مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

وكشف الرأس ،

وحل العقد

وجعل التربة معه.

______________________________________________________

مكانا يوضع الميت فيه ، ومعنى الشق ان يحفر له في أرض القبر شقا شبه النهر يوضع الميت فيه ويسقف عليه.

وقال أيضا يختلف باختلاف الأراضي ، فينبغي اللحد في القوية والشق في الرخوة ، وعليه يحمل الحديث المتقدم ، مع ضعف السند.

وهو بعيد لأن أرض المدينة قوية. ولهذا الحد النبي (ص)

وقال أيضا ، وان يكون اللحد واسعا يتمكن الرجل من الجلوس فيه ، لما روى في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام. واما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس (١) وينبغي ان يقدر بجلوس الميت ، وكأنه المراد.

قوله : «وكشف الرأس إلخ» دليل الكشف ما روى عن الصادق عليه السلام قال : لا تنزل القبر وعليك العمامة ولا قلنسوة ، ولا رداء ، ولا حذاء ، وحل أزرارك ، قلت : فالخف؟! قال : لا بأس بالخف في وقت الضرورة والتقية (٢)

ودليل حل العقد. رواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام (٣) وقد دل الخبر السابق على حل عقد ثياب النازل أيضا (٤) فيمكن إرادته في المتن ، والكل حسن للخبر والفتوى.

واما دليل جعل التربة معه : فكأنه التبرك والتيمن والشرف الموجود في تربته عليه السلام.

قال : المصنف طلبا للبركة والاحتراز من العذاب والستر من العقاب فقد روى ان امرأة كانت تزني وتضع أولادها فتحرقهم بالنار خوفا من أهلها ، ولم يعلم به غير أمها ، فلما ماتت دفنت فانكشف التراب عنها ولم تقبلها الأرض فنقلت

__________________

(١) الوسائل باب (١٤) من أبواب الدفن قطعة من حديث ـ ٢

(٢) الوسائل باب (١٨) من أبواب الدفن حديث ـ ٤

(٣) الوسائل باب (١٩) من أبواب الدفن حديث ـ ٤ ولفظ الحديث (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا وضعته في لحده فحل عقده اه)

(٤) الوسائل باب (١٨) من أبواب الدفن حديث ـ ٤

٤٨١

والتلقين والدعاء وشرج اللبن

والخروج من قبل الرجلين

______________________________________________________

عن ذلك المكان الى غيره فجرى لها ذلك ، فجاء أهلها إلى الصادق عليه السلام وحكوا له القصة! فقال لأمها : ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي؟ فأخبرته بباطن أمرها! فقال الصادق عليه السلام : ان الأرض لا تقبل هذه ، لأنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين عليه السلام ، ففعلوا ذلك فسترها الله تعالى فاستقرت (١).

يفهم منه تحريم تحريق الناس ، حتى ولد الزنا ، وانه موجب لعدم قبول الأرض إياه : ونقل أيضا انه لا يعذب بالنار الا رب النار (٢) وشرف التربة الحسينية صلوات الله على مشرفها ، وهو مؤيد لما ورد في الدفن في أرض كربلاء ، وهذه أيضا مؤيد للمسئلة.

واما التلقين والدعاء فهما موجودان في روايات كثيرة (٣) والترغيب فيهما كثير وقد مر بعضها ، فلا ينبغي الترك ، خصوصا التلقين.

وادعى في المنتهى : الإجماع على استحباب شرج اللبن ، ليمنع من ان يصل إليها التراب ، وانه يقوم مقامه الخشب والحجر والقصب وكل ما يساويه في منع التراب ، وان اللبن اولى لموافقته لعمل السلف.

واما الخروج من قبل الرجل فلما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه : قال من دخل القبر فلا يخرج (منه خ) الا من قبل الرجلين (٤) وما رواه جبير بن نفير الحضرمي. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان لكل بيت بابا وان باب القبر من قبل الرجلين (٥) ولرواية عمار المتقدمة (٦).

__________________

(١) الوسائل باب (١٢) من أبواب التكفين حديث ـ ٢

(٢) سنن أبي داود ، الجزء الرابع : كتاب الأدب ، باب في قتل الذر حديث ـ ٥٢٦٨ ولفظ الحديث (ورأى ـ أي رسول الله صلى الله عليه وآله ـ قرية نمل قد حرقناها فقال : من حرق هذه؟ قلنا : نحن ، قال : انه لا ينبغي ان يعذب بالنار الا رب النار)

(٣) الوسائل باب (٢٠) من أبواب الدفن ، فراجع

(٤) الوسائل باب (٢٣) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٥) الوسائل باب (٢٢) من أبواب الدفن حديث ـ ٧

(٦) الوسائل باب (٢٢) من أبواب الدفن حديث ـ ٦

٤٨٢

وإهالة الحاضرين بظهور الأكف.

______________________________________________________

قوله : «وإهالة الحاضرين إلخ» بمعنى صب التراب بظهور الأكف ، دليله ما رواه الشيخ عن محمد بن الأصبغ عن بعض أصحابنا ، قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام وهو في جنازة فحثا التراب على القبر بظهر كفيه (١) وقال الشارح. لمرسلة الأصبغ (٢) وهو غير واضح (٣) وما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا حثوت التراب على الميت ، فقل : ايمانا بك وتصديقا بنبيك (ببعثك كا) هذا ما وعدنا الله ورسوله قال : وقال أمير المؤمنين عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من حثا على ميت وقال هذا القول أعطاه الله بكل ذرة حسنة (٤) ويفهم ان كثرة الإهالة أحسن :

وأيضا حسنة داود بن نعمان (الثقة) قال رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول : ما شاء الله لا ما شاء الناس ، فلما انتهى الى القبر تنحى فجلس ، فلما ادخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده (٥) ورواية محمد بن مسلم قال : كنت مع أبي جعفر عليه السلام في جنازة رجل من أصحابنا ، فلما ان دفنوه قام عليه السلام الى قبره فحثا التراب عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفيه ، ثم بسط كفه على القبر ، ثم قال : اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا واسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك ثم مضى (٦)

وحسنة عمر بن أذينة قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يطرح التراب على الميت فيمسكه ساعة في يده ثم يطرحه ولا يزيد على ثلاثة أكف ، قال فسألته عن ذلك؟ فقال : يا عمر كنت أقول : إيمانا بك وتصديقا بنبيك (ببعثك كا) هذا ما وعدنا الله ورسوله ، الى قوله ، تسليما (٧) هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه

__________________

(١) الوسائل باب (٢٩) من أبواب الدفن حديث ـ ٥

(٢) الوسائل باب (٢٩) من أبواب الدفن حديث ـ ٥

(٣) لان الإرسال عن محمد بن الأصبغ ، لا الأصبغ

(٤) الوسائل باب (٢٩) من أبواب الدفن حديث ـ ٤

(٥) الوسائل باب (٢٩) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٦) الوسائل باب (٢٩) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

(٧) تقدم تمامه في مسئلة الاعلام والدعاء

٤٨٣

مسترجعين.

ورفعه أربع أصابع ، وتربيعه ،

______________________________________________________

وآله وبه جرت السنة (١)

وما رأيت دليلا على قوله (إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، بخصوصه ، والذي أراده بقوله : مسترجعين ، فكأنه مأخوذ من القول المطلق ، فتأمل ، وقد استثنى منه ذو الرحم. كما يدل عليه قول أبي عبد الله عليه السلام فيما روى عنه (ع) قال عبيد بن زرارة مات لبعض أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ولد فحضر أبو عبد الله (ع) فلما الحد تقدم أبوه يطرح عليه التراب ، فأخذ أبو عبد الله عليه السلام بكفيه ، وقال لا تطرح عليه التراب ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى ان يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب ، فقلنا يا ابن رسول الله ا تنهانا عن هذا وحده؟ فقال : انها كم ان تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم ، فإن ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسى قلبه بعد من ربه (٢)

قوله : «ورفعه أربع أصابع. وتربيعه إلخ» دليلهما صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أحدهما عن الميت؟ قال : تسله من قبل الرجلين وتلزق القبر بالأرض إلا قدر أربع أصابع مفرجات ويربع (وترفع كا) قبره (٣) والاخبار في ذلك كثيرة. وفي خبر سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام ويرفع قبره من الأرض قدر أربع أصابع مضمومة وينضح عليه الماء ويخلى عنه (٤)

فيحمل على التخيير ، ولعل المفرجات أحسن ، لأن خبرها أصح وأكثر.

ويدل على الرش والرفع والانفراج أيضا ما روى عنهما عليهما السلام ان قبر رسول الله صلى الله عليه وآله رفع شبرا من الأرض وان النبي (ص) أمر برش القبور (٥)

__________________

(١) الوسائل باب (٢٩) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٢) الوسائل باب (٣٠) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (٢٢) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٤) الوسائل باب (٣١) من أبواب الدفن قطعة من حديث ـ ٤ وصدر الحديث (قال : يستحب ان يدخل معه في قبره جريدة رطبة ، ويرفع الحديث)

(٥) الوسائل باب (٣١) من أبواب الدفن حديث ـ ٣ ـ ٨ ـ ١٠

٤٨٤

وصب الماء من قبل رأسه دورا ،

ووضع اليدين عليه.

______________________________________________________

ويدل على كيفية الرش ، ما روى عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : السنة في رش الماء على القبر : ان تستقبل القبلة وتبدء من عند الرأس إلى عند الرجل. ثم تدور على القبر من الجانب الأخر ثم يرش على وسط القبر فكذلك السنة (١)

واما كون الابتداء من جانب القبلة أو غيرها فلا يدل عليه شي‌ء ، ولا يبعد أفضليته جانب القبلة للتيمن ، ولا يبعد فهم الابتداء من غير جانب القبلة من الخبر ، فافهم.

ويدل أيضا عليها أخبار كثيرة مثل رواية الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أمرني أبي ان أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات ، وذكر ان الرش بالماء حسن (٢) وما في حسنة حماد (حين يوصى الصادق عليه السلام) فقال أبو جعفر عليه السلام إذا أنا مت فغسلني وكفني وارفع قبري أربع أصابع ورشه بالماء (٣) وهذه تدل على وجوب الغسل والكفن في الجملة ، وكان للإجماع ونحوه. حمل الرفع والرش على الاستحباب وسماها في المنتهى بالصحة ، مع وجود إبراهيم بن هاشم. وذلك هين.

ويدل على ثواب الرش ما روى في الكافي عن ابن أبي عمير في الحسن ـ لإبراهيم ـ عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : في رش الماء على القبر تتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب (٤) وإرساله لا يضر كما هو المقرر عندهم فالحديث معتبر الاسناد ، ولا يبعد جعله دليل الاستحباب (مطلقا ـ خ)

واما وضع اليد على القبر ، فاستحبابه هو المشهور ، وعليه دلت الروايات ، منها ما

__________________

(١) الوسائل باب (٣٢) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٢) الوسائل باب (٣١) من أبواب الدفن حديث ـ ٧

(٣) الوسائل باب (٣١) من أبواب الدفن حديث ـ ٥ وصدر الحديث هكذا (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ان أبي قال لي : ذات يوم في مرضه ، يا بني أدخل أناسا من قريش من أهل المدينة حتى أشهدهم ، قال : فأدخلت عليه أناسا منهم ، فقال يا جعفر : إذا أنا مت الحديث)

(٤) الوسائل باب (٣٢) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

٤٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في رواية محمد بن مسلم (المتقدمة) ، ثم بسط كفيه على القبر وقال : اللهم إلخ (١) فهي دالة على الدعاء أيضا ، وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ، قال : إذا وضعت الميت في لحده ، فقل : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ، واقرء آية الكرسي واضرب يدك على منكبه الأيمن ، ثم قل : يا فلان ، قل (قد ـ كا) رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبحمد (صلى الله عليه وآله نبيا كا) رسولا وبعلي اماما ، ويسمى إمام زمانه ، فإذا حثى عليه التراب وسوى قبره ، فضع كفك (كفيك يب) على قبره عند رأسه وفرج أصابعك ، واغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء (٢)

فيها دلالة على الدعاء ، وقراءة آية الكرسي ، والتلقين في القبر ، والضرب على منكبه الأيمن ، وانه لا يجب معرفة إمام بعد امام زمانه ، فافهم : وانه ينبغي وضع اليد عند الرأس مع التفريج والغمز وكونه بعد النضح ، واستحبابه أيضا :

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله. قال سألت أبا عبد الله عليه السلام كيف أضع يدي على قبور المسلمين؟ فأشار بيده الى الأرض فوضعها عليها وهو مقابل للقبلة (٣)

يدل على كون الوضع مستقبل القبلة ، ويفيد عموم الوضع ، وعدم الاختصاص بما بعد الدفن وعند الرأس ، فلا يبعد الاستحباب مطلقا كما هو المتعارف الآن بينهم ، وهذه موجودة في الكافي عنه قال : سألته عن وضع الرجل يده على القبر ما هو؟ ولم صنع؟ فقال : صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله على ابنه (بنيه خ ل) بعد النضح ، قال : وسألته. إلى آخر ما مر ، الا انه قال ثم رفعها وهو مقابل القبلة (٤) وهذه كلها تفيد العموم.

لكن حسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه

__________________

(١) الوسائل باب (٢٩) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

(٢) الوسائل أورد قطعة منه في باب (٢٠) من ابوابنا حديث ـ ٦ وقطعة منه في باب (٣٣) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (٣٣) من أبواب الدفن ذيل حديث ـ ٥

(٤) الوسائل باب (٣٣) من أبواب الدفن صدر حديث ـ ٥

٤٨٦

والترحم.

______________________________________________________

وآله يصنع بمن مات من بنى هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين ، كان إذا صلى على الهاشمي ونضح قبره بالماء ، وضع كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين فكان الغريب يقدم ، أو المسافر من أهل المدينة فيرى القبر الجديد عليه اثر كف رسول الله (ص) فيقول من مات من آل محمد (ص) (١)

يدل على اختصاص فعله بهم ، وقد يكون ذلك لسبب ما نعلمه ولا يدل على منع فعل الناس بغيرهم ، ويحتمل كون الاختصاص بزمان دون زمان.

ويدل على اختصاصه بمن لم يصل على الميت مثل رواية إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام ان أصحابنا يصنعون شيئا ، إذا حضروا الجنازة ودفن الميت ، لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر! أفسنة ذلك أم بدعة؟ فقال : ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه (٢) وكذا رواية محمد بن إسحاق ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام شي‌ء يصنعه الناس عندنا! يضعون أيديهم على القبر إذا دفن الميت؟ قال : انما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه ، فاما من أدرك الصلاة فلا (٣)

ولعل المراد شدة الاستحباب لمن لم يصل وعدمها لغيره ، ولهذا قال في الاولى ، ان ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه : أو تحمل على التقية لو كانت ، مع عدم صحة السند والمعارضة بالأشهر ، والأصح في الجملة ، والفتوى المشهور ، والعمل كذلك.

قوله : «والترحم» اى الدعاء له بان يرحمه الله وقد مر ذلك في رواية محمد بن مسلم ، اللهم إلخ.

قال الشارح : وحكى في الذكرى عن الصدوق انه متى زار قبرا دعا به مستقبل القبلة ، ورأيت في بعض الروايات ، ان زيارة غير المعصوم مستقبل القبلة ، وزيارته مستدبرها ومستقبلة.

__________________

(١) الوسائل باب (٣٣) من أبواب الدفن حديث ـ ٤

(٢) الوسائل باب (٣٣) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٣) الوسائل باب (٣٣) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

٤٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

في زيارة القبور

الظاهر عدم الخلاف في استحباب زيارة القبور للرجال كافة ، قال : في المنتهى هو قول العلماء ، ويدل عليه الاخبار من العامة (١) والخاصة (٢)

وقال فيه أيضا لا خلاف في الدعاء والصدقة والاستغفار وأداء الواجبات التي تدخلها النيابة ، واستدل عليه بالاخبار والآية (٣) وكذا قراءة شي‌ء عنده من الأدعية والقرآن ، وقال أيضا فيه. لا بأس بالقراءة عند القبر ، بل هو مستحب ، واستدل عليه بالاخبار.

وينبغي ان يقول عند زيارة القبور ما روى عنهم عليهم السلام. روى في الفقيه عن محمد بن مسلم (قال : في المنتهى في الصحيح ، وهو غير ظاهر لي ، لعدم ثبوت صحة طريقه اليه ، وهو يروى عنه فيه بغير الإسناد) انه قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام الموتى تزورهم؟ فقال : نعم ، قلت : فيعلمون بنا إذا آتيناهم؟ فقال : اى والله. انهم ليعلمون بكم ، ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم ، قال : قلت فأي شي‌ء نقول إذا أتيناهم؟ قال : قل : اللهم جاف الأرض عن جنوبهم وصاعد إليك أرواحهم ولقهم منك رضوانا واسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم وتونس به وحشتهم انك على كل شي‌ء قدير (٤)

وقال فيه أيضا قال الرضا عليه السلام ما من عبد زار قبر مؤمن فقرء عنده «إنا أنزلنا في ليلة القدر» سبع مرات ، إلا غفر الله له ولصاحب القبر (٥)

__________________

(١) صحيح مسلم كتاب الجنائز (٣٥) باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها حديث ـ ١٠٢ و ١٠٣ و ١٠٤ وسنن ابن ماجة ، كتاب الجنائز (٤٧) باب ما جاء في زيارة القبور حديث ـ ١٥٦٩ و ١٥٧٠ و ١٥٧١

(٢) الوسائل باب (٥٤) من أبواب الدفن فلاحظ

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : «(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) الآية وقوله تعالى : «اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ الآية»

(٤) الوسائل باب (٥٤) من أبواب الدفن حديث ـ ٢ الى قوله : ويستأنسون بكم ، وأورد تمام الحديث في باب (٥٨) من تلك الأبواب حديث ـ ١

(٥) الوسائل باب (٥٧) من أبواب الدفن حديث ـ ٥

٤٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وروى في الكافي في الحسن لإبراهيم بن هاشم عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف التسليم على أهل القبور؟ فقال : نعم ، تقول السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين أنتم لنا فرط ونحن إنشاء الله بكم لاحقون (١)

وفي الصحيح عن منصور بن حازم ، قال تقول : السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله بكم لاحقون (٢) وغير ذلك. وقد ورد في الاخبار المعتبرة زيارة فاطمة عليها السلام قبور الشهداء في الأسبوع مرتين ، الاثنين والخميس (٣) وفي كل غداة سبت ، واستغفارها لحمزة (٤)

فالظاهر عدم الكراهة للنساء أيضا زيارة قبور أقاربهم (هن خ ل) ، فالائمة عليهم السلام بالطريق الاولى.

وينبغي كون ذلك بحيث لا يراهن الرجال : ويحتمل اختصاصها بها عليها السلام لعصمتها ومعلومية سترها عن العيون ، وروى فيه أيضا عن محمد بن يحيى عن محمد بن احمد قال : كنت بفيد ، فمشيت مع على بن بلال الى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع ، فقال على بن بلال : قال لي : صاحب هذا القبر عن الرضا عليه السلام قال : من اتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرء إنا أنزلنا في ليلة القدر سبع مرات ، أمن يوم الفزع الأكبر ، أو يوم الفزع (٥)

الظاهر ان المراد أمن القائل ، ويحتمل المزور ، وهما أيضا كما يدل عليه ما نقلناه عن الرضا في الفقيه (٦) والظاهر ان هذا السند صحيح ، لان محمد الأول هو ابن يحيى العطار الثقة ، والثاني هو محمد بن احمد بن يحيى الأشعري الثقة كما يفهم من النجاشي ، وعلى بن بلال أيضا ثقة ، وهي مذكورة في النجاشي أيضا عند ذكر

__________________

(١) الوسائل باب (٥٦) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٢) الوسائل باب (٥٦) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٣) الوسائل باب (٥٥) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٤) الوسائل باب (٥٥) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٥) الوسائل باب (٥٧) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٦) الوسائل باب (٥٧) من أبواب الدفن حديث ـ ٥

٤٨٩

وتلقين الولي بعد الانصراف بأعلى صوته.

______________________________________________________

محمد بن إسماعيل بهذا السند صحيحا ، الا انها نقلت عن أبي جعفر عليه السلام (١) ويحتمل التعدد ، والظاهر انه عن الرضا عليه السلام ، وهكذا مشهور. وفي التهذيب أيضا كذلك وهذه مذكورة بسند حسن في موضع أخر أيضا ، لكنه ما رويت عن الرضا عليه السلام ، بل قطعت على صاحب القبر ، يعنى محمد بن إسماعيل ، فيعلم من هذه ومما سبق كونه عنه عليه السلام فصار الخبر معتبرا.

وينبغي اختيار الدعاء المذكور في رواية محمد بن مسلم السابقة : وروى نحوه ـ مثل اللهم ارحم غربته وآنس وحشته واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغنى بها عن رحمة من سواك والحقه بمن كان يتولاه من الأئمة الطاهرين ـ في كتاب المزار.

فلا يبعد حينئذ استحباب قراءة إنا أنزلناه سبعا مع دعاء الترحم ، ووضع اليد والزيارة بعد الدفن كما هو المتعارف بين الطائفة الآن.

وروى فيه أيضا عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم ، وليطلب أحدكم حاجة عند قبر أبيه وعند قبر امه بما يدعو لهما (٢)

قوله : «وتلقين الولي إلخ» قد مر التلقين عند الاحتضار ، والذي في اللحد ، ويدل عليه أيضا أخبار كثيرة مع الدعاء عند الانزال ، منها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا سللت الميت. فقل : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم الى رحمتك لا الى عذابك فإذا وضعته في اللحد فضع فمك على اذنه ، وقل : الله ربك والإسلام دينك ومحمد نبيك والقرآن كتابك وعلى امامك (٣)

ورواية محمد بن عجلان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سله سلا رفيقا فإذا وضعته في لحده فليكن اولى الناس به مما يلي رأسه وليذكر اسم الله ويصلى على النبي (ص) ويتعوذ من الشيطان وليقرء فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله

__________________

(١) الوسائل باب (٥٧) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

(٢) الوسائل باب (٥٤) من أبواب الدفن حديث ـ ٥

(٣) الوسائل باب (٢٠) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

٤٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

احد وآية الكرسي ، وان قدر ان يحسر عن خده ويلزقه بالأرض فعل ، (وليتشهد يب) ويشهد ويذكر ما يعلم حتى ينتهي الى صاحبه (١)

ورواية محمد بن سنان عن محفوظ الإسكاف عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أردت أن تدفن الميت ، فليكن اعقل من ينزل في قبره عند رأسه وليكشف (عن) خده حتى يفضى به الى الأرض ويدنى فمه الى سمعه ، ويقول : اسمع افهم ، ثلاث مرات ، الله ربك ومحمد نبيك والإسلام دينك وفلان إمامك ، اسمع وافهم ، وأعدها عليه ثلاث مرات هذا التلقين (٢) وفي بعضها دلالة على كون ذلك من الولي ، والظاهر انه بمعنى الأولوية ، لا الشرط ، فهو مؤيد للاحتمال الذي ذكرناه في سائر احكامه.

واما ما يدل على تلقينه بعد الدفن فهو خبر جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال : ما على أحدكم إذا دفن ميته وسوى عليه وانصرف عن قبره ، ان يتخلف عند قبره ، ثم يقول : يا فلان بن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة ان لا إله إلا الله ، وان محمدا رسول الله ، وان عليا أمير المؤمنين امامك وفلان وفلان حتى يأتي على آخرهم ، فإنه إذا فعل ذلك ، قال احد الملكين لصاحبه قد كفينا الوصول اليه (ومسئلتنا) إياه ، فإنه قد لقن حجته فينصر فان عنه ولا يدخلان عليه (٣) وقريب منه ما نقل في المنتهى عن العامة وفيه يا فلان بن فلان ثلاثا ، وذكر الشهادتين ، ورضيت بالله ربا وبمحمد نبيا وبالقران (كتابا خ) اماما فقط (٤)

وكأن كونه من الولي : أخذ من كون سائر الأحكام منه ، ومن قوله عليه السلام (إذا دفن ميته إلخ) فيفهم منه الولي ، ورواية الفقيه الاتية صريحة فيه ، واجزاء الغير معلوم ، لان الغرض واضح ، ومعلوم من الخبر.

__________________

(١) الوسائل باب (٢٠) من أبواب الدفن حديث ـ ٥

(٢) الوسائل باب (٢٠) من أبواب الدفن حديث ـ ٤

(٣) الوسائل باب (٣٥) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٤) رواه في المنتهى ص ٤٦٣ في مسئلة (ويستحب معاودة التلقين بعد انصراف الناس عنه)

٤٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وكونه بأعلى صوته ، مع عدم التقية ، ومعها سرا ، ذكره الأصحاب ، لعل الوجه الوصول اليه ، والظاهر انه لا يصل اليه الّا بتوفيق الله تعالى. ولا يتفاوت فيه الجهر والسر ، ولكن لا بأس في الاقتداء بهم.

ويدل على انه با على صوته رواية الفقيه الاتية.

واما كيفية الوقوف. فذكر البعض الاستقبال ، والبعض الاستدبار. ولا نص. والاعتبار يدل على الاستدبار واستقبال الميت ، ولا يبعد الاستقبال للتيمن ، وخير المجالس (١)

وروى في الفقيه عن يحيى بن عبد الله ، انه قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ما على أهل الميت منكم ان يدرأوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير! فقلت : وكيف نصنع؟ فقال : إذا أفرد الميت ، فليتخلف عنده اولى الناس به ، فيضع فاه على (فمه عند ـ يب) رأسه ، ثم ينادى بأعلى صوته ، يا فلان بن فلان ، أو يا فلانة بنت فلانة (٢) هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله سيد النبيين وان عليا أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، وان ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله حق وان الموت حق والبعث حق ، وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور. فإذا قال ذلك : قال منكر لنكير : انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته (٣) وهذه مذكورة في التهذيب أيضا.

وفيها دلالة على رفع الصوت. وكونه من الولي ، مع وضع الفم على رأسه. وذكر المؤمن (المؤمنة خ ل) باسمها واسم أمها ، لا أبيها.

وفي الخبر عن الجمهور. كلاهما مضافان إلى الأم وانه ان لم يعرف الام

__________________

(١) الوسائل كتاب الحج باب (٧٦) من أبواب أحكام العشرة حديث ـ ٣ عن الشيخ بهاء الدين في مفتاح الفلاح

(٢) جامع احاديث الشيعة باب (٤١) من أبواب الدفن حديث ـ ١ وفيه (يا فلانة بنت فلانة) وفي النسخ التي عندنا من الكافي والتهذيب والفقيه (فلان) بدل (فلانة)

(٣) الوسائل باب (٣٥) من أبواب الدفن حديث ـ ١

٤٩٢

والتعزية قبل الدفن وبعده ، وتكفي المشاهدة

______________________________________________________

يضيفه الى حواء (١) قال الشارح : لا فرق في هذا الحكم بين الصغير والكبير كما في الجريدتين ، لا طلاق الخبر ولا ينافيه التعليل بدفع العذاب ، كما في عموم كراهة المشمس ، وان كان المرض انما يتولد على وجه مخصوص.

وقال أيضا : بعد قوله : (بأعلى صوته) ذكره الأصحاب. وفي التعميم تأمل. لأن الظاهر انه لدفع السؤال. وأيضا قد لا يمكن مثل هذه القول للصغير ، لعدم حصول هذا العهد منه الا بتأويل بعيد ، ولا يقاس بالجريدتين مع وجود النص ، ولولا ذلك لمنع أيضا. وان رفع الصوت موجود في رواية يحيى المتقدمة.

قوله : «والتعزية قبل الدفن وبعده وتكفي المشاهدة» قال الشارح : وهي تفعلة ، من العزاء وهو الصبر. والمراد بها هنا ، الحمل على الصبر ، والتسلي عن المصاب ، بإسناد الأمر الى الله وحكمته والتذكير بما وعد الله على الصبر.

وقد ورد الأخبار في التعزية ، روى في الفقيه عن هشام بن الحكم في الصحيح ، انه قال : رأيت موسى بن جعفر عليهما السلام يعزى قبل الدفن وبعده (٢)

وقال الصادق عليه السلام : التعزية الواجبة بعد الدفن (٣)

كأنه يريد به تأكيد الاستحباب للإجماع ، وقال : كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة (٤) واتى أبو عبد الله عليه السلام قوما قد أصيبوا بمصيبة ، فقال : جبر الله وهنكم وأحسن عزاكم ورحم متوفاكم. ثم انصرف (٥) وقال رسول الله

__________________

(١) كنز العمال ج ١٥ ص ٧٣٧ رقم (٤٢٩٣٤) (التلقين) ولفظ ما رواه (عن سعيد الأموي قال : شهدت أبا امامة وهو في النزع ، فقال لي : يا سعيد! إذا أنا مت فافعلوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، قال لنا رسول الله ص : إذا مات احد من إخوانكم فسويتم عليه التراب فليقم رجل منكم عند رأسه ، ثم ليقل يا فلان بن فلانة! فإنه يسمع ولكنه لا يجيب ، ثم ليقل : يا فلان بن فلانة! فإنه يقول : أرشدنا رحمك الله! ثم ليقل : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله ، وانك رضيت بالله ربا وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا وبالقرآن اماما ، فقال له رجل يا رسول الله فان لم أعرف امّه قال انسبه الى حوا.

(٢) الوسائل باب (٤٧) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (٤٨) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

(٤) الوسائل باب (٤٨) من أبواب الدفن قطعة من حديث ـ ٤

(٥) الوسائل باب (٤٩) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

٤٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

صلى الله عليه وآله : التعزية تورث الجنة (١) وعزى الصادق عليه السلام رجلا بابن له ، فقال عليه السلام : الله خير لابنك منك ، وثواب الله خير لك من ابنك ـ الخبر (٢) وصدقها بالمعنى المذكور على مجرد الرؤية محل التأمل ، فينبغي اختيار ما نقل :

وينبغي أيضا فعله بعد الدفن لما مر ، ولحسنة ابن أبي عمير في الكافي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن (٣) بل عند القبر ، ويدل عليه روايتا إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه السلام تارة ومقطوعا اخرى ، قال : ليس التعزية إلّا عند القبر ، ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت كأنه للتأكيد ، مع عدم صحة السند والندرة ، وعدم العلم ، والفتوى بها.

ويدل على تعميم التعزية للرجال والنساء ما روى في الكافي مسندا عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان فيما ناجى به موسى ربه قال يا رب ما لمن عزى الثكلى؟ قال : أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي (٤)

وروى فيه انه قال أمير المؤمنين عليه السلام من عزى الثكلى اظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله.

وروى أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها.

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله (ص) من عزى مصابا كان له مثل اجره من غير ان ينتقص من أجر المصاب شي‌ء.

وروى في الفقيه ، ما يدل على التلطف باليتيم : ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم ترحما له ، إلا أعطاه الله عز وجل بكل شعرة نورا يوم القيامة (٥) وانه يكتب الله

__________________

(١) الوسائل باب (٤٦) من أبواب الدفن حديث ـ ٦ ـ ٨

(٢) الوسائل باب (٤٩) من أبواب الدفن قطعة من حديث ـ ١

(٣) أورده والذي بعده في الوسائل باب (٤٨) من أبواب الدفن حديث ـ ١ ـ ٢

(٤) أورده والثلثة التي بعده في الوسائل باب (٤٦) من أبواب الدفن حديث ـ ٣ ـ ٥ ـ ٤ ـ ٢

(٥) أورده والأربعة بعده في الوسائل باب (٩١) من أبواب الدفن حديث ـ ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥

٤٩٤

ويكره فرش القبر بالساج من غير ضرورة ،

______________________________________________________

عز وجل له بعدد كل شعرة مرت عليها يده ، حسنة.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من أنكر منكم قساوة قلبه فليدن يتيما فيلاطفه ، وليمسح رأسه ، يلين قلبه باذن الله عز وجل ، فان لليتيم حقا.

وروى انه يقعده على خوانه ويمسح رأسه يلين قلبه.

وقال الصادق عليه السلام : إذا بكى اليتيم اهتز له العرش فيقول الله تبارك وتعالى : من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره ، فو عزتي وجلالي وارتفاعي في مكاني لا يسكنه عبد مؤمن إلا وجبت له الجنة.

واعلم ان الشارح. قال : يكره تعزية الشابة خوفا للفتنة : كأنه أخذ مما روى الصدوق ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يسلم على النساء ، وكان يكره ان يسلم على الشابة منهن ، وقال : أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل من الإثم علي أكثر ممّا اطلب من الأجر (١)

والأصل غير واضح لعدم صحته ، وعلى تقدير صحته لا تخصص هذه الاخبار بمثله ، مع عدم ظهور علة القياس.

قوله : «ويكره فرش القبر إلخ» ذكره الأصحاب ، وما رأيت ما يدل عليه في الاخبار ، ويمكن ان فهموا من مفهوم مكاتبة على بن بلال الى أبي الحسن عليه السلام انه ربما مات الميت عندنا وتكون الأرض ندية فنفرش القبر بالساج أو يطبق عليه ، فهل يجوز ذلك؟ فكتب عليه السلام ذلك جائز (٢)

وفي الفهم تأمل مع قصور السند ، الا انه لا بأس بالعمل بمضمونه ومنطوقه : وروى في الكافي بإسناده عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : القى شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وآله في قبره القطيفة (٣) فكأنه لعدم الصحة واستلزامه الإسراف المحرم ، ما عمل به : وقيل يحرم فرش القبر بماله قيمة من الثياب ونحوها ، كما يحرم وضع ذلك مع الميت : قال في الشرح : كأن وجهه

__________________

(١) الوسائل باب (٤٨) من أبواب العشرة قطعة من حديث ـ ١

(٢) الوسائل باب (٢٧) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (٢٧) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

٤٩٥

ونزول ذي الرحم إلّا في المرأة.

______________________________________________________

ما مر (من الإسراف خ)

قوله : «ونزول ذي الرحم إلخ» يدل على كراهة نزول الوالد قبر ولده بمعنى إنزاله في لحده ، ما روى في الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الرجل ينزل في قبر والده ولا ينزل الوالد في قبر ولده (١)

وحسنة حفص بن البختري وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يكره للرجل ان ينزل في قبر ولده (٢)

وما روى في الكافي مسندا عن أبي عبد الله عليه السلام ، ان الرجل يدفن ابنه؟ قال : لا يدفنه في التراب ، قال : قلت : فالابن يدفن أباه؟ قال : نعم ، لا بأس (٣) وفي كل هذا دلالة على اختصاص الكراهة بالوالد ، وتصريح بنفي البأس والأذن في الولد : وكذا في روايتين أخريين عنه عليه السلام ان الرجل ينزل قبر والده ولا ينزل في قبر ولده (٤) والأصل يؤيده : وأوّل بعدم تأكيد الكراهة في الوالد. للكراهة فيه أيضا ، لأنه يورث القساوة ، ولقول الصادق عليه السلام الوالد لا ينزل في قبر ولده والولد لا ينزل في قبر والده والعلة غير ظاهرة ، ووجودها في اهالته التراب لا يستلزم في النزول ، والخبر ما رأيته ، والشارح نقله (٥) ولو ثبت فالحمل لا بأس به ، والا فالأولى عدم الكراهة في الولد. بل في جميع الأقارب إلا الأب : ويؤيده تعلق احكامه بالولي ، وكذا ما مر في بعض الاخبار من نزول اولى الناس به والتلقين (٦)

وبالجملة دليل الكراهة مطلقا غير واضح. لكنها مشهورة ، فكأنها إجماعية والّا فالظاهر العدم.

نعم الإهالة مكروهة لمطلق الأقارب كما مر.

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (٢٥) من أبواب الدفن حديث ـ ٦

(٤) الوسائل باب (٢٥) من أبواب الدفن حديث ـ ٥ ـ ٧

(٥) نقله في روض الجنان ص ٣١٨

(٦) راجع الوسائل باب (٢٠) و (٢٤) من أبواب الدفن.

٤٩٦

واهالته التراب ،

وتجديد القبور.

______________________________________________________

واما في المرأة : فلا خلاف في أولوية نزول ذي الرحم ، وكون الزوج اولى ، بما روى مسندا في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله ان المرأة لا يدخل قبرها الا من كان يراها في حياتها (١) وما روى فيه كذلك عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها (٢)

قوله : «واهالته التراب» اى ويكره ان يهيل ذو الرحم على رحمه ، وقد مر ما يدل على عموم هذا الحكم مع التعليل ، وهو في رواية عبيد بن زرارة : ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب ، ثم قال : انها كم ان تطرحوا على ذوي الأرحام فإن ذلك يورث القسوة في القلب ، ومن قسا قلبه بعد من ربه (٣)

قوله : «وتجديد القبور» قال الشارح : (بعد اندراسها على وجه الأرض ، سواء اندرست عظامها أم لا الا ان يكون في أرض مسبلة ويندرس عظامها فيحرم تجديدها وحينئذ تصويرها بصورة المقابر ، لان ذلك يمنع من هجوم غيرها مع زوال حقها)

ولا يبعد الحوالة إلى العرف ، بحيث يسمى عرفا بالتجديد كما في سائر المسائل.

واما التحريم بعد اندراس العظام : فعلى تقدير الاحتياج الى ذلك المكان لا يبعد فيما ذكر ، واما مع عدمه فهو غير ظاهر.

واما دليل المسئلة فهو الخبر المروي في التهذيب والفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام (٤)

قال في الفقيه : اختلف مشايخنا في معنى هذا الخبر ، فقال محمد بن الحسن الصفار رحمه الله : هو جدد بالجيم لا غير ، وكان شيخنا محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد

__________________

(١) الوسائل باب (٢٦) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٢) الوسائل باب (٢٦) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٣) الوسائل باب (٣٠) من أبواب الدفن قطعة من حديث ـ ١

(٤) الوسائل باب (٤٣) من أبواب الدفن حديث ـ ١

٤٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

رضى الله عنه يحكى عنه انه قال : لا يجوز تجديد القبر ولا تطيين جميعه بعد مرور الأيام عليه وبعد ما طين في الأول ، ولكن إذا مات ميت وطين قبره فجائز أن يرم سائر القبور من غير ان تجدد : وذكر عن سعد بن عبد الله ره انه كان يقول انما هو (من حدد قبرا) بالحاء غير المعجمة ، يعنى به من سنم قبرا : وذكر عن احمد بن أبي عبد الله البرقي انه قال : انما هو (من جدث قبرا) وتفسير الجدث بالقبر ، فلا ندري ما عنى به.

والذي اذهب اليه أنه جدد بالجيم ، ومعناه نبش قبرا ، لان من نبش قبرا فقد جدده وأحوج إلى تجديده وقد جعله جدثا محفورا :

وأقول : ان التجديد على المعنى الذي ذهب اليه محمد بن الحسن الصفار ، والتحديد بالحاء الغير المعجمة الذي ذهب اليه سعد بن عبد الله ، والذي قاله البرقي من انه جدث كله داخل في معنى هذا الحديث ، وان من خالف الإمام في التجديد والتسنيم والنبش واستحل شيئا من ذلك فقد خرج من الإسلام.

والذي أقول في قوله عليه السلام (من مثل مثالا) (١) انه يعنى به من أبدع بدعة ودعا إليها أو وضع دينا فقد خرج من الإسلام ، وقولي في ذلك قول أئمتي عليهم السلام ، فإن أصبت فمن الله على ألسنتهم وان أخطأت فمن عند نفسي. (٢)

قال في التهذيب بعد نقل كلام الفقيه : وكان شيخنا محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله يقول : ان (الخبر خ ل) خدد ، بالخاء والدالين. وذلك مأخوذ من قوله تعالى (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٣) والخد هو الشق : تقول خددت الأرض خدا : اى شققتها ، وعلى هذه الرواية ، يكون النهي تناول شق القبر : اما ليدفن فيه ، أو على جهة النبش على ما ذهب اليه محمد بن على (يريد به الصدوق أبو جعفر بن بابويه) وكل ما ذكرناه من الروايات والمعاني محتمل ، والله اعلم بالمراد ، والذي صدر الخبر عنه ، عليه السلام

__________________

(١) الوسائل باب (٤٣) من أبواب الدفن قطعة من حديث ـ ١

(٢) الى هنا كلام الفقيه

(٣) البروج : (٨٥)

٤٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : ان كان معناه النبش فقط ، أو جعله قبرا مرة أخرى ليدفن فيه كما يفهم من جدث وجدد على ما فهم الصدوق. ومن حدد : فيكون جدد ، وخدد ، وجدث ، للتحريم.

واما الخروج عن الإسلام : فاما ان يكون للمبالغة ، فكأنه بمنزلته ، لكثرة الذنوب ، أو مع الاستحلال بعد ثبوت التحريم بقول الامام وغيره ، فيكون من إنكار الضروري في الدين فيكفر ، لعله مراد الصدوق. واما إذا كان المراد التسنيم المشهور عند العامة ، أو التطيين بعد الاندراس ، فلا يبعد الكراهة ، لعدم دليل على التحريم غيرها ، وهي مع عدم الصحة. ليست بصريحة في هذا المعنى ، فالتحريم مشكل ، كما قاله الصدوق ويكون التأويل مثل ما مر ، فتأمل ، فإن الأصل دليل قوى ، ولا يثبت التحريم بمثله.

وانما قلنا على الأول بالتحريم ، لثبوت تحريم النبش عندهم الا فيما يستثنى كما سيجي‌ء.

واما المعنى الذي ذكره الصدوق للتمثيل فلا يخلو عن بعد ، ويحتمل حمله على التصوير وعمل الصور المجسمة وذوات الأرواح الذي ثبت تحريمه ، أو الأعم مع التأويل ، فتأمل.

واما التطيين والتجصيص ، فالأصل يدل على الجواز وعدم الكراهة ابتداء وتجديدا : ويدل عليه في الجملة رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا تطينوا القبر من غير طينه (١) فإنها ظاهرة في الجواز ابتداء ، بل أعم من طين القبر ، وبمنطوقه يدل على النفي من غيره.

ويدل على كراهة أخذ التراب من غير قبره أيضا ما روى عنه عن أبي عبد الله عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله نهى ان يزاد على القبر تراب لم يخرج منه (٢) وحمل النهي على الكراهة ، لعدم الصحة ، بل لعدم القول بالتحريم على الظاهر ، وكذا الأولى.

__________________

(١) الوسائل باب (٣٦) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٢) الوسائل باب (٣٦) من أبواب الدفن حديث ـ ١

٤٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا يدل عليه ما روى مسندا في التهذيب والاستبصار والكافي عن يونس بن يعقوب ، قال : لما رجع أبو الحسن موسى عليه السلام من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت ابنة له بفيد فدفنها ، وأمر بعض مواليه ان يجصص قبرها ، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر (١) وفي الصحاح ان (فيد) منزل بطريق مكة ، وحملها في الاستبصار على الجواز.

وحمل رواية على بن جعفر ـ قال سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن البناء على القبر والجلوس عليه؟ هل يصلح؟ قال : لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه ـ (٢) على الكراهة ، فلا منافاة ، وذلك لا يخلو عن بعد ، إذا أمره (ع) بالمكروه لا يناسب ، ولو أريد بيان الجواز أيضا ، فتأمل ، وقد جمع بينهما بحملهما على الابتداء وبعد الاندراس لكن مع الكراهة بعده.

وقد حملتا أيضا على قبور الصلحاء والعلماء والذرية المطهرة ، لحصول الثواب بزيارتهم ، وعلى غيرها ، وهما أيضا لا يخلو ان عن بعد ، سيما الثاني ، إذ قل قبر مؤمن لا يحصل الثواب بزيارته ، فلا يناسبه النفي ، ومع ذلك يمكن العلامة على وجه ، غير التجصيص والتطيين ، مثل وضع حجر كما نقل عن فعله صلى الله عليه وآله في قبر عثمان بن مظعون (٣) وخشب مع كتبة الاسم.

ويمكن الحمل في التطيين على طين قبره وطين غيره لحمل المطلق على المقيد في الجملة ، والتعميم بالكراهة في التجصيص مطلقا ، وخرج قبرها (٤) للنص بخصوصه لعل الأول أولى ، للأصل ، وظهور ما يدل على الجواز في الابتداء فقط ، ولا يدل على عدم الكراهة بعد الاندراس شي‌ء ، بل لا يظهر القول بذلك أيضا ، فيحمل خبر على

__________________

(١) الوسائل باب (٣٧) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٢) الوسائل باب (٤٤) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٣) جامع احاديث الشيعة ، باب (٤٤) من أبواب دفن الميت حديث ـ ٤ ولفظ الحديث هكذا (الدعائم عن على عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما دفن عثمان بن مظعون دعا بحجر فوضعه عند رأس القبر. وقال : يكون علما لا دفن فيه قرابتي)

(٤) اى قبر ابنة أبي الحسن عليه السلام ب (فيد)

٥٠٠