مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأصحاب : ان المشاهد جمع المسجدية والمشهدية. فان ذلك باعتبار الفضيلة والشرف. والاحتياط عدم إيقاع الفريضة فيها ، وان فاتته الفضيلة المذكورة في الرواية في مشهد الحسين عليه السلام ، ويمكن استثنائه فقط لما مر عند قبره.

واما عدم الكراهة مع الحائل ، ولو كان ثوبا أو عنزة ولو عرضا. فدليله غير واضح ، الا انه قال في المنتهى : لو كان في الموضع قبر ، أو قبران ، لم يكن بالصلاة فيه بأس ، إذا تباعد عن القبر بنحو من عشرة أذرع ، أو جعل بينه وبينه حائلا ، بلا خلاف ، والظاهر ، انه أراد بالحائل : ما لا يرى بعده القبر كما يفهم من دليله ، نعم روى الزوال في عشرة أذرع وإذا ثبت زوال الكراهة أو التحريم بالحائل ، زال في قبورهم عليهم السلام لوجوده.

ويؤيد الجواز مطلقا ما روى في الفقيه عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال : سألته عن الصلاة بين القبور ، هل تصلح؟ فقال : لا بأس به (١) ومثله رواية على بن يقطين في الصحيح عن ابى الحسن عليه السلام (في الاستبصار (٢) فالذي في الروايات ـ من نفى الصلاة بين القبور ـ يحمل على الكراهة.

واما الكراهة مع قبر واحد : فيمكن أخذها مما مر ، فتأمل ، فإنهم صرحوا بعدم اشتراط القبور ، بل يكفى القبر الواحد.

ويدل على عدم الصلاة في الرمل : خبر صحيح (٣) للحر والتشويه ، ولانه لا يستقر جيدا ، فلا يحصل الخضوع.

وكذا الأمكنة الواقعة في طريق مكة : البيداء (٤) والضجنان (٥) وذات

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب مكان المصلى حديث ـ ١ ـ

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب مكان المصلى حديث ـ ٤ ـ

(٣) الظاهران نظره قدس سره الى حديث ـ ١ ـ باب ١٢ من أبواب ما يسجد عليه فراجع.

(٤) البيداء : هي موضع مخصوص بين مكة والمدينة ، على ميل من ذي الحليفة : (روض الجنان) ونقل عن ابن إدريس قال : لأنها أرض خسف على ما روى في بعض الاخبار : ان جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول (ص) فيخسف الله تعالى به تلك الأرض (ذخيرة).

(٥) ضجنان : بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة جبل بناحية مكة (روض الجنان).

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاصل (١).

وهي المواضع المخصوصة المذكورة في الشروح : للأخبار الصحيحة الكثيرة (٢) وظاهرها التحريم ، حملت على الكراهة : كأنها للأصل والشهرة وغيرهما.

وكأن دليل الكراهة في بيوت النيران التي أعدت لها ـ سواء كان الان فيها النار أم لا. ولكن الظاهر وجودها فيها في الجملة ـ قوله عليه السلام : لا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر (٣) : ويدل على الكراهة بمجرد وجودهما فيه ، وان لم يكن معدا لذلك : هذا إذا كان جمرا بالنقطة من تحت. وقال في المنتهى لئلا يحصل التشبيه (التشبه ـ خ ل) بعباد النيران.

ودليل كراهة بيوت المجوس قد مر.

ودليل كراهة المكتوبة في الكعبة حديث صحيح (٤) دال على النهي ، حمل على الكراهة لغيره. وان لم يكن صحيحا (٥) مع العمومات ، والجبر بالشهرة فتأمل.

وقد مر دليل كراهة الصلاة الى النار والتصاوير : وان الصحيح يدل على التحريم ، الا ان يلقى عليها ثوب ، أو لم يكن لها عين ولو واحدة (٦) والاحتياط الاجتناب خصوصا عن مقابلة النار (النيران ـ خ ل) والتصاوير ، للخبر الصحيح بالمنع.

ولا دليل على كراهة الصلاة الى باب مفتوح.

وقد مر ما يدل على كراهتها في البيع والكنائس أيضا ، وان كان بيت

__________________

(١) الصلاصل جمع صلصال : وهو الطين الحر المخلوط بالرمل فصار يتصلصل إذا جف : اى يصوت فإذا طبخ بالنار فهو الفخار نقله الجوهري عن ابى عبيدة ، وبذلك فسرها الشهيد رحمه الله ، وفي نهاية المصنف ان ذات الصلاصل والضجعان والبيداء مواضع خسف (روض الجنان).

(٢) الوسائل باب (٢٣) من أبواب مكان المصلى فراجع

(٣) الوسائل باب (٢١) من أبواب مكان المصلى حديث ـ ١ ـ

(٤) الوسائل باب (١٧) من أبواب القبلة حديث ـ ١ ـ ٣ ـ ٤ ـ

(٥) الوسائل باب (١٧) من أبواب القبلة حديث ـ ٦ ـ

(٦) الوسائل باب (٣٢) من أبواب مكان المصلى ، فراجع

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المجوس أشد ، وورد الخبر بنفي البأس عن بيت فيه يهودي أو نصراني ، والبأس في بيت فيه مجوسي (١) فكأن الصلاة في بيته مكروهة ، وفي بيت هو فيه كذلك.

واعلم ان الاجتناب عن مقابلة النار والتمثال أحوط للخبر الصحيح ، وعدم صحة المعارض : والظاهر عدم الخلاف في الأخير على ما رأيت.

ونقل المصنف في المنتهى عن ابن بابويه ـ بعد نقل ما في صحيحة على بن جعفر عنه عليه السلام : لا يصلح ان تستقبل النار (٢) ـ انه قال : هذا هو الأصل الذي يجب ان يعمل به ، فاما الحديث المروي عن أبي عبد الله عليه السلام (٣) فهو حديث مقطوع السند ، روته ثلاثة من المجهولين : الحسين بن عمرو عن أبيه عن إبراهيم الهمداني ، وهم مجهولون. ولكنها رخصة اقترنت بها علة ، صدرت عن ثقات ، ثم اتصلت بالمجهول والانقطاع : فمن أخذ بها لم يكن مخطئا ، بعد ان يعلم ان الأصل هو النهي ، وان الإطلاق رخصة والرخصة رحمة (٤).

قلت : المراد بالعلة قوله عليه السلام (ان الذي يصلى له أقرب إليه من الذي بين يديه) وهي موجودة في روايات أخر مثل مرفوعة محمد بن مسلم (٥).

ولولا هذا الكلام من الصدوق الثقة ـ الدال على شهادته بصدورها عن الصادقين عليهم السلام ، مع الشهرة ، وعدم صراحة الصحيحة في البطلان وعدم

__________________

(١) الوسائل باب (١٦) من أبواب مكان المصلى حديث ـ ١ ـ ولفظ الحديث (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا تصل في بيت فيه مجوسي ولا بأس بأن تصلى وفيه يهودي أو نصراني).

(٢) الوسائل باب (٣٠) من أبواب مكان المصلى حديث ـ ١ ـ

(٣) الوسائل باب (٣٠) من أبواب مكان المصلى حديث ـ ٤ ـ ولفظ الحديث الحسين بن عمرو عن أبيه عمرو بن إبراهيم الهمداني رفع الحديث قال : قال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس ان يصلى الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه : لأن الذي يصلى له أقرب إليه من الذي بين يديه).

(٤) الى هنا انتهى ما نقله المنتهى عن الفقيه.

(٥) الوسائل باب (١١) من أبواب مكان المصلى حديث ـ ١١ ـ ولا يخفى ان الحديث مرفوعة عن على بن إبراهيم عن محمد بن مسلم لا مرفوعة محمد بن مسلم كما في المتن وفي الباب أحاديث أخر دالة على المطلوب فراجع.

١٤٣

تتمة : صلاة الفريضة في المسجد أفضل ، والنافلة في المنزل.

______________________________________________________

الجواز ، لقوله (لا يصلح) فإنه دال على عدم صلاحية المصلى لاستقبال النار ، وليست بصريحة في المنع ـ لكان القول بالمنع متعينا : فحمل النهي على الكراهة لا يبعد : والاحتياط لا يترك.

وكذا الاحتياط في عدم الفريضة جوف الكعبة : لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : لا تصل المكتوبة في الكعبة (١) وحمل على الكراهة. لغير الصحيح (٢) والشهرة وعموم الأوامر ، فتأمل ، فإن القول بالتحريم لا يخلو عن قوة. لعدم حجية غير الصحيح ، والشهرة ، وتخصيص العمومات : لكن ارتكاب خلاف الأصل ، والشهرة وعموم الايات والاخبار : لا يخلو عن شي‌ء ، فتأمل واحتط.

واعلم انه لا دليل لهم على الكراهة في بيوت النيران ، ومواجهة الإنسان : بل في اخبار عدم محاذاة الرجل والمرأة ، ما يشعر بعدم الكراهة في مواجهة الإنسان : حيث ذكر فيها عدم الكراهة بقوله (ولو لم يكن يصلى فلا بأس) (٣) فتأمل : وكأنه لذلك ما ذكره المصنف هنا.

وكذا الكراهة في مواجهة باب مفتوح ، ولكن ذكرها الأصحاب ، فتأمل.

قوله : «(صلاة الفريضة في المسجد أفضل إلخ)» لا شك ولا خلاف بين المسلمين في أفضلية الفريضة في المساجد ، والاخبار بذلك متظافرة : ويكفي في ذلك ما روى عن على عليه السلام قال : لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا (٤) وما روى عنهم : قال : قال النبي صلى الله عليه وآله من سمع النداء في المسجد فخرج من غير علة فهو منافق الا ان يريد الرجوع اليه (٥) وغيرهما من الاخبار الكثيرة حدا.

__________________

(١) الوسائل باب (١٧) من أبواب القبلة حديث ـ ١ ـ

(٢) الوسائل باب (١٧) من أبواب القبلة حديث ـ ٦ ـ

(٣) الوسائل باب (٤) من أبواب مكان المصلى حديث ـ ٥ ـ ٦ ـ

(٤) الوسائل باب (٢) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٣.

(٥) الوسائل باب (٣٥) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

واما كون النافلة في البيت أفضل من المسجد ، فما رأيت له دليلا الا ما أشار إليه في المنتهى بقوله : لاشتماله على مفسدة التهمة بالتضييع (١). وما في بعض أخبار العامة (٢) ولا يخفى ما فيه. وعموم الاخبار يدل على افضليتها فيه أيضا : مثل من مشى الى المسجد لم يضع رجله (رجليه ـ خ ل) على رطب ولا يابس الا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة (٣) ذكره في الفقيه ، ثم قال فيه : وقد أخرجت هذه الاخبار مسندة.

وروى فيه أيضا عن الصادق عليه السلام انه قال : مكة حرم الله وحرم رسوله وحرم على بن أبي طالب عليهم السلام ، الصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم. والمدينة حرم الله وحرم رسوله ، وحرم على بن أبى طالب ، الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة ، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم : والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم على بن أبى طالب ، الصلاة فيها بألف صلاة ، وسكت عن الدرهم (٤). ولعل المراد المسجد الواقع فيها ، للتبادر ، ولهذا فهمه الأصحاب ، ولما رواه في التهذيب عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الصلاة في المدينة : هل هي مثل الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال : لا ، ان الصلاة في مسجد رسول الله ألف صلاة ، والصلاة في المدينة مثل الصلاة في سائر البلدان (٥) وفيه أيضا دلالة على

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة التي عندنا : والذي نقله في مفتاح الكرامة عن مجمع البرهان ما هذا لفظه (ما رأيت له دليلا الا ما ذكره في المنتهى ، من مفسدة التهمة بالتضييع).

واما ما في المنتهى في الفصل الأخر من أحكام المساجد وفي أوائل مكان المصلى ما هذا لفظه (أما النافلة) ، فذهب علمائنا الى ان إيقاعها في المنزل ، لأن إيقاعها في حال الاستتار يكون أبلغ في الإخلاص ، كما في قوله تعالى (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)).

(٢) سنن أبي داود : ج ١ (باب صلاة الرجل التطوع في بيته) حديث ـ ١٠٤٣ ـ و ١٠٤٤ ـ ولفظ الثاني (عن زيد بن ثابت ان رسول الله على الله عليه (وآله) وسلم قال : صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا الا المكتوبة) وأيضا في ج ٢ (باب في فضل التطوع في البيت) حديث ـ ١٤٤٧ ـ و ١٤٤٨ ـ وفيه (فعليكم بالصلاة في بيوتكم ، فان خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة).

(٣) الوسائل باب (٤) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١.

(٤) الوسائل باب (٤٤) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١٢ ـ

(٥) الوسائل باب (٥٧) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٩ ـ

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المطلب.

ويدل على الفضيلة لخصوص المكتوبة في مسجد الحرام : ما رواه في الفقيه ، في القوى ، عن أبي حمزة الثمالي عن ابى جعفر عليه السلام انه قال : من صلى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل الله منه كل صلاة صلاها منذ يوم وجب عليه الصلاة وكل صلاة يصليها الى ان يموت (١).

وعلى افضلية النافلة في المساجد بالخصوص ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ، انى لا كره الصلاة في مساجد هم؟ فقال : لا تكره ، فما من مسجد بنى الا على قبر نبي أو وصى نبي قتل فأصاب تلك البقعة طشة (رشة ـ خ ل) (٢) من دمه فأحب الله ان يذكر فيها ، فأد فيها الفريضة والنوافل واقض ما فاتك (٣) كأنه صحيح : لان الظاهران طريقه إليه في التهذيب صحيح ، وان لم يكن ذكر في كتب الرجال ، الا انه مرسل ، لكنه مرسل ابن أبي عمير.

وفيه بعض الأحكام الأخر ، مثل جوازها على القبر ، وعدم كراهة الصلاة في قبور المعصومين ، واستحباب الذكر والقضاء فيها ، وانه لا دخل للباني.

وما في حديث (٤) عبد الله بن يحيى الكاهلي : في أفضلية مسجد الكوفة عن بيت المقدس ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : وصل في هذا المسجد فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة ، والنافلة عمرة (٥) وما في خبر هارون بن خارجة في بيان فضل مسجد الكوفة : وان الصلاة المكتوبة فيه لتعدل بألف صلاة ، وان النافلة فيه لتعدل بخمسمائة صلاة ، وان الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر

__________________

(١) الوسائل باب (٥٢) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٢) الطش والطشيش ، المطر الضعيف قاله الجوهري ، مجمع البحرين

(٣) الوسائل باب (٢١) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٤) هكذا في النسخ المطبوعة والمخطوطة التي عندنا ولكن الصحيح في حديث إسماعيل بن زيد مولى عبد الله بن يحيى الكاهلي كما في الكافي فلاحظ.

(٥) الوسائل باب (٤٥) من أبواب أحكام المساجد قطعة من حديث ـ ١ ـ

١٤٦

ويستحب اتخاذ المساجد

______________________________________________________

لعبادة ، ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبوا (١) وفي غيره ولو على الثلج (٢) وقال أبو جعفر عليه السلام لأبي حمزة الثمالي : المساجد الأربعة :

المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومسجد بيت المقدس ، ومسجد الكوفة.

يا أبا حمزة ، الفريضة فيها تعدل حجة ، والنافلة تعدل عمرة (٣).

وأيضا ، التكليف بان يجي‌ء من المسجد الى البيت ، ثم يرجع إليه للفضيلة ، بعيد ، خصوصا في نافلة المغرب ، فالفضيلة مطلقا غير بعيدة.

وفي الجهر في نافلة الليل لينتبه النائم (٤) أيضا اشارة اليه أيضا.

وأيضا الظاهر فعله صلى الله عليه وآله النافلة في المسجد ولهذا نقل عددها ، وفعله الوتيرة تارة ، وتركه أخرى ، في المسجد مشهور.

الا ان الشارح نقل خبرا دالا على افضليتها في البيت كما هو المشهور ، لكن السند والمحل غير ظاهر (٥).

وأيضا لا كلام في استحباب اتخاذ المساجد ، ويدل عليه قوله تعالى (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) الآية) (٦) على بعض الوجوه.

ويكفيه شاهدا ما روى في الكافي والتهذيب ، في الحسن (لوجود

__________________

(١) الوسائل باب ٤٤ من أبواب أحكام المساجد قطعة من حديث ـ ٣ ـ

(٢) الوسائل باب ٤٤ من أبواب أحكام المساجد قطعة من حديث ـ ١٨ ـ

(٣) الوسائل باب ٦٤ من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٤) الوسائل باب ٢٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ١ ـ ولفظ الحديث (عن يعقوب بن سالم ، انه سال أبا عبد الله عليه السلام ، عن الرجل يقوم آخر الليل فيرفع صوته بالقرآن؟ فقال : ينبغي للرجل إذا صلى في الليل ان يسمع أهله ، لكي يقوم القائم ويتحرك المتحرك).

(٥) قال في الروض بعد قول المصنف (والنافلة في المنزل) : وما يقوم مقامه من الأمكنة الساترة للحس والشخص أفضل من المسجد ، لان فعلها في السر أبلغ في الإخلاص وأبعد من الرياء ووساوس الشيطان ، وقال عليه السلام : أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة : وأمر صلى الله عليه وآله أصحابه : ان يصلوا النوافل في بيوتهم إلخ أقول : تقدم آنفا نقل موضع الحديثين : ولا حظ أيضا ما في الوسائل باب ٦٩ من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٧ ـ ففيه (وأفضل من هذا كله صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه الا الله عز وجل يطلب بها وجه الله تعالى).

(٦) سورة التوبة الآية ـ ١٨.

١٤٧

مكشوفة

______________________________________________________

إبراهيم) عن أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة ، قال أبو عبيدة فمر بي أبو عبد الله عليه السلام في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجدا ، فقلت له جعلت فداك نرجو ان يكون هذا من ذاك؟ قال : نعم (١) وأيضا مشهور بين العامة والخاصة : ولو كمفحص قطاة (٢) ويشعر به بناء أبي عبيدة.

ويدل أيضا على عدم اشتراط بناء حقيقي ، وصحة جعل الميتة من الأرض مسجدا مطلقا ، من غير اشتراط كون سبق الملك ، وكونها في غير المفتوحة عنوة.

وأيضا يمكن ان يكون المفتوحة عنوة ، تصير بقصد المسجدية ملكا ، ثم يصير مسجدا ، كما قيل : في عتق المأمور بعتقه ، أو انها لما كانت لمصلحة المسلمين والمسجد منها ، وقد حصل الرخصة بالمسجدية في العمومات من غير تخصيص ، يكون ذلك كافيا : ولهذا صرح في الدروس بجواز جعل المفتوحة عنوة مسجدا : فيحتمل المنع عنه ـ لانه مسبوق بالملك ولا ملك للجاعل ـ بعيدا : على انه قيل تملك لتبعية الآثار في زمان الغيبة ، فتأمل.

وأيضا لا كلام في استحباب كونها مكشوفة ، مع كراهة المسقوفة ، الا ان يسقف بالحصر والبواري من غير وضع طين : كما يدل عليه خبر الحلبي قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن المساجد المظللة تكره القيام فيها؟ قال : نعم : ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم ، ولو كان العدل لرأيتم أنتم كيف يصنع في ذلك (٣)

__________________

(١) الوسائل باب (٨) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٢) الوسائل باب (٨) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢ ـ ولفظ الحديث (عن أبي جعفر عليه السلام انه قال : من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة الحديث) ونقل ابن ماجة في سننه : (كتاب المساجد والجماعات : حديث (٧٣٨) ولفظ الحديث (عن جابر بن عبد الله : ان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال من بنى مسجد الله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة).

(٣) الوسائل باب (٩) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢ ـ فان السند في التهذيب هكذا محمد بن احمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن أبيه عن ابن أبي عمير إلخ والظاهران المراد من احمد بن محمد هو ابن عيسى فحينئذ المراد من (أبو أحمد) هو محمد بن عيسى.

١٤٨

والميضاة على أبوابها

______________________________________________________

وفي سنده في التهذيب محمد بن عيسى أبي أحمد وهو غير مصرح بتوثيقه : قال في المنتهى ، رواه الشيخ في الصحيح ، فتأمل ، نعم هو في الكافي حسن لوجود إبراهيم فيه.

وحسنة عبد الله بن سنان الطويلة ، في بيان كيفية بناء مسجده صلى الله عليه وآله ، الى قوله : ثم اشتد عليهم الحر ، فقالوا يا رسول الله (ص) لو أمرت بالمسجد فظلل؟ فقال : نعم ، فأمر به ، فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ، ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر : فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار ، فجعل المسجد يكف عليهم ، فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله لا ، عريش كعريش (١) موسى فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله : وكان جداره قبل ان يظلل قامة ، فكان إذا كان الفي‌ء ذراعا ، وهو قدر مربض عنز صلى الظهر ، وإذا كان ضعف ذلك صلى العصر (٢) وفي الخبر تنبيه على ترك التعمير في الدنيا حتى في المساجد ، وكون ذلك بمقدار الضرورة ، فتنبه. وفيه أيضا بيان وقت الظهر والعصر ، فكأنه للمتنفل كما مر ، وسنده جيد ، قال في الذكرى ، بعد رواية الحلبي : لعل المراد به تظليل جميع المسجد ، أو تظليل خاص ، أو في بعض البلدان : والا فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع الحر والقر.

ودليل كون الميضاة : يعني محل الطهارة والبول والغائط على باب المسجد ، وكونها مكروهة داخله ـ مع عدم كونها مسجدا بان يكون سابقه ، أو استثنيت ـ ما نقل عنه صلى الله عليه وآله جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشرائكم وبيعكم ، واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم المساجد (٣) وغيره.

__________________

(١) العريش ، ما يستظل به يبنى من سعف النخل مثل الكوخ فيقيمون فيه مدة الى ان يصرم النخل مجمع البحرين.

(٢) الوسائل باب (٩) من أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٣) الوسائل باب (٢٧) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢ ـ وذيله في باب (٢٥) حديث

١٤٩

والمنارة مع حائطها

وتقديم اليمنى دخولا واليسرى خروجا.

والدعاء عندهما

______________________________________________________

ودليل كراهة طول المنارة ، واستحبابها مع الحائط : أمر أمير المؤمنين عليه السلام بهدم المنارة الطويلة ، ثم قال : لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد (١).

واما تقديم اليمنى دخولا واليسرى خروجا : فكأنه للتيمن والشرف كما قاله في المنتهى ، ويحتمل النص (٢)

ودليل استحباب الدعاء دخولا وخروجا الخبر (٣).

ودليل استحباب دخوله متطهرا : فيدل على استحباب الوضوء لدخوله ، أو الغسل أيضا ، قوله عليه السلام : إذا دخلت المسجد وأنت تريد ان تجلس ، فلا تدخله الا طاهرا : وإذا دخلته فاستقبل القبلة ثم ادع الله واسأله وسم حين تدخل واحمد الله وصل على النبي صلى الله عليه وآله (٤) وحمل على الندب.

ويحتمل حمل النهي على التحريم ، فيكون إشارة إلى تحريم مكث الجنب ونحوه في المساجد.

روى سماعة : قال إذا دخلت المسجد فقل : بسم الله والسلام على رسول الله ان الله وملائكته يصلون على محمد وآل محمد ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك : وإذا خرجت فقل مثل ذلك (٥) : وروى في الفقيه صحيحا عن عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام.

قال من دخل سوقا ، أو مسجد جماعة فقال ، مرة واحدة : اشهد ان

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢ ـ

(٢) الوسائل باب (٤٠) من أبواب أحكام المساجد فراجع

(٣) الوسائل باب (٣٩ ـ ٤١) من أبواب أحكام المساجد فراجع

(٤) الوسائل باب (٣٩) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢ ـ

(٥) الوسائل باب (٣٩) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٤ ـ

١٥٠

وتعاهد النعل

واعادة المستهدم

وكنسها

______________________________________________________

لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، وصلى الله على محمد وآله أجمعين عدلت حجة مبرورة (١) اى مقبولة.

ودليل استحباب تعاهد النعل : ما نقل عنه صلى الله عليه وآله : تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم ونهى ان يتنعل الرجل وهو قائم (٢).

وظاهره التعاهد عن النجاسة ، وكراهة التنعل قائما مطلقا ، ولا يبعد اختصاصه بالرجل ، ويحتمل التعميم كباقي الاحكام ، واختصاصه بالمسجد بعيد.

ودليل استحباب اعادة المستهدم ظاهر ، وقد مر.

ودليل استحباب كنس المسجد يمكن جعله ما مر. وما روى عنه صلى الله عليه وآله من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فاخرج منه من التراب ما يذر في العين غفر الله له (٣) ولعل التخصيص باليومين لكثرة الثواب ، وكذا التقييد بإخراج التراب.

ويدل على استحباب إخراج التراب ، وعدم كراهة الكنس في الليل (كما هو المشهور عند العوام) الا ان يجعل ليلة الجمعة بيانا لما سبق وعطفا تفسيريا ، والظاهر خلافه ، والظاهر عدم كون الواو بمعنى أو ، والظاهر ترتب الحكم على كل واحد ، بسوق المبالغة ، وقلة الفعل والمخرج ، وكثرة الثواب ، مع احتمال كون المغفرة مرتبة عليهما. وفي الخبر إشارة إلى المبالغة في الكنس ، وعدم توقف القبول على العمل الكثير ، فان الله يقبل اليسير ويعفو عن الكثير.

__________________

(١) الوسائل باب (١٨) من أبواب آداب التجارة حديث ـ ٣ ـ

(٢) الوسائل باب (٢٤) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٣) الوسائل باب (٣٢) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ ولا يخفى ان في الوسائل (يوم الخميس ليلة الجمعة) بدون الواو ولكن في التهذيب (يوم الخميس وليلة الجمعة) مع الواو.

١٥١

والإسراج فيها

ويجوز نقض المستهدم خاصة.

واستعمال آلته في غيره.

ويكره الشرف والتعلية.

والمحاريب الداخلة.

______________________________________________________

ودليل استحباب الإسراج : ما نقله في الفقيه والتهذيب عنه صلى الله عليه وآله : من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا ، لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج (١).

ودليل جواز نقض ما أشرف على الانهدام خصوصا بقصد العمارة ظاهر ، بل يكون مستحبا ، وكذا عدم جواز غيره.

ودليل استعمال آلته ـ من الفرش والسرج ونحوهما ، بل أحجاره أيضا كما هو الظاهر ، مع خرابه وعدم رجاء عوده ، وعدم صلاحيتها له أصلا ـ كأنه التعمير المطلق ، وعدم المنع المعقول ، وما على المحسنين من سبيل ، وكون الكل لله. فلا تفاوت كونه هنا أو هناك ، كما يفهم من المنتهى. واما النقل لغير ما ذكرنا ، مثل الاستغناء وكون الغير أحوج ، وكثرة المصلي فلا يظهر ، فتأمل.

ودليل كراهة الشرف (٢) : ما روى عن على عليه السلام راى مسجدا بالكوفة قد شرف فقال : كأنه بيعة ، وقال : ان المساجد تبنى جما ، لا تشرف (٣) وكون مسجده ص قامة تدل عليه.

ودليل كراهة المحراب الداخل ـ لعله كناية عن علامة المحراب بنيت على وجه ارض المسجد ، أو عملت في وسط الحائط. ويمكن التحريم بعد الوقفية ، فتأمل ، فإن مجرد العلامة التي على وجه حائطه لا يكره ـ هو ما روى عن على عليه السلام : انه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ويقول : كأنها

__________________

(١) الوسائل باب (٣٤) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٢) الشرفة واحدة الشرفات وهي مثلثات أو مربعات تبنى متقاربة في أعلى سور أو قصر ـ المنجد : وفي منتهى الارب : شرفة بالضم كنگره شرف كصرد جمع.

(٣) الوسائل باب (١٥) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢ ـ

١٥٢

وجعلها طريقا

والبيع فيها والشراء ، وتمكين المجانين ، وإنفاذ الاحكام وتعريف الضوال

وإنشاد الشعر واقامة الحدود ورفع الصوت (١)

______________________________________________________

مذابح اليهود (٢) وليس في الرواية ، الداخلة. (٣)

وكان كراهة جعله طريقا ، لما في الخبر : انه بنى لغير ذلك (٤) : وكأن في بعض الاخبار : لا تجعل المسجد طريقا الا ان تصلى ذهابا وإيابا (٥).

ولعله يستحب دخول المسجد أولا والخروج آخرا ، لما روى : ان أحبهم الى الله أولهم دخولا وآخرهم خروجا (٦).

ودليل كراهة البيع والشراء ، وتمكين المجانين والصبيان. أيضا قد مر : لعله الغير المميز الذي يصلى.

ويدل عليها وعلى كراهة رفع الصوت ، والحدود ، وإنفاذ الاحكام ، وتعريف الضالة : ما رواه في الفقيه والتهذيب ، قال : جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم. ورفع أصواتكم ، وشرائكم ، وبيعكم ، والضالة ، والحدود ، والاحكام (٧) وقد قيد البعض إنفاذ الأحكام بالدوام ، لفعل أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة على ما نقل : ويحتمل العموم ، وفعله عليه السلام لحصول الجواز.

ودليل كراهة إنشاد الشعر : ما روى في التهذيب والكافي : كأنه في

__________________

(١) تقدم دليلهما آنفا.

(٢) الوسائل باب (٣١) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٣) قال الشهيد ره في الذكرى : قال الأصحاب : المراد بها (أي الرواية) المحاريب الداخلة ، وفي الوسائل بعد نقل ما في الذكرى ، قال : ولعلهم فهموا ذلك من لفظ (الكسر) أو من التشبيه ، أو من الظرفية.

(٤) لم نجد حديثا في النهي عن جعل المسجد طريقا بهذه العبارة ، ولعله استفادها من أحاديث إنشاد الضالة في المسجد بان يقال للمنشد لأراد الله عليك لغير هذا بنيت ، راجع باب (٢٨) من أحكام المساجد حديث ـ ٢.

(٥) الوسائل باب (٦٧) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ ولفظ الحديث لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين).

(٦) الوسائل باب (٦٨) من أبواب أحكام المساجد فراجع

(٧) الوسائل باب (٢٧) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٤ ـ

١٥٣

وعمل الصنائع ،

ودخول من فيه رائحة ثوم أو بصل ،

______________________________________________________

الصحيح : عن جعفر بن إبراهيم عن على بن الحسين عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله من سمعتموه ينشد الشعر في المسجد فقولوا له فض الله فاك ، انما نصبت المساجد للقرآن (١).

فيدل على كراهة غير القرآن من الكلام أيضا ، ولو كان بالعربي ، ويكون العجمي أشد للنهي في صريح الخبر عن التكلم به في المسجد (٢) والظاهر عدم استثناء شي‌ء.

وقد استثنى مدح أهل البيت ، ومراثي الحسين عليه السلام ، وبيت حكمة ، واستشهاد مسئلة : وفي الخبر كراهة إنشاد الشعر في شهر رمضان ولو كان فينا (٣) وهو دال على العموم : ولا يلزم المنع من المدح ، لجواز الخلاص عن كراهيته بجعله غير موزون بتغيير ما ، مع ان الاستثناء غير بعيد في المسجد.

ويمكن استخراج كراهة عمل الصنائع من قوله عليه السلام (انما نصبت المساجد للقرآن) ومن قول أحدهما عليهم السلام (في الصحيح في التهذيب. قاله في المنتهى : مع ان محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن (٤) في الطريق : فهو دليل على توثيقهما كما أظن) قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن سل السيف في المسجد ، وعن بري النبل في المسجد ، وقال : انما بنى لغير ذلك (٥).

ودليل كراهة دخول المسجد من (لمن ـ ظ) معه رائحة كريهة : ما روى عنه صلى الله عليه وآله : من أكل شيئا من المؤذيات ريحها فلا يقربن

__________________

(١) الوسائل باب (١٤) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٢) الوسائل باب (١٦) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ ٢ ـ ولفظ الحديث (نهى النبي صلى الله عليه وآله عن رطانة الأعاجم في المساجد) : الرطانة : الكلام بالأعجميّة (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل باب (١٣) من أبواب آداب الصائم حديث ـ ٢ ـ

(٤) وسند الحديث كما في التهذيب هكذا (على بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عبد الرحمن ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم).

(٥) الوسائل باب (١٧) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

١٥٤

والتنخم والبصاق.

وقتل القمل فيستره بالتراب.

ورمى الحصاة خذفا.

وكشف العورة

______________________________________________________

المسجد (١).

ودليل كراهة البصاق والنخامة : ما روى عنه عليه السلام : من وقر بنخامته المسجد لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد اعطى كتابه بيمينه (٢) وصحيحة عبد الله بن سنان من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم يمر بداء في جوفه الا أبرأته (٣) وغير ذلك من الاخبار : وفي بعضها : سترها بشي‌ء كفارته (٤).

ودليل كراهة قتل القمل ثم الستر غير واضح : بل ورد جواز قتل مثله في الصلاة : ولعله لزوم الاشتغال ، وما ورد ستر البصاق دليلها : وروى دفنه بغير قتل (٥).

ودليل كراهة الرمي خذفا : (٦) ما روى عنه صلى الله عليه وآله أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد! فقال : ما زالت تلعن حتى وقعت إلخ (٧) : ولعل المراد بالخذف هنا مطلق الرمي ، أو لشدة الكراهة بهذا الوجه ، ويحتمل اختصاص الكراهة به ، كما هو ظاهر الرواية والعبارة.

وكراهة كشف العورة : يدل عليها ما روى عنه صلى الله عليه وآله قال

__________________

(١) الوسائل باب (٢٢) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٦ ـ

(٢) الوسائل باب (٢٠) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢ ـ

(٣) الوسائل باب (٢٠) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٤) الوسائل باب (١٩) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٤ ـ ولفظ الحديث (ان عليا عليه السلام قال : البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه).

(٥) الوسائل باب (٢٠) من أبواب قواطع الصلاة حديث ـ ٤ ـ ولفظ الحديث (كان أبو جعفر عليه السلام إذا وجد قملة في المسجد دفنها في الحصى).

(٦) الخذف بالخاء والذال المعجمتين : قال في مجمع البحرين المشهور في تفسيره ان تضع الحصاة في بطن إبهام يدك اليمنى ويدفعها بظفر السبابة :

(٧) الوسائل باب (٣٦) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ وتمام الحديث (ثم قال : الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط ثم تلا عليه السلام وتأتون في ناديكم المنكر : قال هو الحذف).

١٥٥

وتحرم الزخرفة ، ونقش الصور.

واتخاذ بعضها في ملك أو طريق وبيع آلتها ، وتملكها بعد زوال آثارها.

وإدخال النجاسة إليها

______________________________________________________

كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد من العورة (١) فهو يشعر بكراهة كشفها في المسجد ، وان لم يكن ناظرا ، كالعورة مع عدمه.

ودليل حمل النهي في الاخبار على الكراهة ، عدم الصحة ، أو عدم القول بالتحريم ، أو وقوع ما يدل على خلافه ، كما ورد في البصاق فعلهم عليهم السلام بغير ستر أيضا (٢) وفي إنشاد الضالة (٣).

وورد في الشعر في المسجد : لا بأس به (٤) وقد حمل على ما قل وكثر فائدته ، كبيت شعر حكمة وشاهد مسئلة ، ومدح الأئمة عليهم السلام : ومراثي الحسين عليه السلام وليس ببعيد ، لعدم العموم في دليل الكراهة ، والصحة أيضا غير واضح ، وان كانت ظاهرة ، فتأمل : فإن العلة وعدم العلم دليل الكراهة.

قوله «(وتحرم الزخرفة إلخ)» دليل تحريم الزخرفة بالذهب ونقش الصور : فقال في المنتهى انه البدعة : ويدل على تحريم النقش ما روى في التهذيب عنه عليه السلام : سئل عن الصلاة في المساجد المصورة؟ فقال : اكره ذلك ، ولكن لا يضركم ذلك اليوم ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك (٥) والرواية غير صريحة ولا صحيحة ، والبدعة غير ظاهرة. فالكراهة غير بعيدة كما نقل عن الدروس ، نعم لو ثبت تحريم التصوير مطلقا ، يلزم تحريم ذلك الفعل في المسجد أيضا : لا الصلاة ، ولا الإبقاء ، تأمل.

اما تحريم اتخاذه ، ولو قليلا ، في ملك أو طريق : وبيع آلته ، وتملكها ولو بعد زوال آثاره : فهو ظاهر : ولانه تخريب وإخراج الوقت عما وقف له.

وتحريم إدخال النجاسة إليها قد مر.

__________________

(١) الوسائل باب (٣٧) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٢) الوسائل باب (١٩) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ ٣ ـ

(٣) الوسائل باب (٢٨) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

(٤) الوسائل باب (١٤) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢ ـ

(٥) الوسائل باب (١٥) من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١ ـ

١٥٦

وإزالتها فيها.

وإخراج الحصى منها فيعاد.

والتعرض للكنائس والبيع لأهل الذمة.

ولو كانت في أرض الحرب أو باد أهلها ، جاز استعمال آلتها في المساجد.

______________________________________________________

وإزالتها فيها : ان كانت سببا للتنجيس ، فهو مجمع عليه ، على الظاهر ، كما مر ، ويدل عليه تعليله في المنتهى (١) :

وان لم يكن سببا للتنجيس ، فان كان الإدخال مطلقا حراما ، حرمت لأجله ، والا ، فلا.

واما تحريم إخراج الحصى : فكأنه لإخراج شي‌ء من الوقف عن كونه وقفا ، وكأنه تخريب أيضا.

ويدل عليه أيضا ما روى وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه عليهم السلام قال : إذا أخرج أحدكم الحصاة عن المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر فإنها تسبح (٢).

والتخريب غير معلوم. مع كونه قليلا لا يضر بالمسجد بوجه ، وكأنه مثل القمامة : والرواية غير صحيحة ، لأن وهب بن وهب ضعيف جدا : ورده الى مسجد آخر أيضا ، يدل على عدم الاهتمام بدخوله في الوقف ، والا لكان المناسب وجوب رده الى ما اخرج منه ، فالكراهة غير بعيدة : قال المصنف في المنتهى : ويكره إخراج الحصى منها ، لما روى إلخ ، كما قال في غيره من المكروهات.

ودليل تحريم التعرض للبيع والكنائس : تحريم أذاهم بعد العهدة ، وتقريرهم على الجزية.

ودليل جواز استعمال آلتهما في الصورة المذكورة : زوال سبب المنع : مع صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البيع

__________________

(١) قال في المنتهى (ويحرم إدخال النجاسة إليها لقوله (ص) جنبوا مساجدكم النجاسة ، وغسل النجاسة فيها : لانه ينجسها).

(٢) الوسائل باب ٢٦ من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٤.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والكنائس ، هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال : نعم (١) فكأنها محمولة عليها ، للإجماع ونحوه ، وفيه تأمل : لأن الظاهر استعمال الكفار إياها برطوبة ، فكأنه محمول على العدم ، للأصل : وهو بعيد ، أو على طهارتها بالشمس : وهو كذلك ، أو على بعد التطهير : وهو أيضا كذلك ، والعبارات خالية عنه ، مع انه ورد جعل الكنائس والبيع مسجد (٢) فكأنه مستثنى بنص ، فتأمل.

وروى كراهة الاتكاء أيضا في المساجد عنه صلى الله عليه وآله : الاتكاء في المسجد رهبانية العرب ، ان المؤمن مجلسه مسجده ، وصومعته بيته (٣).

وجواز الصلاة في البيت أو المسجد المطين بما فيها التبن : قال في الفقيه : سئل : أي أبو الحسن الأول عليه السلام عن الطين فيه التبن ، يطين به المسجد ، أو البيت الذي يصلى فيه؟ فقال : لا بأس (٤) فإن : الظاهران المراد صحن المسجد والبيت ، ولو كان السطح لدل على تسقيف المسجد.

وروى في الصحيح عن الجص يطبخ بالعذرة أيصلح ان يجصص به المسجد؟ فقال : لا بأس (٥) وفيه دلالة على تطهير العذرة بالنار ، فتأمل كما مر.

وروى كراهة الوضوء من البول والغائط في المسجد ، في الخبر الصحيح (٦).

وفي الحسن عنه عليه السلام سئل عن النوم في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله؟ قال : نعم ، فأين ينام الناس (٧) : يختمل اختصاصه بمن ليس له منزل ، أو فيما زاد بعده صلى الله عليه وآله لما روى في الحسن عن

__________________

(١ ـ ٢) ـ الوسائل باب ١٢ من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢ ـ ١.

(٣) الوسائل باب ٢٩ من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١.

(٤) الوسائل باب ٦٥ من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١.

(٥) الوسائل باب ٦٥ من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢.

(٦) الوسائل باب ٥٧ من أبواب الوضوء حديث ـ ١ ولفظ الحديث (عن رفاعة بن موسى قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء في المسجد؟ فكرهه من البول والغائط).

(٧) الوسائل باب ١٨ من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ١.

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

زرارة قلت لأبي جعفر عليه السلام ، ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال : لا بأس به الا في المسجدين ، مسجد النبي صلى الله عليه وآله والمسجد الحرام : قال : وكان يأخذ بيدي في بعض الليل فيتنحى ناحية ثم يجلس فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام هو ونمت : فقلت له في ذلك؟ فقال : انما يكره ان ينام في المسجد الحرام الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فاما النوم في هذا الموضع فليس به بأس (١) فيفهم اختصاص الكراهة بالجزء من المسجدين الذين كانا مسجدا في زمانه (ص) لا مطلقا فتأمل :

وروى في التهذيب عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام خير مساجد نسائكم البيوت (٢) فيدل على اختصاص فضيلة المسجد بالرجال كما هو المذكور في الكتب والمشهور بينهم ، فتخصص العمومات بها : أو تحمل هذه على عدم رواحهن ، اما إذا وقعن فيها فيكون الأفضل لهن أيضا الصلاة فيها مع الستر : للعمومات ، مع عدم صراحة هذا الخبر وصحته ، الله يعلم.

ففيه اشعار على عدم خروجهن للزيارة أيضا ، ولو كان لزيارة المعصومين عليهم السلام سيما في بلادهم ، ويرون (ويرين ظ) قبتهم من البيت ، ويحصل لهن ثواب الزيارة حينئذ : لما رواه في الفقيه صحيحا عن حنان بن سدير (الثقة) عن أبيه (وان قيل انه واقفي ، من الممدوح) قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا سدير ، تزور قبر الحسين عليه السلام في كل يوم؟ قلت جعلت فداك ، لا ، قال : ما أجفاكم قال : فتزوره في كل شهر؟ قلت ، لا ، قال : فتزوره في كل سنة؟ قلت قد يكون ذلك : قال يا سدير ما أجفاكم للحسين عليه السلام : اما علمت ان لله تبارك وتعالى ألف ألف ملك شعث غبر يبكون ويزورون ولا يفترون : وما عليك يا سدير ان تزور قبر الحسين في كل جمعة خمس مرات ، أو في كل يوم مرة؟ قلت جعلت فداك بيننا وبينه فراسخ كثيرة! فقال لي اصعد فوق سطحك ، ثم التفت يمنة ويسرة ثم ارفع رأسك إلى السماء ، ثم تنحو نحو القبر : تقول السلام

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٢.

(٢) الوسائل باب ٣٠ من أبواب أحكام المساجد حديث ـ ٤.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته : يكتب لك بذلك زورة : والزورة حجة وعمرة : قال سدير فربما فعلت ذلك في الشهر أكثر من عشرين مرة (١) وهذه موجودة في الكافي أيضا.

ومع ذلك لا يبعد الاستحباب إذا كن لا يراهن احد ولا يرونه (يرينه ظ) ، مع عدم مفسدة أخرى ، أو مطلقا بناء على العمومات في ثواب الزيارات والترغيبات ، وعدم حرمانهن من الثواب قريبا : فيكن مثابة بالزيارة ، وان كن معاقبة بعدم التستر ، كما في الصلاة منكشف الوجه مع الناظر المحترم ، والنظر اليه ، مع احتمال البطلان حينئذ : ولكن لا شك ان الستر اولى ، الله يعلم.

واعلم انه قد ورد أخبار كثيرة صحيحة وغيرها : في جواز بناء المسجد على موضع النجس مثل بئر الغائط بعد طمه بالتراب ، بحيث لا تشم منه الرائحة (٢) فيعلم عدم اشتراط الطهارة في المسجد بحيث يكون التحت أيضا داخلا ، وكذا الفوق.

وأيضا ورد اخبار بجواز تغيير المسجد وتحويله إذا كان في المنزل (٣) وحملها الأصحاب على مجرد اسم المسجد ليحصل ثواب المسجد من دون احكامه ، من عدم جواز تنجيسه ، وكونه وقفا.

واما تحقق المسجدية ، فقيل : لا بد له من صيغة مع نيته الوقفية والصلاة : وأظن انه يكفى مجرد قصد كونه وقفا وخارجا عن ملكه للمسجدية ، وان أكثر المساجد كذلك ، وذلك يفهم من الذكرى ، الا انه يمكن بعيدا ان يكون له التغيير والتبديل ، ما لم يقع الصيغة واللزوم ، ويحمل ما ورد في المنزل عليه : والظاهر عدم جواز التغيير ، وتحقق المسجدية بمجرد القصد المذكور ، ويحمل ما في المنزل على عدم قصد الخروج عن ملكيته والوقفية ، بل مجرد جعله مصلى ومسجدا لحصول الثواب بصلاته فيه ، أو غيره فتأمل ، وسيجي‌ء له تحقيق إنشاء الله في محله.

__________________

(١) الوسائل باب ٦٣ من أبواب المزار وما يناسبه حديث ـ ٢.

(٢) الوسائل باب ١١ من أبواب أحكام المساجد ، فراجع.

(٣) الوسائل باب ١٠ من أبواب أحكام المساجد ، فراجع.

١٦٠