مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

ولا مع الزيادة على السورة.

______________________________________________________

تحقق الركوع والسجود ، فلا ركن غيرهما ، فالنية والتكبيرة ليستا بركنين ، لكن في الثاني اخبار وقد مرت. والخلاف أيضا غير ظاهر ، بل الظاهر انه إجماعي.

وأيضا يدل على المطلوب مضمرة سماعة قال : سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب؟ قال : فليقل ، أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم ، ثم ليقرأها ما دام لم يركع ، فإنه لا صلاة له حتى يبدأ بها في جهرا وأخفاه فإنه إذا ركع أجزأه ان شاء الله (١) وفيه دلالة على استحباب التعوذ المذكور : وانه بعد الركوع لا بأس بعدم القراءة ، وقبله يقرء ، ويمكن فهم عدم تعين الجهر والإخفات ، فتأمل.

واما دليل عدم الاجزاء مع الزيادة على سورة غير الفاتحة : فكأنه النهي الوارد في مثل ما مر في الاخبار من قوله عليه السلام (ولا بأكثر (٢)) وقوله عليه السلام (لا ، لكل سورة ركعة) (٣) وغيرهما من الاخبار : وانها ليست بمنقولة ولا موجودة في البيانية وفعلهم عليهم السلام دائما كان على الترك.

وفي غير الخبرين الأولين دخل واضح : وهما محمولان على الكراهة ، فإن المراد من قوله (ولا بأكثر) انه يكره ذلك ، أو على قصد الوجوب والوظيفة : وكذا (لكل سورة ركعة) والعمدة في الجواز : الأصل ، وكونه قرآنا ، وصحيحة على بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن القرآن بين السورتين في المكتوبة والنافلة؟ قال : لا بأس (٤) وموثقة زرارة لعبد الله بن بكير. المنقول فيه الإجماع على تصحيح ما صح عنه. قال قال : أبو جعفر عليه السلام انما يكره ان يجمع بين السورتين في الفريضة ، فاما النافلة فلا بأس (٥) وهذه المسئلة واضح

__________________

(١) الوسائل باب ٢٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٢.

(٢) الوسائل باب ٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٢ ـ ولفظ الحديث (عن منصور بن حازم قال : قال أبو عبد الله عليه السلام لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر).

(٣) الوسائل باب ٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٣ ـ وفي باب ٨ من ابوابنا حديث ـ ١ ـ فراجع.

(٤) الوسائل باب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٩.

(٥) الوسائل باب ٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٢.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

عند عقولنا ، ولكن وقف فيه المصنف في المنتهى ، وجزم هنا بالتحريم : وكان كثرة التقوى والاحتياط دعته الى ذلك قدس الله روحه وأفاض علينا من بعض فضله.

وأيضا انه لما أوجب السورة بهاتين الروايتين ، فإذا حملتا على الكراهة ، لم يبق لوجوب السورة دليل : ويمكن ان يقال : ليس الدليل منحصرا فيهما كما عرفت : مع ان المصنف ما صرح بصحة الاولى ، كأنه لوجود محمد بن عبد الحميد ، وتوثيقه غير ظاهر ، لاحتمال رجوع التوثيق إلى أبيه المصرح بتوثيقه. (١)

وانه قد تحمل بالنسبة إلى قوله عليه السلام (ولا بأكثر) على الكراهة ، لوجود المعارض الصحيح الصريح : وغاية ما يلزم حمل النهي على الأعم ، وهو المرجوحية ، وتعين فرد منه بمعنى الكراهة لقرينة ، وغيره بمعنى التحريم لتلك : أو لحذف فعل أخر لقوله (ولا بأكثر) وبعطف الجملة على الجملة يكون الاولى للتحريم والثانية للكراهة ، لقرينة : على انه قد يكون معناها التحريم مطلقا ، ولا ينافي كراهة القرآن ، لانه يكون معناه بقصد الوظيفة والاستحباب.

وكذا الثانية : وقد نقل المحقق الثاني عدم الخلاف في التحريم حينئذ ، مع ان الثانية مع حمل قوله (لا) على الكراهة ، يبقى (ينفى خ ل) الحجية في قوله (لكل سورة ركعة) على ان مثل هذا لا يوجب ذلك ، لانه لو كان النهي للكراهة بدليل ، ولا دليل سواه على وجوب السورة ، يجب القول بعدم الوجوب كما نقل عن المعتبر.

ثم اعلم ان المحقق الثاني والشهيد الثاني عمما القرآن المبحوث عنه ، بحيث يشمل زيادة كلمة اخرى على السورة الواحدة ، ولو كانت من تلك السورة ، أو الفاتحة ، وأخرجا عن البحث ما هو لغرض صحيح ، مثل إصلاح ، بل أخرج الأول ما هو لإكمال ، أيضا. وأيضا قال : لا خلاف في التحريم ، بل البطلان مع قصد المشروعية والاستحباب ووظيفة القراءة ، وفيه تأمل ، إذ أكثر الأدلة وأقواها يفيد

__________________

(١) تقدم نقل عبارة النجاشي في ذلك.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

سورة أخرى : ولأنه إذا كان ذلك مما لا نزاع فيه ـ ومعلوم أيضا جواز قراءة القرآن عندهم مطلقا في الصلاة إلا بين الفاتحة وبين السورة بحيث يخل بترتيبهما ـ فما بقي محل للنزاع ، الا ان يستثنى ما بينهما بقصد القرآن ، من الجائز ويخص القرآن به ، أو يقيد المتنازع فيه بقصد القرآن ويستثنى ذلك من الجائز أيضا ، وبغير ذلك من الاعتبارات.

ولكن ما أجد شيئا يطمئن إليه القلب : وان أمكن مثل هذه الاعتبارات ، فاما ان يخص القرآن المتنازع فيه بالسورة الكاملة في محل القراءة كما هو ظاهر بعض الأدلة وكلام الجماعة ، ويخص الجواز بغيرها ، أو يكون النزاع بينهم في الجواز وعدمه بحيث يكون معدودة من القراءة المعتبرة في الصلاة ، أو مجرد الجواز وعدمه في هذه الحالة ، ويكون الجواز في غيرها من الأحوال مثل الركوع والسجود وما بينهما والقنوت وسائر الحالات.

وكأن في قوله رحمه الله هنا عدم الاجزاء مع كذا وكذا وعدم التصريح ببطلان الصلاة والتحريم ، إشارة إلى انه قد يجوز ، وتصح بالإعادة ، فلا يستلزم البطلان على ما أشرنا إلى البعض ، ويستخرج الباقي بالتأمل.

واعلم ان نقل الإجماع من المحقق الثاني مؤيد لحمل قوله عليه السلام (ولا بأكثر) على التحريم ووظيفة الصلاة ، بل الظاهر والتبادر هنا من النهي ذلك : لان الغرض بيان أفعال الصلاة ووظائفها ، ومعلوم ان ليس المراد نهى قراءة القرآن في الصلاة ، فإنهم يجوّزونها مطلقا ، ولغرض آخر ، مثل (ادخلوها بسلام) للاذن بالدخول ، ويدل عليه الروايات (١) وكلامهم ، فلا يكون المراد من النهي هنا ذلك المجوز ، ولا ما يكون هو داخلا فيه بالإجماع والظاهر والقرائن وقد مر إليه الإشارة فيما سبق ، فاضمحل شبهة تضعيف دليل وجوب السورة ، وارتفع استبعاد القول بوجوبها مع القول بكراهة القرآن كما عرفت.

واعلم أيضا ان المصنف تردد في المنتهى في البطلان مع القول بالتحريم ، لانه فعل كثير فيكون حراما : والظاهر من وجه التحريم كونه ملحقا

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الصلاة باب (١١) من أبواب قراءة القرآن ، فلاحظ

٢٢٣

ويجب الجهر في الصبح ، وأولتي المغرب ، وأولتي العشاء ، والإخفات في البواقي

______________________________________________________

بكلام الآدميين ، والتردد في البطلان لأجله ، ولكون قرآنا ، وان كان حراما :

والا وأمر المطلقة ، واستثناء القرآن مطلقا ، وعدم دلالة النهي على التحريم ، والأصل ـ مؤيد للصحة وعدم البطلان.

وان في هذه الاخبار ـ الدالة على كراهة القران ، مع القول بها ـ دلالة على وجود الكراهة في العبادات بمعناها الحقيقي. إذ لا نزاع لأحد في ان الاولى ترك السورة الثانية بمعنى عدم حصول ثواب أصلا بفعله ، بل انما النزاع في الإثم وعدمه ، وسيجي‌ء زيادة تحقيق ذلك.

قوله : «(ويجب الجهر إلخ)» قال في المنتهى أقل الجهر الواجب ان يسمع غيره القريب ، أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعا ، بلا خلاف بين العلماء : والإخفات ان يسمع نفسه ، أو بحيث يسمع لو كان سامعا ، وهو وفاق : ويدل عليه ما رواه سماعة في الكافي ، قال : سألته عن قوله الله عز وجل (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (١)

قال : المخافتة ما دون سمعك ، والجهر ان ترفع صوتك شديدا (٢) ولا دلالة في الآية على الجهر والإخفات على ما ادّعيا : إذ نقل في مجمع البيان وغيره له معان ، الأول : النهي عن إشاعة الصلاة عند من يؤذيك ، ولا تخافت عند من يلتمسها ، الى قوله : ورابعها : لا تجهر جهرا تشتغل به من يصلى قربك ، ولا تخافت حتّى لا تسمع ، نقله عن الجبائي ، وقال : وقريب منه ما رواه أصحابنا عن ابى عبد الله عليه السلام انه قال : الجهر بها رفع الصوت شديدا والمخافتة ما لم يسمع إذنك ، واقرء قراءة وسطا. (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) اى بين الجهر والمخافتة إلخ (٣) قال : في الفقيه ، وليكن ذلك «(اى رفع الصوت في القراءة

__________________

(١) سورة الإسراء : ١١٠.

(٢) الوسائل باب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٢.

(٣) مجمع البيان. الجزء السادس ، سورة بني إسرائيل. ص ـ ٤٤٦.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وسطا ، لان الله عز وجل يقول ، (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) ، (١) الآية. فالاية تدل على عدم الوجوب كما قلنا ، وقريب منه في الكشاف وقال أيضا (٢) : ولا تجهر حتى يسمع المشركون ولا تخافت حتى لا يسمع من خلفك : فيه انه يختص ببعض الصلاة.

وقال أيضا. (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) كلها. ولا تخافت بها كلها ، (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) بان تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار ، ونقل هذا في مجمع البيان أيضا (٣) :

وبالجملة ما نقل كونها في الجهر والإخفات على الوجه المشهور ، وظاهرها دليل عدم الوجوب كما نقل عنه عليه السلام في مجمع البيان ، وأسنده إلى الأصحاب ، ولا يضر الإضمار ، وعدم صحة السند ، لأنه مؤيد.

ويدل على أقل الإخفات أيضا حسنة زرارة (لإبراهيم) عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا يكتب من القراءة والدعاء الا ما اسمع نفسه (٤).

وحمل ما دل على خلافه ، على الصلاة معهم تقية ـ مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته هل يقرء الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال : لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة (٥) وصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن الرجل يصلح له ان يقرء في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير ان يسمع نفسه؟ قال : لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما (٦).

لقول الصادق عليه السلام في حديث مرسل قال يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس (٧).

__________________

(١) الفقيه. باب ٤٥ وصف الصلاة من فاتحتها الى خاتمتها ، قطعة من حديث ـ ١٧

(٢) أي في الكشاف.

(٣) مجمع البيان. ج ٦ سورة بني إسرائيل ص ـ ٤٤٦ نقله عند ثالث الأقوال في معنى الآية.

(٤) الوسائل باب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ١.

(٥) الوسائل باب ٣٥ من أبواب لباس المصلى حديث ـ ٣ ورواه أيضا في باب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٤.

(٦) الوسائل باب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٥.

(٧) الوسائل باب ٥٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٣.

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولولا خوف الإجماع لكان القول ب لمضمون الصحيح اولى ، لبعد الحمل ، مع عدم الضرورة ، والاشعار بالكلية ، مع ان المؤيد ضعيف السند ، ويبعد وصول التقية الى هذه الرتبة فإنه يجوز ان يسمع نفسه لا غير ولا يكون مثل حديث النفس الذي هو محض التصور والتخيل ، الا ان يحمل على ما فوقه : والجمع بين الاخبار ، مع صحة ما يوافق الأصل ، بحمل الأولين على الاستحباب ، جمع حسن : وهذا أيضا مؤيد لعدم وجوب الجهر والإخفات على الوجه المذكور ، فتأمل.

والظاهر انه مع ذلك لا بد من انضمام العرف ، بأن يسمى جهرا أو إخفاتا : وقيل لا بد من ظهور جوهر الحروف وعدمه ، ليتحقق التباين الكلى.

واما دليل وجوبهما على الرجال في موضعهما مطلقا ، للإمام والمنفرد والمؤدى والقاضي ، فهو الشهرة ، ورواية زرارة (قال في المنتهى : رواها الشيخ في الصحيح) عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له رجل جهر فيما لا ينبغي ان يجهر فيه ، واخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه؟ فقال : اى ذلك فعل متعمدا فقد نقص (نقض خ) صلاته وعليه الإعادة ، وان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى فلا شي‌ء عليه وقد تمت صلاته (١) ومداومتهم مع التأسي (٢) وقوله صلى الله عليه وآله (صلوا كما رأيتموني أصلي (٣)).

ويمكن ان يقال : الشهرة ليست بحجة : والخبر في صحته تأمل ، وان قيل في المنتهى وغيره ان صحيح ، لعدم نقله في الكتابين مسندا إلى زرارة ، بل قال : روى حريز عن زرارة ، وصحة طريقه الى حريز غير ظاهر ، لانه ما ذكر طريقه إليه في آخر الكتابين ، مع ان في حريز أيضا تأملا ما ، نعم انه صحيح في الفقيه : والذي مسند في التهذيب صحيحا (٤) ، لا دلالة فيه الا بمفهوم ان في العامد بأس ، وهو أعم من المطلوب :

__________________

(١) الوسائل باب ٢٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ١.

(٢) الوسائل باب ٢٥ من أبواب القراءة في الصلاة فراجع.

(٣) رواه احمد بن حنبل في ج ٥ من مسنده ص ٥٣ ورواه الدارمي في (كتاب الصلاة) باب من أحق بالأمانة.

(٤) الوسائل باب ٢٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٢.

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ومداومتهم عليهم السلام ، مع عدم العلم بوجه الوجوب ، لا يفيد الوجوب كما هو ثابت : وفعلهما في البيانية مع القول غير ثابت :

وقال في المنتهى قال علم الهدى في المصباح : هو من وكيد السنن ، حتى روى : انه من تركها عامدا أعاد : وقال ابن الجنيد هو مستحب.

ويمكن ان يستدل عليه : بالأصل ، والا وأمر المطلقة بالقراءة والصلاة ، وظاهر قوله تعالى (وَلا تَجْهَرْ) الآية ، حيث يقتضي الاكتفاء بالتوسط في مطلق الصلاة ، وصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن الرجل يصلى من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة ، هل عليه ان لا يجهر؟ قال : ان شاء جهر وان شاء لم يفعل (١) هذه أصح ، حيث لا غبار في الرواة (٢) مع الاسناد ، وأدل : لأن رواية زرارة يحتمل الاستحباب ، ويؤيده قوله : «(فيما لا ينبغي) وهو ظاهر في الاستحباب : ويكون (نقص) بالمهملة ، فيكون المراد نقص ثوابه ، ويؤيده (وقد تمت) فإنه في مقابل النقص ، و (النقص) ليس بصريح في البطلان ، لانه غير دال على التفصيل المطلوب المشهور ، وهو ظاهر ، ويكون الإعادة للاستحباب ، لا الوجوب ، وهو كثير ، ويكون من المبالغة في السنن كما هو المتعارف :

ويؤيده عدم قوة دليل الوجوب بحيث يفيد.

وأيضا الظاهر من قوانينهم عدم كون الجهل عذرا في ترك الواجبات والشرائط. بل يجعلونه أسوء من الناسي ، لضم التقصير في التحصيل. فالحمل على الاستحباب محتمل واضح.

ويبعد حمل الثانية مع ما مر على التقية ، على ان مذهب بعضهم موافق لنا على ما نقل في المنتهى (٣) فلا إلجاء إلى التقية ، وأيضا مؤيد بقول أكثر

__________________

(١) الوسائل باب ٢٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٦.

(٢) رواة الحديث كما في التهذيب هكذا (احمد بن محمد ، عن موسى بن القاسم ، عن على بن جعفر).

(٣) قال في المنتهى. مسئلة ويجب على المصلى الجهر في الصبح واوليتى المغرب واوليتى العشاء والإخفات في ثالثة المغرب والظهرين معا والأخيرتين من العشاء ، ذهب إليه أكثر علمائنا ، وهو قول ابن ابى ليلا من الجمهور إلخ.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمة :

ويبعد أيضا حمله على التخيير بين الجهر العالي فوق أقل الجهر وبينه لعدم الفهم والتبادر.

ويؤيده أيضا مثل صحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام لا صلاة الا ان يقرء بها (أي بالفاتحة) في جهر أو إخفات (١) وأمثالها كثيرة مثل صحيحة محمد وعبد الله ابني الحلبي المتقدمة (٢) فتأمل.

ثم اعلم أيضا أن لا دليل على وجوب الإخفات على المرأة : في الإخفاتية ، وفي الجهرية مع سماع الأجنبي صوتها : وليس بثابت كون صوتها عورة : وبعد تسليم الوجوب ، في بطلان صلاتها أيضا تأمل ما ، لجواز رجوع النهي إلى الزيادة في الحركة بحيث يحصل الجهر. والقراءة الواجبة تتحقق بدونه ، فكأن النهي في غير العبادة فتأمل فيه.

وأيضا انه على تقدير الوجوب ، لو نسي شيئا منهما في محله ، في أثناء القراءة ، يعود الى ما يجب : ولا يستأنف القراءة كذا أفاده في المنتهى ره للأصل ، ولزوم زيادة تكرار ، ولأنه لو ذكر بعد الفراغ لم يعد وكذا حكم البعض في الأثناء ، وأيضا يمكن الاستدلال عليه برواية زرارة المتقدمة (٣) التي هي دليل الأصل.

وأيضا قال في المنتهى المستحب في نوافل الليل الجهر وفي نوافل النهار الإخفات وهو مذهب علمائنا اجمع :

واستدل عليه بالخبر من العامة والخاصة (٤) وبان فيه تنبيها للنائم ،

__________________

(١) الوسائل باب ١ من أبواب القراءة في الصلاة ، قطعة من حديث ـ ١.

(٢) الوسائل باب ١٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٢.

(٣) الوسائل باب ٢٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ١.

(٤) قال في المنتهى ، الحادي عشر. المستحب في نوافل النهار التخافت وفي نوافل الليل الجهر بالقراءة وهو مذهب علمائنا اجمع ، لما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : إذا رأيتم من تجهره القراءة في صلاة النهار فارجموه بالبعر ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن الحسن بن الفضال عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه السلام قال : السنة في صلاة النهار بالإخفات والسنة في صلاة الليل بالإجهار ، إلخ أقول رواه في الوسائل ب ـ ٢٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٢.

٢٢٨

وإخراج الحروف من مواضعها ، والبسملة في أول الحمد والسورة ، والموالاة ، فيعيد القراءة لو قرء خلالها.

______________________________________________________

فيدل على جواز تنبيهه وهو موجود في علة الجهر في صلاة الليل ، وفي الخبر الصحيح أيضا موجود (١) وهو مؤيد للأصل.

قوله : «(وإخراج الحروف إلخ)» قد مر وجهه : وقال الشارح ويستفاد من تخصيص الوجوب بمراعاة المخارج والاعراب : عدم وجوب مراعاة الصفات المقررة في العربية : من الجهر ، والهمس ، والاستعلاء ، ونظائرها : وهو كذلك : بل مراعاة ذلك مستحبة :

الظاهر انه كلام حسن ، وقد مرت إليه الإشارة. وقد مر وجوب البسملة في أول كل سورة وقعت فيها ، وانه إجماعي عند الأصحاب.

وظاهره أيضا وجوب الموالاة بين الكلمات : بمعنى عدم السكوت الطويل المخل ، وعدم قراءة شي‌ء بينها الا ما استثنى ، مثل الدعاء بالرحمة ، والاستعاذة عن النقمة عند آيتيهما وكذا رد السلام الواجب ، وقول الحمد لله آه لعطسة أو لغيره : والدعاء لمن دعا له حينئذ على الاحتمال : وبعض الأقوال المستحبة عند بعض الايات ، واما مطلق الذكر والدعاء فغير ظاهر : وان كان ظاهر بعض عبارات الأصحاب ذلك : قال في المنتهى : يجوز ان يقطع القراءة بسكوت أو دعاء وثناء لا يخرج به عن اسم القاري. ولا نعرف فيه خلافا بين علمائنا : وهو ظاهر في المطلق.

قوله : «(فيعيد القراءة إلخ)» الظاهران مراده قراءة ما ليس بجائز له قرائته : وانه أعم من العامد والناسي : ولا يضر كونه غير مشهور من مذهبه مع صحته : ووجهه انه مع الإخلال بالموالاة الواجبة لا يكون تلك القراءة معتبرة ، فكأنها متروكة مع بقاء وقتها ، فتجب الإعادة مطلقا : ولا تبطل الصلاة ولو كان عمدا ، لأن النهي المبطل في العبادة ، بالمعنى الذي أشرنا اليه. وهو صيرورة العبادة بنفسها منهيا عنها ، ومعلوم عدم ذلك هنا ، وهو واضح ، فيكون في العمد موافقا للمبسوط والنهاية ، وفي النسيان الجماعة ، فلا يكون خارقا للإجماع.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ١.

٢٢٩

ولو نوى القطع وسكت أعاد بخلاف ما لو فقد أحدهما.

______________________________________________________

فقول الشارح ـ اما الأول : أي بطلان الصلاة في العمد ، فلتحقق النهي المقتضي للفساد ومذهب الجماعة في العمد واضح ـ غير واضح ـ سيما على ما مر منه ، نعم لو ثبت بطلان الصلاة بالتكلم ـ بمثل ما قرء في الخلال. بدليل انه كلام أجنبي وان كان قرآنا وذكرا ودعاء ، غير مجوز لتحريمه ـ فيلحق بكلام الآدميين ، فتبطل بتعمده الصلاة لو صح مذهب الجماعة :

ولكن فيه تأمل ، إذ قد يمنع ذلك.

ويمكن كون مراده الناسي فقط ، ولكنه بعيد من العبارة ومعلوم ان المراد بالقراءة خلالها ما لا يبقى معها الموالاة ، ويضر بها لتفريعه على قوله (والموالاة).

فقول الشارح ـ اما مع النسيان فيشكل الحكم ببطلان القراءة مطلقا ، والتعليل بالإخلال بالموالاة كذلك ، فإن الكلمة والكلمتين لا يقدحان في الموالاة ، فلو قيدت الإعادة بما يخل بالموالاة عرفا ، كان حسنا ، ـ مشكل.

لان عدم القدح بما ذكره غير ظاهر ، ولو كان ظاهرا فالقيد به ظاهر مما سبق كما قلناه ، بل ولو كان كذلك يشكل البطلان في العمد أيضا ، لحصول الموالاة حينئذ ، ولا يجب غيرها حينئذ ، فلا نهى ، ولا ترك واجب ، فلا يكون قولهم في العمد أيضا واضحا ، بل يجب التقييد وهو واضح. فتأمل.

ويجوز كون المراد العامد فقط وذلك غير بعيد ، ويكون موافقا للمبسوط فيهما الّا انه ما صرح بحال النسيان وهو البناء ، بل اكتفى بالمفهوم والظاهر انه أرجح ، لأن النسيان عذر وانه لو ترك سهوا بالكلية لا يضر : ولانه لا شك في صحة قراءة ما سبق ، وغير معلوم اشتراط وقوع ما بعده بلا فصل مطلقا ، والأصل مؤيد. الله يعلم وبالجملة العبارة مجملة. لكن الإجمال في المتون ليس بعيب سيما عن مثله ره.

وقوله(ولو نوى) أيضا لا يخلو عن إجمال. والظاهر ان المراد نية قطع القراءة عمدا بقصد عدم العود ، و (بالسكوت) القطع امتثالا للنية ، و (بالإعادة) إعادة الصلاة. ووجهه حينئذ انه قد قطع الصلاة : لأنه ترك واجبا فيها عمدا ، وانه مثل نية قطع الصلاة معه.

٢٣٠

وتحرم العزائم ، في الفرائض.

______________________________________________________

ومعلوم عدم الإعادة بمجرد السكوت بلا نية القطع الا ان يطول بحيث يخرج عن كونه مصليا فيعيد الصلاة ، أو قارئا فيعيد القراءة.

وهذا ظاهر لا يحتاج الى التكلف في الفهم.

وامانية القطع مع القراءة ، فغير مبطل على ما يفهم من المتن. ويحتمل بطلان الصلاة حينئذ. قيل بل تبطل حينئذ بالطريق الأولى : لأنه زاد القراءة التي ليست من الصلاة.

ويمكن ان يقال مراد المصنف انه مع القراءة ما بقي نية القطع : إذ لا تجتمع نية القطع مع القراءة للصلاة ولو قرء لغيرها ، فهو مثل الأول ، فكأنه سكت وقطع : لان المراد به عدم القراءة لأجل الصلاة وامتثال النية. وأظن الصحة في الأول ، ما لم يقع مفسد من سكوت طويل وغيره ، وكذا في نية قطع الصلاة ، ونية فعل المنافي ولم يفعل ، وقد أشرت إلى مثله فيما مر.

وبالجملة المفسدات محصورة وليس عندنا دليل على كون مجرد نية المفسد يكون كذلك الا مع فعله. مع الأصل ، والأوامر المطلقة الدالة على الاجزاء ، وقوله عليه السلام الصلاة على ما افتتحت (١).

واما عدم البطلان مع القطع ، لا بقصد عدم العود ، مع عدم مناف آخر ، مثل السكوت الطويل فظاهر. بل وفاق. سواء كان ناويا للعود أو غافلا ، بل مترددا ، وفيه تأمل. وأظن الصحة بالطريق الأولى ، بالنسبة الى ما مر. ويعلم مما ذكرنا حال نية قطع الصلاة ، فتأمل. فإن الكل يحتاج إلى التأمل. وسيظهر الحق ان شاء الله.

قوله : «(وتحرم العزائم في الفرائض)» تحريم قراءة إحدى العزائم الأربع في الفريضة غير ظاهر ، الّا مع القول بوجوب سورة كاملة ، وتحريم القران ،

__________________

(١) لم نعثر في الكتب الأربعة على حديث بهذه العبارة ، ويمكن ان يكون مراده ما رواه في الوسائل باب ٢ من أبواب النية حديث ٢ ولفظ الحديث (عن معاوية ، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فيها فظن أنها نافلة ، أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة؟ قال : هي على ، ما افتتح الصلاة عليه) نعم روى في الفصل التاسع من كتاب غوالي اللئالي عن النبي صلى الله عليه وآله الصلاة على ما افتتحت عليه.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

مع القول بفورية سجودها ، وعدم جواز زيادة السجود لمثلها أيضا في الصلاة ، وان التأخير بمثل الركوع وما بعده ينافي الفورية ، ولا يظهر الخلاف في غير الأولين وقد عرفت حالهما أيضا.

والظاهر عدم الخلاف في عدم جواز الاكتفاء بقرائتها ، على تقدير وجوب سورة كاملة ، وتحريم إتمامها فيها ، والبطلان معه. اما لزيادة السجدة المبطلة ، واما لترك السجدة الفورية المنافية.

والبطلان حينئذ لا يظهر الا بما مر ، من كونه مأمورا بسجود التلاوة فورا ، فيكون منهيا عن غيرها ، وهو يدل على الفساد في العبادة. فتأمل. فإنه يلزم من البطلان هنا القول بان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص ، الا ان يكون بدليل آخر من إجماع ونحوه.

واما الروايات فمختلفة : فمنها ما يدل على المنع ، مثل رواية سماعة قال : من قرء : اقرء باسم ربك فإذا ختمها فليسجد ، فإذا قام فليقرء فاتحة الكتاب وليركع ، قال : وإذا ابتليت بها مع امام لا يسجد فيجزيك الإيماء والركوع ولا تقرأ في الفريضة ، اقرء في التطوع (١) ورواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام. قال : لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم ، فإن السجود زيادة في المكتوبة (٢).

ولكن الأولى ضعيفة لسماعة وعثمان بن عيسى فإنهما واقفيان (٣) ، وبأنها مقطوعة على سماعة غير واصلة الى الامام مع ان القائل بمضمونها أيضا غير واضح. مع انها مخصوصة ب (اقرأ) على الظاهر.

والثانية فيها عبد الله بن بكير (٤) الواقفي ، ولكن قيل انه ممن أجمعت : والقاسم بن عروة ، قال المصنف في المنتهى ما يحضرني الآن حاله ويفهم من

__________________

(١) الوسائل. أورد قطعة منه في باب ٣٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٢ ـ وقطعة منه في باب ٤٠ من ابوابنا حديث ـ ٢

(٢) الوسائل باب ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ١.

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة).

(٤) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن عروة ، عن ابن بكير ، عن زرارة).

٢٣٢

وما يفوت الوقت بقرائته.

______________________________________________________

رجال ابن داود مدحه ، فقصور هما ليس منحصرا فيما قاله الشارح من سماعة وعبد الله.

وبالجملة لا يبعد القول بتحريمها ، مع قراءة آية السجدة ، وبطلان الصلاة حينئذ ، سيما مع الاكتفاء بها في الصلاة. ويفهم كون ذلك إجماعيا ، فهو دليله ، مع الزيادة ، أو ترك الفورية ، وحملت الأخبار الدالة على التحريم مع قراءة آية السجدة ، على ظاهرها ، كما هو ظاهر قوله (فان السجود زيادة في المكتوبة). وعلى الكراهة ، ما يكون دلالته على المنع مطلقا. ويقال بكراهة بعضها من دون السجدة ، فلو كان مراد ابن الجنيد ذلك فلا بأس مع وضوح الاحتياط.

ثم على تقدير التحريم مطلقا ، أو مع القيود السابقة ، لا يظهر البطلان بمجرد الشروع ، بل بالتمام ، بل بقراءة آية السجدة : لأن رجوع النهي إلى العبادة بالمعنى المضر غير واضح.

الا ان يفهم ان الغرض هو النهي عن الصلاة في هذه الحالة ، وليس بظاهر.

أو يقال انه كلام أجنبي حينئذ ، وهو أيضا غير واضح لما مر غير مرة. فقول الشارح ـ فعلى القول بالتحريم مطلقا كما ذكره المصنف والجماعة ، ان قرء العزيمة عمدا بطلت صلاته بمجرد الشروع في السورة وان لم يبلغ موضع السجود للنهي المقتضي للفساد إلخ ـ غير واضح. مع انه قد يكون مراد المصنف عدم قرائتها بالتمام ، أو جعلها السورة المعتبرة فيها.

قوله : «(وما يفوت الوقت إلخ)» الظاهر منه ، ومن كلام الشارح أيضا ، التحريم بمجرد الشروع فتبطل للنهى. وفيه تأمل لجواز الترك في وقت يسع سورة أقصر ، فلا تبطل الصلاة ما أمكن ذلك ، بل لا يحرم ما لم يتحقق ذلك.

بل يمكن الصحة أيضا بعيدا على تقدير تحقق ضيق الوقت بحيث لا يسع لتلك السورة ولا لغيرها. فيصير الوقت ضيقا ، وضيق الوقت لا يجب فيه السورة فيصح. الّا انه ارتكب الحرام في إسقاطها وتضييع الوقت الواجب صرفه في القراءة الواجبة ، ولكن لما لم تكن تلك القراءة محسوبة منها فلا تبطل الصلاة بالنهي

٢٣٣

وقول آمين

______________________________________________________

عنها. ويحتمل الإبطال. لأن النهي أخرجها عن كونها عبادة وانها حينئذ تصير كالكلام الأجنبي ، فتأمل فيه لما تقدم. هذا كله إذا لم يقصد الوظيفة ، ومعه وهو الظاهر ، التحريم بمجرد الشروع ، ويحتمل البطلان. فتأمل.

واما تحريم قول آمين وبطلان الصلاة بها ، فهو المشهور.

قال في المنتهى : قال علمائنا يحرم قول آمين وتبطل الصلاة به. قال الشيخ : سواء كان ذلك في آخر الحمد وغيره ، سرا وجهرا ، للإمام والمأموم ، وعلى كل حال.

وادعى الشيخان والسيد المرتضى رحمهم الله إجماع الإمامية عليه ، ولا يظهر دعواه على البطلان والعموم ، فتأمل. وقال الشارح المستند مع ذلك صحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا كنت خلف امام فقرء الحمد وفرغ من قرائتها فقل أنت (الحمد لله رب العالمين) ولا تقل آمين (١) وهذه تدل على استحباب قول (الحمد لله رب العالمين) للمأموم بعد فراغ الامام من قراءة الفاتحة. وما رواه الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام. أقول آمين إذا فرغت من فاتحة الكتاب؟ قال : لا (٢).

واستدل أيضا بأنه قال صلى الله عليه وآله : هذه الصلاة لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميين (٣) وآمين من كلامهم : إذ ليست بقرآن ولا ذكر ولا دعاء ، وانما هي اسم للدعاء ، وهو اللهم استجب ، والاسم مغاير لمسماه :

وقال ان التحريم والبطلان يعمان لقوله : سواء كان ذلك في آخر الحمد وغيره حتى القنوت وغيره من مواطن الدعاء.

وأنت تعلم ان الإجماع غير ثابت ، ولهذا نقل في الشرح الكراهة عن بعض الأصحاب ، والاحتمال عن المعتبر ، وان رواية جميل ليست بصحيحة كما

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ١.

(٢) الوسائل باب ١٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٣.

(٣) رواه في الفصل التاسع من غوالي اللئالي.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قاله الشارح. بل حسنة (لإبراهيم) مع عدم التصريح ب (أب) جميل (١) ومعارضة بأصح منها رواها أيضا جميل في الصحيح. قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول آمين في الصلاة ، حين تقرأ فاتحة الكتاب. قال ما أحسنها واخفض بها الصوت (٢).

وحملها على التقية ليست بأولى من حمل غيرها على الكراهة ، وحملها على الجواز ، وان يأباه لفظة ما أحسنها ، فتحمل على ان ما أحسن جوازه ، فتأمل. ويحتمل ان يكون (ما أحسّنها) بضم الهمزة وتشديد السين ، اى ما أعده حسنا ، فيكون صريحا في الكراهة ، فتأمل ، ورواية الحلبي ضعيفة (لمحمد بن سنان) مع اشتراك (ابن مسكان) (٣) ولكن أظن أنه عبد الله لنقله عن محمد الحلبي قال في المنتهى انها موثقة ، وليس بواضح.

وان الإجماع والروايات لو سلما ، فهما في آخر الحمد لا غير كما هو الظاهر ، ويشعر به قول المنتهى (وقال الشيخ) حيث أسند التعميم اليه فقط ، وما قال به ولا نقل عن غيره. فافهم.

واما الاستدلال الذي يدل على العموم : ففيه انه مبنى على كون أسماء الأفعال. أسماء لألفاظها ، لا لمعانيها ، وهو خلاف الظاهر والتحقيق كما حقق المحقق الرضى في كتابه.

ومن جملة أدلته : ان العرب يقول صه مثلا ويريد معنى اسكت. ولا يخطر بباله لفظة اسكت ، بل قد لا يكون مسموعة له أيضا أصلا.

وأصل البراءة ، والأوامر المطلقة تقتضي الصحة ، وعدم التحريم ، وكذا صحيحة جميل المتقدمة.

ولكن الاحتياط والشهرة يقتضي الترك ، وعدم الفتوى بالتحريم أيضا :

__________________

(١) أي لم يقل في الرواية ان (جميل) بن دراج أو غيره فافهم.

(٢) الوسائل باب ١٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٥ ولفظ الحديث (قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرء فاتحة الكتاب : آمين ، قال : ما أحسنها واخفض الصوت بها).

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن محمد الحلبي).

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى تقدير التحريم لا يثبت البطلان : لانه لا يتم دليل ان النهي مفسد. والاستدلال المتقدم قد عرفت ما فيه ، مع عدم ثبوت ما نقل عنه صلى الله عليه وآله ، وعلى تقديره لا يدل عليه ، بل على التحريم أيضا ، وعلى تقدير التسليم لا يتم الا مع دليل ان النهي مفسد ، وقد عرفت مرارا.

واستدل المصنف في المنتهى وذكره الشارح بأنه : ان كان النطق بها تأمينا للدعاء ، لم يجز الا لمن قصد الدعاء. لانه كلام بغير ذكر ودعاء ، فيدخل تحت النهي فيكون حراما ومبطلا ، وليس القصد شرطا بالإجماع ، ولا قائل بالتفصيل فيحرم مطلقا : وبأنه على هذا التقدير يحتاج الى الدعاء ، ولا دعاء. ولا اشتراط قصد استجابة الدعاء ، ولو كان غائبا.

فاندفع اعتراض الشارح : بأنه يستدعي دعاء حاضرا أو غائبا والغائب موجود. وكذا اعتراضه على استدلاله واستدلال المحقق : بأنه لو قال (اللهم استحب) لم يجز فكذا ما بمعناه وهو آمين. بقوله : يضعف بأنه دعاء عام باستجابة ما يدعى به فلا وجه للمنع منه.

لأن المراد مع عدم قصد الدعاء المتعارف ، بل مجرد القول به ، مثل القول بأمين عند الخصم. أو يريد ان (١) إسكات الخصم. ولعله لا يجوز عندهم. نعم يمكن ان يقلب الدليل الأول : بأنه على طريق استجابة الدعاء ، وقصدها ، وسبقه ، يلزم عندكم جوازه ، فيلزم مطلقا : لعدم القائل بالفرق.

على ان عدم القول بالواسطة ممنوع ، إذ قد يقال انه انما يجوز بعد الدعاء ، ويؤيده انما يقولون به بعد آخر الحمد ، المشتمل على الدعاء ، وهو : اهدنا الصراط المستقيم آه.

ويمكن ان يقال : المنع جاء من الإجماع والنص مطلقا ، فيستثنى من الدعاء مطلقا. ولهم أيضا ان يمنعوا عدم الجواز مع عدم قصد الدعاء ، للنصوص عندهم

__________________

(١) الى المحقق والشارح.

٢٣٦

ويستحب الجهر بالبسملة في الإخفات.

______________________________________________________

بخصوص هذا اللفظ ، فيكون مستثنى من الكلام الأجنبي على تقدير كونه منه.

ولكن المصنف ره رد بعضها بعدم الصحة عندهم أيضا لعدم الوثوق بابي هريرة عندهم لإثبات الخيانة عليه وغيره (١).

واما قوله للتقية : فعلى تقدير الإلجاء إليها لا نزاع في جوازه ، بل وجوبه. لكن الإلجاء بعيد ، لجواز الإخفاء عندهم ، بل الاشتراط والأولوية.

وعلى تقديرها لا يتوهم البطلان بتركه ، لانه نهى في العبادة : لما عرفت معناه وهو غير متحقق هنا وهو ظاهر.

وكذا الكتف وغيره مما ليس بثابت كونه داخلا في العبادة ، أو شرطا لها ، بحيث لو ترك لزم ترك العبادة ، فيلزم البطلان مثل مسح جميع الرأس والعنق والأذنين ، بخلاف غسل الرجلين ، فإنه بدل المسح الجزء ، أو غيرها مما يعلم بالتأمل في المسائل الأصولية.

قوله : «(ويستحب الجهر بالبسملة إلخ») قد عرفت دليله. ونزيد هنا ما ذكره الشارح ، وهو ما روى عن على بن الحسين عليهما السلام انه قال : ان الامام إذا لم يجهر بها ركب الشيطان على كتفه وكان امام القوم حتى ينصرفوا (٢) والظاهر انه نقلها معنى ، وهي التي ذكرناها من قبل مجملا : وهي ما روى عن أبي حمزة الثمالي قال : قال على بن الحسين (ع) يا ثمالي : ان الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان الى قرين الامام فيقول هل ذكر ربه؟ فان قال نعم ذهب ، وان قال لا ركب على كتفيه ، وكان امام القوم حتى ينصرفوا ، قال فقلت جعلت فداك. ا ليس يقرؤون القرآن؟ قال : بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي ، انما هو الجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم (٣).

__________________

(١) وفي المنتهى بعد نقل حديثين أحدهما عن أبي هريرة وثانيهما عن وائل بن حجرة ، قال : والجواب عن الحديثين الأوليين بالمنع من صحة سندهما فإن أبا هريرة اتفق له مع عمر بن الخطاب ـ واقعة يشهد فيها عليه بأنه عدو الله وعدو المسلمين وحكم عليه بالخيانة وأوجب عليه عشرة آلاف دينار وألزمه بها بعد ولاية البحرين : وإذا كانت هذه حاله فكيف يركن اليه ويوثق برؤيته ، ونقل عن أبي حنيفة انه لم يعمل برواية أبي هريرة انتهى.

(٢) الوسائل باب ٢١ من أبواب القراءة حديث ـ ٤.

(٣) الوسائل باب ٢١ من أبواب القراءة حديث ـ ٤.

٢٣٧

والترتيل

______________________________________________________

وقال أيضا هذه الرواية تتناول جميع الصلوات والأولتين والأخيرتين : والتأسي يقتضي شمول الامام وغيره.

وأنت تعلم بعد التأسي هنا لتخصيص الامام بالذكر. وكون المراد إمام الجماعة ، لا المعصوم. وأيضا الظاهر منها الركعة الاولى ، وان كان اللفظ عاما.

واما ضعف مذهب التحريم فقد مر ، ويفهم منها أيضا.

واما الوجوب في الإخفاتية (١) فقد علمت ضعفه مما مر من الاخبار الدالة على عدم وجوب الجهر سيما في الإخفاتية : ومثل صحيحة عبيد الله ومحمد المتقدمة. حيث قال فيها (ان شاء سرا وان شاء جهرا) (٢) أي البسملة في الحمد ، وقلنا انها وأمثالها تدل على عدم تعيين الجهر والإخفات ، وحملها المصنف في المنتهى على الإخفاتية ، وهذا أيضا دليل على نفى التحريم والوجوب معا مطلقا.

واما القول باختصاص استحباب الجهر بالإمام : فليس بضعيف مثلهما ، لقصور دليله ، ولكن الظاهر ان التعميم اولى لما مر.

واما استحباب الترتيل ـ الذي هو تبيينها : اى تبيين الحروف بغير مبالغة على ما ذكره في المنتهى ـ فللمفهوم من رواية الكليني بإسنادها الى أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن قول الله عز وجل (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٣) فقال : قال أمير المؤمنين عليه السلام بينه تبيانا ، ولا تهذّه هذّ الشعر ، ولا تنثره نثر الرمل : ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ، ولا يكون همّ أحدكم أخر السورة (٤).

ويفهم استحبابه من هذه الرواية ، ومما نقله في المنتهى من رواية بعض الأصحاب عن الصادق عليه السلام قال : ينبغي للعبد إذا صلى ان يرتل في قرائته ، فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة وذكر النار سئل الله الجنة وتعوذ بالله من النار ، وإذ أمر

__________________

(١) قال في الروض. وقول ابن البراج بوجوب الجهر بها في الإخفاتية مطلقا ، وابى الصلاح بوجوبه في أولتي الظهرين يدفعه عدم الدليل الموجب آه.

(٢) الوسائل باب ١٢ من أبواب القراءة في الصلاة ، قطعة من حديث ـ ٢.

(٣) المزمل ٤.

(٤) الوسائل باب ٢١ من أبواب قراءة القرآن حديث ـ ١.

٢٣٨

والوقوف على مواضعه

وقصار المفصل في الظهرين والمغرب ، ومتوسطاته في العشاء ، ومطولاته في الصبح ، وهل اتى في صبح الاثنين والخميس ، والجمعة والأعلى ليلة الجمعة في العشائين ، والجمعة والتوحيد في صبيحتها ، والجمعة والمنافقين في الظهرين والجمعة.

______________________________________________________

بيا ايها الناس ويا ايها الذين آمنوا يقول لبيك ربنا (١) وحمل الآية عليه ، لذلك الخبر ، مع الأصل ، وعدم وجوب الزائد على نحو الإخراج عن المخارج في الجملة ، بل للإجماع على عدم الترتيل بالمعنى المذكور.

واما استحباب الوقوف في مواضعها ، فلعدم وجوبه ، وأولويته في موضعه بالإجماع ظاهرا ، والجواز مطلقا ما لم يخل بالنظم.

وما يوجد في عبارات القراء من ان الوقف ، واجب ، ولازم ، وقبيح ، وجائز : الظاهر انهم لا يريدون بها المعنى الشرعي : وقد أشار إليه الجزري. بقوله. (وليس في القرآن من وقف وجب) :

ولو أرادوه أيضا ، ما وجب علينا تقليدهم : مع اتفاق الأصحاب ، ووجود الروايات : مثل ما روى في الصحيح في زيادات التهذيب عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يقرء في الفريضة بفاتحة الكتاب وسورة أخرى في النفس الواحد؟ قال : ان شاء قرء في نفس وان شاء غيره (٢).

نعم روى كراهة قراءة التوحيد بنفس واحد ، قال في الكافي محمد بن يحيى بإسناد له عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يكره ان يقرء قل هو الله أحد في نفس واحد (٣) ولا يبعد كون مثله وأطول ، كذلك ، بل بالطريق الاولى.

والظاهر انه كذلك ، أكثر أحكام القراءة التي ما ثبت وجوبها شرعا ، مثل الإخفاء والإظهار والغنة وغيرها. الله يعلم.

قوله : («وقصار المفصل إلخ)» الظاهران ليس هذا الاسم مذكورا في

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ١.

(٢) الوسائل باب ٤٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ١.

(٣) الوسائل باب ١٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ـ ٢.

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أخبار الأصحاب ، وأظن أنه مذكور عند العامة (١) وذكره الشيخ على الطبرسي رحمه الله في تفسيره : قيل انه من محمد (ص) الى آخر القرآن مفصل ، فمنه الى عم مطولات ، ومنه الى الضحى متوسطات ، ومنه الى الآخر قصار : وما ارى على هذا التفصيل دليلا بخصوصه. وفي بعض الروايات دلالة على قراءة المتوسطات في العشاء والظهر بالسوية وكذا القصار في المغرب والعصر ، وفي الصبح بالطوال : مثل صحيحة محمد بن مسلم في التهذيب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام القراءة في الصلاة فيها شي‌ء موقت؟ فقال : لا. إلّا الجمعة تقرأ فيها بالجمعة والمنافقين. قلت فأي السور نقرء في الصلاة؟ قال : اما الظهر والعشاء الآخرة تقرأ فيهما سواء : والعصر والمغرب سواء : واما الغداة فأطول : واما الظهر والعشاء الآخرة ، فسبح باسم ربك الأعلى ، والشمس وضحاها ونحوها ، واما العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله وألهيكم التكاثر ونحوها ، واما الغداة فعم يتسائلون ، وهل أتيك حديث الغاشية ، ولا اقسم بيوم القيامة ، وهل اتى على الإنسان حين من الدهر (٢).

وهذه صريحة في عدم وجوب تعيين سورة ، حتى الجمعتين في الظهرين يوم الجمعة ، إلا الجمعة ، من وجهين ، وسيأتي البحث فيهما.

فايجابهما فيهما ، كما نقل عن بعض الأصحاب ليس بثابت ، بل منفي بها ، وبالأصل ، وبالأوامر المطلقة ، والشهرة ، مع عدم دليل صالح له : وقياسهما ،

__________________

(١) رواه احمد بن حنبل في سنده ج ٤ ص ٩ وص ٣٤٣ ولفظ الحديث (وحزب المفصل من ق حتى تختم) وقال الشيخ في التبيان : وقال أكثر أهل العلم : المفصل من سورة محمد (ص) الى سورة الناس ، وقال آخرون : من ق الى الناس ، وقالت فرقة ثالثة وهو المحكي عن ابن عباس ، انه من سورة الضحى الى الناس ، وقال السيوطي في الإتقان : في (النوع الثامن عشر في جمعه وترتيبه) واختلف في أوله (اى المفصل) على اثنى عشر قولا : أحدها ق : الثاني ، الحجرات : الثالث ، القتال : الرابع ، الجاثية : الخامس الصافات : السادس ، الصف : السابع ، تبارك : الثامن الفتح : التاسع ، الرحمن : العاشر ، الإنسان : الحادي عشر ، سبح : الثاني عشر ، الضحى ، انتهى ملخصا.

وقال الزرقانى في شرح الموطإ ج ١ ص ٢٤٤ : وهل اوله الصافات ، أو الجاثية ، أو الفتح ، والحجرات ، أو قاف ، أو الصف ، أو تبارك ، أو سبح ، أو الضحى الى آخر القرآن أقوال أكثرها مستقرب.

(٢) الوسائل باب ٧٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ٥ وباب ٤٨ حديث ـ ٢.

٢٤٠