مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بها (١) ـ على التقية. ومع حصول الشّكّ في ذلك (لقوله عن الرضا (ع) فيما نعلم) فإنه يدلّ على عدم الجزم بكونه من الرّضا عليه السلام ، (٢) إلّا أنّه قد نقله عن أبي الحسن الأوّل في التهذيب مرّة أخرى (٣) ولا قدح في ذلك. لكن ابن سويد غير موثّق ، فالسند غير صحيح ، مع المعارضة بالأصحّ منها والفتوى وعمل المشهور.

وكذا رواية عبد الله بن الميمون القداح عن جعفر عن أبيه أنّ عليا عليه السلام كان إذا صلّى على ميّت ، يقرء بفاتحة الكتاب ويصلّى على النّبي (ص) الحديث (٤) مع ما مرّ لعدم العلم بتوثيق جعفر بن محمد المذكور في سنده.

ويفهم من المنتهى جواز ذلك ، حيث قال : الجواب عن الأوّل أن وقوع ذلك مرّة مع عدم إيقاعه في كلّ الأوقات لا يدلّ على الوجوب ، ونحن لم نوظّف فيها شيئا ، بل المستحبّ الشهادة ، ومعناها موجود في الفاتحة ، فجاز أن يقرئها عليه السلام ويتركها في بعض الأوقات. ليعلم عدم التوقيت في ذلك ،

وفي هذا تأمّل : لأنّ الظاهر أنّه مخالف للإجماع المنقول فيه ، ولا معنى للشهادة في تمام الفاتحة وإلّا يكون هي والغير سواء ، فلا معنى للنفي : مع أنّهم يقولون باشتراط لفظ الشّهادتين بعد الأولى فتأمّل ، والاحتياط يقتضي الترك.

وكذا السّلام فيها ، لرواية الحلبي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ليس في الصلاة على الميّت تسليم (٥) ولحسنة الحلبي وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله

__________________

(١) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٨

(٢) وقد نص الشيخ في التهذيب على هذا الاشكال ، بقوله : فأوّل ما في هذا الخبر ، انه قال : عن الرضا فيما نعلم. ولم يروه متيقنا ، وانما رواه شاكا. وما يكون الراوي شاكا فيمن يخبر عنه ، يجوز ان يكون قد وهم في قوله : تقرأ في الأولى بأم الكتاب.

(٣) سندها في الطريق الأول كما في التهذيب هكذا «احمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع ، عن على بن سويد ، عن الرضا عليه السلام فيما نعلم» وبالطريق الثاني هكذا «احمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن (الحسين ـ خ) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمه ، عن على بن سويد الساعي ، عن أبي الحسن الأول عليه السلام».

(٤) الوسائل باب (٧) من أبواب الجنازة حديث ـ ٤ وسند الحديث في التهذيب هكذا «محمد بن احمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد بن عبد الله القمي ، عن عبد الله بن ميمون القداح ـ إلخ».

(٥) الوسائل باب (٩) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٣

٤٤١

ويستحبّ الطهارة

______________________________________________________

عليهما السلام ، قالا : ليس في الصّلاة على الميّت تسليم (١) ولصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام ، قال : سألته عن الصلاة على الميّت؟ فقال : أمّا المؤمن فخمس تكبيرات ، وأمّا المنافق ، فأربع ولا سلام فيها (٢)

ويحمل غيرها على التقيّة ، مثل (فلما سلّم الامام) فيما تقدّم ، وفي مضمرة سماعة «فإذا فرغت سلّمت عن يمينك» (٣) مع عدم صحّة السّند والمعارضة بالأصحّ ، والأكثر ، والفتوى ، والعمل.

وفي رواية (٤) إسماعيل بن همام عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله على جنازة فكبّر عليه خمسا ، وصلّى على اخرى فكبر عليه أربعا. فأمّا الّذي كبّر عليه خمسا فحمد الله ومجده في التكبيرة الاولى ، ودعى في الثانية للنبيّ صلى الله عليه وآله ، ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ، ودعا في الرّابعة للميّت ، وانصرف في الخامسة. وأمّا الّذي كبّر عليه أربعا ، فحمد الله ومجده في التكبيرة الاولى ، ودعا لنفسه وأهل بيته في الثانية ، ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة ، وانصرف في الرّابعة ، ولم يدع له ، لأنّه كان منافقا (٥) وهي صريحة في عدم وجوب الدّعاء عليه ، بل لا يجب الصلاة أيضا ، لأنّه كافر كما فهم فتأمّل.

قوله : «ويستحب الطهارة» الّذي يدلّ على عدم الاشتراط والوجوب ، الإجماع المنقول في الشّرح ، والمفهوم من المنتهى. قال المصنّف فيه : يستحبّ أن يصلّى بطهارة ، وليست شرطا ، ذهب إليه علماؤنا أجمع.

وموثّقة يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنازة

__________________

(١) الوسائل باب (٩) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢

(٢) الوسائل باب (٥) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٥ وباب (٩) من تلك الأبواب حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة الجنازة ، قطعة من حديث ـ ٦

(٤) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة التي عندنا ، ولكن لا يخفى أن قوله : «وفي رواية إسماعيل بن همام» الى آخر المسئلة ، لا يناسب المقام ، بل يناسب ما تقدم في مسئلة التكبيرات والأدعية.

(٥) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٩

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أصلّي عليها على غير وضوء؟ فقال : نعم ، إنّما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل ، كما تكبّر وتسبح في بيتك على غير وضوء (١)

والرّوايات الدالّة على جواز صلاة الحائض عليه ، مثل حسنة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض تصلّي على الجنازة؟ قال : نعم ، ولا تقف (ولا تصف خ ل) معهم (٢)

وفي مرسلة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : الطامث تصلّى على الجنازة ، لأنّه ليس فيها ركوع ولا سجود ، والجنب يتيمم ويصلّى على الجنازة (٣)

ورواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام عن المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة؟ فقال : تتيمّم وتصلّي عليها وتقوم وحدها بارزة من الصفّ (٤)

ولعلّ صورة التيمّم يستحبّ لها ، مثل الوضوء للذكر.

وفي مرسلة عبد الله بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الحائض تصلّي على الجنازة؟ فقال : نعم ، ولا تقف معهم ، والجنب يصلّي على الجنازة (٥)

فيحمل التيمم للجنب في الأولى على الاستحباب. وظاهر ، عدم التقييد بعدم الماء ولا ضيق الوقت كما هو المشهور.

ولا ينافيه خبر سماعة قال : سألته عن رجل مرّت به جنازة وهو على غير طهر (وضوء خ ل) كيف يصنع؟ قال : يضرب بيديه على حائط اللبن فيتيمم (فليتيمّم به خ ل) (٦) فإنّه ليس بصريح في الضيق ، وليس بصحيح أيضا ، وفيه إشارة إلى عدم جواز التيمم على الحجر ونحوه ، فتأمّل ، لعلّ القيد للاستحباب.

والذي يدلّ أيضا على استحباب الطّهارة. أنّها دعاء وذكر فيستحبّ مع الطّهارة ، ورواية عبد الحميد بن سعد قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام الجنازة

__________________

(١) الوسائل باب (٢١) من أبواب صلاة الجنازة حديث ٣

(٢ ـ ٣ ـ ٤) الوسائل باب (٢٢) من أبواب صلاة الجنازة حديث ١ ـ ٢ ـ ٥

(٥) الوسائل باب (٢٢) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٤

(٦) الوسائل باب (٢١) من أبواب صلاة الجنازة حديث ٥

٤٤٣

والوقوف حتى ترفع الجنازة ، والصلاة في المواضع المعتادة ، وتجوز في المساجد.

______________________________________________________

يخرج بها ولست على وضوء ، فإن ذهبت أتوضّأ فاتتني الصّلاة ، أيجزيني أن أصلّي عليها وأنا على غير وضوء؟ قال : تكون على طهر أحبّ إليّ (١) وليس فيها دلالة على اشتراط الضيق ، فتأمّل. ويظهر من ذلك عدم اشتراط الطّهارة من الخبث بالطريق الأولى ، ومن التعليل أيضا ، وعدم انفكاك الحائض عنه غالبا ، والأصل أيضا يدلّ عليه.

ولا يظهر دليل أيضا على اشتراط الستر ، بل التعليل يدلّ على عدمه (٢) لعله التأسّي ، والاحتياط ، وكونها صلاة ، أو الإجماع فتأمّل.

قوله : «والوقوف ـ إلخ» وهو قول الأصحاب مسندا إلى رواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه أنّ عليّا عليه السلام كان إذا صلّى على جنازة لم يبرح من مصلّاه حتّى يراها على أيدي الرّجال (٣) وكذا استحباب الصلاة في المواضع المعتادة.

قوله : «وتجوز في المساجد» الظاهر أنّ المراد مع أمن التلويث. للأصل ، وللأخبار الدّالّة على ذلك مثل صحيحة فضل بن عبد الملك قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : هل يصلّى على الميّت في المسجد؟ قال : نعم (٤). ومثلها رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (٥)

نعم الظّاهر هو الكراهة ، لما رواه الجمهور عنه صلى الله عليه وآله من صلّى على جنازة في المسجد فلا شي‌ء له (٦)

ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ عن أبي بكر بن عيسى بن أحمد العلويّ

__________________

(١) الوسائل باب (٢١) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢

(٢) اى قوله عليه السلام : انما هو تسبيح وتهليل إلخ يدل على عدم اشتراط الستر.

(٣) الوسائل باب (١١) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

(٤) الوسائل باب (٣٠) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١ وذيله

(٥) الوسائل باب (٣٠) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١ وذيله

(٦) سنن ابن ماجة (٢٩) باب ما جاء في الصلاة على الجنائز في المسجد ، حديث ـ ١٥١٧ ولفظ الحديث هكذا «عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من صلى على جنازة في المسجد فليس له شي‌ء» أقول : وبخلافه حديث أظهر دلالة كما عن ابن ماجه وهو حديث ـ ١٥١٨ «عن عائشة ، قالت : والله! ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد ، فتأمل إذ لعله محمول على بيان الجواز.

٤٤٤

ووقوف الامام عند وسط الرجل وصدر المرأة.

______________________________________________________

قال : كنت في المسجد وقد جي‌ء بجنازة فأردت أن أصلّي عليها فجاء أبو الحسن الأوّل عليه السلام فوضع مرفقه في صدري فجعل يد فعني حتّى أخرجني من المسجد. ثمّ قال : يا أبا بكر إنّ الجنائز لا يصلّى عليها في المسجد (١) وللجمع بينهما حملتا على الكراهة ،

وقال المصنّف في المنتهى : الأفضل الإتيان بها في المواضع المختصّة بذلك المعتادة بها إلّا بمكّة ، وقال أيضا مكّة كلّها مسجد ، فلو كرهت الصّلاة في بعض مساجدها لزم التعميم فيها أجمع. وهو خلاف الإجماع ، وفيه تأمّل واضح ، فافهم. والظاهر عموم الكراهة لولا الإجماع ،

ولعلّ دليل أفضليّة المعتادة : إمّا التبرّك لكثرة الصلاة فيها ، وإما لأنّ السامع بموته يقصدها للصّلاة عليه فيسهل الأمر ويكثر المصلّون ، وهو أمر مطلوب لرجاء استجابة الدّعوة فيهم ، وقد روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه (٢) وعن الصّادق عليه السلام إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا : إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا وأنت اعلم به منّا ، قال الله : قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون (٣)

قوله : «ووقوف الإمام ـ إلخ» دليله بعد الإجماع المدّعى في المنتهى. ما رواه عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام. من صلّى على المرأة فلا يقوم في وسطها ويكون ممّا يلى صدرها وإذا صلّى على الرّجل فليقم في وسطه (٤) وما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقوم من الرّجل بحيال السرّة ومن

__________________

(١) الوسائل باب (٣٠) من أبواب صلاة الجنازة ، حديث ـ ٢

(٢) جامع احاديث الشيعة باب (٦) باب استحباب إيذان الناس بموت المسلم حديث ٤ نقلا عن العوالي.

(٣) الوسائل باب (٩٠) من أبواب الدفن حديث ـ ١

(٤) الوسائل باب (٢٧) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

٤٤٥

ويجعل الرجل مما يليه ، ثم العبد ، ثم الخنثى ، ثم المرأة ، ثم الصبي : ولو اتفقوا.

______________________________________________________

النساء من دون ذلك قبل الصدر (١) كأنّه لعدم الصّحة ، والإجماع حملتا على الندب ، ولكن حمل الشيخ في الاستبصار خبر أمير المؤمنين عليه السلام على ما روى في الكافي بإسناده عن موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه السلام قال : إذا صلّيت على المرأة فقم عند رأسها ، وإذا صلّيت على الرّجل فقم عند صدره (٢) حيث قال : فلا ينافي الخبر الأوّل ، الأخير. أي خبر أمير المؤمنين لأنّ قوله : «يكون ممّا يلي صدرها» المعنى فيه : إذا كان قريبا من الرأس وقد يعبّر عنه بأنّه يلي الصدر لقربه منه ، وأيّده بخبر جابر ، فيفهم منه : أنّ المستحبّ عنده الوقوف عند الرأس والقريب منه ، والصدر والقريب من الوسط ، والمشهور ما ذكره المصنّف ، وذكر رواية موسى بن بكر في التهذيب أيضا ، وأوّل الرأس بالصدر والصّدر بالوسط ، للمجاورة بقرينة خبر جابر كما هو المشهور ، والتخيير غير بعيد. وادعى في المنتهى على استحباب الكيفيّة ، الإجماع.

قوله : «ويجعل الرّجل ممّا يليه ـ إلخ» ويحتمل كون المراد بالصبيّ من يجب عليه الصلاة ، فلا إشكال في النيّة ، ولكن قد يناقش في التأخّر ، ويرتفع بالنص.

وإن أريد من يستحبّ عليه ، يجي‌ء الإشكال في النيّة ، وفي إجزاء أمر واحد في زمان واحد عن شخص واحد عن واجب وندب.

ولا يقاس بأسباب الطهارة الواجبة والمندوبة ، ولا بحصول تحيّة المسجد بأداء الفريضة ، ولا بالغسل الواجب والندب عند التداخل ، لأنّ المطلوب هنا أمر كلّي كما حققنا. فيما سبق بخلاف الصّلاة على الطّفل ، فإنّ المطلوب هو المستحبّة بخصوصها ، إلّا أن يقال هنا أيضا بمثلها ، فتأمّل.

وأيضا لا معنى للتبعيّة كما في مندوبات الصّلاة والوضوء ، مثل المضمضة والاستنشاق وغيرهما ، لأنّه لا معنى لاشتراط النيّة ثمّ الحصول بتبعية النقيض ،

__________________

(١) الوسائل باب (٢٧) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٣

(٢) الوسائل باب (٢٧) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢

٤٤٦

ونزع النعلين ،

______________________________________________________

فالظاهر في الأمثلة الاكتفاء بنيّة الأصل بخلاف ما نحن فيه ، إلّا أن يقال بمثله هنا أيضا ، وهو بعيد.

مع أنّا نقول ينبغي ملاحظة ذلك في الصّلاة أيضا ، بأن ينوي الواجب لوجوبه والمندوب لندبه ، فلو ثبت النّص فيما نحن فيه ، فينبغي القول بعدم الاحتياج إلى النيّة حينئذ ، أو كون المطلوب هو الأعمّ.

والّذي يدلّ على الترتيب ما رواه الشّيخ مسندا عن ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في جنائز الرّجال والصبيان والنساء؟ قال : يضع النساء ممّا يلي القبلة والصبيان دونهن والرّجال دون ذلك ويقوم الإمام ممّا يلي الرجال (١) وهو يفيد خلاف ما ذكره المصنّف ، وكأنّه يريد بالصبيان من لم تجب عليهم الصلاة ، وصرّح في المنتهى بتأخير من لم يجب عليه الصلاة عن المرأة وتقديم من يجب عليها ، وتحمل الرواية على من يجب ، فتأمل.

وذكر الشيخ أخبارا كثيرة في ترتيب الرّجال والنساء والعبد والحرّ ، والبعض يفيد تقديم الرّجال إلى الإمام والبعض الآخر العكس ، وادّعى في المنتهى الإجماع على استحباب الأوّل. إلا عن بعض العامة وحمل أخبار الباقي على الجواز ، وقال الشيخ بالتخيير للاختلاف في الروايات ، وقال : إنّ الترتيب مستحب فإنّه لو لم يرتب لكانت الصلاة ماضية أيضا ، واستدلّ عليه بصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بأس بأن يقدّم الرّجل وتؤخّر المرأة ، ويؤخّر الرّجل وتقدّم المرأة يعني في الصلاة على الميّت (٢)

وينبغي في الترتيب رعاية سنّة الوقوف كما ذكر في الرّواية : من جعل رأس المرأة عند ورك الرّجل ، وهو مؤيّد لمحاذاة الإمام لرأس المرأة والأخبار في ذلك كثيرة يفيد التدرّج فتأمّل. وهذا كلّه فيما إذا أراد أن يصلّى على الجميع مرّة واحدة.

قوله : «ونزع النعلين» دليله قول الصادق عليه السلام على ما روى ، لا يصلّى

__________________

(١) الوسائل باب (٣٢) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٣

(٢) الوسائل باب (٣٢) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٦

٤٤٧

ورفع اليدين في كلّ تكبيرة

______________________________________________________

على الجنازة بحذاء ولا بأس بالخف (١) وكأنّه لعدم الصحّة والإجماع ، حمل على الكراهة.

وينبغي التّحفي عن كلّ شي‌ء حتّى الخفّ كما اختاره في المعتبر على ما نقله الشّارح ، ولا ينافيه عدم البأس بالخف لأنّ الغرض نفي الكراهة الّتي في النعل.

وكذا الوقوف على الخمرة على ما في بعض الرّواية من وقوفه (ع) عليها في الصّلاة على ابنه الصغير (٢) على ما مرّ ، لما روي عنه (ع) من اغبرّت قدماه. في سبيل الله حرمه الله على النّار (٣) ولأنّه موضع اتّعاظ فناسبه التذلّل ، ولا يخفى عموم الخبر وقد مرّت الإشارة إليه.

قوله : «ورفع اليدين في كلّ تكبيرة» إمّا تكبيرة الإحرام فموضع وفاق على ما نقله في الشّرح : وأمّا غيرها ففيه الاختلاف لاختلاف الرّوايات.

والّذي يدلّ على استحباب الرفع صحيحة عبد الرّحمن بن العرزمي (الثقة) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه السلام على جنازة فكبّر خمسا يرفع يديه في كلّ تكبيرة (٤) ورواية يونس قال : سألت الرّضا عليه السلام قلت : جعلت فداك إنّ الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميّت في التكبيرة الأولى ولا يرفعون فيما بعد ذلك! فاقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون ، أو أرفع يدي في كلّ تكبيرة؟ فقال : ارفع يدك في كلّ تكبيرة (٥) وكذا رواية محمد بن عبد الله بن خالد مولى بنى الصيداء انه صلى خلف جعفر بن محمد عليهما السلام على جنازة فرآه يرفع يديه في كلّ تكبيرة (٦)

والّذي يدلّ على عدم الاستحباب فهو مرسلة غياث ، ورواه غياث بن إبراهيم البتري أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام عن عليّ عليه السلام أنّه كان لا يرفع يده

__________________

(١) الوسائل باب (٢٦) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

(٢) الوسائل باب (١٣) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٣

(٣) البخاري : كتاب الجمعة : باب المشي إلى الجمعة.

(٤) الوسائل باب (١٠) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

(٥) الوسائل باب (١٠) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٣

(٦) الوسائل باب (١٠) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢

٤٤٨

ولا يصلى عليه الّا بعد غسله وتكفينه ، فان فقد جعل في القبر وسترت عورته ثمّ يصلى عليه

______________________________________________________

في الجنازة إلّا مرّة واحدة يعني في التكبير (١) ورواية إسماعيل بن إسحاق بن أبان الورّاق عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال : كان أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام يرفع يده في أوّل التكبير على الجنازة ثمّ لا يعود حتّى ينصرف (٢)

والأصل والاحتياط أيضا.

ويرجح الأوّل بالكثرة ، والصّحة ، والجمع. إذ لا منافاة بين الترك والاستحباب ، بخلاف الثاني ، فإنّ مرجع روايتي غياث واحد وهو البتري (٣). وسند روايته إسماعيل أضعف (٤) لضعف سلمة بن الخطاب مع موافقتها لمذهب العامّة ، فتحمل على التّقيّة.

قوله : «ولا يصلّى عليه ـ إلخ» قال في المنتهى : ولا يصلّى على الميّت إلّا بعد تغسيله وتكفينه ، إلّا يكون شهيدا ، ولا نعلم فيه خلافا لأنّ النبيّ (ص) هكذا فعل ، وفعله بيان للواجب فكان واجبا. ولو صلّى عليه قبل ذلك ، لم يعتدّ بها ، لأنّه فعل غير مشروع ، فيبقى في العهدة. فدليل المسئلة إجماع الأمّة إن كان ، والتأسّي ، وفعله بيانا.

ولا يفهم الاشتراط والبطلان بدونهما ، إلّا أن يكون إجماع كما هو الظّاهر ممّا سبق ، أو يقال : ما فهم المشروعيّة إلّا على هذا الوجه ، فبدونه يبقى في العهدة ، فلا فرق بين الناسي والجاهل والعامد.

ويمكن الاستدلال على المشروعيّة والصحّة ، لولا الإجماع ، بعموم الأمر بالصّلوة على الميّت ، وعدم التقييد بشي‌ء والأمر يفيد الإجزاء. والإجماع غير ظاهر في الكلّ.

وفي رواية عمّار بن موسى ـ في صلاة قوم على العريان وليس معهم فضل ثوب

__________________

(١) الوسائل باب (١٠) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٤

(٢) الوسائل باب (١٠) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٥

(٣) البترية بضم الموحدة فالسكون ، فرق من الزيدية. مجمع البحرين

(٤) سند الحديث كما في التهذيب هكذا «على بن الحسين بن بابويه رحمه الله ، عن سعد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعا ، عن سلمة بن الخطاب ، قال : حدثني ، إسماعيل بن إسحاق بن ابان الورّاق ـ إلخ».

٤٤٩

ولو فاتت الصلاة عليه صلى على قبره يوما وليلة.

______________________________________________________

يكفنون به ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : يحفر له ويوضع في لحده ، ويوضع اللبن على عورته ، فيستر عورته باللّبن وبالحجر ثمّ يصلّى عليه ثمّ يدفن ، قلت : فلا يصلّى عليه إذا دفن؟ فقال : لا يصلّى على الميّت بعد ما يدفن ، ولا يصلّى عليه وهو عريان حتّى توارى عورته (١) ـ دلالة على اشتراط السّتر للصلاة ، وإشارة إلى تقديم الكفن. حيث قيّد الصلاة بعد الستر بالحجر ، بعدم وجدان فضل ثوب يكفّن به.

ومثلها رواية محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة (٢)

وفيهما دلالة على عدم الصّلاة بعد الدّفن : ولو كان الميّت لم يصلّ عليه ، وزاد في الأخيرة ، لو جاز ذلك لأحد لجاز لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فلا يصلّى على المدفون ولا على العريان ، وهما دليلا قوله «فان فقد» والظّاهر أنّه شرط على تقدير الإمكان في الجملة : فلو تعذّر بكلّ وجه سقط ، فيصلّى عليه عريانا ، ثمّ يرسل في الماء. مثلا مستقبلا ، مستثقلا ، لو أمكن ، وإلّا فيصلي (فيخلى خ ل) كذلك. كذا قيل.

قوله : «ولو فاتت الصّلاة ـ إلخ» لا دليل على هذا التّحديد ، ولا على ثلاثة أيّام ، وكذا إلى تغيّر الصورة. والّذي يقتضيه النظر وجوب الصلاة على قبر ميّت لم يصلّ عليه ما دام الميّت باقيا ، ويصدق عليه الميّت ، بحيث لو كان على تلك الحالة خارجا عن القبر يصلّى عليه ، للاستصحاب.

والأدلّة الدّالّة على وجوبها ، مثل قوله : «نعم» في صحيحة هشام المتقدّمة (٣) ومثل قوله عليه السلام : صلّ على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله (٤) ومثل قوله صلى الله عليه وآله : «صلّوا على المرجوم من أمتي ، لا تدعوا أحدا من أمتي

__________________

(١) الوسائل باب (٣٦) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١ وصدر الحديث هكذا (عمار بن موسى قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول : في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر ، فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر ، وهم عراة ، وليس لهم إلا إزار كيف يصلّون عليه وهو عريان ، وليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال : يحفر ـ إلخ».

(٢) الوسائل باب (٣٦) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢

(٣) الوسائل باب (٣٧) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

(٤) الوسائل باب (٣٧) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢

٤٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بلا صلاة (١)

والإجماع. واشتراط الوجوب بما قبل الدّفن غير ظاهر ، ولا دليل عليه واضح ، كما ستعلم.

ويؤيّده صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لا بأس أن يصلّي الرّجل على الميّت بعد ما يدفن (٢) وما في رواية مالك مولى (الحكم ـ ئل) (الجهم ـ يب) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا فاتتك الصّلوة على الميت حتّى يدفن ، فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن (٣) وقريب منها رواية أخرى (٤)

ولكن ليس ما يعتبر إسناده ، إلّا الأولى ، إلّا أنّها ليست بصريحة في الوجوب. وإذا رفع المنع بها ، تكون واجبة بما مرّ من الموجب ، مع عدم المانع ، إذ ليس إلّا الدّفن وهو غير مانع بها.

وأمّا ما يدلّ على عدم الوجوب فهو الأصل. وهو منهدم بالدّليل. وظهور الأخبار في الصّلاة على الميّت قبل الدّفن ، فإنّ بعده ليس على الميّت ، بل على القبر ، وقد يمنع ذلك ، والسند قد مرّ (٥) والاخبار مثل ما في خبر يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله. أن يصلّى على قبر أو يقعد عليه ، أو يبنى عليه (٦)

ويدفع بضعف السّند ، بأن يونس ، قيل : كان يضع الحديث ، ويغيّره ، مع عدم الصّراحة في الصّلاة على الميّت الّذي في القبر. ويحتمل الاختصاص بمن صلّى عليه. والنهي للكراهة بالمعنى المشهور ، فلا ينافي الوجوب.

__________________

(١) الوسائل باب (٣٧) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٣

(٢) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

(٣) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢

(٤) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٣

(٥) اى سند المنع ، وهو إطلاقات الأدلّة.

(٦) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٦ أورده في موضعين في التهذيب وفي أحدهما عن أبي عبد الله عن أبيه.

٤٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وما في رواية عمّار بن موسى «ولا يصلى عليه وهو مدفون» (١) والجواب ما مرّ ، مع زيادة هنا ، «أنّه صلّى عليه مقلوبا» فقد يكون تلك مجزية بعد ما حصل العلم بعد الدّفن.

وما في الحديثين المتقدّمين في الصلاة على العاري بعد وضعه في القبر وستر عورته «لا يصلى على الميّت بعد ما يدفن» والجواب ما مرّ.

والعمدة في الاستدلال حسنة محمد بن مسلم أو زرارة ، قال : الصّلاة على الميّت بعد ما يدفن ، إنّما هو الدّعاء ، قال : قلت : فالنّجاشيّ لم يصلّ عليه النّبي (ص)؟ فقال : لا ، إنّما دعا له (٢) والجواب عنها. إنّ في سندها تأمّلا. لأنّ الشيخ رواه في الكتابين عن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم ، عن نوح بن شعيب ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، أو زرارة. وما صحح طريقه إلى الصفّار. ولو سلّم أنّه محمد بن الحسن الصفّار ، الثّقة وإن الطريق إليه صحيح كما هو الظّاهر. فإنّ إبراهيم ما نصّ على توثيقه ، وكذا نوح ، بل قال في الخلاصة : ذكر أنّ الفضل بن شاذان قال : إنّه فقيه ، مع قول في حريز. والشكّ في محمد أو زرارة أيضا مما يضعف الضّبط ، وقد يجعل مثله قادحا ، فعله الشيخ في مثل قوله «عن الرّضا على ما يعلم» في رواية قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة (٣) مع جزمه في رواية أخرى عن الكاظم عليه السلام : على أنّه ما أسند إلى الإمام عليه السلام : مع احتمال الكراهة بالمعنى المشهور. فلا يدلّ على نفي الوجوب أيضا ، واحتمال الاختصاص بمن صلّى عليه ، وكونه بعيدا كما كان النبيّ صلى الله عليه وآله بالنسبة إلى النجاشي ، والظاهر أنّه كان ممّن صلّى عليه : على أنّه روى أنّه صلّى عليه. وأوّل بأنّه رأى جنازته وصلّى عليه عن قرب (٤) فلم يكن صلاته عليه دعاء بعد الدّفن.

ولا دلالة في فعل أبي عبد الله عليه السلام بالنسبة الى عبد الله بن أعين. حيث

__________________

(١) الوسائل باب (١٩) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

(٢) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٥

(٣) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٨ ونقل الحديث الأخر أيضا في ذيله.

(٤) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١٠

٤٥٢

ويكره تكرار الصلاة.

______________________________________________________

قال : ولكن نصلّي عليه ههنا فرفع يديه يدعو واجتهد في الدّعاء وترحّم عليه (١) فإنّ هذا كان بعد الدّفن في مكّة. ومعلوم أنّه صلّى عليه. ويؤيّد الوجوب الأخبار الدّالة على عدم الصلاة على الميّت مرّتين كما ستسمع.

وبالجملة شغل الذّمّة ظاهر ، والخروج عن العدة والبراءة غير ظاهر بما مرّ : فالاحتياط أيضا يقتضيه.

والمصنف قال في المنتهى الأقوى عندي أنّ الصّلاة بعد الدّفن ليست بواجبة ، لأنّه بدفنه خرج عن أهل الدّنيا فيساوي البالي في قبره. ويؤيّده ما رواه الشيخ. وذكر الأخبار الّتي ذكرناها مما تدلّ على عدم الوجوب بعد الدّفن. والدّليل الأوّل غير مسلم الكبرى. وقد عرفت حال الأخبار.

والجمع بينها بالحمل على ما مرّ في الجواب ـ من حمل ما يدلّ على عدم الوجوب على من صلّى عليه بعد الدّفن ، أو الكراهة ، أو بعد صيرورته ترابا ـ ممكن : فوجه الجمع ليس بمنحصر في الحمل على الجواز ونفي الوجوب. وكأنّه لما ذكرناه ، اختار في المختلف الوجوب فتأمّل.

قوله : «ويكره تكرار الصّلاة» والروايات هنا أيضا مختلفة ، والّذي يقتضيه النظر عدمه مطلقا. لأنّها واجبة كفاية فإذا فعلت سقطت عن الكلّ بلا خلاف ، فلا بدّ لمشروعيّتها ندبا أو واجبا من دليل ، وليس هنا دليل صالح لذلك كما ستعرف وعلى تقدير الفعل ، لا معنى للوجوب. إذ لا وجوب إجماعا ، ولا للندب لعدم القائل به على الظّاهر ، اللهمّ إلّا أن يقول به المجوز.

والكراهة بالمعنى الحقيقي معلوم الانتفاء ، فما بقي إلّا التحريم. ولمثل هذا قيل بتحريم تكرار سائر الصلوات ، وهو مؤيّد هنا. إلّا أن يكون الأولى مشتملة على نقص فتعاد للفضل ، والاحتياط :

__________________

(١) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٤ ولفظ الحديث هكذا «عن جعفر بن عيسى قال : قدم أبو عبد الله عليه السلام مكة فسألني عن عبد الله بن أعين فقلت : مات ، قال : مات؟ قلت : نعم ، قال : فانطلق بنا إلى قبره حتى نصلي عليه ، قلت نعم ، فقال : لا ولكن نصلي عليه ههنا ، فرفع يديه يدعوا واجتهد في الدعاء وترحم عليه».

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومما يؤيّد ما قلناه رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله صلّى على جنازة فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا يا رسول الله فاتتنا الصّلاة عليها؟ فقال : إنّ الجنازة لا يصلّى عليها مرّتين ادعوا له وقولوا خيرا (١) ومثله رواية وهب بن وهب (٢) وإن كان وهب ضعيفا : إلّا أنّها مؤيّدة ، وكذا لا يضرّ عدم النّص بتوثيق غياث بن كلوب ، وفطحية إسحاق في الأولى (٣)

ولا معنى لحملهما على الكراهة بمعنى أقلّيّة الثواب بالنسبة إلى الصّلاة على الميّت الّذي لم يصلّ عليه ، إذ لا معنى لنهي النبي (ص) عن عبادة تفويتها لقلّة ثوابها وكثرة ثواب غيرها مع فوته.

وإن أريد المعنى الحقيقي الأصولي ، فقيل ذلك لا يكون في العبادات ، ويلزم التحريم باعتقاد فعلها واجبا أو ندبا وبقصد الثواب مع العلم بعدمه شرعا ، ومع ذلك ما نريد من النفي والمنع إلا هذا فنقول بها.

والّذي يدلّ على الجواز حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كبّر أمير المؤمنين على سهل بن حنيف وكان بدريّا خمس تكبيرات ، ثمّ مشى ساعة ثمّ وضعه وكبّر عليه خمسة أخرى ، فصنع به ذلك حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة (٤) وما في رواية جابر ، فلم يجي‌ء قوم الّا قال (ص) لهم صلّوا عليها (٥)

وحمل الشّيخ الأوّلين على الكراهة لهاتين الرّوايتين (٦) ولا معنى له على الظّاهر لما عرفت ولأنّه لا معنى لفعله عليه السلام خمس مرّات ما هو مكروه ، وكذا الأمر به عنه ، ولهذا خصّ الكراهة بغير الإمام الذي يريد أن يعيد للقوم ، وبمن (صلّى) مع

__________________

(١و ٢) الوسائل باب (٦) من أبواب صلاة الجنازة حديث – ٢٣ ـ ٢٤

(٢) الوسائل باب (٦) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢٤

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا «على بن الحسين ، عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن موسى ، عن غياث بن كلوب بن غيث البجلي ، عن إسحاق بن عمار»

(٤) الوسائل باب (٦) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١

(٥) الوسائل باب (٦) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢٢ ولفظ الحديث «ان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج على جنازة امرءة من بنى النجار ، فصلى عليها ، فوجد الحفرة لم يمكنوا ، فوضعوا الجنازة ، فلم يجئ قوم الا قال لهم صلّوا عليها»

(٦) يعنى حمل روايتي إسحاق ووهب على الكراهة لروايتي الحلبي وجابر.

٤٥٤

واولى الناس بها أولاهم بالميراث.

______________________________________________________

ورود النّهي بالنسبة إلى من لم يصلّ أصلا ، ولكن حينئذ ما يبقى دليل يدلّ على الجواز بالنسبة إلى من صلّى.

إلّا أن يقال : الصّلاة خير موضوع ، ووقوع الأمر بها مطلقا وزيادة الدّعاء.

والخبر على تقدير تسليم صحّته ، فهو في الصّلاة الحقيقيّة المتعارفة ، والأمر لا يدلّ على التكرار بل يدلّ على الإجزاء والخروج عن العهدة بمرّة واحدة فالزّائد يحتاج إلى الدّليل فتأمّل ، والدّعاء غير الصلاة ولا نزاع فيه.

ولهذا يحمل ما ورد في الصّلاة بعد أن صلّى عليه على الدّعاء وقد كان في الأخبار المتقدّمة إشارة إليه فافهم.

وأمّا حكاية فعل أمير المؤمنين عليه السلام فقد يكون من خواصّه بالنسبة إلى مثل سهل بن حنيف ، ولهذا ما نقل في غيره ، وروي في هذه الصّلاة عن جعفر (ع) أنّه بدريّ عقبيّ احديّ وكان من النقباء الّذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وآله ومن الاثنى عشر وكان له خمس مناقب فصلّى عليه لكلّ منقبة صلاة. (١)

وبالجملة هذه لا تصلح دليلا على جواز الإعادة على الميّت سيّما من صلّى عليه أوّلا ولا يكون إماما ، نعم لا يبعد جعلها دليلا على الإعادة للإمام لمن لم يصل على الميّت مع وجود المناقب. وجعل مطلق الأمر دليلا أولى منها. فتأمّل.

قوله : «وأولى الناس بها أولاهم بالميراث» قيل معناه : أنّ الوارث اولى من غيره ، وأمّا الورثة فالبعض أولى من البعض بالتفصيل الّذي سنذكره ، في قوله : والأب أولى ـ إلخ.

قال في المنتهى : وأحق الناس بالصّلاة عليه أولاهم بالميراث. قاله علماؤنا ، لأنّه أولى بما له فكذا بالصّلاة عليه ، ولقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» (٢) ولمرسلة ابن أبي عمير في الحسن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله قال : يصلّى على الجنازة أولى النّاس بها أو يأمر من يحبّ (٣)

__________________

(١) الوسائل باب (٦) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١٨

(٢) الأنفال : ٧٥

(٣) الوسائل باب (٢٣) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١ ـ ٢

٤٥٥

والأب أولى من الابن ، والولد من الجد.

______________________________________________________

والأوّل قياس ضعيف ، ودلالة الثاني على المطلوب غير واضح ، والثالث مرسل ، وإن كان عن ابن أبي عمير ، وفيه إجمال أيضا من جهة عدم ظهور معنى الأولويّة بالجنازة ، فإن كان المراد به الوارث كما هو الظاهر فلا يفهم تقديم بعض الورثة على البعض ، ومن جهة أنّ المنع المستفاد منه هل هو عن مطلق الصلاة أو الإمامة فقطّ ، أو الجماعة إماما ومأموما ، والأوسط هو الظاهر من قوله يصلّى أو يأمر ، فإنّ المراد ليس صلاته وحده ، بل الإمامة على الظاهر ، وكذا يأمر من يحبّ ، ولهذا قال به الشيخ على (ره) وبالجملة الحكم بعدم جوازها مطلقا ـ أو جماعة ، إلّا بإذن الولي سيّما مع جهله ، بهذه الرّواية فقطّ مع الأوامر العامّة في الصلاة على الأموات ، وعدم نقل الاستيذان عن الخلف (السلف خ ل) والأصل الدال على العدم مع الصعوبة في الجملة ـ لا يخلو عن صعوبة ، إلّا أن يكون اتفاقا ، ويكون ساقطا مع عدم حضور الوليّ أو عدمه ، أو كونه صغيرا أو يكون للحاكم والعدول ، والكلّ لا يخلو عن شي‌ء ، إذ لا دليل يعتدّ به.

ويحتمل في الرّواية كون المراد أولوية ذلك ، لا الوجوب ، فينبغي أن يترك الغير ، للولي ، والتقدّم بإذنه ، وينبغي له التقدّم أيضا ، الله يعلم ، والاحتياط حسن.

قوله : «والأب أولى من الابن ـ إلخ» الظّاهر أنّ دليله الإجماع : قال في المنتهى : لا خلاف في أنّ الأب أولى من غيره من الأقارب عدا الابن ، فإنّ مالك يقدّمه على الأب (١) وأنّه أشفق فدعاؤه أقرب إلى الإجابة.

والظّاهر أنّ الزّوج أولى عند الأصحاب من كلّ أحد حتّى من الأب على ما يأتي.

ولا ولاية للأمّ على ما قاله في المنتهى بل لمطلق النساء مع الرّجال وإن كانوا أبعد منها ، ولما لم يكن الخلاف إلّا في الابن خصّ بالذّكر.

__________________

(١) ما وجدناه من عبارة المنتهى هكذا (إذا جمع الأب والولد فإن الأب أولى قاله الشيخ وبه قال أكثر الفقهاء وقال مالك الابن اولى انتهى)

٤٥٦

والأخ من الأبوين أولى ممّن يتقرب بأحدهما.

______________________________________________________

وكأنّ دليل أولويّة الولد من الجدّ أيضا الإجماع ، حيث ما نقل الخلاف إلّا من الجمهور.

والأولويّة بالإرث فيدلّ عليها المرسلة المتقدّمة. وكذا دليل أولويّة الأخ من الأبوين. من الأخ من أحدهما ، الإجماع ، وكثرة النصيب ، وكثرة القرب ، وقال في المنتهى : والأخ من الأب أولى من الأخ من الأمّ. لكثرة النصيب ، ولأنّ الأمّ لا ولاية لها فمن يتقرّب بها بالطريق الأولى ، وفي الدليل الثاني تأمّل ، الظاهر أنّ مراده إذا كان مع الأخ من الأب ، والاستدلال بنفي الولاية من الامّ ، إن تمّ لدلّ على الأعمّ من ذلك وليس بجيد لثبوت الولاية له إذا لم يكن الأولى منه.

وقال أيضا : قال الشّيخ : الأخ من الأمّ أولى من العمّ ، ثمّ العمّ أولى من الخال ، ثمّ الخال أولى من ابن العمّ وابن العمّ أولى من ابن الخال ، وبالجملة من كان أولى بالميراث كان أولى بالصلاة عليه.

يلزم على قوله ره : ان العم من الطرفين اولى من العم من أحدهما وكذا الخال ، ولو اجتمع ابن عم لأحدهما وأخ لأم كان الأخ من الام على قوله ره اولى من الآخر وهو أحد قولي الشافعي وفيه تأمّل «إذ لا محذور في اللّازم ، نعم يلزم أولويّة ابن العمّ من الطّرفين من العمّ من أحدهما.

وقال أيضا : ولو لم يوجد أحد الأقارب. كانت الولاية للمعتق لقوله عليه السلام الولاء لحمة كلحمة النسب (١) فلو فقد المعتق فلا ولادة ، فإن فقدوا فللإمام ، وقال الشارح : فلضامن الجريرة ، فإن فقد فوليّه الحاكم ، ثمّ عدول المسلمين والدليل غير واضح للمعتق ، وهو ما مرّ ، والامام كأنّ دليله كونه وارثا وكونه أولى بالمؤمنين لأنه مثل النبي صلّى الله عليه وآله.

واما دليل الضامن فيمكن كونه وارثا والحاكم فلأنه بمنزلة الامام ونائب له. والعدول ، فإنهم قائمون مقامه في الجملة ، وبالجملة دليل الكلّ غير واضح ، وتخصيص الأدلة والمنع عن الصلاة إلا بإذنهم بأمثالها مشكل ، ويحتاج إلى دليل أقوى

__________________

(١) المستدرك للحاكم ج ٤ ص ٣٤١ كتاب الفرائض.

٤٥٧

والزّوج أولى من كل أحد.

______________________________________________________

من ذلك.

وقال الشّارح : وفي المنتهى أيضا : إنّ الجدّ للأب أولى من الأخ والوجه غير واضح مع التساوي في الميراث ، ويمكن كونه أصلا له وإن دعاءه أسرع إجابة قاله في المنتهى.

وقال أيضا هذا الترتيب بعضه مبنى على الإرث وعدمه ، وبعضه على كثرة الشفقة أو التوكيد ، أو كثرة النصيب كالعمّ ، والعمل بهذا الوضع هو المشهور ، وليس في الحاكم والعدول شي‌ء مما ذكره ، والشهرة ما نعرفها ، وهو أعرف.

قوله : «والزّوج أولى من كلّ أحد» دليله ما روى عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الزّوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها (١) وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : المرأة تموت من أحقّ الناس بالصّلاة عليها؟ قال : زوجها. قلت : الزّوج أحقّ من الأب والولد والأخ؟ قال : نعم ، ويغسلها (٢) وليستا بصحيحتين ، لإسحاق وسهل بن زياد وغيرهما في الأولى : (٣) ولقاسم بن محمد الجوهريّ الواقفيّ وعليّ بن أبي حمزة وهو مشترك ، وكذا أبو بصير ، بل الظاهر أنّه البطائنيّ ، وأبو بصير ، هو يحيى بن القاسم : لأنّ البطائني قائده ، وهما واقفيّان (٤) لكن ذلك هو المشهور ، بل الخلاف غير واضح.

ولذا حمل الشّيخ رواية عبد الرّحمن بن أبي عبد الله ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة على المرأة الزّوج أحقّ بها أو الأخ؟ قال : الأخ (٥) وفيه محسن بن أحمد وهو مجهول وأبان بن عثمان (٦) : والمتن أيضا يحتاج إلى التقييد ، بعدم حضور من هو أولى من الأخ مثل الأب والابن ، ورواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله

__________________

(١) الوسائل باب (٢٤) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٣

(٢) الوسائل باب (٢٤) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٢

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا «عن سهل بن زياد ، عن محمد بن أورمة ، عن على بن ميسرة ، عن إسحاق بن عمار»

(٤) سند الحديث كما في الكافي هكذا «محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن على بن أبي حمزة ، عن أبي بصير»

(٥) الوسائل باب (٢٤) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٥

(٦) سند الحديث كما في الكافي هكذا «عن محسن بن أحمد ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله»

٤٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السلام في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيّهما يصلّى عليها؟ فقال : أخوها أحقّ بالصلاة عليها ـ (١) على التقية. ولو لا ذلك ، لأمكن القول بالتخيير ، بل بأولوية الأخ ، لأنّ الرّواية الثانية صحيحة على الظاهر.

والظاهر التعميم في الزّوجة ، فلا فرق بين المستمتع بها والدّائمة ولا بين الحرّة والأمة : لإطلاق النّصّ ، فيكون الزّوج أولى من سيّد المملوكة ، وفيه تأمّل ، لاحتمال أولويّة السيّد لعموم دليل أولويّة السّيد ، ولزوج أيضا فلا فرق بين الحر والعبد.

وأمّا الحكم في الزّوجة : فهل هي أولى بالصّلاة على زوجها؟ فالأصل يقتضي العدم ، مع عدم الدّليل : لأنّ الدّليل المذكور مخصوص بالزّوج وهو ظاهر : وعموم وجوب الصلاة على الميّت. يدفع ولايتها وإن قلنا بولايتها في الغسل وكذا دليل ولاية غيرها : فمذهب البعض بأنّها أولى كما نقله الشّارح ، محلّ التأمّل ، والظاهر العدم.

واعلم أنّ ظاهر أدلة الأولوية ، يقتضي أولوية الولي من الموصى بالصلاة له ، واختاره المصنّف في المنتهى ، وهو محلّ التأمّل لعدم صراحة الأدلّة ، وعموم أدلة وجوب العمل بالوصيّة ، فينبغي اختياره : إذ قد يكون الموصى اختاره لاستجابة دعوته وصلاحه ، فيبعد عدم ذلك له وجعله معزولا ومحروما عن ذلك.

وأيضا قال المصنّف (٢) يشترط في تقدم الولي اتّصافه بشرائط الإمامة المتقدّمة ، وهو اتفاق علمائنا ، ولو لم يكن متّصفا قدم غيره.

فيفهم منه اشتراط العدالة في الإمام هنا أيضا ، وثبوت الولاية مع عدم الاتّصاف أيضا ، وهما محلّا التأمّل : إذ لا دليل على الاشتراط هنا. مع أنّه لا يتحمل شيئا ، وليس إلّا التقدم صورة ، إلّا أن يكون إجماعا كما قال ، وأيضا المفهوم من

__________________

(١) الوسائل باب (٢٤) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ٤

(٢) قال في المنتهى : لا يؤم الولي إلا مع استكماله لشرائط الإمامة السابقة في باب الجماعة ، وهو اتفاق علمائنا ، ولو لم يكن بالشرائط قدم غيره ـ انتهى.

٤٥٩

والذكر من الأنثى ، والحرّ من العبد.

______________________________________________________

الخبر (١) التخيير بين الصّلاة وتقديم من يجب ، فهو أعم من المتّصف وغيره ، وعلى تقدير اشتراط العدالة في تقدّمه ، يفيد اشتراطها للتقديم أيضا. فتأمّل.

قوله : «والذّكر من الأنثى ـ إلخ» قال في المنتهى الحرّ أولى من العبد ، وإن كان الحرّ بعيدا والعبد أقرب ، لأنّ العبد لا ولاية له في نفسه ففي غيره أولى ، ولا نعلم فيه خلافا ، والبالغ أولى من الصبيّ لذلك ، والرّجل أولى من المرأة ، كلّ ذلك لا خلاف فيه.

فالظاهر منه عدم أولوية العبد من سيّد زوجته : وإن الصبيّ والمرأة لا ولاية لهما ، على تقدير وجود البالغ والرّجل ، وإن كانا بعيدين وهما قريبان وإنّ ذلك ممّا لا خلاف فيه : وظاهر الخبر المتقدّم الّذي يفيد التخيير (٢) مؤيّد في الصبيّ.

فتقييد الشارح ، قول المصنّف هنا. مع عمومه ـ بقوله «من الأولياء المتعدّدين في طبقة واحدة» وكذا قوله : «لو كان الذّكر ناقصا» بصغر أو جنون ، ففي انتقال الولاية إلى الأنثى من طبقته ، أم الى وليّه ، نظر : من انّه في حكم المعدوم بالنسبة إلى الولاية ، ومن عموم الآية. فليكن الولاية له يتصرف فيها وليه ، ولو لم يكن في طبقته مكلّف. ففي انتقال الولاية إلى الأبعد. أو إلى وليّه ، الوجهان. واستقرب في الذّكرى الانتقال إلى الأنثى في المسئلة الاولى ، وتوقّف في الثانية. ولو كان غائبا فالوجهان. ويمكن سقوط اعتباره مطلقا ـ (٣) محل (٤) التأمّل ، للدليل المذكور في المنتهى ، وللإجماع المفهوم منه ، وعدم دلالة الآية ، وظهور الخبر في أنّ الولاية للمصلّي ولمن له رأى. وعدم ثبوت الولاية في مثلهما ، وللأصل ، ولمنعهم الولاية للموصي له بها ، فيبعد ثبوتها بقول الموصى لوصي الطفل. أنت وصي أولادي مثلا ، فالانتقال ، إلى الأنثى قريب كما نقله عن الذّكرى.

ولا ينبغي التوقّف في الثانية.

__________________

(١) الوسائل باب (٢٣) من أبواب صلاة الجنازة حديث ـ ١ و ٢

(٢) تقدم آنفا وفيه «يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يجب»

(٣) الى هنا كلام الشارح في روض الجنان.

(٤) قوله : (محل التأمل) خبر لقوله : (فتقييد الشارح)

٤٦٠