مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

وفيما يستر ظهر القدم ، كالشمشك لا الخف والجورب

______________________________________________________

والسنجاب والسّمور؟ قال : صل في الفنك والسنجاب ، واما السّمور فلا تصل فيه. قلت : فالثعالب يصلى فيها؟ قال : لا (١) الخبر : والطريق الى على بن مهزيار (الثقة) صحيح ، ولكن أبي على بن راشد غير ظاهر ، لعله يعرفه : ولعل مقصود المصنف الصحة الى أبي على ، وهو يفعل كثيرا مثله ، مثل ما مر في الصحيح عن إسحاق : ولهذا قال رواه أبو على في الصحيح ، وما قال صحيحته ، فتأمل. ولهذا في بعض الأوقات يقول في المنتهى : في الصحيح عن فلان الثقة : ولو كان لك فيه تردد ، فتتبع ، فإنك تجد ، فتأمل :

واما طريق هذه الرواية في الكافي ، فضعيف لسهل بن زياد (٢) وغيره ، فلعل حصل له الظن بالصحة من كلام المختلف ، ويكون وجه عدم صحة رواية الحلبي عنده اشتراك العباس (٣) ، ولكن ظاهر كونه ثقة لمن تتبع ، فإنه ابنا المعروف ، بقرينة سابقه ولاحقة ، والتصريح به في مثل هذا السند مع تسميته هذه بالصحة في المنتهى ، وعدم صراحة غيرها في الصلاة في السنجاب كما مر.

قوله : «(وفيما يستر ظهر القدم إلخ)» الظاهر عدم التحريم فيما يستر ظهر القدم ولا ساق ، كالشمشك : لعدم الدليل ، عليه ولا على كراهته ، الّا مجرد وقوع الخلاف ، وعدم نقل صلاتهم عليهم السلام فيه : ولعل في جواز الصلاة في جرموق ـ كما يدل عليه خبر إبراهيم بن مهزيار في الكافي (٤) واستحباب الصلاة في النعل العربي ، للأخبار الصحيحة (٥) ـ إشارة ما ، إليه : لأن

__________________

(١) الوسائل نقل صدر الحديث في باب ٣ من أبواب لباس المصلى حديث ـ ٥ ـ وذيله في باب ٧ من ابوابنا حديث ـ ٤.

(٢) سند الحديث كما في الكافي هكذا (على بن محمد ، ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن على بن مهزيار ، عن على بن راشد).

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (محمد بن احمد بن يحيى ، عن العباس ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي).

(٤) الوسائل باب (٣٨) من أبواب لباس المصلى حديث ـ ١ ـ

(٥) الوسائل باب (٣٧ ـ ٦٣) من أبواب لباس المصلى فراجع ـ ١ ـ

١٠١

وعورة الرجل قبله ودبره : ويجب سترهما مع القدرة :

______________________________________________________

فوقه أيضا سيور (١) ربما تكثر ، وتستر كثيرا من ظهر القدم : وفسر الشارح الجرموق ـ ناقلا عن الذكرى ـ بأنه خف واسع قصير يلبس فوق الخف : فهو أعم مما له ساق أم لا ، بل ظاهر انه لا ساق له ، ويكون هو الذي يعمل من الجلد ويلبس فوق الجاقشور وفي الخبر تصريح بجواز الصلاة فيه وعدم الباس.

واما تفسير الشارح الجورب : بأنه نعل مخصوص له ساق : فالظاهر انه ليس كذلك ، ولا يقال له النعل ، ولا يلبس بدله ، بل شي‌ء ركيك يعمل من الصوف غالبا ، يلبس فوقه الخف والنعل ليحفظ الرجل من البرد ونحوه والعرق والوسخ ونحوها.

قوله : «(وعورة الرجل إلخ) نقل في المنتهى عدم الخلاف بين المسلمين في وجوب ستر العورة في الصلاة ، مع الاتفاق منا بالشرطية فيها. وتدل عليها إعادة الصلاة مع تركه حتى مع النسيان أيضا.

والظاهران وجوبه في الصلاة ليس بمقيد بناظر ، فوجه التقييد في الشرح غير واضح : وفي غيرها مقيد به.

والظاهر انه يحرم النظر إليها مطلقا ، ولعله أيضا إجماعي ، وفي بعض الاخبار اشارة اليه ، مثل ما رواه في التهذيب صحيحا عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه (٢) وفي عدة أخبار : عورة الرجل المؤمن على المؤمن حرام : وان فسر في بعض الاخبار بإذاعة سره (٣) ولكن يمكن تعميمه.

وما نقل في الفقيه سئل الصادق عليه السلام عن قوله الله عز وجل (قُلْ

__________________

(١) والسير الذي يقد من الجلد والجمع سيور كفلس وفلوس ، ومنه الحديث : كانوا يتهادون السيور من المدينة إلى مكة : مجمع البحرين.

(٢) الوسائل باب (٣) من آداب الحمام حديث ـ ١ ـ

(٣) الوسائل باب (١٥٧) من أبواب أحكام العشرة. فراجع ولفظ الحديث (عن عبد الله بن سنان قال : قلت له عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال : نعم ، قلت يعنى سفلية؟ قال : ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره).

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ) (١) فقال : كل ما كان في كتاب الله تعالى من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلا في هذا الموضع ، فإنه للحفظ من ان ينظر اليه (٢).

وفي بعض الاخبار والايات والعقل دلالة على تحريم الكشف للمحترم ، وغير العاقل ، وغير البالغ في الجملة.

واما كون عورة الرجل : القضيب والبيضتين والدبر فقط. فلان الأصل العدم خرج هذه بالإجماع وبقي الباقي تحت الأصل ، وفي مفهوم الآية والاخبار المتقدمة دلالة ما عليه أيضا ، فافهم ، وأصرح منها ما رواه في الفقيه والتهذيب : ان الفخذ ليس من العورة (٣) وما رواه أيضا فيه مسندا عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة (٤) وفيه تصريح بدخول البيضتين في القبل : فلا يحتاج في المتن الى قيد. (والأنثيان) كما قيل : وما رواه أيضا في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام : فيطلي عانته وما يليها ، ثم يلف إزاره على أطراف إحليله ويدعوني فاطلى سائر جسده : فقلت له يوما من الأيام : الذي تكره ان نراه فقد رأيته! قال كلا ان النورة ستره : والمدعو والقائل هو شيخ كبير قيم الحمام (٥) والشهرة أيضا يؤيده : فما ذهب اليه ابن البراج وأبو الصلاح : من كون العورة ما بين السرة والركبة ، أو الى نصف الساق فغير ظاهر الدليل ، وما نقل لهما الا بعض الاخبار العامة ، مع وجود مخالفه عنه ، بل هو أكثر وأصرح. ويمكن الحمل على الاستحباب أيضا ، للجمع : مع انه قد يكون

__________________

(١) سورة النور : (٣٠).

(٢) الوسائل باب (١) من أحكام الخلوة حديث ـ ٣ ـ

(٣) الوسائل باب (٤) من أبواب آداب الحمام حديث ـ ٤ ـ

(٤) الوسائل باب (٤) من أبواب آداب الحمام حديث ـ ٢ ـ

(٥) الوسائل باب (١٨) من أبواب آداب الحمام حديث ـ ١ ـ صدر الحديث كما في الفقيه هكذا : روى عن عبيد الله المرافقي ، قال : دخلت حمأ ما بالمدينة ، فإذا شيخ كبير ، وهو قيم الحمام ، فقلت له : يا شيخ لمن هذا الحمام؟ فقال لأبي جعفر محمد بن على ، فقلت : أكان يدخله؟ قال : نعم ، فقلت : كيف كان يصنع؟ قال : كان يدخل فيه ، فيبدأ فيطلي إلخ.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مرادهما ذلك ، لان كثيرا ما يقال على المستحب ، الواجب : وعلى المكروه ، عدم الجواز.

واما عورة المرأة فلا خلاف في كون كلها عورة : يجب سترها في الصلاة مطلقا ، عدا الوجه والكفين والقدمين ، وفي غيرها من الأجنبي : وفي تحريم تكرار النظر إليها من المحترم مطلقا : ويؤيد الإجماع بعض الايات والاخبار. (١)

واما ستر هذه الأشياء في غير الصلاة ، سيجي‌ء البحث عنه في النكاح.

واما حال الصلاة فنقل في المنتهى الإجماع على عدمه في الأولين منا ، وفي الأول من المسلمين مطلقا.

واما الأخير ، فاستدل عليه بالخبر الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : والمرأة تصلى في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا (٢) قال المصنف : الدرع هو القميص ، قاله في الصحاح : وليس القميص غالبا ساترا لظهر القدم. واستدل على الأولين بالاية الكريمة (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها) ـ (٣) ـ) بأنه قال ابن عباس : هو الوجه والكف (٤) ثم قال : والقدمان ليس ظهرهما بأفحش من الوجه والكفين :

ويمكن ان يقال : انما ثبت بالإجماع غيرها ، فبقيت الثلاثة تحت الأصل : وأيضا لا فرق بين كون القدمين واليدين والوجه ، في انها في محل الزينة ، وانها مما ظهر ، فيكون هما أيضا داخلين في الاستثناء : وأيضا ليس الدليل على ذلك نص صريح ، بل ظاهر ، فإن الذي نقل عليه في المنتهى هو الإجماع ، وقوله صلى الله عليه وآله : المرأة عورة (٥) وصحيحة زرارة قال :

__________________

(١) (الوسائل باب ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) الوسائل باب (٢٨) من أبواب لباس المصلى حديث ـ ٧ ـ

(٣) سورة النور : (٣١).

(٤) الدر المنثور في التفسير بالمأثور : قال : واخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : الا ما ظهر منها ، قال : رقعة الوجه وباطن الكف.

(٥) رواه الترمذي في باب (١٨) من الرضا (ع) ، حديث (١١٧٣) ولفظ الحديث (. عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : المرأة عورة : فإذا خرجت استشرقها الشيطان).

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

سألت أبا جعفر عليه السلام عن ادنى ما تصلى فيه المرأة؟ قال : درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلل بها (١) : فالإجماع انما يثبت في غيرهما كما مر :.

والأولى مطلقة ، مع عدم الدلالة : والثانية ليست بصريحة ، إذ الغالب في العرف ان الملحفة تلبس بحيث يبقى القدمان : بل الظاهر ان دلالتها على عدم ستر القدمين أقوى منها على الستر : على ان الظاهر ان ليس الملحفة بواجبة.

ونقل في المنتهى الإجماع من المسلمين على عدم وجوب الإزار ، وانه مستحب ، والظاهر انها (٢) الإزار ، فتحمل على الاستحباب. ويدل على عدم الوجوب خبر محمد بن مسلم المتقدم.

وأيضا الشريعة السهلة : ونفى الحرج والضيق عقلا ونقلا ـ يدل عليه : وأيضا العادة سيما في القرى والبد وجار بعدم ستر القدمين من غير نقل المنع عنهم عليهم السلام ولا عن أهل العلم عن ذلك : ولان الغالب ليس عندهم القدرة على ذلك الا بالتعب ، فالتكليف بعيد.

ولولا خوف الإجماع المدعى لأمكن القول باستثناء غيرها من الرأس وما يظهر غالبا أيضا ، فتأمل. ويدل عليه أيضا ما سيجي‌ء من الاخبار الدالة على جواز كشف الرأس للأمة والجارية (٣) فإنها تدل على المطلق. والجمع بين الأدلة أيضا بالحمل على الاستحباب ، طريق واضح ، فتأمل.

والذي يدل على استثناء الجارية والأمة : على ما قيل : مثل ما روى في الصحيح : ولا ينبغي للمرئة ان تصلى إلا في ثوبين (٤) وفي الأخرى : الأمة تغطي رأسها؟ قال : لا (٥) وفي الموثق عن الصادق عليه السلام لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة ان تصلى وهي مكشوفة الرأس (٦) وفي آخر ، قال : لا بأس ان تصلى المرأة

__________________

(١) الوسائل باب (٢٨) من أبواب لباس المصلى حديث ـ ٩ ـ

(٢) يعنى الملحفة

(٣) الوسائل باب (٢٩) من أبواب لباس المصلى فراجع

(٤) الوسائل باب (٢٨) من أبواب لباس المصلى قطعة من حديث ـ ١٠ ـ

(٥) الوسائل باب (٢٩) من أبواب لباس المصلى قطعة من حديث ـ ٤ ـ

(٦) الوسائل باب (٢٩) من أبواب لباس المصلى حديث ـ ٥ ـ

١٠٥

ولو بالورق والطين

فان فقد صلى عاريا قائما مع أمن المطلع ، وجالسا مع عدمه : ويومي في الحالين راكعا وساجدا. وجسد المرأة كله عورة عدا الوجه والكفين والقدمين. ويجوز للأمة والصبية كشف الرأس.

______________________________________________________

المسلمة وليس على رأسها قناع (١) وحملت على الصبية ، معللا بعدم التكليف ، فتأمل. وبالإجماع : والظاهر انها عامة لو لم تكن خاصة بالبالغة ، للفظ المرأة المسلمة ، وحملها على الأمة أولى ، وتكون الصبية مستثنى (مستثناة ـ ظ) بالإجماع : وادعى عليه الإجماع وعلى الأمة أيضا :

وبالجملة لا يخفى تأييد هذه الاخبار للاستثناء المتقدم ، لان ظاهرها عدم وجوب ستر الرأس فكيف القدم : والاولى لها في الصلاة ستر البدن بالثوبين ، والظاهر عدم دخولهما تحتهما ، فتأمل : والاحتياط ظاهر ان أمكن.

قوله : «(ولو بالورق إلخ)» قد مضى ما يدل على ان مثله يكفى مع إمكان غيره : ويدل عليه ما مر : من ان النورة سترة.

قوله : «(فان فقد إلخ)» يدل على ضعف مذهب ابن إدريس (وهو وجوب القيام مطلقا (٢) محتجا بأن القيام شرط) بعض الاخبار ، منها صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل قطع عليه ، أو غرق متاعه ، فبقي عريانا وحضرت الصلاة ، كيف يصلى؟ قال : ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود ، وان لم يصب شيئا يستر عورته أومأ وهو قائم (٣) وفيها دلالة على كون الحشيش ساترا في الجملة.

وصحيحة عبد الله بن سنان قال : سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة؟ قال : يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلى بهم جلوسا وهو جالس (٤) وحسنة زرارة

__________________

(١) الوسائل باب (٢٩) من أبواب لباس المصلى حديث ـ ٦ ـ

(٢) قال في السرائر : فأما العريان ، فان قدر على ما يستر به عورته من خرق أو ورق أو حشيش أو طين يطلى به وجب عليه ان يسترها ، فان لم يمكن ذلك صلى قائما مؤميا بالركوع والسجود ، سواء ، كان بحيث لا يطلع عليه غيره ، أو بحيث يطلع عليه غيره انتهى.

(٣) الوسائل باب (٥٠) من أبواب لباس المصلى حديث ـ ١ ـ

(٤) الوسائل باب (٥١) من أبواب لباس المصلى حديث ـ ١ ـ

١٠٦

ويستحب للرجل ستر جميع جسده:

______________________________________________________

لإبراهيم) قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل خرج من سفينة عريانا ، أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلى فيه؟ فقال : يصلى إيماء : وان كانت امرأة جعلت يدها على فرجها ، وان كان رجلا وضع يده على سوئته ، ثم يجلسان فيومئان إيماء ، ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما ، تكون صلاتهما إيماء برؤسهما ، قال وان كانا في ماء أو بحر لجي لم يسجدا عليه ، وموضوع عنهما التوجه فيه ، يوميا في ذلك إيماء رفعهما توجه ووضعهما (١) وفيها إيماء إلى تقديم ما يمكن الستر على العريان ، ووضع اليد على العورة ، وان الإيماء بالرأس ، وان الصلاة في الماء أيضا بالإيماء لا بالسجود والركوع ، وفي المتن ركاكة ما ، فتأمل ، وغيرهما.

وتدل على ضعف مذهب السيد ، حيث قال : بوجوب الجلوس مطلقا ، محتجا بضعف مذهب ابن إدريس حجته.

وحيث كان خبر الجلوس مقرونا بوجود الغير ، وبعدم الأمن عن المطلع دون خبر القيام ـ كان التفصيل : بان يصلى جالسا مع عدم الأمن ، وقائما معه ، مناسبا ، ومؤيدا بمرسلة ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام. الى قوله عليه السلام ، قال يصلى عريانا قائما ان لم يره أحد ، فإن رآه احد صلى جالسا (٢) وبالشهرة أيضا : فكان مذهب المصنف اولى.

قوله : «(ويستحب للرجل ستر جميع جسده) الظاهر ان مراده غير الوجه واليدين لدلالة بعض الاخبار على أولوية كشف اليد بالدعاء (٣) بل سائر مواضع السجود فإنه لا شبهة في استحباب وضعها مكشوفة على الأرض حتى عين الركبة أيضا ، وقد صرح بان يجعل السراويل فوقها ان كان ، والا يرفع باقي الثياب عنها :

__________________

(١) الوسائل باب (٥٠) من أبواب لباس المصلى حديث ـ ٦ ـ

(٢) الوسائل باب (٥٠) من أبواب لباس المصلى حديث ـ ٣ ـ

(٣) الوسائل باب (١٣) من أبواب الدعاء حديث ـ ٣ ـ وفيه عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ذكر الرغبة ، وابرز باطن راحتيه الى السماء ، وباب ١٤ من هذه الأبواب حديث ـ ١ ـ

١٠٧

وللمرءة ثلاثة أثواب درع وقميص وخمار

______________________________________________________

ولعل دليله المبالغة في الستر وقبح الكشف في الجملة وبالنسبة الى بعض الأعضاء الخروج عن الخلاف : وفعلهم صلوات الله عليهم ذلك في الأكثر ، وما نقل عنه صلى الله عليه وآله : من انه إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبه فان الله أحق ان يتزين له : وأيضا يدل عليه آية الزينة على الظاهر فيشمله ظاهر قوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (١) اى عند كل صلاة فتأمل. واما دليل استحباب الثلاثة للمرئة فالخبر (٢) مع بعض ما مر.

والظاهر استحباب ستر القدمين لها ، للخروج عن عدم التصريح في الأدلة بذلك ، سيما بطنيهما ، حتى تخرج عن عدم التصريح في أكثر العبارات باستثنائهما ، فظني انه ترك للظهور ، والطريق الاولى ، لكن ، ما نقل عن الشيخ وأبي الصلاح في المختلف ، (٣) يدل على عدم الاستثناء غير الوجه ، فاستحباب سترهما للخروج عن خلافهما أيضا.

وظاهران مراد المصنف بالدرع هنا غير القميص ، وان المراد به الإزار والملحفة كما ورد في الخبر (٤) ولعل التغيير للإشارة الى عدم اشتراط ما وقع في الخبر ، بل المراد ستر البدن بثوبين كما هو المتعارف ، ولو بمثل القميص والجبة ، وستر الرأس بخمار ، ولا يبعد أفضلية اختيار ما في الخبر ، بل تغطية الرأس بالإزار أيضا كما هو المتعارف ، وقد مر في الخبر ، ليكون عليه (عليها ـ ظ) أيضا ثوبان.

وقال الشارح : والأفضل منه التسرول ، وأكمل منه اضافة الرداء ، وأتم الجميع التحنك أيضا.

ويفهم منه استحباب الرداء ، وما رأيت ما يدل عليه ، بل ما فهمت

__________________

(١) سورة الأعراف : (٣١)

(٢) الوسائل باب ٢٨ من أبواب لباس المصلى فراجع

(٣) قال في المختلف : قال الشيخ في الاقتصاد : واما المرأة الحرة فإن جميعها عورة يجب عليها ستره في الصلاة ولا تكشف غير الوجه فقط الى ان قال : وقال أبو الصلاح : المرأة كلها عورة وأقل ما يجزى الحرة البالغة درع سابغ الى القدمين وخمار انتهى.

(٤) الوسائل باب ٢٨ من أبواب لباس المصلى حديث ـ ٨ ـ

١٠٨

(المطلب الثاني في المكان)

يجوز الصلاة في كل مكان مملوك أو في حكمه كالمأذون فيه صريحا ، أو فحوى ، أو بشاهد الحال : ولو كان محبوسا أو جاهلا ، لا ناسيا جاز.

______________________________________________________

إلا للإمام ، فتأمل ، لعلهم فهموا من بعض الاخبار ، مثل ما يدل على وضع شي‌ء على العاتق إذا كان عاريا ، ولو بمثل التكة ، فتأمل ، قد مر مع عدم دليل صريح في استحباب التحنك أيضا الا انه مشهور بل لم يظهر خلافه.

قوله «(يجوز الصلاة في كل مكان إلخ)» الظاهران المراد بالمكان : هو المكان العرفي عاما ، أو عرفهم الخاص لو كان ، كما يفهم من تعريف ولد المصنف فخر المحققين : انه ما يستقر عليه المصلى ولو بوسائط ، وما يلاقي بدنه وثيابه ، وما يتخلل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة ، كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره. والتعريف ظاهر في كونه حقيقة ، فيكون لفظا مشتركا بينه وبين ما عرف به في اشتراط الطهارة ، ولا يرد على من قال بالاشتراك ـ مثل المحقق : ان الاشتراك خلاف الأصل فلا يصار اليه الا لضرورة ، وهنا لا ضرورة :

لإمكان المجاز ـ لأنه أيضا خلاف الأصل ، مع انه إذا ثبت يجب القول به ، نعم إذا أمكن هو والمجاز ، وقلنا المجاز اولى ، كان الاولى ارتكابه دونه.

واعلم انه ادخل الضمني في الصريح : وان الضمني والفحوى وشاهد الحال ، موقوف على عدم ظهور قرينة دالة على الكراهة ، فلو علم الضيف بكراهة المضيف صلاته ، من حيث اختلافه له في المذهب والاعتقاد مثلا ، لم يصح صلاته ، كذا ذكره الشارح. بل يمكن مثله في الصريح أيضا ، بأن يقول صل ، ولكن معلوم انه يكره ذلك ، ويقول ذلك للخوف والتقية وغير ذلك.

والحاصل ان هذه الأشياء مفيدة للإباحة مع عدم ظهور ما يدل على المنع ، دلالة أقوى أو مساو لها.

لعل الحكمة فيه التوسعة ، لئلا يشكل على الناس الطهارة والصلاة في

١٠٩

وتبطل في المغصوب مع علم الغصبية وان جهل الحكم ، ولو كان محبوسا أو جاهلا لا ناسيا جاز.

______________________________________________________

الصحاري : مع ظهور ما يدل على الجواز من العقل ، بأنه يحصل النفع للصاحب من غير ضرر ، فلا يحتاج الى كون المالك الان بحيث يجوز إذنه ، لأنه حصل الاذن في أمثاله لما مر.

فلو كان مال الطفل ، يمكن الجواز لذلك ، ولقوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١).

ولا يحتاج ان يقول له ، من له الاذن ، ولو كان الحاكم ، مع انه قد لا يكون ، وعلى تقديره ليس له مثل ذلك. لان تصرفه لا بد وان يكون مع المصلحة على ما قيل ، فإذا فرضنا ذلك يكفى ذلك.

بل انا لا استبعد ذلك كله في المكان المغصوب مع الشرائط وتخصيص المنع بالغاصب ، بل الجواز له أيضا مع العلم وقد مر إليه الإشارة.

واعلم أيضا ان سبب بطلان الصلاة في الدار المغصوبة مثلا ، هو النهي عن الصلاة فيها ، المستفاد من عدم جواز التصرف في مال الغير ، وان النهي مفسد للعبادة ، فلا تبطل صلاة المضطر ، ولا الناسي ، بل ولا الجاهل. لعدم النهي حين الفعل ، ولان الناس في سعة ما لا يعلمون (٢) وان كان في الواقع مقصر أو معاقبا بالتقصير.

ولعل قول المصنف (وان جهل الحكم) المراد به عدم علمه بالبطلان ، لا بالتحريم ، وان كان ظاهر كلامه غير ذلك ، وفهم من غير هذا المحل أيضا ، فلو فرض اباحة مقدار ما يصح وضع الأعضاء عليه حال الصلاة من المكان ، والباقي مغصوبا ، لصحت الصلاة عند من لا يرى البطلان لحق الآدمي ، في وسعة الوقت ، وإذا تحققت ان سبب بطلانها حينئذ هو لزوم اتحاد المأمور به والمنهي عنه تحققت أيضا عدم بطلان عبادة ما لم تتحدا ، وما لم يكن التصرف في المكان نفسه عبادة ومأمورا مثل الصوم (ولو كان عبارة عن التوطين) في مكان مغصوب : وكذا الزكاة

__________________

(١) سورة الانعام : (١٥٢) وسورة الإسراء : (٣٤).

(٢) جامع احاديث الشيعة باب (٨) الشبهة الوجوبية والتحريمية في المقدمة حديث ـ ٦ ـ

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والخمس والكفارات وقراءة القرآن وغيرها مما ليس الكون عبادة فيه بحيث تبطل ببطلان أصله. نعم يلزم بطلان الأخذ والإعطاء والكيل والوزن والتسليم في ذلك المكان لو كان عبادة ، وعد ذلك تصرفا في ملك الغير مجردا عن القيام والاستقرار في ملك الغير وعدم الثواب عليه.

والظاهر ان بطلانه لا يستلزم بطلان أدائها ، لأن الظاهر ان ذلك ليس بشرط ولا جزء إذ المقصود إيصال ذلك الى المستحق متقربا ، وليس ذلك الا مثل كون الحنطة في الظرف المغصوب وتخليصها من التبن على طريق الغصب ، والميزان المغصوب ، ولو قيل بالشرطية أو الجزئية لأثر في البطلان.

واما الصوم وقراءة القرآن فلا وجه للبطلان فيه أصلا ، ولا ثمرة لما قيل : ان المكان لا بد لهذه الأمور ، والأمر بها يستلزم الأمر به فيجتمع الأمر والنهي فيبطل ، إذ قد لا يسلّم ذلك ، فان ذلك من ضروريات الجسم ، ولو سلم ، يلزم بطلان ذلك الأمر ، أي التصرف الخاص ، وغير معلوم كونه شرطا التمام تلك العبادة ، فتبطل. فلا تبطل ، فتأمل فيه.

واما الطهارة في المغصوب : فان قلنا ان اجراء الماء على العضو مثلا تصرف في ملك الغير ـ حيث وقع في فضاء الغير ، أو انه متصل بالعضو الذي على المكان ، فإجراء الماء عليه مستلزم لتصرف ما ، في المكان : لكنه بعيد ـ فلا يصح ، والا صحت.

وكأنه الى هذا ناظر قول المصنف في المنتهى ، حيث قال : ببطلان الصلاة في المكان المغصوب بخلاف الطهارة. ولكن فرق أيضا بينها وبين ترك إنقاذ الحريق والغريق ، حيث حكم ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة ، وصحتها حين ترك الإنقاذ ، وذلك غير جيد. الا ان يقال صلاته غير منهية حينئذ ، بل كلاهما واجبان الا ان أحدهما آكد ، هكذا حقق المصنف. والظاهر حينئذ تحريم الصلاة وبطلان وجوبها ، فتصير نهيا محضا ، فان إنقاذ مثل النبي ص مقدم.

ويمكن مجي‌ء بطلان الوضوء : من جهة انه مأمور بالخروج عن المكان

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الغصبى ، فاشتغل به عن ذلك فصار حراما فيبطل. وهذا انما يتم لو فرض مانعيته فيه ، من حيث هو ، عن الخروج عن المكان الغصبى حتى يحصل المنافاة.

ويمكن ان يقال : لا شك انه مأمور بالوضوء في المكان المباح ، إذ الشارع لا يجوّز الوضوء في المكان الغصبى ، وهو ظاهر ، والمفهوم عرفا ولغة من مثل هذا الكلام عدم الرضا بالوضوء في المكان الغصبى وبطلانه فيه وعدم قبوله منه في ذلك المكان ، فتأمل. ولانه لم يأت بالمأمور به عرفا وعلى حسب تعارف العامة كما هو الظاهر ، انه المعتبر في خطاب الشرع ، لا الأمور الدقيقة التي لا يدركها الا الحذاق مع اعمال الحذق التام والفكر العميق.

نعم العقل يجوّز الصحة لو صرح بأنه لو فعلت في المكان الغصبى بعد نهيك عنه ، لصح ، وعوقبت بما فعلت من مخالفة الأمر في الجملة.

ولمثله يمكن القول بالبطلان في كثير من العبادات ، بل بعض المعاملات والمناكحات وغيرها أيضا ، حتى بالبطلان في البيع يوم الجمعة وقت تحريمه ، بل ببطلان النكاح في المكان على تقدير تحريمه ما لم يفهم من دليل ، صحته. وتحقيق ذلك كله في التعليقات على العضدي. ولعل نظر المتقدمين الى هذا حيث حكموا ببطلان البعض ، والطهارة في المكان المغصوب كما هو المشهور الان أيضا بين المتأخرين قبل حدوث هذا التحقيق والتدقيق.

ثم اعلم ان الشارح (١) حكم هنا ببطلان الوضوء وأداء الزكاة والخمس والكفارة ، بل الصوم في الجملة بمجرد أن المكان من ضرورياته ، نقلا عن الشهيد ، مع ما عرفت هنا وفيما مر من اعتراضه على بطلان العبادة بالنهي وليس له سبب الا ذلك ، ونقل القطع عن المصنف بالبطلان في ذلك كله ، ولعله نظر الى ما صورناه أخيرا لما عرفت ، والله يعلم.

__________________

(١) قال في روض الجنان : وكما تبطل الصلاة فيه فكذا ما أشبهها من الأفعال التي من ضرورتها المكان ، وان لم يشترط فيها الاستقرار كالطهارة وأداء الزكاة والخمس والكفارة وقراءة القرآن المنذور ، واما الصوم في المكان المغصوب فقطع الفاصل بجوازه ، لعدم كونه فعلا لا مدخل للكون ، فيه ، ويمكن مجي‌ء الاشكال فيه اعتبار النية فإنها فعل فيتوقف على المكان كالقراءة انتهى.

١١٢

ولو امره بالخروج من المأذون ، وقد اشتغل بالصلاة تممها خارجا. وكذا لو ضاق الوقت ، ثم امره قبل الاشتغال.

______________________________________________________

قوله : «(ولو امره بالخروج إلخ)» أظهر الاحتمالات ، القطع والصلاة خارجا مع السعة مطلقا ، والّا فالصلاة خارجا ، بحيث لم يمنع من الخروج الواجب ، للجمع بين الحقين. ولا يبعد حينئذ عدم الالتفات وإتمام الصلاة ، لو كان الاذن صريحا ، سيما إذا كان هو السبب في كونه في ملكه. وحينئذ يمكن في الضمني أيضا ، وعدم لزوم شي‌ء على المالك على تقدير الاذن الصريح إذ له ان يرجع ، للاستصحاب. وللناس مسلطون على أموالهم (١) وعدم التصرف في مال الغير إلا باذنه. واللزوم في بعض الافراد ، لدليل : مثل اللزوم بإذنه في الرهن والدفن ، وكأنه الراهن والدافن ، فلا يجوز له الإخراج. بخلاف الاذن في الصلاة فإنه لا يضره المنع ، ولا يلزم محذور. إذ لا يفعل هو حراما ، ولا يأمر بالحرام. لأنه مع عدم اذنه ، القطع واجب ، لا حرام.

وما يفهم من ظاهر عبارة المصنف ، ففيه فوت كثير من أركان الصلاة مع إمكان عدمه.

وما قيل : من عدم الالتفات أيضا ، فهو أبعد منه.

واما ما اختاره الشارح ـ من الإتمام على تقدير الاذن صريحا ، قياسا على الرهن والدفن ـ ففيه ما مر ، ولا يخفى : وعلى تقدير الثاني ، فالصلاة خارجا مع الضيق ، وفي الخارج مع السعة : لأن في قوله (كن) لا دلالة على الصلاة بإحدى الدلالات الثلاث ، والثاني أضعف. ففيه ، انه كيف كان يصلى؟. فالأولى في التعليل في الأخير ما مرّ ، فتأمل ، وهو الوجه في الصلاة خارجا مع الضيق ، والأمر بالخروج قبل الشروع (٢).

__________________

(١) رواه في العوالي في أخر المسلك الثالث.

(٢) ملخص ما افاده قدس سره مستفاد من روض الجنان ، فإنه بعد ان ذكر في المسئلة وجوها أربعة ، قال : رابعها ، الفرق بين ما لو كان الاذن في الصلاة ، أو في الكون المطلق ، أو بشاهد الحال ، أو الفحوى : فيتمها في الأول مطلقا ، ويخرج في الباقي مصليا مع الضيق ، ويقطعها مع السعة : وهذا هو الأجود. ووجهه في الأول ، ان اذن المالك في الأمر اللازم شرعا ، يفضى الى اللزوم ، فلا يجوز له الرجوع بعد التحرم ، كما لو اذن في دفن الميت في أرضه ، واذن في رهن ماله على دين الغير ، فإنه لا يجوز له الرجوع بعدهما.

١١٣

ويجوز في النجس مع عدم التعدي

______________________________________________________

قوله : «(ويجوز في النجس إلخ)» دليل عدم اشتراط طهارة المكان عن النجاسات الغير المتعدية ، والمتعدية المعفو عنها غير موضوع السجود. الأصل ، والأوامر المطلقة ، مؤيدا بخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الشاذكونة (١) (وهي حصير صغير) يكون عليها الجنابة ، ا يصلى عليها في المحمل؟ فقال : لا بأس (٢) وهي محمولة على اليبوسة ، للإجماع على عدم الجواز مع الرطوبة. وان كان في السند في الاستبصار ، على بن حكم المشترك (٣) ، الا ان الظاهر انه الثقة بقرينة كثرة نقل احمد بن محمد عنه ، وتسمية مثله صحيحا ، وابان بن عثمان ، وهو أيضا ثقة ولا يضر القول : بأنه ناوسى ، لعدم الثبوت ، ولأنه قيل : ممن أجمعت عنه ، وهو مقبول عند المصنف ، وكثيرا ما يسمى الخبر الواقع هو فيه بالصحيح.

وبخبر محمد بن ابى عمير ، قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أصلي على الشاذكونة ، وقد أصابتها الجنابة؟ فقال : لا بأس (٤) وان كان في السند

__________________

وفي البواقي ان الاذن في الاستقرار ، لا يدل على إكمال الصلاة بإحدى الدلالات فإنه أعم من الصلاة ، والعام لا يدل على الخاص. ولزوم العارية انما يكون بسبب من المالك والشروع في الصلاة ليس من فعله والفحوى : وشاهد الحال ، أضعف من الاذن المطلق. واما القطع مع السعة ، فلاستلزام التشاغل بها فوات كثير من أركانها ، مع القدرة على الإتيان بها على الوجه الأكمل ، بخلاف ما لو ضاق الوقت ، فإنه يخرج مصليا مؤميا للركوع والسجود بحيث لا يتثاقل في الخروج ، عن المعتاد ، مستقبلا ما أمكن ، قاصدا أقرب الطرق ، تخلصا من حق الآدمي المضيق بحسب الإمكان ، انتهى محل الحاجة.

(١) الشاذكونة بفتح الذال المعجمة ثياب غلاظ تعمل باليمن والى بيعها نسب الحافظ أبو أيوب الشاذكوني ، لأنه كان يبيعها : وقيل : هي حصير صغير تتخذ للافتراش.

(٢) الوسائل باب ٣٠ من أبواب النجاسات ، حديث ـ ٣ ـ

(٣) سنده في الاستبصار هكذا (احمد بن محمد ، عن على بن حكم ، عن ابان بن عثمان ، عن زرارة).

(٤) سنده في التهذيب هكذا (أخبرني الشيخ أيده الله ، عن احمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن احمد بن محمد ، عن صالح ، عن السكوني ، عن محمد بن أبي عمير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام.

وفي الاستبصار هكذا (احمد بن محمد ، عن العباس بن معروف ، عن صفوان ، عن صالح النيلي عن محمد بن ابى عمير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام).

ويمكن ان يكون المراد من قول الشارح (وفيه اشتباه أخر) غرابة السند الأول ، أو استبعاد نقل محمد

١١٤

ويشترط طهارة موضع الجبهة دون باقي مساقط الأعضاء.

______________________________________________________

محمد بن صالح النيلي ، وهو مجهول : وفيه اشتباه أخر.

وهما مؤيدان بالشهرة ، ولا يضر كون السؤال عن الصلاة في المحمل في الأول.

لأن النجاسة تضر دائما إلا في الموضع المستثنى ، وليس المحمل منه.

وعدم التفصيل أيضا يدل على التعميم.

ولا تعارضهما موثقة عبد الله بن بكير (الفطحي الثقة) قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام. عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام ، ا يصلى عليها؟ فقال : لا (١) لوجود عبد الله : مع الندرة : وعدم الصراحة بالنجاسة واليبوسة : فقد يكون المراد احتلام الرجل عليها مع رطوبة المني : مع إمكان حمله على الكراهة ، للجمع.

فقول أبي الصلاح ـ باشتراط طهارة جميع المساقط : وقول السيد بجميع مساقط البدن على ما نقل ـ غير ظاهر الدليل ، حتى يظهر. وفي صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام أيضا دلالة عليه ، حيث قال : وسألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير ان تغسل؟ قال : نعم ، لا بأس (٢).

واما دليل اشتراط خلوه عن المتعدية الغير المعفو ، وخلو موضع الجبهة المعتبر لصحة الصلاة عليها مطلقا. وهو ما يصدق ، لا الدرهم : فهو الإجماع ، وبعض الاخبار (٣)

__________________

بن أبي عمير عن الصادق عليه السلام ، مع عدم إدراكه ع كما يستفاد من تنقيح المقال ج ٢ صفحة ٦١ فراجع ولكن الوسائل نقل الحديث في موضعين : أحدهما في باب ٣٠ من أبواب النجاسات حديث ـ ٤ ـ عن صالح النيلي : وثانيهما في باب ٣٨ من أبواب مكان المصلى حديث ـ ٤ ـ عن صالح السكوني ، فلاحظ ، وعلى كل تقدير ، فما في المتن من (محمد بن صالح النيلي) غير صحيح ، فلعله اشتباه من النساخ ، وان كان في جميع النسخ المطبوعة والمخطوطة هكذا.

(١) الوسائل باب ٣٠ من أبواب النجاسات ، حديث ـ ٦.

(٢) الوسائل باب (٢٩) من أبواب النجاسات حديث ـ ٣ ـ

(٣) الوسائل باب (٣٠) من أبواب النجاسات ، فراجع.

١١٥

وكذا يشترط وقوع الجبهة في السجود على الأرض أو ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس.

______________________________________________________

وكذا دليل اشتراط كون موضع الجبهة : بالمعنى المذكور : الأرض ، أو ما أنبته من النبات الذي لا يؤكل عادة كالثمار ، ولا يلبس كالقطن. هو الإجماع على ما نقل ، مع الاخبار الكثيرة : منها صحيحة حماد بن عثمان (الثقة ، في الفقيه وفي التهذيب أيضا ، لكن صحة طريقه اليه غير واضح) عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال : السجود على ما أنبتت الأرض الا ما أكل أو لبس (١) وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له اسجد على الزفت؟ يعنى القير ، فقال : لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ولا على شي‌ء من الرياش (٢) وصحيحة الفضيل بن يسار وبريد بن معاوية جميعا عن أحدهما عليهما السلام قال : لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض ، فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه (٣) وحسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود ، فإنما سقط من ذلك الى (على كا) الأرض أجزأك مقدار الدرهم ، أو مقدار طرف الأنملة (٤) وصحيحة زرارة في الفقيه عنه عليه السلام انه قال : ما بين قصاص الشعر الى طرف الأنف مسجد ، فما أصاب الأرض منه فقد أجزأك (٥) لانه روى ذلك أولا عن سماعة (٦) عن أبي عبد الله عليه السلام ، ثم قال : وروى زرارة عنه مثل ذلك ، وطريقه اليه صحيح ، وصحيحة على بن يقطين في الفقيه والتهذيب ، قال سألت أبا الحسن الماضي) عليه السلام عن الرجل يسجد على المسح والبساط؟ قال : لا بأس إذا كان في حال التقية ، ولا بأس بالسجود

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ٢ ـ

(٢) الوسائل باب (٢) من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ١ ـ

(٣) الوسائل باب (١) من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ٥ ـ

(٤) الوسائل باب (٩) من أبواب السجود حديث ـ ٥ ـ

(٥) الوسائل باب (٩) من أبواب السجود حديث ـ ٤ ـ

(٦) بل عن (عمار الساباطي) كما في الفقيه.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

على الثياب في حال التقية (١) وصحيحة زرارة (فيهما) عن أحدهما عليهما السلام انه قال : قلت له : الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟ فقال : إذا مس شي‌ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد اجزء عنه (٢).

والاخبار في ذلك كثيرة ، وفيها كفاية (٣).

وفيها أيضا دلالة ظاهرة على عدم اشتراط مقدار الدرهم في الجبهة كما نقل عن ابن بابويه : على ان كتابه خال عنه ، مع نقل هذه الاخبار فيه ، مع صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، قال سألته : إلى قوله : فاسجدوا على المروحة وعلى السواك وعلى عود (٤) ، وفي الاخبار الكثيرة دلالة عليه ، تركت ذكرها لكفاية ذلك ، وجمعت أكثرها في رسالة على حده. مع الأصل ، والشهرة ، والأوامر المطلقة. فحمل الدرهم ، على الأفضل ، لو كان ، بل كلامه أيضا ، لأن كثيرا ما يقول الوجوب ، والظاهر ان مراده شدة الاستحباب.

وفي القير : اختلفت الرواية ، فنقل في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار انه سال أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة على القار؟ فقال : لا بأس به (٥) وعن معلى بن خنيس عنه عليه السلام عن الصلاة على القفر (٦) والقير؟ فقال : لا بأس به (٧) وهذه نقلها الشيخ أيضا عن معاوية بن عمار حيث سال المعلى وهو حاضر. ولكنها غير صحيحة على التقديرين. وذكر في الكافي والاستبصار عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : لا تسجد على القير (ولا على القفر ـ صا) ولا

__________________

(١) الوسائل باب (٣) من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ١ ـ ٢ ـ

(٢) الوسائل باب (١٤) من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ٢ ـ

(٣) وسيأتي تتمة البحث في بيان المراد من الأكل واللبس عند قول الماتن قدس سره (ويجتنب المشتبه بالنجس إلخ).

(٤) الوسائل باب (١٥) من أبواب ما يسجد عليه قطعة من حديث ـ ١ ـ ٢.

(٥) الوسائل باب (٦) من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ٥.

(٦) القفر بالفتح ، شي‌ء يشبه بالقير ، قاموس.

(٧) الوسائل باب (٦) من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ٤ ـ لكن متن الحديث في التهذيب هكذا (سأل المعلى بن خنيس أبا عبد الله عليه السلام وانا عنده عن السجود على القفر والقير إلخ).

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

على الصاروج (١).

وليس في سندها من لم يصرح بالتوثيق غير على بن إسماعيل (٢) : والظاهر انه الذي ذكره في الخلاصة ، وقال : انه خير فاضل ، وما ذكر غيره وكذا ذكره في رجال ابن داود ، آخر ، وليس هذا ذاك ، لانه من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كما قاله الشيخ في فهرسته : وحمل الشيخ الاولى على التقية والضرورة ، واستحسنه المصنف في المنتهى : ويمكن ان يقال هذه مؤيدة بالشهرة ، بل القائل بغيرها غير معلوم و (٣) : بصحيحة زرارة المتقدمة : وبعموم الأخبار الكثيرة الصحيحة : في عدم الجواز على غير الأرض ونباتها ، ولا شك انه خرج عنها ، ولا يسمى بها كالذهب والفضة وسائر المعادن.

على انه لا صراحة في الأولتين على جواز السجدة على القير كما ترى (٤) : وأيضا قد يكون (القار) الواقع في صحيحة معاوية غير القير من الأشياء السود ، فلولا ذلك كله لكان القول بالجواز اولى ، وحمل ما يدل على النفي على الكراهة.

وكذا اختلفت الرواية في القطن والكتان. ولكن دلت على العدم ما مر في عمومات الاخبار ، من استثناء ما أكل ولبس ، ومعلوم أنهما أعظم الملبوسات. وأيضا استثنائهما بخصوصهما في رواية أبي الفضل (٥) وما في صحيحة زرارة من عدم الجواز على العمامة (٦) وفي حسنته أيضا ولا على الكرسف (٧).

__________________

(١) الوسائل باب ٦ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث ـ ١.

(٢) سند الحديث كما في التهذيب والاستبصار هكذا (احمد بن محمد ، عن على بن إسماعيل ، عن محمد بن عمر بن سعيد ، عن ابى الحسن الرضا عليه السلام).

(٣) عطف على قوله قدس سره (بالشهرة).

(٤) لأن مورد السؤال في الحديث ، هو الصلاة على القير ، لا السجود عليه ، لكن تقدم آنفا عن التهذيب ، من ان مورده ، هو السجود على القير.

(٥) الوسائل باب ١ من أبواب ما يسجد عليه ، حديث ـ ٦ ـ والصحيح (عن ابى العباس ، الفضل بن عبد الملك) فراجع.

(٦) الوسائل باب ١٤ من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ٢.

(٧) الوسائل باب ٢ من أبواب ما يسجد عليه قطعة من حديث ـ ١.

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وذكر الشيخ أخبارا دالة على الجواز على القطن والكتان والثوب ، وليس فيها واحد نقى. وحمل البعض على التقية لما مر في صحيحة على (١) والبعض على الضرورة لخبر منصور بن حازم (٢) والشهرة مؤيدة.

فمذهب السيد بالجواز بعيد ، مع ان له مذهبا آخر موافقا للشهرة ، فهما جيدان.

ووقع الاختلاف فيها أيضا في نفخ موضع السجود (٣) ومسح التراب عن الجبهة في الصلاة (٤) والجمع بالكراهة والجواز أحسن.

وكذا يندفع اختلاف الاخبار ـ في وضع الأنف على ما يصح السجود عليه ـ بالحمل على الاستحباب ، لصحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين من الرجلين. وترغم بأنفك إرغاما : أما الفرض فهذه السبعة ، واما الإرغام بالأنف فسنة من النبي (ص) (٥) وفي الاخبار المتقدمة أيضا دلالة عليه : حيث وقع الاكتفاء في السجود بجزء ما بين القصاص والحاجب ، ومثل قوله عليه السلام : وليس على الأنف سجدة (٦) وان الجبهة إلى الأنف ، أي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك والسجود عليه كله أفضل (٧) : فحمل ما يدل على وضع الأنف أيضا ، على الاستحباب لما مر. ويحتمل ان يكون ذلك أيضا مراد السيد ، الله يعلم.

فعلم بما سبق : ان وضع الجبهة كلها مع الأنف ـ بوضع طرف الأعلى ، على ما نقل عن السيد ـ اولى : ثم دونه الجبهة ، ودونه مقدار الدرهم.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ١ ـ ٢.

(٢) الوسائل باب ٤ من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ٧.

(٣) الوسائل باب ٧ من أبواب السجود ، فراجع.

(٤) الوسائل باب ١٨ من أبواب السجود ، فراجع.

(٥) الوسائل باب ٤ من أبواب السجود حديث ـ ٢.

(٦) الوسائل باب ٤ من أبواب السجود حديث ـ ١ ـ وفيه (السجود) بدل سجدة.

(٧) الوسائل باب ٩ من أبواب السجود حديث ـ ٣.

١١٩

ولا يصح السجود على الصوف والشعر والوبر والجلد والمستحيل من الأرض إذا لم يصدق عليه اسمها كالمعادن.

والوحل

فان اضطر أومأ.

______________________________________________________

واعلم : ان في باب زيادات التهذيب حديثا صحيحا عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن المرأة تطول قصتها ، فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض ، وبعض يغطيها الشعر ، هل يجوز ذلك؟ قال : لا حتى تضع جبهتها على الأرض (١) : فلو كان به قائل لأمكن القول بالوجوب لها. وحمل ما سبق على الرجال ، ولكن الظاهر أنه لا قائل بالوجوب وبالفرق ، فتحمل على الاستحباب ، ويكون لها آكد واولى.

واما الدليل على عدم الجواز على المستحيل من الأرض ، فقد مر ما يكفى : ويؤيده الشهرة ، بل ما يعرف الخلاف فيه. وصحيحة محمد بن الحسين (كأنه ابن أبي الخطاب الثقة) : ان بعض أصحابنا كتب الى أبي الحسن الماضي عليه ـ السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج؟ قال : فلما نفذ كتابي إليه تفكرت فقلت هو مما أنبتت الأرض ، وما كان لي ان أسأل عنه قال : فكتب اليه : لا تصل على الزجاج ، وان حدثتك نفسك انه مما أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان (٢) اى خرجا عن الأرضية ، فكذلك كل ما خرج عنها ، وهو ظاهر.

واما عدم جواز الصلاة على الوحل ، فوجهه عدم الاستقرار ، مع رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال : إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض (٣).

فلو اضطر أومأ ولرواية عمار أيضا عنه عليه السلام فإذا رفع رأسه ، من

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ٥.

(٢) الوسائل باب ١٢ من أبواب ما يسجد عليه حديث ـ ١.

(٣) الوسائل باب ١٥ من أبواب مكان المصلى حديث ـ ٩.

١٢٠