٤.

(٣) المذكورة في المصدر السابق ، الموضع نفسه الوسائل كتاب الصلاة ، الباب ٣ من أبواب أحكام المساكن فراجع.

٥٦

والغناء

______________________________________________________

لها ظل علي حدته الّتي هي حرام بالإجماع.

والاجتناب مطلقا من الإحداث والإبقاء من جميع أنواعه أحوط ، كما يشعر به الرّواية : أنّ الملك لا يدخل بيتا فيه صورة «كلب خ». (١)

قوله ، «والغناء» قيل : هو ـ بالمد ـ : «مدّ صوت الإنسان المشتمل على الترجيع المطرب» الظّاهر أنّه لا خلاف حينئذ في تحريمه وتحريم الأجرة عليه ، وتعلّمه ، وتعليمه ، واستماعه ، وردّه بعض الأصحاب إلى العرف ، فكل ما يسمّى به عرفا فهو حرام ، وإن لم يكن مشتملا على الترجيع ، ولا على الطّرب.

دليله : أنّه لفظ ورد في الشّرع تحريم معناه وليس بظاهر له معنى شرعي مأخوذ من الشّرع ، فيحال على العرف.

والظّاهر أنّه يطلق على مدّ الصّوت من غير طرب ، فيكون حراما ، إذ يصحّ تقسيمه إلى المطرب وعدمه ، بل ولا يبعد إطلاقه على غير المرجّع والمكرّر في الحلق ، فينبغي الاجتناب. والأوّل أشهر.

ولعلّ وجهه أنّ الّذي علم تحريمه بالإجماع هو مع القيدين ، وبدونهما يبقى على أصل الإباحة ، ولكنّ مدلول الأدلّة أعمّ مثل : «المغنّية ملعونة ، وملعون من أكل ثمنها» (٢).

وما في الفقيه ـ في حد شرب الخمر ـ في ذيل ما نقل عن الصّادق عليه السلام «والغناء مما أو عد الله عليه النّار وهو قوله عزّ وجلّ (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي

__________________

(١) روى في الكافي ج ٣ ص ٣٩٣ عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال جبرئيل عليه السلام : يا رسول الله إنّا لا ندخل بيتا فيه صورة إنسان ، الحديث» وروى في الفقيه ج ١ ص ٢٤٦ عن الصادق عليه السلام : «إنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ، ولا بيتا فيه تماثيل ، الحديث» والظّاهر أنّ المصنّف نقل الرّواية بمعناها.

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٥) من أبواب ما يكتسب به الحديث (٤) وفيه (ملعون من أكل كسبها).

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١).

وسئل الصّادق عليه السلام ، عن قول الله عزّ وجل (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» (٢) قال : الرّجس (٣) الأوثان ، وقول الزّور الغناء» (٤).

والاولى تدلّ على أنّها كبيرة.

وما تقدّم في استحباب غسل التوبة (٥).

وعموم الرّوايات الدّالّة على تحريم بيع المغنية وتحريم أجرتها وسماعها ، مثل رواية إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : «اوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجواز له مغنيّات ، أن نبيعهن نحمل ثمنهن إلى أبي الحسن عليه السلام ، قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلثمائة ألف درهم وحملت الثّمن إليه ، فقلت له : إنّ مولى لك يقال له : إسحاق بن عمر قد اوصى عند وفاته (موته ـ كا) ببيع جوار له مغنيّات وحمل الثمن إليك ، وقد بعتهنّ ، وهذا الثّمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال لا حاجة لي فيه ، إنّ هذا سحت ، وتعليمهنّ كفر ، والاستماع منهنّ نفاق ، وثمنهنّ سحت» (٦).

ورواية سعيد بن محمد الطاطري ، عن أبيه عن أبي عبد الله عليه

__________________

(١) سورة لقمان ـ ٦.

(٢) سورة الحج ـ ٣٠.

(٣) في النسخة المطبوعة والمخطوطة (الرجس الأوثان) وفي الفقيه (الرجس من الأوثان الشطرنج).

(٤) الفقيه ج ٤ (١١) باب حد شرب الخمر وما جاء في الغناء والملاحي ص (٤١) الحديث (٦) ولفظ الحديث (وقال الصادق عليه السلام : خمسة من خمسة محال : الحرمة من الفاسق محال ، والشفقة من العدو محال ، والنصيحة من الحاسد محال ، والوفاء من المرأة محال ، والهيبة من الفقير محال. والغناء ما أو عد الله عز وجل عليه النار ، وهو قوله عز وجل ((وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) الآية).

(٥) الوسائل ج ٢ ، كتاب الطهارة ، الباب (١٨) من أبواب الأغسال المسنونة ، الحديث (١).

(٦) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٦) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٥).

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام قال : «سألته (سأله رجل ـ كا) عن بيع الجواري المغنيات ، فقال : شراؤهنّ وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق» (١).

ورواية نضر بن قابوس ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «المغنية ملعونة ، وملعون من أكل كسبها» (٢) وغيرها.

ولكن ما رأيت رواية صحيحة صريحة في التّحريم ، ولعلّ الشّهرة تكفي ، مع الأخبار الكثيرة ، بل الإجماع على تحريم الغناء ، والتّخصيص يحتاج إلى دليل.

ويمكن أن يقال : الأخبار ليست بحجّة ، وإنّما الإجماع والشّهرة مع القيدين ، فلا حجّة على غيره ، والأصل دليل قويّ ، والاحتياط واضح.

وقد استثني الحداء (٣) ـ بالمدّ ـ وهو سوق الإبل بالغناء لها.

وعلى تقدير صحّة استثنائه يمكن اختصاصه بكونه للإبل فقط ، كما هو مقتضى الدّليل ، ويمكن التعدّي أيضا إلى البغال والحمير.

وقد استثني أيضا فعل المغنية في الأعراس ، إذا لم تتكلّم بالباطل والكذب ، ولم تعمل بالملاهي الّتي لا يجوز لها ، ولم تسمع صوتها الأجانب.

ويمكن التّحريم من جهة الكذب ، والعمل باللهو فقط ، لا الغناء ، وكذا الاستماع.

ويدلّ عليه الأخبار مثل صحيحة أبي بصير ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام أجر المغنّية الّتي تزفّ العرائس ليس به بأس ، وليست بالّتي يدخل عليها الرّجال» (٤).

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٦) من أبواب ما يكتسب به الحديث (٧) وفيه (سأله رجل).

(٢) الوسائل ج ١٢ كتاب التجارة ، الباب (١٥) من أبواب ما يكتسب به ، الحديث (٤).

(٣) حدا بالإبل حدوا وحداء مثل غراب إذا رجرها وغنى لها ليحثها علي السير. مجمع البحرين.

(٤) الوسائل ، التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ١٥ ، الحديث ٣.

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية حكم الحنّاط ـ المجهول ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «المغنية الّتي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها» (١).

ورواية عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر (أبا عبد الله ئل) عليه السلام عن كسب المغنيات ، فقال : الّتي يدخل عليها الرّجال حرام ، والّتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول الله عزّ وجلّ (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)» (٢).

قال الشيخ : فالرّخصة مخصوصة بمن لا يتكلّم بالأباطيل والفحش ، ولا يلعب بالملاهي من العيدان وأشباهها بل تكون ممّن تزف العرائس وتتكلّم عندها بإنشاد الشّعر والقول البعيد عن الأباطيل والفحش ، وأمّا من عدا هؤلاء ممّن يتغنّين بسائر أنواع الملاهي فلا يجوز على حال ، سواء كان في العرائس أو غيرها (٣).

وقال في شرح الشرائع بعد استثناء ما ذكرناه : «وذهب جماعة من الأصحاب منهم العلّامة في التذكرة إلى تحريم الغناء مطلقا ، استنادا إلى الأخبار المطلقة ووجوب الجمع بينها وبين ما دلّ على الجواز هنا من الأخبار الصحيحة متعيّن ، حذرا من اطراح المقيّد» (٤).

ورأيت في التّذكرة في هذا المقام قد استثنى العرائس ، فإنّه قال ـ بعد الحكم بالتّحريم ونقل الأخبار ـ فقد ورد رخصة بجواز كسبها إذا لم تتكلّم بالباطل ، ولم

__________________

(١) المصدر السابق ، الباب نفسه ، الحديث ٢.

(٢) المصدر والباب نفسه ، الحديث ١.

(٣) الاستبصار ، ج ٣ الباب (٣٦) أجر المغنية ذيل اخبار الباب وما يعارضها قال : فالوجه في هذه الاخبار الرخصة فيمن لا تتكلم بالأباطيل إلخ مع اختلاف يسير في بعض الكلمات.

(٤) انتهى كلام المسالك.

٦٠