مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

والأفقه أولى ،

______________________________________________________

والظاهر السقوط في الغائب ، ولا يجي‌ء الوجهان ، بعينهما فيه ، فقوله (ويمكن سقوط اعتباره مطلقا) قريب.

قال الشارح «ويتعين الثاني إذا لم يكن أهلا للإمامة ، فلو لم يقدّم أحدا ولم يقدّم مع أهليّته. سقط اعتباره لأنّ الجماعة أمر مهمّ مطلوب ولا تسقط بامتناعه من الإذن ، بل يصلّى الحاكم ، أو يأذن إن كان موجودا ، والأقدم عدول المسلمين من يختارونه ـ انتهى»

وإذا ثبت له الولاية ، فاسقاطها بأنّ الجماعة أمر مطلوب مشكل : وعلى تقدير السقوط ، فالثبوت للحاكم غير ظاهر ، وأخفى منه ثبوتها للعدول ، لأنّا ما نعرف له دليلا أصلا.

ثمّ قال : «واعلم أنّ ظاهر الأصحاب أن إذن الوليّ إنّما يتوقّف عليها الجماعة ، لا أصل الصلاة : لوجوبها على الكفاية ، فلا يناط برأي أحد من المكلّفين ، فلو صلّوا فرادى بغير إذن أجزء ويمكن ان يقال : لا منافاة بين الولاية وعدم المباشرة ، فإنّ الراد بها سلطنته في ذلك واستحقاقه لأن يفعل الفعل بإذنه وإن لم يصلح للإمامة ، وقد تقدّم مثله في ولاية الذكر على الأنثى في التغسيل مع عدم إمكان مباشرته انتهى»

والظاهر ان في العبارة غلطا (١) والظاهر ما ذكره ، من كون الموقوف على اذن الولي الجماعة. لا أصل الصلاة ، وإن كان الدليل المذكور لا يخلو عن شي‌ء ، بل لولا الإجماع لكنا نقول بأولوية اذنه في الجماعة لا بتوقفها عليه.

قوله : «والأفقه أولى» الظاهران مراده : إذا اجتمع الأولياء في مرتبة واحدة ويكونون متساوية ، فالأولى ان يتركوا له التقدم ، وأيضا له الاولى التقدم وعدم التفويض الى الغير ، ولا يبعد كون المراد أولوية تقديم الأفقه للولي إذا أراد التقديم مطلقا.

والمراد بالفقه ، هو فقه صلاة الميت على الظاهر ، ودليله : أفضليته ، وأولوية

__________________

(١) وحق العبارة ان يقال : ان الجماعة يتوقف على اذن الولي لا أصل الصلاة

٤٦١

فان لم يكن بالشرائط استناب من يريد.

______________________________________________________

تقديم الأفضل واضح ، ولا يبعد كونه أقرب الى الاستجابة : لزيادة علمه.

والمصنف في المنتهى اختار تقديم الاقرء كما في سائر الصلوات ، قال : (ولو تساوى الأولياء كالإخوة والأولاد والعمومة قدم الاقرء ، فالأفقه ، فالأسن ، قاله الشيخ. وللشافعي قولان : أحدهما تقديم الأسن ، وعن احمد روايتان لنا عموم قوله عليه السلام (يؤمكم اقرئكم لكتاب الله (١)) ولان العلم أرجح من السن ، وقد رجحه الشارح في الصلاة الحقيقية وقدمه هنا أيضا للخبر ، وليس ببعيد ، لان صفات القراءة معتبرة في الأدعية والتكبيرات أيضا وان كان المتبادر من الخبر هو الأول ، فتأمل.

ثمّ قال الشارح أيضا ، ولو تساووا في الصفات أقرع بينهم كما في الفرائض.

وقيل المراد بالأسن : هو الأسن في الإسلام ، فتأمل :

ويحتمل عدم سقوط ولاية المرجوح ، سيما مع اتصافه بالشرائط ، فيكون التقديم والأولوية مستحبة ، ويحتمله ، سيما مع عدم اتصافه بها ، وما رأيت في كلامهم ما يكون صريحا فيه ، والظاهر الثاني ، وعموم أدلتهم يقتضي الاولى مع قولهم بأنه لا يشترط في الولاية الاستحقاق.

والعجب ان المصنف ما ذكر باقي الأسباب المرجحة ، ولا يبعد إتيان جميع ما ذكر في الجماعة هنا ، وسيجي‌ء ، ويكون الاكتفاء لذلك.

قوله : «فان لم يكن بالشرائط ـ إلخ» الظاهر ان مراده الإشارة الى عدم سقوط الولاية وعدم وجوب تعيين شخص عليه ، بل له الولاية مع عدم الشرائط والتخيير فيمن يريد الا ان الاولى له اختيار الراجح مثل الأفقه بعد الاتصاف بالشرائط ، فما افهم ما أشار إليه الشارح بقوله : واعلم. انه يستفاد من قول المصنف ـ انه يقدّم الأفقه ، ثم قوله ، ولو لم يكن الولي بالشرائط المجوزة للإمامة استناب من يريد ـ ان الأفقه مقدم ، وان لم يكن عدلا ، ولا وجه له إلخ.

__________________

(١) سنن أبي داود. باب من أحق بالإمامة ، حديث (٥٨٢ ـ ٥٩٠) وفيه الحديث عن ابى مسعود البدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله اه) وفي الوسائل كتاب الصلاة باب (٢٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ١

٤٦٢

وليس لأحد التقدم بدون اذنه

وامام الأصل أولى.

______________________________________________________

وأكده بقوله : وليس لأحد التقدم بدون اذنه دفعا لتوهم. انه إذا لم يتصف يتقدم كل من أراد كما يتوهم على ما مر ، فتأمل.

قوله : «وامام الأصل أولى» يحتمل ان يكون من كل احد حتى من الولي فلا يتوقف على اذنه ، لأنه قائم مقام النبيّ (ص) وهو (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١) ولما رواه (في زيادات التهذيب) السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام ، إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها. ان قدمه ولى الميت والا فهو غاصب (٢) بان يكون (هو) راجعا إلى الولي ، لا لسلطان ، فيكون الاذن عليه واجبا ، حاصله عدم التوقف على الاذن ، ووجوبه عليه على تقدير الاستيذان.

ويؤيده رواية طلحة بن زيد عن ابى عبد الله عليه السلام قال : إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها

(٣) والروايتان ضعيفتان سيما الأولى ، فإن فيها النوفلي والسكوني (٤) وفي الثانية طلحة وهو بترى ، وقيل عامي (٥) مع ان الظاهر تقييد الثانية أيضا ، لحمل المطلق على المقيد ، والاولى ظاهرة في اشتراط أولوية الإمام بتقديم الولي ، والتأويل بعيد ، ويكون المعنى أولويته على تقدير اختيار الولي ، ويكون ضمير (فهو غاصب) راجعا اليه ، فهو يكون مثل غيره ، أو يكون ذلك واجبا على الولي فيكون مشروطا الا ان الشرط واجب ، والظاهر انه يؤل الى ما قلنا أولا.

الا ان يقال بعدم جواز تقديم الامام على تقدير فعله الحرام بتركه الاذن ، أو ان

__________________

(١) الأحزاب : ٦ اقتباس من الآية

(٢) الوسائل باب (٢٣) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٤

(٣) الوسائل باب (٢٣) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٣

(٤) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (محمد بن احمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني)

(٥) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (على بن إبراهيم عن أبيه ، عن محمد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد)

٤٦٣

والهاشمي أولى من غيره مع الشرائط إن قدمه الولي. ويستحب له تقديمه

ولو أمت المرأة النساء ، والعاري مثله وقف في الصف ،

وغيرهم يتقدم وان كان المؤتم واحدا ويتفرد الحائض بصف.

______________________________________________________

الاولى للولي تقديمه حتى على نفسه ، والى الثاني أشار في المنتهى ، قال : إمام الأصل أحق بالصلاة على الميت ان قدّمه الولي ، ويجب عليه تقديمه ، لقوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، والامام يثبت له ما ثبت للنبي (ص) من الولاية إلخ ، وظاهر الرواية هو الأول. وإذا حضر عليه السلام فهو اعرف بماله.

قوله : «والهاشمي أولى من غيره ـ إلخ» ظاهر العبارة أولويته من كل احد غير الامام ، بمعنى انه يتقدم على تقدير كونه وليّا ويترك له الباقي.

أو يختاره الولي على غيره مطلقا وان كان غيره أفقه وأسن واقرء وأقدم هجرة ، وأصبح وغير ذلك من المرجحات.

ويحتمل التقديم على تقدير التساوي في باقي المرجحات ، وقال في الشرح : قال في الذكرى لم أقف على مستنده ، ويحتمل كونه إكراما لرسول الله صلى الله عليه وآله ، ولقوله (ص) قدموا قريشا ولا تقدموها (١) وطعن فيه في الذكرى بأنه غير مثبت في رواياتنا ، وبأنه أعم من المدعى. ولا يضر ، لأنه في المندوبات ، ولانه يفيد المطلوب ولا يضر دلالته على غيره أيضا فيخصص بغيره.

قوله : «ولو أمّت المرأة النساء ـ إلخ» دليله رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : المرأة تؤم النساء؟ قال لا ، الأعلى الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن في الصف معهنّ فتكبر ويكبرن

(٢) واما في العاري : فقال الشارح : الدليل عدم ظهور العورة ، ويفهم من العبارة انهم لا يجلسون ، كاليومية كأنه بناء على عدم دليل عليه ، وعلى ان الستر غير شرط في صلاة الجنازة كما صرح به المصنف ، وقد أشرت إليه فيما سبق.

قوله : «وغيرهم ـ إلخ» الجمع. باعتبار كثرة الموارد أو باعتبار تغليب

__________________

(١) الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ حرف القاف ، وتمام الحديث (ولولا ان تبطر قريش لأخبرتها بمالها عند الله)

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

٤٦٤

ولو فات عن المأموم بعض التكبيرات أتم بعد فراغ الامام ولاء وان رفعت

______________________________________________________

النساء. دليله رواية اليسع بن عبد الله القمي. قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرّجل يصلى على جنازة وحده؟ قال : نعم ، قلت : فاثنان يصليان عليها؟ قال : نعم ، ولكن يقوم الأخر خلف الأخر ولا يقوم بجنبه (١) واما دليل انفراد الحائض فقد تقدم.

قوله : «ولو فات عن المأموم ـ إلخ» دليل إتمام التكبير ولاء من غير دعاء صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السلام انه قال : إذا أدرك الرجل التكبيرة أو التكبيرتين من الصلاة على الميت ، فليقض ما بقي متتابعا (٢)

وينبغي حملها على ضيق الوقت وخوف الخروج عن سمت القبلة أو على عدم الفصل بالزيادة على أقل ما يجزى من الدعاء أو على عدم وجوب الدعاء فهي مؤيدة لعدمه فإنه يبعد سقوط الأدعية على تقدير القول بالوجوب ، مع انها المقصود من الصلاة عليه ظاهرا.

وفي رواية أخرى عدم القضاء بالتكبير (٣) حملها الشيخ على القضاء مع الدعاء ، وهو بعيد.

ويمكن حملها على ابتداء صلاة ، أو بعد فوت وقت ما بقي بأن خرج عن سمت القبلة ، وغيرهما ، مع عدم الصحة ، والوحدة ، فلا يعارض الصحيحة ، وغيرها من الاخبار الكثيرة المذكورة في محلها. ودليل الثبوت ولو بعدم رفع الجنازة ووضعها في القبر. ما رواه رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين؟ فقال : يتم التكبير وهو يمشى معها ، فإذا لم يدرك التكبير كبر عند القبر ، فان كان أدركهم وقد دفن كبر على القبر (٤)

__________________

(١) الوسائل باب (٢٨) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

(٢) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٦ ولفظ الحديث هكذا «عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه ان عليا عليه السلام كان يقول : لا يقضى ما سبق من تكبير الجنازة» قال الشيخ اي لا يقضى كما كان يبتدء. من الفصل بينها بالدعاء. وانما يقضى متتابعا.

(٤) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٥

٤٦٥

ويستحب اعادة ما سبق به على الامام

ولو حضرت جنازة في الأثناء. قطع واستأنف واحدة عليهما ، أو أتم واستأنف على الأخرى.

______________________________________________________

قال الشارح : قال في الذكرى : وهذا يشعر بالاشتغال بالدعاء ، إذ مع الولاء لا يبلغ الحال الى الدفن ، وهو حسن ، ولكن يجب تقييده بما لو كان مشيهم لا يخرج عن سمت القبلة ولا يفوت به شرط الصلاة من البعد ، والا تعين موالاة التكبير ، فتأمل.

واما دليل قوله : «ويستحب إلخ» فكأنه القياس على الحاضرة إذا سبقه بركوع أو نحوه نسيانا ، أو ظانا ، ليدرك فضيلة الجماعة ، قال في الشرح : ولو كان متعمدا ففي الإعادة إشكال. (من ان التكبير ركن إلخ) وليس كونه ركنا بهذا المعنى واضحا ، فتأمل.

قوله : «ولو حضرت جنازة إلخ» لا كلام في الاحتمال الثاني وكونه أفضل لتعدد الصلاة ، الا ان يخاف على الثانية فتعين الأول ، كذا قيل ، فتأمل.

وقال الشارح : جعل المصنف ، الثاني متعينا على تقدير كون الثانية مندوبة. والظاهر عدم الفرق مع التغاير بين كون الثانية واجبة أو مندوبة ، ولعل دليل نفى التعين ، عدم لزوم كون فعل واحد واجبا وندبا وهذا مؤيد لا فضليّة الثاني.

واما الأول. فدليله غير واضح ، مع قولهم بتحريم قطع العبادة الواجبة ، وقد استدل بصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو ثنتين ، ووضعت معها اخرى ، كيف يصنعون بها؟ قال : ان شاؤا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة ، وان شاؤا رفعوا الاولى وأتموا (فأتموا خ) (١) ما بقي على الأخيرة ، كل ذلك لا بأس به (٢)

وهذه كما يحتمل ما ذكره ـ بان يكون معنى قوله (تركوا الاولى) انه يجوز لهم قطع صلاة الاولى ، وترك الجنازة الاولى في محلها ، وإنشاء الصلاة عليهما فلا ترفع

__________________

(١) هكذا في النسخ التي عندنا وفي الكافي والتهذيب وأتموا ما بقي

(٢) الوسائل باب (٣٤) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١ وأورد في الوسائل أيضا ما نقله المصنف هنا عن الشهيد فراجع.

٤٦٦

ويستحب للمشيع المشي وراء الجنازة ، أو أحد جانبيها.

______________________________________________________

الاولى حتى يفرغ التكبير على الثانية ، فإن تكبيرها تكبير الاولى ، ومعنى «ان شاؤا رفعوا الاولى» بعد إتمام الصلاة عليها ، ومعنى (فأتموا التكبير) الإتيان بتكبيرها تماما.

يحتمل ما ذكره الشهيد ، من ان معناها ان يصلى عليهما معا ويجمع بين الوظيفتين ، بان يكبر ثانيا مثلا ، فيكون تكبير إحرام للثانية وثانية للأولى ، فيتشهد للثانية ويصلى للأولى : وبعد إتمام وظيفة الأولى ، فإن شاؤا رفعوها ويتموا على الثانية تكبيرها ، أو تترك الاولى حتى يفرغ من التكبير للثانية أيضا.

وهذا المعنى أيضا لا يخلو عن بعد ، وان ناسبه قوله (فأتموا) ـ (وان شاؤا تركوا حتى يفرغوا) لكنه لا بد من فرض الصلاة عليهما ، والتوزيع ، مع عدم التصريح بمثله.

ويشكل الأمر إذا كانا مختلفين بالوجوب والندب ، لانه يلزم كون تكبيرة واحدة واجبة ومندوبة.

ويحتمل ان يكون المعنى : ان شاؤا تركوا الاولى في مكانها بعد إتمام الصلاة عليها حتى يفرغوا من الثانية أيضا ، فلا بأس بوجودها مع الثانية بعد إتمام صلاتها ، لتنال بركة صلاة الثانية أيضا ، مع قصدها أيضا ان جاز ومع العدم ان لم يجز ، وان شاؤا رفعوها فيأتوا بالتكبير على الثانية تماما من غير نقص :

وهذا المعنى وان كان أقل فائدة. إلا انه أسلم من المحذورات والى الاحتياط أقرب :

والمعنيان الأولان كلاهما خلاف بعض المقدمات ، فإثباتهما بما ليس بصريح مشكل ، الا ان يكون ثابتا بالإجماع ونحوه ، ولا شك في شهرة احتمال الثاني الذي ذكره المصنف ، فتأمل.

قوله : «ويستحب للمشيع المشي وراء الجنازة أو أحد جانبيها» فيه دلالة على عدم الركوب ، وان الأفضل هو المشي ورائها.

قال المصنف في المنتهى : يكره الركوب مع الجنازة وهو قول العلماء كافة ، واستدل باخبار ، منها ، صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن ابى عبد الله عليه

٤٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام قال : مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج رسول الله (ص) في جنازته يمشى ، فقال له بعض أصحابه. ألا تركب يا رسول الله؟ فقال : انى لأكره أن أركب والملائكة يمشون (١) فكأنه أخص من المدعى ، فتأمل :

وقال فيه أيضا : يكره المشي أمامها للماشي والراكب ، بل المستحب ان يمشى إمّا خلفها أو الى أحد جانبيها ، وهو مذهب علمائنا اجمع. واستدل عليه بالاخبار من طرقهم وطرقنا : ومن الاولى ما روى عن أبي سعيد الخدري ، قال سألت عليا : فقلت أخبرني يا أبا الحسن عن المشي مع الجنازة؟ فقال : فضل الماشي خلفها على الماشي امامها كفضل المكتوبة على التطوع ، فقلت : أتقول هذا برأيك؟ أو سمعته عن رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ فقال : بل سمعت رسول الله (ص) يقوله. (٢)

ومن الثانية ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه ، عن آبائه عن على عليهم السلام قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : اتبعوا الجنائز ولا تتبعكم ، خالفوا أهل الكتاب (٣) وغير ذلك من الاخبار ، فكأنه للإجماع وعدم الصحة حمل على الكراهة دون التحريم.

ويدل على عدم التحريم أيضا أخبار ، منها صحيحة محمد بن مسلم (في الفقيه) عن أحدهما عليهما السلام قال : سألته عن المشي مع الجنازة؟ فقال : بين يديها وعن يمينها وعن شمالها وخلفها (٤) قال المصنف في المنتهى : وكذا رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (ان يب) المشي خلف الجنازة أفضل من

__________________

(١) الوسائل باب (٦) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٢) جامع احاديث الشيعة باب (١٤) من أبواب دفن الميت حديث ـ ٢ ولفظ الحديث (الدعائم عن على عليه السلام ان أبا سعيد الخدري سئله عن المشي مع الجنازة أي ذلك أفضل : امامها أم خلفها؟ فقال له يا أبا سعيد مثلك يسئل عن هذا؟! قال اى والله لمثلي يسئل عن هذا ، قال على عليه السلام : ان فضل الماشي خلفها على الماشي امامها كفضل الصلاة المكتوبة على التطوع ، فقال له أبو سعيد عن نفسك تقول هذا أم شي‌ء سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال له على (ع) بل سمعت رسول الله (ص) يقوله).

(٣) الوسائل باب (٤) من أبواب الدفن حديث ـ ٤

(٤) الوسائل باب (٥) من أبواب الدفن حديث ـ ١

٤٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المشي بين يديها (ولا بأس ان يمشى بين يديها ـ يب) (١) ورواية محمد تحتمل التقية ،

والذي يدل على استحباب المشي على احد الجانبين. رواية سدير عن أبي جعفر عليه السلام قال : من أحب ان يمشى ممشى الكرام الكاتبين. فليمش جنبي السرير (٢)

قال الشارح : المشيع هو الماشي مع الجنازة إلى موضع الدفن أو الصلاة ، فيفهم ان الثواب المقرر للمشيع لا يتحقق بدون أحدهما ، وهو محل التأمل.

والظاهر من المشيع أعم من ذلك ، بل الذي يمشى معها في الجملة ، ولهذا ترى الناس يمشون معها اقداما فيرجعون.

ويمكن استدلالهم بما روى عن أبي جعفر عليه السلام يقول : من تبع جنازة امرء مسلم اعطى يوم القيامة أربع شفاعات ، ولم يقل شيئا ، إلا قال له الملك : ولك مثل ذلك (٣) وما رأيت (امرء) في التهذيب ، وموجود في المنتهى ، وفي الفقيه أيضا.

وبما روى عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال : أول ما يتحف المؤمن به في قبره ان يغفر لمن تبع جنازته (٤) وما رأيت (في قبره) و (ان) في التهذيب بل موجود ان في المنتهى.

وقال في الفقيه : وقال عليه السلام : إذا أدخل المؤمن قبره نودي : ألا وأن أول حبائك الجنة ، ألا وان أول حباء من تبعك المغفرة (٥) والتخصيص خلاف الظاهر وخلاف مقتضى كرم الكريم :

وكأن الشارح فهم ذلك مما روى انه قال عليه السلام من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره وكل الله به سبعين ملكا من المشيعين يشيعونه ويستغفرون له

__________________

(١) الوسائل باب (٤) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٢) الوسائل باب (٤) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

(٣) الوسائل باب (٢) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٤) الوسائل باب (٢) من أبواب الدفن حديث ـ ٤

(٥) الوسائل باب (٢) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

٤٦٩

والتربيع.

______________________________________________________

إذا خرج من قبره الى الموقف (١) أو مما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال من تبع جنازة كتب الله (من الأجر ـ ئل) له أربعة قراريط ، قيراط باتباعه إياها ، وقيراط للصلاة عليها ، وقيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها ، وقيراط للتعزية (٢) وقال الباقر عليه السلام من مشى مع جنازة حتى يصلى عليها ثم رجع كان له قيراط من الأجر ، فإذا مشى حتى تدفن كان له قيراطان ، والقيراط مثل جبل احد (٣)

حيث أطلق اتباع الجنازة وأريد إلى حين الدفن ، وانه ما عين قيراط الا لمن تبعه حتى يصلى عليها.

وفيه تأمل ، لأن غاية ما يدل ان لا يكون له ما ذكر بمجرد التبعية في الجملة ، ولا يلزم منه ان لا يكون له شي‌ء أصلا ، والا يلزم ان لا يكون له شي‌ء قبل الدفن أيضا ولو صلى ، من الخبر الأول ، فتأمل.

قوله : «التربيع» كأن دليله الخبر والإجماع المذكور في التذكرة.

قال الشارح : التربيع هو حمل الجنازة من جوانبها الأربعة بأربعة رجال كيف اتفق. وهو اولى من الحمل بين العمودين كما استحبه العامة.

قال الباقر عليه السلام السنة ان يحمل السرير ، من جوانبه الأربع ، وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع (٤) :

وكان التقييد بالرجال. لعدم الاستحباب للنساء بل يكره الخروج لهن إلا العجائز : ولا يبعد الاستحباب لهن مع التعذر وإيجاب الدفن حينئذ عليهن.

وروى ان زينب بنت (النبي خ) رسول الله صلى الله عليه وآله توفيت ، وفاطمة عليها السلام خرجت في نسائها فصلت على أختها (٥) كأنها ليست مكروهة لها ولمن معها.

__________________

(١) الوسائل باب (٣) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٢) الوسائل باب (٣) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (٣) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

(٤) الوسائل باب (٧) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٥) الوسائل باب (٣٩) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١ وهذا الحديث هو الذي ينقله المصنف بعد أسطر عن المنتهى ، عن يزيد بن خليفة ، فلاحظ.

٤٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والذي يدل على كراهة الخروج رواية أم عطية ، قالت : نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا (١)

ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال ليس ينبغي للمرئة الشابة ان تخرج إلى الجنازة تصلى عليها ، الا ان تكون امرأة قد دخلت في السن (٢) ورواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال : لا صلاة على جنازة معها أمرته (٣) نقل في المنتهى عن الشيخ انه قال : ان المراد نفى الفضيلة ، لأنه يجوز لهن ان يخرجن أو يصلين ، فإنه روى يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله عليه السلام ان زينب الى آخر الخبر.

والظاهر ان التربيع مستحب مطلقا على اى وجه اتفق ، وقال المصنف في المنتهى. فالمستحب عندنا التربيع في الجملة ، ويدل عليه رواية جابر عن ابى جعفر عليه السلام ، قال : من حمل جنازة من اربع جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة (٤) وروايته أيضا عنه عليه السلام قال : السنة ان يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع (٥).

وكذا رواية الحسين (الظاهر انه الحسين بن سعيد وان المكتوب اليه هو الرضا عليه السلام للتصريح بذلك في الفقيه كما قاله الشارح) قال كتبت إليه أسأله عن سرير الميت يحمل ، إله جانب يبدء به في الحمل من جوانبه الأربع؟ أو ما خف على الرجل من اى الجوانب شاء؟ فكتب من ايها شاء (٦) وما روى عن الصادق عليه السلام من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمسا وعشرين كبيرة فإذا

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب الجنائز. باب اتباع النساء الجنائز ، والحديث كما في المتن.

(٢) الوسائل باب (٣٩) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٣

(٣) الوسائل باب (٤٠) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢

(٤) الوسائل باب (٧) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٥) الوسائل باب (٧) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٦) الوسائل باب (٨) من أبواب الدفن حديث ـ ١

٤٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

ربع خرج من الذنوب (١) قال في الفقيه وقال عليه السلام لإسحاق بن عمار إذا حملت جوانب السرير ، سرير الميت خرجت من الذنوب كما ولدتك أمك (٢)

الى ههنا يفهم ان المستحب حمل الجنازة مربعا بأربعة رجال ، وللحامل التربيع أيضا :

قال المصنف في المنتهى التربيع المستحب عندنا ، ان يبدء الحامل بمقدم سرير الأيمن ، ثم يربعه ويدور من خلفه الى الجانب الأيسر فيأخذ رجله اليسرى ويمر معه الى ان يرجع الى المقدم كذلك دور الرحا ، وحاصل ما ذكرنا ان يبدء فيضع قائمة السرير التي تلي اليد اليمنى للميت فيضعها على كتفه الأيسر ، ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليمنى على كتفه الأيسر ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليسرى على كتفه الأيمن ، ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي يده اليسرى على كتفه الأيمن وهكذا (٣)

ولا ينبغي هكذا : قال الشارح بعد كلام ، فتحرر من ذلك : ان أفضل هيآته : ان يبدء بمقدم السرير الأيمن وهو الذي يلي يسار الميت فيحمله بكتفه الأيمن ، ثم ينتقل إلى مؤخر السرير الأيمن فيحمله أيضا بكتفه لأيمن ثم ينتقل إلى مؤخره الأيسر فيحمله بالكتف الأيسر ، ثم ينتقل الى مقدمه الأيسر فيحمله بكتفه الأيسر ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وكيفيته لا يخلو عن إجمال في عباراتهم واشتباه ، ومحصله ما ذكرناه ، وممن صرح بهذه الهيئة المصنف في المنتهى والشيخ في المبسوط وكثير من الجماعة (٤)

أقول الذي يظهر من الروايات : ان التربيع هو حملها من اليد اليمنى والختم باليسرى مع الدوران خلفها دور الرحا ، والمراد باليمنى واليسرى : يمين الميت الذي في السرير ويساره كما هو الظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب (٧) من أبواب الدفن حديث ـ ٤

(٢) الوسائل باب (٧) من أبواب الدفن حديث ـ ٧

(٣) الى هنا كلام العلامة في المنتهى.

(٤) الى هنا كلام الشارح في روض الجنان.

٤٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهي رواية الفضل بن يونس. قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن تربيع الجنازة؟ قال : إذا كنت في موضع تقية فابدء باليد اليمنى ، ثم بالرجل اليمنى ، ثم ارجع من مكانك ، الى ميامن الميت لا تمرّ خلف رجليه البتة حتى تستقبل الجنازة ، البتة حتى تستقبلها تفعل كما فعلت أولا ، فان لم تكن تتقي فيه ، فان تربيع الجنازة الذي جرت به السنة ان تبدء باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى ، حتى تدور حولها (١)

ورواية علاء بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام قال تبدء في حمل السرير من الجانب الأيمن ، ثم تمر عليه من خلفه الى الجانب الأخر ثم تمر عليه حتى ترجع الى المقدم كذلك دوران الرحا عليه (٢)

اما ان وضعها على اليمين أو اليسار فالظاهر انه على اليمين لأنه أخف وأسهل : ولأنه أبعد من الحمل بين العمودين ، مع خلوه عن المشقة في الدخول تحت الجنازة وعن مزاحمة مقابل له فيه. ولتخير التيامن المرغوب في كل حال. ولانه المشهور الآن في العمل.

ويمكن فهمه أيضا من رواية على بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال سمعته يقول : السنة في حمل الجنازة. ان تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن ، فتلزم الأيسر بكفك (بكتفك خ) الأيمن ، ثم تمر عليه الى الجانب الأخر وتدور من خلفه الى الجانب الثالث من السرير ، ثم تمر عليه الى الجانب الرابع مما يلي يسارك (٣)

والمراد بالأيسر في قوله (فتلزم الأيسر بكفك الأيمن) هو يسار السرير لا الميت ، لانه الملتزم بالكف ، ولانه المناسب لما فهم مما تقدم من دور الرحا من الخلف ، فالحاصل هو وضع اليد اليمنى من الميت التي هي تلي يسار السرير على يمين الحامل :

__________________

(١) الوسائل باب (٨) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

(٢) الوسائل باب (٨) من أبواب الدفن حديث ـ ٥

(٣) الوسائل باب (٨) من أبواب الدفن حديث ـ ٤

٤٧٣

والاعلام ،

______________________________________________________

فتكون باقية بارزا ، ثم الدور خلفها ، ووضع رجله اليمنى التي تلي يسار السرير على يمين الحامل أيضا ثم وضع رجله اليسرى التي تلي يمين السرير على يسار الحامل ، ثم وضع يده اليسرى التي تلي يمين السرير على يسار الحامل ، فيكمل دور الرحا. والظاهر انه هو المشهور والمنقول كما عرفت ، والمفهوم من بعض العبارات.

واما الذي ذكره المصنف في المنتهى : من ان يبدء الحامل بمقدم السرير الأيمن ، فغير واضح وغير منطبق على ما ذكره في الحاصل ، فينبغي الأيسر ، الا ان يريد به الذي يلي اليد اليمنى من الميت ، أو اليمنى بالنسبة إلى الميت ، كما يدل عليه قوله في الحاصل : وكذا قوله في الحاصل (فيضعها على كتفه الأيسر) فإن الظاهر من الرواية وضعه على الأيمن. ولهذا استدل المصنف ـ على رجحان مختارنا على مختار الجمهور ـ بالأخف ، ولما عرفته ، وكذا باقي كلامه.

واما الذي ذكره الشارح فغير واضح أيضا ، لأن الابتداء ليس بمقدم السرير الأيمن الذي يلي يسار الميت ، بل الابتداء بمقدم السرير الأيسر ، وهو الذي يلي يمين الميت ، وقد كان صريحا في عبارة المصنف المنقولة من المنتهى ، وكذا قوله مؤخر السرير الأيمن إلخ. وأيضا ان ما ذكره الشارح ليس الذي صرح به في المنتهى ، ولا المشهور ، وهو ظاهر من النظر في قوله ، وحاصل ما ذكرناه ، فان الابتداء فيه بيمين الميت مع دور الرحا وكلام الشارح صريح في ان الابتداء بيسار الميت ، مع كون الدور غير دور الرحا ، نعم يتوهم ذلك أوّلا من أول كلامه ، فتأمل.

وقد عرفت من هذا كله انه قد بقي الاشتباه والإجمال في كلامه مع دعواه حينئذ وجودهما في غيره ، فتأمل ، ولهذا فصلنا فيه الكلام مع كون الكيفية مستحبة ، وانه يؤدى على اىّ وجه اتفقت لما مر.

قوله : «والاعلام» للمؤمنين ، دليله العقل ، لأن كثرة الدعاء ، له نفع واضح ، وكذا للمدعوين أيضا نفع باشتغالهم بالعبادة ، أقلها التعزية : وقد يحصل الألم فيسترجع ، فيدخل في الآية (١) ويصل سرور المؤمن ، والتشييع ، والحمل ، والصلاة ،

__________________

(١) المراد الآية الشريفة «وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» البقرة ، (١٥٥)

٤٧٤

والدعاء عند المشاهدة

______________________________________________________

والدفن وغير ذلك.

ورواية أبي ولاد وعبد الله بن سنان (لعلها صحيحة) عن ابى عبد الله عليه السلام. قال : ينبغي لأولياء الميت منكم. ان يؤذنوا إخوان الميت بموته ، فتشهدون جنازته ، ويصلون عليه ، ويستغفرون له ، فيكتب لهم (١) الأجر ، ويكتب للميت الاستغفار ، ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب له من الاستغفار (٢) وأيضا قد مضى ما في كثرة المصلي ، فيحصل له بذلك الثواب. ولا يبعد تعميم الاستحباب للأولياء وغيرهم ، لعموم بعض الأدلة ، والعلة ، ويكون الخبر للأولوية.

ولا يبعد مشروعية النداء لحصول ذلك الغرض في فرد أكمل ، مع عدم المنع من الشرع ظاهرا ، وليس كل ما لم يكن ، بدعة ، كما فهمت ، ونقلهما الشارح عن التذكرة والمعتبر : فلا بأس به.

قوله : «والدعاء إلخ» لما روى عن على بن الحسين عليهما السلام انه كان إذا رأى جنازة قد أقبلت ، قال : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم (٣)

قال الشارح : السواد الشخص ، ومن الناس عامتهم ، والمخترم بالخاء المعجمة : الهالك أو المستأصل ، ويجوز الحمل هنا على كل واحد منهما ، فإن أريد الأول : حمل على الجنس. والمعنى. الحمد لله الذي لم يجعلني من الهالكين ، ولا تنافي بين هذا وبين حب لقاء الله ، لان المراد بذلك حال الاحتضار إلخ.

ولما روى أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله من استقبل جنازة أو رآها فقال ـ الله أكبر (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) ، اللهم زدنا ايمانا وتسليما ، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت ـ لم يبق في السماء ملك الا بكى رحمة لصوته (٤)

__________________

(١) في التهذيب بدل قوله (فيكتب) (يكتسب) في المواضع الثلاثة

(٢) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (٩) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٤) الوسائل باب (٩) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

٤٧٥

«خاتمة»

ينبغي وضع الجنازة مما يلى رجل القبر للرجل ، ونقله في ثلاث دفعات ، وسبق رأسه ، والمرأة مما يلى وتنزل عرضا.

______________________________________________________

قوله : «خاتمة إلخ» الظاهر ان المراد به الاستحباب ، ودليله ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام. قال : ينبغي ان يوضع الميت دون القبر هنيئة ثم واره (١) فكأنه اختار لفظة (ينبغي) لهذه الرواية.

ورواية محمد بن عجلان قال : سمعت صادقا يصدق على الله ، يعني أبا عبد الله عليه السلام قال : إذا جئت بالميت الى قبره فلا تفدحه بقبره ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة أذرع ، ودعه حتى يتأهب للقبر ، ولا تفدحه به (٢) فإذا أدخلته إلى قبره فليكن اولى الناس به عند رأسه ، وليحسر عن خدّه ويلصق خده بالأرض ، وليذكر اسم الله ، وليتعوذ من الشيطان ، وليقرء فاتحة الكتاب وقل هو الله احد والمعوذتين وآية الكرسي ، ثم ليقل ما يعلم ويسمعه ، تلقينه ، شهادة ان لا إله إلا

__________________

(١) الوسائل باب (١٦) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٢) قوله (ع) (لا تفدحه) اى لا تطرحه في القبر وتفجأه به ، وتعجل عليه بذلك ، مجمع البحرين.

٤٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله ويذكر له ما يعلم واحدا واحدا (١) ولا يخفى ان مضمونهما الوضع مرة ، فالوضع مرتان ما نفهم له دليلا (٢) لكنه مشهور فتوى وعملا.

ونقل الوضع مرة عن ابن الجنيد والمعتبر ، فكأنه المعتبر ، للدليل : وكذا رواية يونس (٣) وغيرها : ويفهم من الثانية أحكام فافهمها. والظاهر منهما : ان الحكم أعم للرجل والمرأة ، الا ان الوضع عند رجل القبر مخصوص به : وتوضع المرأة مما يلى القبلة ، فتنزل عرضا : والذي يدل على الأول ما رواه عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليه السلام قال : لكل شي‌ء باب ، وباب القبر مما يلى الرجلين : إذا وضعت الجنازة فضعها مما يلى الرجلين ويخرج الميت مما يلي الرجلين ، ويدعى له حتى يوضع في حفرته ويسوى عليه التراب (٤) وهذه تدل أيضا على ان الإدخال من قبل الرجلين.

ويدل عليه أيضا حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه (رجله كا) فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي وقل : بسم الله (وبالله بب) وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (ص) (اللهم صل على محمد وآله يب) اللهم افسح له في قبره والحقه بنية (محمد يب) صلى الله عليه وآله ، وقل كما قلت في الصلاة عليه مرة واحدة : من عند : اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه ، وان كان مسيئا فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، واستغفر له ما استطعت (٥) ونقل دعاء آخر ، وهو يفهم من رواية أخرى مع أدعية كثيرة والتلقين (٦)

__________________

(١) الوسائل باب (١٦) من أبواب الدفن حديث (٣) وأورد قطعة منه في باب (٢٠) من تلك الأبواب حديث ٨

(٢) يمكن ان يستدل عليه بما رواه الوسائل عن الفقيه ، راجع باب (١٦) من أبواب الدفن حديث ـ ٦

(٣) الوسائل باب (١٦) من أبواب الدفن حديث ـ ٤ ولفظ الحديث هكذا (قال : حديث سمعته عن أبي الحسن موسى عليه السلام ما ذكرته وانا في بيت إلا ضاق على : يقول : إذا أتيت بالميت الى شفير القبر فأمهله ساعة ، فإنه يأخذا هبته للسؤال)

(٤) الوسائل باب (٢٢) من أبواب الدفن حديث ـ ٦

(٥) الوسائل باب (٢١) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٦) الوسائل باب (٢١) من أبواب الدفن فراجع

٤٧٧

والواجب دفنه في حفرة تستر رائحته ، وتحرسه عن هوام السباع ، على الكفاية ،

وإضجاعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة.

والكافرة الحامل من مسلم تستدبر بها ،

______________________________________________________

والذي يدل على الثاني ما رواه الشيخ عن عبد الصمد بن هارون ، رفع الحديث قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا أدخلت الميت القبر ان كان رجلا يسلّ سلا ، والمرأة تؤخذ عرضا ، فإنه أستر (١)

وما رواه أيضا عن أمير المؤمنين عليه السلام قال يسل الرجل سلا ، وتستقبل المرأة استقبالا (٢)

قوله : «والواجب دفنه إلخ» قال في الشرح : القيد في الحفيرة احتراز عن غيره مما يستر على وجه الأرض سواء بنى عليه أو خلى في تابوت ونحوه ، ولعل دليلهم ، الإجماع ، وفعلهم عليهم السلام ، والتأسي.

والمراد بالحراسة الحفظ عما ينبشها بحيث لا يقدر عليه عادة غالبا ، ومعلوم كون الواجب كفاية ، لأن الغرض يحصل مما فعل ، بل فعل غير المكلف أيضا مسقط له.

واما وجوب الاضجاع المذكور ، فلعل دليله ، فعلهم عليهم السلام ، والتأسي ، وفعل الصحابة والتابعين والعلماء ، وفي افادة ذلك الوجوب تأمل واضح ، وما رأيت غيره دليلا :

فقول ابن حمزة بالاستحباب غير بعيد ، الا ان يعلم الإجماع أو دليل آخر ، ومعلوم سقوطه إذا تعذر ، كالواقع في البئر وغيره ، كباقي الاحكام.

واما دليل دفن الكافرة المذكورة ، مع تحريم دفن الكافر مطلقا ، فكأنه الإجماع : قال الشارح : قال في التذكرة : وهو موضع وفاق.

وما نقل عن الرضا عليه السلام في الأمة الكتابية تحمل من المسلم تموت مع ولدها؟ فكتب يدفن معها (٣) قال الشارح والأصل في الدفن : الحقيقة شرعا ، فليس بخال عن الدلالة.

__________________

(١) الوسائل باب (٣٨) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٢) الوسائل باب (٣٨) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٣) الوسائل باب (٣٩) من أبواب الدفن قطعة من حديث ـ ٢ وما نقله مروي بالمضمون

٤٧٨

وراكب البحر يثقل ويرمى فيه

ويستحب حفر القبر قامة أو الى الترقوة.

______________________________________________________

واما الكيفية المذكورة ، مع كونها مبنية على ما تقدم وعلى كون ظهر الولد محاذيا لبطن امه ، فليست بظاهرة ، بل الترك في الخبر يدل على العدم الّا ان يكون إجماعيا كما نقل عن التذكرة والاحتياط حسن.

قوله : «وراكب البحر إلخ» الظاهر ان نقله الى البر مع الإمكان ، أو الصبر الى ان يصل الى البر ما لم يفسد ، والا التثقيل ، مما لا نزاع ولا خلاف فيه.

ويدل على التثقيل بحجر الخبر ، وان هذا كله بعد الغسل والكفن ، وقيل مع ذلك يجب ان يوضع مستقبلا مثل ما مر في الميت : والأصل ما كان واضحا ، فهذا بالطريق الأولى ، فتأمل.

وفي الاخبار دلالة على العدم حيث ترك ، فان في البعض (يغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل ويرمى به في البحر) (١) وفي آخر ، يكفن ويحنط ويلف في ثوب ويلقى في الماء (٢) وفي هذا الخبر ما يدل على كون التثقيل مع عدم إمكان البر.

وفي آخر غسل وكفن وحنط ثم يصلى عليه ثم يوثق في رجليه حجر ويرمى به في الماء (٣)

وينبغي العمل بصحيحة أيوب بن الحر ، قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال : يوضع في خابية ويوكأ رأسها ويطرح في الماء (٤) وان كان العمل بها بخصوصها غير مشهور.

قوله : «ويستحب حفر القبر قامة إلخ» دليل الترقوة صحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام.

__________________

(١) الوسائل باب (٤٠) من أبواب الدفن حديث ـ ٣

(٢) الوسائل باب (٤٠) من أبواب الدفن حديث ـ ٤ وصدر الحديث (عن ابى عبد الله عليه السلام إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط آه)

(٣) الوسائل باب (٤٠) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

(٤) الوسائل باب (٤٠) من أبواب الدفن حديث ـ ١

٤٧٩

واللحد مما يلي القبلة قدر الجلوس ،

______________________________________________________

قال : حد القبور إلى الترقوة وقال بعضهم إلى الثدي ، وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر. واما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس ، (والظاهر ان قوله : وقال : إلخ ، كلام ابن أبي عمير) قال : ولما حضر على بن الحسين عليهما السلام الوفاة ، أغمي عليه ، فبقي ساعة ، ثم رفع عنه الثوب ، ثم قال : الحمد لله الذي أورثنا الجنة نتبوء منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين ثم قال : احفروا لي حتى تبلغوا الرشح (١) قال : ثم مد الثوب عليه فمات عليه السلام (٢) فلعله للإرسال والإجماع حمل على الندب.

واما القامة ، فلا دليل عليها على ما نعرف ، بل هذه المرسلة دليل على عدمها ، الا انها ذكرها الأصحاب ، ويفهم من قوله : (وبعضهم قامة).

ويؤيد عدم التعميق وكراهته ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع (٣)

والظاهر من الترقوة ، ترقوة مستوي القامة ، أو أقل ما يصدق ، قال في المنتهى ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة بلا خلاف.

قوله : «واللحد مما يلي القبلة قدر الجلوس» دليل استحبابه كأنه الإجماع المفهوم من المنتهى ، وقوله عليه السلام اللحد لنا والشق لغيرنا (٤) وغيره.

فما يدل على الشق ، فاما محمول على التقية ، أو الجواز مثل قول أبي جعفر عليه السلام فاحفروا وشقوا لي شقا ، فان قيل لكم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد لحد له فقد صدقوا (٥) وفيه إشعار بالتقية.

قال المصنف معنى اللحد انه إذا بلغ ارض القبر حضر في جانبه مما يلي القبلة

__________________

(١) الرشح عرق الأرض ونداوتها مجمع البحرين

(٢) الوسائل باب (١٤) من أبواب الدفن حديث ـ ٢ والخبر مروي بطوله في التهذيب باب تلقين المحتضرين وفي الكافي باب حد حضر القبر إلخ

(٣) الوسائل باب (١٤) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٤) سنن الترمذي ، كتاب الجنائز باب (٥٣) حديث ١٠٤٥ ولفظ الحديث (عن ابن عباس قال : قال النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلم «اللحد لنا والشق لغيرنا»

(٥) الوسائل باب (١٥) من أبواب الدفن حديث ـ ٢

٤٨٠