مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الرابع : أن وجوبها على تقديره عيني أو تخييري وقد نقل الإجماع على الاشتراط ، وظاهر عباراتهم هو الأعمّ ، خصوصا ما تقدمت من عبارة المنتهى وهي صريحة في العموم. وظاهرها تخصيص النائب بغير الفقيه حال الغيبة أيضا. وبعض العبارات يشعر بالعموم مع التعميم في النائب لكن مع الوجوب التخييريّ وما نقل في الشرح عن أبي الصلاح مشعر بعدم الاشتراط مطلقا حال الغيبة ، لكن يكون هناك أيضا الوجوب تخييريا ، لنقل الشارح وغيره الإجماع على عدم الوجوب العيني حال الغيبة. ولا دليل على الاشتراط ، ولا على عدم الوجوب العيني على تقديره الا ما نقل من الإجماع.

والذي يظهر بالتأمل في الآية والأخبار هو عدم الاشتراط بوجه ، والوجوب العيني ، لأنّ ظاهر الأمر بل صريحة ـ مع عدم ورود شي‌ء آخر ، دال على التخييريّ والبدل عن المأمور به ـ هو الوجوب العيني ، كما يفهم من النظر في دليل إفادة ظاهر الأمر الوجوب.

وعلى تقدير العموم لا شك في صرفه إلى العيني مع عدم وجود ما يدل على التخييري ظاهرا للاستصحاب : والأصل عدم الغير والاخبار الدالة على الوجوب كثيرة جدا ، وأكثرها صحيحة (١) ، وفي بعضها التأكيدات والمبالغات الكثيرة المفيدة للظن القوي بالوجوب العيني الفوري المضيق المقدّر بزمان قليل ، وهو يظهر لمن تتبع : ولكن فيها إجمال ما : فما لنا الّا التمسك بالإجماع. فبملاحظة ذلك لا شك ولا ريب للتخصيص بالإمام المعصوم أو نائبه حال الحضور والإمكان مع الوجوب العيني من غير نزاع لأحد فبملاحظة ذلك صارت الأدلة مخصوصة بحال حضور الإمام والوجوب العيني فلا بد اما جعل الأدلة مخصوصة به فما بقي شي‌ء من الأدلة لحال الغيبة وغير الواجب المذكور ، أو جعلها مخصوصة بحال الغيبة مع الوجوب التخييري ، وفهم حال الحضور من موضع آخر أو جعلها بالنسبة إلى حال الحضور مخصوصة بالشرط ، والعيني للإجماع وعدم النزاع ، وعامة مع الواجب المراد حال

__________________

(١) الوسائل باب (١ ـ ٥) من أبواب صلاة الجمعة وآدابها فراجع

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

الغيبة للإجماع. والوسط ظاهر الفساد ، والأخير بعيد جدا. لبعد هذا الفهم من الآية والاخبار وعدم الإجماع على هذا الحكم ، والا لكان الأنسب الاكتفاء به في إثبات المدعى وطرح الأدلة وهو ظاهر ، وكيف يفهم من قوله تعالى «فَاسْعَوْا» مثلا الوجوب العيني حال الحضور ، وشرط الإمامة ، وعدمهما حال الغيبة. وكذا من الأخبار.

على أن مثل صحيحة زرارة (عنيت عندكم) (١) مخصوصة بالمخاطب وصريح في العيني ، ومثله موثق عبد الملك «مثلك

يهلك» (٢) ولا يفهم غيرهما بحال. فكيف يحتمل بحيث يكون دليلا على أنّ تكليف الغائب عن زمان ورود الأدلة ، بالإجماع عندهم على اجراء حكم السابقين في اللاحقين أو بنقل خبر متواتر ، والإجماع بعدم الفرق ، وليس فيما نحن فيه شي‌ء من ذلك ، بل أصل الحكم الثابت في السابقين غير جار في اللاحقين ، ولا يقولون به.

وبهذا تبين أنّه لا يمكن أن يقال ظاهر الأدلة هو العموم وعدم الاشتراط والوجوب العيني ، ولمّا ثبت الإجماع على الشرط حال الحضور وعلى عدم الوجوب العيني : بقي بلا شرط ، والوجوب التخييري وهو عمدة أدلة الموجبين.

وأيضا الظاهر منه القول بعدم اشتراط الفقيه أيضا ، وهو ظاهر الأدلة لكنّه قول البعض : فالقول به يحتاج إلى جرأة لما تقدم لأن فيه ترك ظاهر الأدلة ، مثل العدول من العيني إلى التخييريّ وغيره ، ولهذا الشارح المبالغ يقول كثيرا : إنّ الفقيه نائب فالشرط حاصل. وإثبات كونه نائبا في مثل هذا مشكل لعدم الدليل في الشرط إلا الإجماع وليس ذلك فيه ، والّا لكان الواجب عينيا.

وبالجملة ينبغي اما القول بالوجوب العيني من غير شرط النائب أيضا ، لعدم

__________________

(١) الوسائل باب (٥) من أبواب صلاة الجمعة قطعة من حديث ـ ١ ولفظ الحديث هكذا (عن زرارة : قال حثنا أبو عبد الله عليه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك؟ فقال : لا ، انما عنيت عندكم).

(٢) الوسائل باب (٥) من أبواب صلاة الجمعة قطعة من حديث ـ ٢ ولفظ الحديث هكذا (عن عبد الملك عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله! قال : قلت : كيف أصنع؟ قال : صلوا جماعة يعني صلاة الجمعة).

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

دليل الاشتراط ، وردّ الإجماع ، لعدم دخول المعصوم ، وضعف حجيّة الإجماع المنقول ، وهو ظاهر لمن تأمل سيما لمن نظر في رسالة الجمعة للشارح :

ولكنه قول مع عدم الرفيق مع أنه شرط عندهم في الأصول والفروع من الخاصة والعامة في المسئلة المبحوث عنها ، وان كان دليله أيضا ضعيف ، ولكن يحتاج خلاف ذلك إلى جرأة عظيمة ، ولكنّه نقل في رسالة الجمعة ما يدل على القائل ، فما بقي عذر للتارك الّا بعد (نقل خ) الإجماع وحاله واضح.

واما القول بالمنع والتحريم ، وهو مذهب السيّد ومن تابعة ، وتخصيص الأدلة بالحضور والعيني كما هو ظاهرها والإجماع. وعدم إسقاط الظهر المتحقق المبرئ للذمة باليقين بالمحتمل ، والاحتياط بفعل الظهر فواضح بالنظر الى الإجماع وكلام الأصحاب. لأنهم قالوا : لا وجوب عينيا بالإجماع ، فلا كلام لأحد في فعل الظهر بناء على كلامهم ، بخلاف الجمعة فإنّ المصنف في المنتهى والسيد وغيرهما على تعيين الظهر وتحريم الجمعة كما تقدم.

ولكن بالنظر في الأدلة سيما الآية ، والأخبار الكثيرة الصحيحة يحصل الخوف العظيم بتركها.

ولو جمع بينهما للاحتياط ، لأمكن كونه أحوط.

مع توجه احتمال التحريم بالتشريع. ولا يندفع بعدم النهي عن الصلاة في قوله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى) (١) لعدم احتماله ، وشبهة عدم الجزم بالنية.

وهي لا تخلو عن ضعف سيما في أمثال هذه المسئلة مع تقديم الظهر ، ولكن يحصل التأمل من جهة صلاة سادسة بالإجماع ، واحتمال خروج وقت الجمعة.

وبالجملة الخلاص من الشكوك والشبهة للمؤمنين ممّا لا يمكن ، الا بظهور ولى الأمر ، والناطق بالحق اليقين ، وأما من دونه فالأمر صعب كثيرا ، الله يفرج عنا الهموم ، ودفع الشكوك والغموم بحقّ مدينة العلوم وبابها المعصوم بظهور وارث الحكم والعلوم ، ولعلّ الحكمة في ذلك عدم الغفلة والاشتغال بجميع أنواع العبادات واكتساب الكمالات ، لعله تقع حسنة من الحسنات عند الله من المقبولات ، فلم يعذبه بعذاب أوجبته السيئات ، ولكن مثل الغريق الذي يتشبث بالحشيشات

__________________

(١) سورة العلق : ٩

٣٦٣

ولو صلّى الظّهر من وجب عليه السّعي لم تسقط ، بل يحضر ، فإن أدركها صلّاها وإلّا أعاد ظهره وتدرك الجمعة بإدراك الإمام راكعا في الثنائية.

______________________________________________________

رجاء لخلاص النّفس من الغرقات المهلكات الموقعة في أسفل الدركات ولا بدّ من عدم الاعتداد بشي‌ء مما يتفق له من العبادات وجعل الوسيلة إلى الدرجات العاليات محض الألطاف والإنعامات وشفاعة ذوي الشفاعات ، والانقطاع إليه بالكلية في السر والعلانيات بتصوير نفسه خالية من الخيرات إلا بعناية من واهب العطيات ، أو يحصل لها من الكسر والتشويش والاضطراب وغلق القلب والانكسارات ، مضافة على باقي المحن والبليات المعدات في الدنيا للمؤمنين والمؤمنات ، واستحقاق المراتب العاليات والسعادات الأخرويّات ، وأظنّها أعظم بالنسبة إلىّ من القتل ، فاني ما أفهم مسئلة خالية عن شي‌ء من الشبهات إلا قليلة من الكثيرات ، وكأنّه يرشدك إلى الحكمة المذكورة ، أنّه شرط الشارع لقبول واحدة من الطاعات. من الشرائط الكثيرات. خصوصا الإخلاص الدقيق في النية ، وما شرط أصلا لصحة السيئة ، فتأمّل ، فإنها لا تخلو عن دقة ، وفي إفهامها إيّانا وعدم الغفلة عن تلك ، عين تلك الحكمة وهكذا ، فتغفل مع ذلك النّفس المذنبة العاصية الكسلة الخاطئة ، فإنها مفهمة مسئوله ، ولا يجوز بعد ذلك الغفلة عن الخدمة ، ولا بدّ من ترك السيئة والسنة (١) والكسلة وسائر المهلكات الخسيسة العظيمة الكثيرة والقليلة والحقيرة ، والله المعين والموفق للعبادة وترك السيئة.

قوله : (ولو صلى الظهر ـ إلخ) دليله واضح قال في المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع ، ولأنّه مأمور بالسعي إلى الجمعة ما لم تفت ، فيجب ، وتجب إعادة الظهر لأنّه ما صلاها امتثالا للأمر ، لعدم الأمر بها ، بل النهي عنها.

قوله : (وتدرك الجمعة ـ إلخ) هذه مبنيّة على إدراك الجماعة بإدراك الإمام راكعا ، وإدراك الصلاة بإدراك الركعة ، والظاهر أنّ الثاني لا خلاف فيه ، والأول فيه خلاف لاختلاف الأخبار. وذهب الشيخ في كتابي (٢) الأخبار لا النهاية فقط ، الى عدم الإدراك واشتراط ادراك تكبير الركوع ، كأنه كناية عن

__________________

(١) أي الفتور.

(٢) قال في التهذيب في باب أحكام الجماعة : ومن لم يلحق في تكبيرة الركوع فقد فاتته تلك الركعة.

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إدراكه قائما وقبل الركوع.

ودليله أخبار ، مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام (١) وصحيحته عنه أيضا قال : قال لي : ان لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخلنّ (تدخل ـ خ) معهم في تلك الركعة (٢) واخرى له عنه عليه السلام أظنّها صحيحه أيضا : قال إذا أدركت التكبير ، قبل أن يركع الامام فقد أدركت الصلاة (٣) وقد يستدل له بالاحتياط وأيضا أنّ الذمة مشغولة بالصلاة مع القراءة وسقوطها قبل الركوع ثابت بالإجماع وبعده ليس بثابت.

قد يقال : انّ مرجع الأخبار كلها محمد بن مسلم ، ولو سلّم كونه هو الثقة كما هو الظاهر ، فيكون هنا خبر واحد. على أنّ الأخيرة ما تدل الا بالمفهوم. وأنه لا احتياط في مثل صلاة الجمعة ، إذ قد يأثم بالترك ، نعم يتم ذلك في الجماعة المندوبة وانّه لا يدلّ على الوجوب خصوصا مع قيام الدّليل على خلافه وان سقوطها ثابت بالأدلة ، وليس الدليل منحصرا في الإجماع على أنّا قد نشير إليه أيضا.

وأيضا الجمع بين ما يدلّ على الجواز وبينها بحملها على الكراهة ـ بمعنى كون ثواب هذه الركعة جماعة أقل من الانفراد على ما أظن ، لعدم المعنى للنّهي عنها لقلة ثوابها ، بالنسبة إلى إدراك الإمام قبل الركوع مع فوت الجماعة وهو ظني في أكثر الكراهة في العبادات بخلاف ما قاله بعض الأصحاب أو على أنّه لو لم يدركه قائما يدركه في الركوع أيضا غالبا الّا بتقصير في ملاحظة النية والتكبير ، أو على ذلك الفرد الخاصّ ـ اولى من جمع الشيخ بحمل ما ينافيها مع الكثرة رواية وفتوى وصراحة في الدلالة على اللحوق في الركوع الى الصّف مع الإدراك قبله. وهو بعيد جدا ، مع أنه صريح بعضها ينفيه لما ستقف عليه على أنّ هذا الحكم كان بالنسبة الى محمد بن مسلم فقط ولا يعم إلا بالإجماع ، ولا إجماع ، ولا دليل غيره على أنها ليست

__________________

(١) الوسائل باب (٤٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ٣

(٢) الوسائل باب (٤٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ٢

(٣) الوسائل باب (٤٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ١

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بصريحة فيما هو المطلوب ، وهو الإدراك قائما على الظاهر ، لأنّه يبعد أن لو أدركه قائما بعد التكبير لا يكون مدركا وإن كان الفرض بعيدا ، ويحتمل قول الشيخ به ، وقد يكون بالنسبة إليه فقط مانع به من الإدراك إلا مع التكبير ، مثل تأن في النية أو التكبير : أو كونه مع إمام مستعجل. أو كونه مع إمام يتّقي عنه ، فما لم يضطر لم يدخل ، وقبل الركوع لا مفر ، وأما بعده فلا ، إذ قد يحتج بفوتها حين الوصول. وأيضا قد تفوته التسبيحات ، إما بالكلية في الركوع أو المستحبة.

واستدل المصنف في المنتهى على الجواز ، بصحيحة سليمان بن خالد : (سمّاها حسنة ، والظاهر انه ليس بجيّد ، وان كان في سليمان قول ما ، فان اعتبر ذلك فليست بحسنة أيضا ، والّا كما هو الظاهر من الخلاصة فصحيحة كما قاله في المختلف ، ولا ينظر إلى اشتراك النّضر ، لأنّه ابن سويد الثقة على الظاهر ، لنقل الحسين بن سعيد عنه (١)) عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال في الرجل إذا أدرك الامام وهو راكع وكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة (٢) وبحسنة الحلبي عنه عليه السلام أيضا قال إذا أدركت الامام وقد ركع فكبّرت (وركعت ـ خ ل) قبل أن يرفع (الامام ـ خ ل) رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع [الإمام] رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة (٣) وهذه حسنة في الكافي والتهذيب لإبراهيم ، وصحيحة في الفقيه.

وظاهر أنّ المراد برفع الرأس رفعه عن حدّ الركوع بالكليّة ، لا الشروع فيه قبل الرّفع بالكلية.

وقد يستدلّ عليه بما رواه في الفقيه عن أبي أسامة ـ الثقة ـ أنه سأله عن رجل انتهى الى الامام وهو راكع؟ قال : إذا كبّر فأقام صلبه ، ثم ركع فقد أدرك (٤) وبما رواه فيه صحيحا عن معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : إذا

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب هكذا «الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد».

(٢) الوسائل باب (٤٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (٤٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ٢

(٤) الوسائل باب (٤٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ٣ وفيه عن معاوية بن مسيرة فلاحظ.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزئته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع (١).

وذكر الشيخ أيضا في التهذيب عنه ، وقال في الفهرست «معاوية بن شريح له كتاب» وذكر الإسناد.

وبما روى فيه أيضا ـ لتأييد التأويل المذكور سابقا بطريقين الى عبد الرّحمن بن أبي عبد الله (وأظنّ اعتبار أحدهما ، ولا يضر وجود أبان بن عثمان فيه) عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن مشيت اليه رفع رأسه من قبل أن تدركه ، فكبّر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإن قام فالحق بالصف وإن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف (٢).

والعجب من الشيخ تأييده التأويل به ، مع دلالته على نفي أصل المطلوب

وأيضا يدلّ عليه ما نقل من الإجماع على انتظار الإمام في الركوع إذا أحسّ بداخل ، والإجماع على عدم الانتظار قبل الركوع لإمكان الإدراك فيه ، قال في المنتهى في بحث أحكام الجماعة : قال علماؤنا يستحب للإمام إذا أحسّ بداخل أن يطيل ركوعه حتى يلحق به ، وبه قال الشافعي في أحد القولين ، قم قال في الفروع ، لو أدركه وقد رفع رأسه من الركوع أو قبل أن يركع لم ينتظر ، قولا واحدا لعدم فوات الركعة قبل الركوع ، وعدم اللحوق بعده.

الا ان لا يسلم الشيخ ، ولكن ذكر الرواية في التهذيب :.

وأيضا يدلّ عليه دليل هذه المسئلة من طرق العامة والخاصة ، وهو ما رواه الشيخ في التهذيب عن جابر الجعفي قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام إنّي أؤمّ قوما فأركع فيدخل الناس وأنا راكع فكم انتظر؟ قال : ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر انتظر مثلي ركوعك فان انقطعوا ، والّا فارفع رأسك (٣) وما رواه الصدوق في الفقيه عن رجل أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام قال : قلت له : إني إمام مسجد الحي فأركع فأسمع

__________________

(١) الوسائل باب (٤٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ٤

(٢) الوسائل باب (٤٦) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ٣

(٣) الوسائل باب (٥٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ١

٣٦٧

ولو انفض العدد في الأثناء أتم الجمعة

ولو انفضوا قبل التلبّس بالصلاة سقطت.

ويجب تقديم الخطبتين على الصلاة.

______________________________________________________

خفقان نعالهم وأنا راكع؟ فقال : اصبر ركوعك ومثل ركوعك ، فان انقطعوا والّا فأنتصب قائما (١).

وقال الشيخ في التهذيب : بعد ذكر هذه الأخبار الدالة على الجواز والمنع والتأويل والتأييد : والامام إذا صلى بقوم وركع ودخل أقوام فليطل الركوع حتى يلحق النّاس الصلاة ، ومقدار ذلك أن يكون ضعفي ركوعه ، واستدلّ عليه برواية جابر الجعفي المتقدمة ، وهو يدل على رجوعه عن القول بعدم الجواز ، فكأنّها صارت المسئلة غير معلوم المخالف ، فتعيّن عدم المصير إلى المنع لعدم الرّفيق ، الّا أن يقال هذا باعتقاد شيخه لا باعتقاده ، ولكن ينبغي التنبيه وليس هذا دأبه ولا المتعارف بينهم.

قوله : (فلو انفض العدد ـ إلخ) الظاهر انه لو انفض العدد كله أو البعض وبقي الإمام ، يتم الجمعة : ويدل عليه ظاهر قوله تعالى «وَتَرَكُوكَ قائِماً» (٢) مع التأسي في غيره ، وعدم ظهور الخلاف ، فيكون الجماعة والعدد شرطا في الابتداء لا الاستدامة.

وأما لو انفض الإمام : فإن استخلف مع شرطه صحّت ، وأما بدونه فغير معلوم ، والآية ليست بدليل ، ولا دليل غيرها ، وظاهر الشروط يقتضي العدم «وَلا تُبْطِلُوا» (٣) ليس بدليل ، وكذا الصلاة على ما افتتحت (٤).

والاستصحاب : وذكر الشارح الصحة ، ونقل عن التذكرة إن أدرك ركعة صحّ والّا فلا ، وهو غير واضح.

وأمّا دليل السقوط على تقدير الانفضاض قبل التلبّس ، فهو فقد الشرط قبل

__________________

(١) الوسائل باب (٥٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ٢

(٢) سورة الجمعة : ١١

(٣) سورة محمد : ٣٣ وتمام الآية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ».

(٤) رواه في الفصل التاسع من عوالي اللئالى ، وفي الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب (٢) من أبواب النية حديث ـ ٢ ما بمعناه.

٣٦٨

وتأخيرها عن الزوال.

والفصل بين الخطبتين بجلسة.

ورفع صوته حتّى يسمع العدد.

ولو صليت فرادى لم تصحّ.

ولو اتفقت جمعتان بينهما أقلّ من فرسخ بطلتا إن اقترنتا ،

______________________________________________________

حصول المشروط فسقط.

وأمّا وجوب تقديم الخطبتين على الصلاة ، فالظاهر عدم الخلاف فيه.

وأمّا تأخيرها عن الزّوال فغير واضح ، بل الظاهر جواز التقديم كما مرّ في حديث جبرئيل (١) ، وتأويل المختلف بعيد (٢) فلا يرتكب من غير ضرورة لإمكان الجمع بين الأخبار بالتخيير وأولوية التأخير ، فتأمّل.

وأمّا وجوب الفصل بينهما ، فدليله التأسي (٣) وبعض الأخبار مثل قوله عليه السلام يجلس بينهما (٤) فإنه خبر بمعنى الأمر.

وكذا رفع الصوت حتى يسمع العدد ولأنّه المقصود من الخطبة والمتبادر. ويلزمه وجوب الإنصات ورفع مانعه.

وكذا ظاهر دليل عدم صحة الجمعة لو صليت فرادى بعد ثبوت اشتراطها بالجماعة.

قوله : (ولو اتفقت جمعتان بينهما أقل ـ إلخ) معلوم أنّ المراد. الجمعتان اللتان حصل جميع شرائطها الّا البعد المقدّر. فدليل البطلان حينئذ على تقدير

__________________

(١) الوسائل باب (٨) من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ، حديث ـ ٤

(٢) قال في المختلف في توجيه الحديث ما هذا لفظه «لاحتمال أن يكون المراد بالظل الأول ، الفي‌ء الزائد على ظل المقياس. فإذا انتهى في الزيادة إلى محاذاة الظل الأول ، وهو أن يصير ظل كل شي‌ء مثله ، وهو الظل الأول نزل (ص) وصلّى بالناس. ويصدق عليه أن الشمس قد زالت حينئذ ، لأنها قد زالت عن الظل الأول»

(٣) صحيح مسلم ، كتاب الجمعة (١٠) باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة حديث (٣٣) و (٣٤) و (٣٥) ولفظ الحديث «كان رسول الله (ص) يخطب يوم الجمعة قائما ، ثم يجلس ، ثم يقوم».

(٤) الوسائل باب (١٦) من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ، حديث ـ ١

٣٦٩

وإلّا اللاحقة والمشتبهة

______________________________________________________

المقارنة ، هو فقد الشرط المقّدم. والظاهر عدم الخلاف فيه ، والعلم به يمكن بمثل شهادة عدلين مع كونهما سمعا أنه كان تكبير الإمامين معا. والظاهر أن الاعتبار بآخر تكبيرهما كما قيل وفرضهما حينئذ أن يعيدا معا الجمعة مع بقاء الوقت ، مجتمعين ، أو جمعتين مع حصول القدر المقدّر ، والّا يصلون الظهر.

قوله : (والّا اللاحقة ـ إلخ) أي وإن لم يقترنا بل سبق أحد الإمامين بتمام التكبير ، قبل إتمام الآخر ، بطلت اللاحقة ، فيصلون الظهر إن لم يدركوا الجمعة الصحيحة.

وكذا تبطل جمعة الفرقة المشتبهة ، سواء كان الاشتباه بين المقارنة وعدمها ، أو في تعيين السابقة المعلومة ، الّا أنّ الحكم في الأول إعادة الجمعة إن أمكن على وجه يصحّ ، ودليله واضح ، وهو عدم فعل الجمعة الصحيحة مع إمكانها فتجب عليهما ، ونقل عن المصنّف إيجاب الظهر أيضا لإمكان صحة الجمعة في نفس الأمر فليس في ذمتّهما الّا الظهر ، فيجب : بل الظاهر الصحة لندرة المقارنة ، والصلاة على ما افتتحت (١) فالظاهر هنا أيضا انها حصلت جمعة صحيحة واشتبهت : وبالجملة التكليف بها لاحتمال البطلان على تقدير نادر ، لا لثبوت جمعة محققة ليسقط الظهر بها ، وهو ظاهر ، ولا شك أنه الأولى والأحوط ، قدّس الله سره ، وتفضّل علينا ببركاته رشحة من بحر علم إفاضة عليه.

وعلى تقدير عدم الإمكان ، الظهر الواجب المقدّر المعين على من فاتته الجمعة ، مطلقا.

وفي الثانية الجمعة عليهما معه ، لعدم سقوطها يقينا ولا ظنا عن واحدة بعينها ، والعلم بالسقوط في الجملة لا ينفع هنا ، فالأمر المتوجه إليهما غير ساقط عنهما ، فبقيتا تحت أصل التكليف ، والظهر أيضا على وجه يصح ، لانّ اليقين بفوت الظهر من إحداهما حاصل وليس بمعلوم فيجب عليهما لان سقوطها عنهما مشروط بوقوع جمعة صحيحة من كل منهما وذلك غير حاصل لا علما ولا ظنا فالذّمة مشغولة بها.

وما ذكروا إعادة الجمعة هنا لأنهم قالوا تسقط الجمعة بفعلها صحيحة يقينا

__________________

(١) تقدم آنفا فراجع.

٣٧٠

والمعتق بعضه لا تجب عليه وان اتفقت في يومه

ويحرم السفر بعد الزوال قبلها

______________________________________________________

ولا يضر الاشتباه ، وهو صحيح لو لم تجب الجمعة مع إمكانها على من تركها وصليّت عنده جمعة وهو غير ظاهر. ولهذا أوجبوا الجمعة على الفرقة اللاحقة مع الإمكان ، الّا أن يريدوا إدراك الجمعة السابقة قبل إتمامها.

والأدلة الدالة على وجوب الجمعة ، تدلّ عليه ، حيث دلت على وجوبها على من كان على رأس الفرسخين والذّهاب إليه إن لم تصل عنده وبالجملة ينبغي كون الحكم وجوبهما على الفريقين على التقديرين (١) مع الإمكان بالإتيان بالجمعة صحيحة ، والا الظهر : ويمكن حمل اكتفائهم في الثاني بالظهر لبعد إمكان ادراك جمعة اخرى لضيق الوقت ، وان كان قولهم بفعل الظهر لمن ترك الجمعة بعد فعلها مطلقا يدل على سقوط الجمعة عن داخل فرسخ ، وهو محتمل.

والحاصل أنّ الاقسام أربعة : معلوم السبق الان فيجب على الثانية الظهر مع فوتها ، والا الجمعة. ومعلوم المقارنة ، فتجب الجمعة عليهما مع الإمكان ، والا الظهر. ومعلوم السبق في الجملة مع الاشتباه بالفعل ، قال في المنتهى : قال الشيخ تجب الجمعة عليهما ، ورده ، وقال : بل يجب الظهر لحصول جمعه في المصر صحيحة ، والاشتباه عندنا لا تبطلها في نفس الأمر ، ولا يبعد الجمعة أيضا مع الإمكان لما مرّ وعدم معلومية شي‌ء أصلا. وقال المصنف : فالوجه وجوب الجمعة ورد القول بوجوب الظهر. ولا يبعد وجوبهما كما نقل عنه.

قوله : (والمعتق بعضه ـ إلخ) لعل دليله وجود المانع الذي هو الملكية والعبودية وعدم حصول الشرط الذي هو الحرية.

قوله : (ويحرم السفر ـ إلخ) ادعى المصنّف فيه الإجماع ، بقوله في المنتهى : إذا زالت الشمس حرم السفر على من يجب عليه الجمعة. وهو قول علمائنا أجمع ، وكأنه الدليل.

ولا ينبغي الاستدلال بأنه موجب لسقوط الجمعة الواجبة. لأنه موجب لعدم

__________________

(١) اى على تقدير اشتباه السبق ، أو السابق.

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

السقوط ، و (١) للزوم الدور المتعارف عندهم لأنه إذا كان حراما ، فلا تسقط الجمعة ، لعدم الإباحة فيلزم من سقوطها عدمها. الا أن يقال : بعدم اشتراط الإباحة للسقوط ، وهو احتمال كما مرّ.

أو يقال : انه لا بد من الإباحة ، بمعنى عدم تحريم السفر الا من جهة سقوط هذا الواجب المحقق.

واستدلال المصنّف في المنتهى ، بقوله تعالى «إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ» والنداء وقت الزّوال ، فإيجاب السّعي يقتضي تحريم ما يحصل به تركه.

فهو مع كونه مبنيا على أحد الاحتمالين ، منقوض بجوازه يوم الصوم الواجب.

ويمكن أن يقال : انّ الوجوب مشروط بالبقاء في البلد ، لكنّه هو الحل المشترك فيلزم عدم التحريم ، لكن وقع الإجماع على التحريم في الأول ، كما نقلنا (٢) فليس الجواب إلا أحد الاحتمالين (٣) والّا فالدّور لازم.

وقال في الشرح : ولا فرق في التحريم بين أن يكون بين يديه جمعة اخرى يمكنه إدراكها في الوقت ، وعدمه ، لإطلاق النهي ، مع احتمال عدم التحريم في الأول بحصول الغرض. ويضعّف بانّ السفر ان ساغ أوجب القصر ، فيسقط الجمعة حينئذ ، فيؤدي إلى سقوطها ، فيحرم ، فلا يسقط عنه. فيؤدي التحريم الى عدمه ، وهو دور.

وقد ظهر لك ضعف هذا. لانّ الدور أمر يرد على تقدير عدم كون التحريم ، لانه موجب لسقوطها مطلقا ، فيرفع أصل الحكم على تقدير صحته ، وليس له خصوصية بالجواز والعجب من الشارح انه يرد مذهبا بشي‌ء ، يرد أصل الحكم به. ولانه منقوض بسفر الصوم الواجب بعينه ، فليس له جواب الا ما أشرنا اليه. مع ان المصنّف قال في المنتهى ـ ونقلناه عنه فيما تقدم ـ بعدم النصّ من الأصحاب على اشتراط سقوط الجمعة بإباحة السفر. وانه لا نهي باعتبار استلزام الأمر بالشي‌ء ، النهي عن ضده الخاص ، كما يفهم من قوله فيما سبق : «ويحرم السفر لاستلزامه ترك الواجب) وهو

__________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة الّتي عندنا ، ولكن الظاهر زيادة حرف الواو في قوله : «وللزوم»

(٢) حاصله. ان مقتضى جواز السفر في الجمعة والصوم الواجب معا ، ولكن الإجماع وقع على تحريم السفر في الجمعة بخلاف الصوم الواجب.

(٣) المذكورين بقوله الّا ان يقال

٣٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يقول به. وانه يكفي لا تمام الدّور (فيحرم) (١). وانه ينبغي أن يقول : يؤدي التسويغ الى عدمه. فهذا الاحتمال غير بعيد على تقدير انحصار علة التحريم ، في السقوط ، مع علمه بوصوله إلى تلك الجمعة عادة ، وقصد ذلك. والشبهة المشتركة لا تضر.

ثم قال : ومتى سافر بعد الوجوب كان عاصيا فلا يترخص حتى تفوت الجمعة ، فيبتدء السفر من موضع تحقق الفوات قاله الأصحاب ، وهو يقتضي عدم ترخص المسافر الذي يفوت بسفره الاشتغال بالواجب من تعلم (تعليم) ونحوه ، أو يحصل في حالة الإقامة أكثر من حالة السّفر ، لاستلزامه ترك الواجب المضيق فهو أولى من الجمعة خصوصا مع سعة وقتها ، أو رجاء حصول جمعة أخرى ، أو لا معه. واستلزامه الحرج ـ لكون أكثر المكلفين لا ينفكّون عن وجوب التعلم فيلزم عدم تقصيرهم أو فوات أغراضهم التي يتم بها نظام النوع ـ غير ضائر ، والاستبعاد غير مسموع. ولأن الكلام في السفر الاختياري الذي لا يعارض فيه وجوبان (٢).

وأنت تعلم انّ هذا كله مبني على أن الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن الضدّ الخاص كما هو الحق وقد عرفت دليله ولكن الشارح ما كان يقول به ، ويدعي أنه ليس بحق بل موهوم من كلام بعض في الأصول ويظهر من قوله : انه يقول به ، حيث قال : «واستلزامه ـ إلخ» وفهم أنه كلام جميع الأصحاب ومذهبهم فليس له أن يخرج عنه ويقول : انه موهوم وغير حق. وقوله : «ومتى سافر ـ إلخ» صحيح على تقدير القول بالتحريم. ولكن متى وصل الى موضع تحقق أنه لو رجع لم يصل الى الجمعة فالظاهر انه حينئذ ساغ سفره ويحتسب المسافة من هذا المحل وأمّا استلزامه لما ذكره ، فهو أيضا حق ، إذا علم المكلّف وجوب التعلم فوريا بحيث تحقق عنده تحريم السفر وعلم أيضا توقف الترخص على الإباحة مطلقا ، فلا بدّ حينئذ من القول به وعدم الاستبعاد ، ولا يفوت حينئذ شي‌ء من الأغراض ولا يخل بالنظام : لانه على تقدير حصول ذلك في السفر وتوقفه عليه ، لقيل بعدم وجوب التعلم كذلك وتحريم السفر

__________________

(١) اى يتم الدور بقوله : (فيحرم) ولا حاجة الى ضم قوله : «فلا يسقط عنه فيؤدى التحريم الى عدمه».

(٢) الى هنا عبارة الروض

٣٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا تحقق ذلك في أكثر المكلّفين غير ظاهر ، الا على الوجه الذي ذكره بعض المتأخرين كما مرّ وخلو الآيات والأخبار والآثار يأبى ذلك.

وترك النبي والأئمة عليهم السلام ـ تكليف الخلق بالتعلم ، على وجه يقوله المتأخرون من وجوب تعلم جزئيات العبادات واجبا وندبا ، بعد تحصيل معرفة الله وصفاته الثبوتية والسلبية والنبوة والإمامة والمعاد الجسمانية بالأدلة اليقينية ، اما بالدليل أو بالتقليد لمن يجوزون تقليده الى الواصل الى المجتهد الحي العادل ـ دليل العدم. ويدل على الترك عدم النقل : لانّ مثله ، العادة تقضي بالنقل. بل الذي يفهم عدم الإيجاب ، والاكتفاء بما يعلمون ويوافق الحق اتفاقا حتى يعلم عدم الموافقة فيردوه الى الموافق. ويرشدك اليه الكثير من الاخبار مثل حكاية عمّار في التيمّم (١) وحكاية طهارة أهل قبا (٢) وغيره ، وانهم إذا سمعوا الشهادتين خلّوا سبيله أو قال : أنا مؤمن ، وكانوا يرضون ممن قال ذلك حين موته ويقولون : ان ذلك ينجيه مع فساد عقيدته الى الآن ، ويدل عليه الآيات والأخبار ، والشريعة السهلة ، ونفي الحرج.

وأيضا تركهم ذلك في بيان وجوب القصر في السفر ، فإنهم أطلقوا ، بل عمّموا ، وصرّحوا ، بفسق المتيمم (٣) مع علمهم بالنّاس أكثر منّا ، وإنّ في الناس من يجب عليه التكليف ، وانّ أكثر الناس لم يعرفوا واجباتهم ، بل في ذلك الزمان كان من لا يعلم أكثر ، والوجوب أوضح ، لإمكان تحصيل العلم من النص بسهولة ، وما نقل في شي‌ء من ذلك ، مع النقل عنهم الأشياء المندوبة السهلة ، ولا يناسب الاكتفاء بالمجملات التي يستخرج منها الفقهاء في أمثال ذلك ، بل كان كل من فعل شيئا من العبادات مثل فعل ركعة بعد نقضها مع الكلام ، فقال أنا فعلت كذلك مع

__________________

(١) رواه العامة والخاصة. راجع الوسائل باب (١١) من أبواب التيمم. وفي صحيح مسلم ج ١ ص ٢٨٠ باب التيمم (٢٨) حديث (١١٢) ولفظ الحديث «ان رجلا أتى عمر ، فقال : إن أجنبت فلم أجد ماء؟ فقال : لا تصل. فقال عمار : ا ما تذكر يا أمير المؤمنين إذا أنا وأنت في سرية فاجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت الحديث».

(٢) الوسائل باب (٣٤) من أبواب أحكام الخلوة.

(٣) الوسائل كتاب الطهارة باب (٢٨) من أبواب التيمم. فإنهم عليهم السلام نهوا عن الذهاب الى مكان لا يجد فيه ماء للوضوء فراجع

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم علمه والآخر أعاد وأجابوا عليهم السلام بأن الكل حسن (١) وقد مضى منه البعض وستطلع على أكثر إن شاء الله فيما نشير إليه ، وما قالوا أنت فعلت هذا موافقا للحق ، ولكن من غير علمك وأخذك بالشرائط ، فليس بصحيح ، ويجب الأخذ من أهله عليهم السلام.

هذا هو المناسب للعقل والنقل من نفي الحرج والضيق والشريعة السهلة السمحة.

وكذا ما نقل عدم القصر على هؤلاء ، عن العلماء السابقة واللاحقة من العامة والخاصة إلا عن قريب من زمان الشارح : وكون ذلك مخفيا عنهم بعيد ، وتركهم الواجب أبعد.

فاللازم أحد الأمرين : إما عدم الوجوب على ما يقول به المتأخرون ، بل الاكتفاء بما يعلمون الا فيما علم عدم كونهم معذورين فيه ، سيّما في مسائل القصر والإتمام فإن النصّ الصريح الصحيح مع فتوى العلماء ، بل الإجماع دلّ على انهم معذورون في الإتمام مع عدم العلم بوجوب القصر ، خصوصا مع عدم علمهم بوجوب التعلم. وان كل من قرء عليه الآية وفسّر له يقصّر وليس بمعذور ، وغيره معذور (٢) وعدم جواز القصر حينئذ في السفر لعدم اباحته مع انها شرط له ، بناء على عدم علمهم بأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده وعدم علمه ذلك ممن يجوز التعلم عنه فلا يكون سفره منهيا عنه ، لعدم العلم بالتكليف وهو شرط التكليف ، ولا يعلم التقصير منه مع الإمكان ، على أنّ المسئلة أصولية.

__________________

(١) الوسائل كتاب الصلاة باب (٣) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ولفظ الحديث هكذا (عن على بن النعمان الرازي ، قال : كنت مع أصحاب لي في السفر ، فصليت بهم المغرب ، فسلمت في الركعتين الأولتين ، فقال أصحابي : إنّما صليت بنا ركعتين ، فكلمتهم وكلموني. فقالوا : أما نحن فنعيد ، فقلت : لكني لا أعيد وأتم بركعة ، فأتممت بركعة ثم صرنا فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فذكرت له الّذي كان من أمرنا ، فقال لي : أنت كنت أصوب فعلا منهم. إنما يعيد من لا يدري ما صلّى».

(٢) الوسائل كتاب الصلاة ، باب (١٧) من أبواب صلاة المسافر حديث ـ ٤ ولفظ الحديث عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قلنا : لأبي جعفر عليه السلام رجل صلى في السفر أربعا ، أيعيد أم لا؟ قال : ان كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد ، وان لم تكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه.

٣٧٥

والأذان الثاني

______________________________________________________

واما عدم قدح مثل هذا التحريم في القصر ، والأول أظهر.

فلا يستبعد مع القول بالأول ، كون أمثالهم معذورين كما يقتضيه العقل والنقل من نفي الحرج والضيق ووصف الشريعة الشريفة بالسمحة السهلة ، وأنّ الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (١) وأن الله يحبّ من الأمر في الشرع ما هو الأسهل كما دلّ عليه بعض الاخبار.

وبالجملة آية القصر وأخباره عامة يعمل بها حتّى يثبت التخصيص ، ولا يثبت بظن بمثل هذا ، ولكنّه لا يغني من الجوع كما مرّ مرارا فتأمل.

قوله : (والأذان ـ إلخ) أي ويحرم الأذان الثاني يوم الجمعة.

قيل المراد الثاني زمانا ، لأنّ الأول وقع مشروعا ، لمشروعية الأذان في الوقت في أيّ موضع وقع سواء كان في المنارة أو بين يدي الخطيب أو غيرهما ، وليس المكان شرطا للصّحة : ويدل عليه قوله عليه السلام في الرواية المتقدمة الصحيحة «يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر» (٢) وفيه دلالة على كون الخطيب والإمام واحدا وكذا ظاهر الآية ، فإنّ النداء والسعي إليه بسماع الخطبة ، وهو الموجب لتحريم السفر ، فيكون الأول مشروعا :

وقيل الثاني حدوثا ، فإن الذي كان مشروعا وواقعا في زمانه صلى الله عليه وآله بين يدي الخطيب : وقد أحدث عثمان أو معاوية إذ انا على الزّوراء (٣) فيكون الحرام ذلك وان فعل أولا.

ولعلّ الثاني أقرب ، لأنّ سبب التحريم أو الكراهة ليس إلّا البدعة المنقولة ولا شك انه غير الذي بين يديه لنقل الإجماع في المنتهى كما سيجي‌ء ولأنهم كانوا

__________________

(١) البقرة : ١٨٥ ـ اقتباس من الآية

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ، قطعة من حديث ـ ٣

(٣) والزوراء بالفتح والمد ، بغداد. وموضع بالمدينة يقف المؤذن على سطحه للنداء الثالث ، قبل خروج الامام ، ليسعوا إلى ذكر الله ، ولا تفوتهم الخطبة ، والنداء الأوّل بعده عند صعوده للخطبة ، والثاني الإقامة بعد نزوله من المنبر ، قاله في المجمع : قال : وهذا الأذان أمر به عثمان بن عفان (مجمع البحرين)

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يفعلون ذلك على الوجه المعتبر المنقول عنه صلى الله عليه وآله ولو سئل في ذلك عن المحدث ، لا شك أنه يقال : الأول هو المحدث في زمانهما ، والثاني هو الذي فعله النبي «ص» وان لم يكن ذلك الوقت والمكان شرطا ، الا أنه بذلك صار علما لما فعله ، وممتازا عن غيره ، ولو غير المكان لقيل بتغيير ذلك أيضا ، ولا يبعد مجي‌ء البحث فيه.

والظاهر عدم التحريم على كل حال : أما الأول ، لأنه ذكر واعلام الناس بدخول الوقت حتى يسعوا فيه ، لانه يقع خارجا وفي موضع مرتفع فيصل الى المكلفين ، ولا يضر بكونه ذكرا مشروعا ، وجود الحيعلتين ، لهذا النفع والاعلام ، وللأصل ، ولا نسلم كونه بدعة ، لأنه ليس كل ما لم يكن في زمانه صلى الله عليه وآله بدعة ، نعم لو شرع عبادة ما كانت مشروعة أصلا ، بغير دليل ، أو دلت على تغيير شي‌ء ، يكون بدعة : الا ترى لو صلى ، أو دعا ، أو غير ذلك من العبادات مع عدم وجودها في زمانه ص ليس بحرام : لأصل كونه عبادة ، ولغير ذلك مثل الصلاة خير موضوع والدعاء حسن ، فينبغي أن لا يسلم كونه بدعة ، ومنع كونها حراما ، لا أنها تنقسم إليه والى المكروه كما فعله الشهيد يرحمه الله ، لأن في صحيحة في بحث صلاة نافلة شهر رمضان جماعة ، انّ كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار (١).

واما الثاني فإنه يقع على الهيئة المشروعة في زمانه ص بحيث لا يقال له المحدث لما عرفت ، وليس بأنقص من تكرار المؤذنين وهو جائز ، ولهذا قال في المنتهى لا نعرف خلافا بين أهل العلم في مشروعية الأذان عقيب صعود الامام ، وانّه الأذان الأوّل يحرم به البيع ، نعم لو فعل على قصد أنّه مشروع ، ومن جهة وضعهما ذلك. يكون حراما وبدعة كما في غيره ، ورواية حفص بن غياث المتقدمة (٢) بأنّ الأذان الثالث بدعة. غير صحيح ، ولا نسلم الجبر بالشهرة ، مع عدم الصراحة أيضا ، إذ قد يكون المراد الأذان في العصر. ففيها إجمال وليست بدليل ، لهذا ، ولا له. ولا يمكن إثبات التحريم بمثله ، فقول المعتبر وأتباعه (٣) معتبر.

__________________

(١) الوسائل كتاب الصلاة باب (١٠) من أبواب نافلة شهر رمضان ، قطعة من حديث ـ ١

(٢) الوسائل باب (٤٩) من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث ـ ١ ـ ٢

(٣) قال المحقق في المعتبر بعد نقل هذه الرواية ، ما هذا لفظه ، «لكن حفص المذكور ضعيف ، وتكرير الأذان غير محرم ، لانه ذكر يتضمن التعظيم للرب. لكن من حيث لم يفعله النبي (ص) ولم يأمر به كان

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واما أذان العصر : فقال في المنتهى : لا شكّ في سقوطه بعد الجمعة : وأما بعد الظهر فغير ظاهر ، للأصل وعموم أدلة الأذان ، وعدم صراحة ، وصحة حديث حفص بن غياث. واستدلّ على ذلك المصنّف في المنتهى بما روي في الصحيح كان صلى الله عليه وآله يجمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين (١) وفيه تأمل لأنه يدل على عدم فعله حين الجمع ، والظاهر أنه لا نزاع في جواز تركه حينئذ وعلى تقدير العلم بالمرجوحية لا يدل على أذان العصر يوم الجمعة مطلقا ، بل وقت الجمع ، فالجمعة وسائر الأيام سواء.

ولكن في بعض الاخبار الدالة على أن وقت العصر وقت الظهر يوم لجمعة (٢) دلالة على استحباب الجمع ، وسقوط أذان العصر حينئذ ومطلقا إذ لا أذان للظهر ، ولا أذان إلا للوقت ، وهذا الوقت ليس للعصر على الظاهر ، فتأمّل :

والاحتياط يقتضي الجمع ، والترك يوم الجمعة ، بل مع الجمع مطلقا : للقول بالتحريم في الجمع يوم الجمعة وعرفة ومزدلفة. نقله الشارح فيما تقدم عن المصنف في كثير من كتبه : والظاهر عدم القول بالوجوب حينئذ وقد مرّ البحث فيه في بحث الأذان.

ثم الظاهر الكراهة في مثله ، كما هو مذهب الأكثر ، بمعنى ترك الاولى ، لا قلة الثواب بالنسبة إلى غيره من الأذان ، مع الاحتمال ، لعدم نهي صريح في المنع ، فالقول بالكراهة أيضا ليس له دليل واضح ، ولهذا قرب الجزم بعدم التحريم وتوقف في الكراهة في الذكرى على ما نقله الشارح في الجمع في الثلاثة (٣) أيضا فكيف المرجوحية مطلقا ولكن هذا يظهر (٤) من القائلين بالسقوط ، ومن الأذان بالترك ، مع الترك دائما ، لأن الغالب أنّ مثله لا يفعل الا مع المرجوحية بالنسبة إلى العدم ، لا

__________________

أحق بوصف الكراهية»

(١) الوسائل باب (٣٢) من أبواب المواقيت فلاحظ.

(٢) الوسائل باب (٨ ـ ٩) من أبواب صلاة الجمعة وآدابها فلاحظ.

(٣) الظاهر ان المراد : انه يظهر من القائلين بسقوط الأذان ، ومن الأدلّة الدالة على ترك الأذان ، ومن تركهم الأذان دائما. مرجوحيته الأذان ، بمعنى ترك الأولى.

(٤) أي في الجمعة وعرفة ومزدلفة.

٣٧٨

والبيع وشبهه بعد الزّوال ، وينعقد ، ويكره السفر بعد الفجر.

______________________________________________________

بسبب نقصان ثوابه عن فرد آخر في موضع آخر.

قوله : (والبيع ـ إلخ) ويحرم البيع والظاهر أنّ المراد به المعني الشرعي ، لأنه المتبادر ، وهو المعاوضة الخاصة ، لعله أعم من الشراء لإطلاقه عليهما ، والمفهوم من ظاهر التفاسير ، بل الظاهر عدم الخلاف في تحريمهما أيضا.

والظاهر أنّ النداء كناية عن دخول الوقت ، فلو لم يناد يحرم أيضا ويجب السعي ، فقول المصنّف «بعد الزوال» إشارة إلى تفسير الآية ، أحسن من كلام غيره بعد النداء إذ دليل التحريم ظاهر الآية ، فإنه إذا كان ترك البيع واجبا كما يدل عليه «وذرو البيع» يكون الفعل حراما ، لا أن الأمر بالسعي للفور لترتّبه على «إذا» ومنافاة البيع له ، لانه لا يجب فورا ، بل يجب عدم تفويت الصلاة وان تراخى عن النداء ولانه قد لا ينافيه السعي ، مع أنّ التحريم أعم ، ولانه فرع انّ الأمر بالشي‌ء مستلزم للنهي عن ضده الخاص ، ولأنه حينئذ لا يحتاج الى «وذروا البيع» فعلى هذا لا دلالة في الآية على تحريم ما يشابهه. ولا على العلة ، فالإلحاق قياس بلا نصّ ، والقول به مشكل. مع الأصل وما يدل على مشروعيته : فقول المعتبر معتبر والاحتياط واضح.

ثم انه لا شك في تحريم المنافي مطلقا ، سواء كان بيعا أو إجارة أو غيرهما ، لا للإلحاق ، ولا للآية ، بل لما تقرّر في الأصول ، من أنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن الضد ولو كان خاصا وقد مرّ مرارا مع ظهوره ، وقد سلمه الشارح فيما سبق عن قريب ، في تقرير تحريم السفر فيه بعد الوجوب ، وقد منع هنا وقال : وهو عمدة الشهيد رحمة الله عليه في غير هذه المسئلة ، وفسّر الضدّ العام بالنقيض ، (١) وهو غير جيّد ، وقد فسّره في غير هذا الموضع بالأمر الكلي.

ولي تعجب كثير في منع هذا التحريم : وكيف يشتبه على مثله إذا قيل «اسعوا» لا يفهم منه تحريم ما يمنع منه ، ويفهم تحريم الفعل على غير من تجب عليه الجمعة

__________________

(١) قال في الروض : في جواب كلام الشهيد في الذكرى القائل بأن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده الخاص ما هذا لفظه «والأمر بالشي‌ء إنما يستلزم النهي عن ضدّه العامّ الّذي هو النقيض ، لا الأضداد الخاصّة».

٣٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

للمعاونة (١) وهذا واضح مع الإحاطة بما ذكرناه في تحقيقه ، ولعل الاشتباه لي ولولا تحقيق العلامة ذلك لكنت قائلا به.

وعلى تقدير التحريم ينعقد البيع عند الأكثر لعدم المنافاة بين الصّحة في المعاملات وبين النهي ، بخلاف العبادة. والشارح قال بالبطلان فيها. مع عدم قوله بالبطلان فيما مرّ ، لمنعه دليله ، وقد مرّ مرارا.

وقد يقال هذا حق فيما إذا وجد التصريح من الشارع بقوله ، : نهيتك وان فعلت صح فعلك وأما إذا لم يصرّح ، ففيه تأمل ، حققناه في محلّه. ولكن ما صرح بالصحة ولا بالفساد هنا ، وما عندنا دليل على صحة كل بيع ، ولا هذا البيع بخصوصه الا كونه بيعا وهو جائز وصحيح ، لقوله تعالى «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» فما علم منه الا صحة البيع الجائز فمن أين صحة البيع الغير الجائز بل الظاهر بطلانه حينئذ وبالجملة إذا علم الصحة من موضع لا ينافيه النهي ، فلا يدل على البطلان والّا ففيه دلالة ما على البطلان على الظاهر ، حيث يفهم عدم رغبة الشارع الى هذا الفعل ، فيعلم عدم تجويز أثره أيضا : ومثل هذا الفهم قد يكون في العبادات مع عدم المنافاة ، في المعاملات كذلك ، فإنه قد يفهم مثل بيع الملاقح والمضامين (٢) وبيع المجهول والحصى وغيرها ، وقد لا يفهم بل قد يفهم (الترتيب ـ خ ل) مع العلم بالغرض والحاصل أن هذا منوط بنظر المجتهد والمتأمل ، فإنه قد يفهم من كلام الشارع المنافاة وعدم ترتب الأثر وقد لا يفهم ، فإذا قال مثلا : لا تنظر إلى الأجنبية وأنت تصلي ، فإنا نفهم منه المنافاة مع عدم النهي في العبادة على الوجه المقّرر المنافي ، بخلاف أن قال : لا تنظر إلى الأجنبية مطلقا ونظر في الصلاة ، فأنا ما نفهم منه المنافاة كما نفهمها في الأول وغير ذلك.

__________________

(١) هذا الكلام إشارة إلى ما في الروض ب () قوله : «واعلم أنّه لو كان أحد المتعاقدين مخاطبا بالجمعة دون الأخر فالتحريم في حق المخاطب بحاله. وهل يحرم في حق الآخر ، أو يكره خلاف والتحريم متجه ، لمعاونته على الإثم المنهي عنها في قوله تعالى «وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ» وهو يقتضي التحريم».

(٢) وفي الخبر. انه نهى عن الملاقح والمضامين ، لانه غرر. أراد بالملاقح ، جمع ملقوح ، وهو جنين الناقة وولدها ملقوح به ، فحذف الجار. والناقة ملقوحة. وأراد بالمضامين ، ما في أصلاب الفحول. وكانوا يبيعون الجنين في بطن امه ، وما يضرب الفحل في عام أو في أعوام ، مجمع البحرين

٣٨٠