المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

وعشيرته الأدنون في نسبه. ويرجع في الجيران الى العرف ، وقيل : بمن يلي داره إلى أربعين ذراعا ، وقيل : إلى أربعين دارا ، وهو مطرح.

______________________________________________________

أقول : قد مرّ البحث في هذه المسألة في باب الخمس ، فلينظر من هناك.

قال طاب ثراه : ويرجع في الجيران إلى العرف ، وقيل : هو من يلي داره إلى أربعين ذراعا ، وقيل : أربعين دارا وهو مطّرح.

أقول : الأوّل مختار المصنف (١) وهو مذهب العلامة (٢) ووجهه حمل الإطلاق عند تعذّر الحقائق الشرعية عليه.

والثاني مذهب الشيخين (٣) وتلميذيهما (٤) وابن حمزة (٥) وابن زهرة (٦) والتقي (٧).

__________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف : في الوقف ، ص ٣٥ س ٢٧ قال : مسألة إذا وقف على جيرانه ، الى ان قال : والمعتمد العرف إلخ.

(٣) المقنعة : باب الوقوف والصدقات ، ص ١٠٠ س ٤ قال : وإذا تصدق على جيرانه الى أن قال : كان مصروفا الى من يلي داره إلى أربعين ذراعا من أربعة جوانبها. وفي النهاية : باب الوقوف وأحكامها ص ٥٩٩ س ٤ قال : وإذا وقف الإنسان شيئا على جيرانه الى أن قال : كان مصروفا إلى أربعين ذراعا من أربع جوانبها.

(٤) المراسم : ذكر احكام الوقوف والصدقات ص ١٩٨ س ٣ قال : ومن وقف على الى أن قال : أربعين ذراعا ، والكافي ، ص ٣٢٦ س ١٥.

(٥) الوسيلة : في بيان الوقف ، ص ٣٧١ س ١٠ قال : وجيرانه على الإطلاق إلى قوله : إلى أربعين ذراعا.

(٦) الجوامع الفقهية : كتاب الغنية ، في الوقف ، ص ٦٠٣ س ١٩ قال : وإذا وقف على جيرانه الى قوله : أربعين ذراعا.

(٧) الكافي : فصل في الصدقة ص ٣٢٦ س ١٥ قال : وان تصدّق على جيرانه الى أن قال : إلى أربعين ذراعا.

٦١

ولو وقف على مصلحة فبطلت ، قيل : يصرف الى البرّ.

______________________________________________________

والقطب الكيدري (١) (٢) واختاره ابن إدريس (٣).

وهل يدخل من هو على رأس الأربعين؟ يظهر من العلامة المنع (٤) وقال القاضي بدخوله (٥).

والثالث لبعض الأصحاب ، وهو متروك.

قال طاب ثراه : ولو وقف على مصلحة فبطلت ، قيل : تصرف الى البرّ.

أقول : هذا هو القول المشهور بين الأصحاب ، لأنّ الوقف في الحقيقة على المسلمين ، فمع تعذر خصوص المصرف المعين ، لا يبطل عمومه ، لوجوب العمل بقصد الواقف ، وهو اجراء وقفه على ما يحصل به الثواب. وتردّد المصنف طلبا للدليل ، وأصالة بقاء الملك ، خرج عنه ما نصّ الواقف عليه ، فمع تعذره يرجع اليه مع وجوده ، ومع فقده إلى ورثته ، وهو نادر.

__________________

(١) هو أحد العلماء الأعلام والفقهاء المنقول عنهم فروع الاحكام ، تلميذ ابن حمزة صاحب الوسيلة والواسطة ، له كتاب الإصباح في الفقه ، وأقواله في الفقه مشهورة منقولة في المختلف وغاية المراد والمسالك وكشف اللثام (منتهى المقال : ج ٣ ص ٦٧ من الألقاب).

(٢) المختلف : في الوقف ، ص ٣٥ س ٢٨ قال بعد نقل مذهب الشيخين : وكذا قال : القطب الكيدري.

(٣) السرائر : كتاب الوقوف والصدقات ص ٣٧٩ س ٧ قال : وإذا وقف الإنسان شيئا على جيرانه الى أن قال : من يلي داره إلخ.

(٤) فتواه فيما بأيدينا من كتبه سواء ، وهو الرجوع إلى العرف كما نقلناه آنفا عن المختلف ، فعلى هذا لا وجه لعنوان أنّ من كان على رأس الأربعين هل يشمله الوقف على الجيران أم لا ، نعم في التحرير بعد القول بالرجوع الى العرف قال : وقيل إلى أربعين دارا وهو جيد.

(٥) المهذب : ج ٢ ، تقسيم الوقف حسب الموقوف عليه ص ٩١ س ٥ قال بعد نقل أربعين ذراعا : ولم يكن لمن خرج عن هذا التحديد من الجيران في ذلك شي‌ء.

٦٢

ولو شرط إدخال من يوجد مع الموجود صحّ. ولو أطلق الوقف وأقبض لم يصح إدخال غيرهم معهم ، أولادا كانوا أو أجانب ، وهل له ذلك مع أصاغر ولده؟ فيه خلاف ، والجواز مرويّ أما النقل عنهم فغير جائز

وأمّا اللواحق فمسائل :

الأولى : إذا وقف في سبيل الله ، انصرف الى القرب ، كالحج ، والجهاد ، والعمرة ، وبناء المساجد.

الثانية : إذا وقف على مواليه دخل الأعلون والأدنون.

الثالثة : إذا وقف على أولاده اشترك أولاده البنون والبنات الذكور والإناث بالسوية.

الرابعة : إذا وقف على الفقراء انصرف الى فقراء البلد ومن يحضره ، وكذا كلّ قبيل متبدد كالعلوية والهاشمية والتميمية ، ولا يجب تتبع من لم يحضره

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وهل له ذلك مع أصاغر ولده؟ فيه خلاف ، والجواز مرويّ.

أقول : القائل بالجواز هو الشيخ في النهاية (١) وتبعه القاضي (٢) وأطلق الأصحاب المنع ، وهو مذهب المصنف (٣) والعلامة (٤) لتحريم تغيير الوقف عن

__________________

(١) النهاية : باب الوقوف وأحكامها ، ص ٥٩٦ س ١٦ قال : فان وقف على ولده الموجودين الى أن قال : ثمَّ رزق بعد ذلك أولادا جاز أن يدخلهم معهم فيه.

(٢) المهذب : ج ٢ باب الوقوف والصدقات ص ٨٩ س ٣ قال : وإذا وقف إنسان على ولد له موجود ثمَّ ولد له بعده غيره وأراد أن يدخله في الوقف مع الأوّل كان جائزا.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف : في الوقف ص ٣٤ س ١٥ قال : والحق إطلاق الأصحاب والمنع من إدخال من يولد إلخ.

٦٣

الخامسة : لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه ، ولا بيعه الّا أن يقع خلف يؤدّي الى فساده على تردد.

السادسة : إطلاق الوقف يقتضي التسوية ، فإن فضل لزم.

السابعة : إذا وقف على الفقراء وكان منهم ، جاز أن يشركهم.

______________________________________________________

شرطه ، لأنه عقد لازم ، وإلّا لم يكن لازما ، ولما رواه جميل بن دراج قال : قلت لأبي ـ عبد الله عليه السّلام : رجل تصدّق على ولده بصدقة وهم صغار ، إله أن يرجع فيها؟ قال : لا ، الصدقة لله (١).

احتجّ الشيخ برواية عبد الله بن الحجاج عن الصادق عليه السّلام في الرجل يجعل لولده شيئا وهم صغار ثمَّ يبدو له يجعل معهم غيرهم من ولده ، قال : لا بأس (٢).

قال طاب ثراه : ولا يجوز إخراج الوقف عن شرطه ، ولا بيعه الّا أن يقع خلف يؤدّي الى فساده على تردّد.

أقول : البحث هنا يقع في مقامات :

الأول : إذا كان بيع الوقف أنفع لأربابه من بقائه على حاله وأردّ عليهم ، هل يجوز بيعه أم لا؟ سوّغه المفيد رحمه الله (٣) ومنعه الباقون ، وهو الحق.

الثاني : إذا تعطل وآل الى الخراب بحيث لا يجدي نفعا ، أو كان بالموقوف عليهم حاجة شديدة الى بيعه هل يجوز بيعه أم لا؟ قيل فيه أربعة أقوال :

__________________

(١) التهذيب : ج ٩ ، باب الوقوف والصدقات ، ص ١٣٥ الحديث ١٧.

(٢) التهذيب : ج ٩ ، باب الوقوف والصدقات ، ص ١٣٥ الحديث ١٩.

(٣) المقنعة : باب الوقوف والصدقات ص ٩٩ س ٣٠ قال : والوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها الى أن قال : أو يكون تغير الشرط في الوقف الى غيره أردّ عليهم وانفع لهم من تركه على حاله الى أن قال : أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا فلهم حينئذ الانتفاع بثمنه إلخ.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) نعم مطلقا ، قاله السيد (١) والمفيد (٢) ويصرف ثمنه في مصالحهم. وكذا مع شدة ضرورتهم اليه ، وبمثله قال سلار (٣) وقال ابن حمزة : ولا يجوز بيعه الّا بشرطين ، الخوف من خرابه ، أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به (٤).

(ب) المنع من بيعه مطلقا ، قاله ابن إدريس : سواء وقع فيه خلف أولا ، وسواء حرب أولا ، وعلى كل وجه وسبب (٥).

(ج) فصّل القاضي (٦) والصدوق (٧) والتقى (٨) إذا كان الشي‌ء وقفا على قوم ومن بعدهم على غيرهم ، وكان الواقف قد اشترط رجوعه الى غير ذلك الى أن يرث الله الأرض ومن عليها لم يجز بيعه على وجه من الوجوه. وإذا كان وقفا على قوم مخصوصين وليس له فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم حسب ما قدمناه ، وحصل الخوف من هلاكه وإفساده ، أو كان بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه أنفع لهم من

__________________

(١) الانتصار : مسائل شتى من الهبات والوقوف ، ص ٢٢٧ س ١٩ قال : فاما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا الى أن قال : فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه إلخ.

(٢) تقدّم آنفا.

(٣) المراسم : ذكر احكام الوقوف ص ١٩٧ س ١٣ قال : وان تغير الحال في الوقف الى أن قال : جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو أنفع لهم.

(٤) الوسيلة : في بيان الوقف وأحكامه ، ص ٣٧٠ س ٧ قال : ولا يجوز بيعه إلّا بأحد شرطين إلخ.

(٥) السرائر : كتاب الوقوف والصدقات ، ص ٣٧٦ س ١٩ قال فإذا أقبض الوقف فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك ولا التصرف فيه ببيع الى ان قال : فاما إذا كان الوقف الى ان قال : لم يجز بيعه على وجه من الوجوه إلخ.

(٦) المهذب : ج ٢ كتاب الوقف ص ٩٢ س ٨ قال : وإذا كان الشي‌ء وقفا الى قوله : الى أن يرث الله لم يجز بيعه ، وان كان وقفا على قوم إلخ.

(٧) المختلف : في الوقف ، ص ٣١ س ٢٢ قال : قال الصدوق : إذا وقف على قوم دون عقبهم جاز البيع ، وان وقف ثمَّ قال بعد أسطر : وفصّل أبو الصلاح كما فصّل ابن البراج.

(٨) المختلف : في الوقف ، ص ٣١ س ٢٢ قال : قال الصدوق : إذا وقف على قوم دون عقبهم جاز البيع ، وان وقف ثمَّ قال بعد أسطر : وفصّل أبو الصلاح كما فصّل ابن البراج.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بقائه عليهم ، أو يخاف وقوع خلاف بينهم يؤدّى إلى إفساده ، فإنه يجوز بيعه حينئذ وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم ، فان لم يحصل شي‌ء من ذلك لم يجز بيعه على وجه من الوجوه.

(د) جواز بيعه إذا خيف خرابه ولم تتمكّن من عمارته ، أو مع خلف فيه بين أربابه يحصل باعتباره فساد لا يمكن استدراكه مع بقائه ، وهو قول المصنف (١) والعلامة (٢) لأنّ الغرض من الوقف استيفاء منافعه وقد تعذرت فيجوز إخراجه عن حدّه تحصيلا للغرض منه. والجمود على العين مع تعطيلها تضييع للغرض ، كما لو عطل الهدى ذبح في الحال. وان اختص بموضع فلما تعذر المحل ترك مراعاة الخاص ، لتعذّره. ولما رواه علي بن مهزيار في الصحيح ، الى أن قال : وكتبت إليه (يعني الى أبي جعفر عليه السّلام إنّ الرجل كتب (٣) إنّ بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا ، وانه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كلّ إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته ، فكتب بخطه إلىّ ، وأعلمه أنّ رأيي له : إن كان قد علم الاختلاف بين أصحاب الوقف أنّ بيع الوقف أمثل ، فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس (٤).

احتجّ المانعون برواية علي بن راشد قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام قلت : جعلت فداك ، اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم ، فلما وفّرت المال خبرت

__________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف : في الوقف ، ص ٣١ س ٣٠ قال : والوجه انه يجوز بيعه مع خرابه وعدم التمكن من عمارته ، أو مع خوف فتنة بين أربابه إلخ.

(٣) في الفقيه : ج ٤ (١٢٨) باب الوقف والصدقة والنحل ، ص ١٧٨ الحديث ٩ وفيه ان الرجل ذكر إلخ ولعله أصوب.

(٤) التهذيب : ج ٩ باب الوقوف والصدقات ص ١٣٠ قطعة من حديث ٤ وفيه كما في المتن ان الرجل كتب إلخ.

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ الأرض وقف ، فقال : لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلّة في مالك ، ادفعها إلى من أوقف عليه ، قلت : لا أعرف لها ربّا قال : تصدّق بغلّتها (١) ولأنّ ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطيلها كالعتق.

والجواب لا دلالة في الرواية ، ونقول بموجبها ، فإن المقتضي لتسويغ البيع هو الخراب أو وقوع فتنة بين أربابها ، والتقدير حصول غلة لها وعدم المعرفة بأربابها ، فانتفى المعنيان ، فلهذا نهاه عليه السّلام عن شرائها ، والفرق بينه وبين العتق ظاهر ، فان العتق إخراج عن الملك بالكلية لله تعالى ، والوقف تمليك للموقوف عليه بطلب النفع منه.

وأمّا التقى فلعلّه عوّل على ما رواه جعفر بن حيّان قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل وقف عليه ثمَّ على قرابته من أبيه وقرابته من امه ، فللورثة أن تبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما خرج من الغلّة؟ قال : نعم ، إذا رضوا كلّهم وكان البيع خيرا لهم باعوا (٢) فان مفهوم هذه الرواية عدم التأبيد.

فالحاصل أن الأقوال خمسة :

(أ) بيعه إذا كان رادّا عليهم قاله المفيد.

(ب) بيعه إذا كان بهم إليه ضرورة قاله السيد.

(ج) بيعه إذا خيف خرابه قاله المصنف.

(د) بيع غير المؤبّد منه قاله القاضي.

(ه) المنع من بيعه مطلقا قاله ابن إدريس.

الثالث : إذا بيع الوقف حيث يجوز ، إمّا من خوف الفتنة ، أو العطلة ما يصنع بثمنه؟

__________________

(١) الفروع : ج ٧ باب ما يجوز من الوقف والصدقة ، ص ٣٧ الحديث ٣٥.

(٢) الفروع : ج ٧ باب ما يجوز من الوقف والصدقة ص ٣٥ قطعة من حديث ٢٩.

٦٧

ومن اللواحق : مسائل السكنى والعمرى

وهي تفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض. وفائدتهما التسليط على استيفاء المنفعة تبرعا مع بقاء الملك للمالك ، وتلزم لو عين المدة وان مات المالك. وكذا لو قال له : عمرك ، لم تبطل بموت المالك وتبطل

______________________________________________________

قال العلامة : الأقوى عندي أنه إن أمكن شراء شي‌ء بالثمن يكون وقفا على أربابه كان أولى ، فإن اتّفق مثل الوقف كان أولى ، والّا جاز شراء مهما كان مما يصح وقفه ، وان لم يكن صرف الثمن إلى البائعين يعملون به ما شاءوا ، لأنّ فيه جمعا بين التوصّل الى غرض الواقف من نفع الموقوف عليه على الدوام ، وبين النصّ الدّال على عدم تجويز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد ، وإذا لم يمكن تأبيده بحسب الشخص وأمكن بحسب النوع وجب ، لأنه موافق لغرض الواقف وداخل تحت الأوّل الذي وقع العقد عليه ، ومراعاة الخصوصية بالكلية يفضي الى فوات الغرض بأجمعه ، ولأنّ قصر الثمن على البائعين يقتضي خروج البطون عن الاستحقاق بغير وجه ، مع انهم يستحقون من الواقف كما يستحق البطن الأول ، وان تعذّر وجودهم حالة الوقف (١) ، وقال المرتضى (٢) والمفيد (٣) يبيعه الموجود وينتفعون بثمنه.

مسائل السّكنى والعمرى

مقدّمة : انتقال الملك الى الغير اما لازم أولا ، والثاني العارية ، والأوّل إمّا خروج

__________________

(١) المختلف : في الوقف ، ص ٣٢ س ٥ قال : والأقوى عندي انه إن أمكن إلخ.

(٢) الانتصار : مسائل شتى ، ص ٢٢٧ س ١٩ قال : فاما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا الى قوله من جواز بيعه.

(٣) المقنعة : باب الوقوف والصدقات ص ٩٩ س ٣٤ قال : إلّا ان يخرب الوقف الى أن قال : فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه.

٦٨

بموت الساكن. ولو قال : حياة المالك لم تبطل بموت الساكن وانتقل ما كان له الى ورثته. وان أطلق ولم يعين مدة ولا عمرا تخير المالك في إخراجه مطلقا. ولو مات المالك ـ والحال هذه ـ كان المسكن ميراثا لورثته وبطلت السكنى. ويسكن الساكن معه من جرت العادة به ، كالولد والزوجة والخادم ، وليس له أن يسكن معه غيره الّا بإذن المالك. ولو باع المالك الأصل لم تبطل السكنى ان وقتت بأمد أو عمر. ويجوز حبس الفرس والبعير في سبيل الله ، والغلام والجارية في خدمة بيوت العبادة ، ويلزم ذلك ما دامت العين باقية.

______________________________________________________

العين عن المالك أولا ، والأوّل الوقف ، والثاني إمّا بعوض أولا والأوّل الإجارة ، والثاني العمرى.

ويترادف عليها أربعة ألفاظ ، السكنى ، والعمرى ، والرقبى ، والحبس. فاذا قرنت بالعمر من المالك أو الساكن ، قيل : عمرى. وإذ قرن بالإسكان قيل : سكنى. وإذا قرنت بمدّة معينة ، قيل : رقبى ، أخذا من ارتقاب المدّة وانتظار خروجها ، وقيل : من رقبة المالك ، وقيل : الرقبى مختصة بالعبد ، والسكنى بالملك ، والحبس والحبيس يطلق على الملك وعلى العبد والدابة والجارية إذا احتبست على رجل لتخدمه ، أو لخدمة بيوت العبادة. وحكم العمرى أجر المعمر على ما عين له ، من عمرة ، أو عمر المالك. وحكم السكنى ان قرنت بمدّة ، إجراؤه عليها ، وان أطلق الإسكان ولم يعين وقتا كان له إخراجه متى شاء.

وهل يلزم بالقبض؟ قيل فيه : ثلاثة أقوال :

(أ) نعم مطلقا وعليه الأكثر.

(ب) لا مطلقا ، لأصالة بقاء المالك ، فهي كالعارية.

(ج) يلزم ان قرنت بالقربة ، والّا فلا.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بقي هنا شي‌ء

وهو أنه إذا قال : أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك ، هل يرجع الى المالك بعد انقراض العقب؟ أو ينتقل الى المعمر؟ الأقوى رجوعها إلى المالك ، لأصالة بقاء الملك ، وهو مذهب المصنف (١) والعلامة (٢) وظاهر الشيخ في المبسوط (٣) كمذهب القاضي في المهذب بملكها المعمر ولا يرجع الى المالك (٤) لأنه أعطى عطاء يجري فيه الإرث وانما يورث المملوك. واحتج بما رواه جابر انّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : أيّما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنما هي للذي يعطاها ولا يرجع للذي أعطاها ، فإنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث (٥).

فرع

والمشهور أنها إذا قرنت بعمر الساكن فمات المالك لم يكن لورثته إزعاج الساكن ، لانتقال المنافع انتقالا لازما ، فوجب إجراؤها على الشرط الّذي وقع عليه العقد ، للخبر (٦) وقال أبو علي : إن كان قيمة الدار تقدير ثلث التركة أجري على

__________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) التذكرة : ج ٢ في أحكام السكنى والرقبى ، ص ٤٤٩ س ٢ قال : وإذا قرنت بعمر المعمر وعقبه ، رجعت الى المالك أو الى ورثته.

(٣) المبسوط : ج ٣ ، في العمرى والرقبى والسكنى ص ٣١٦ س ١٠ قال : فاذا قال : لك عمرك ولعقبك من بعدك ، ثمَّ استدل برواية جابر ، وفي آخرها (فإنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) ثمَّ قال : واما إذا أطلق إلى قوله : فاذا مات رجعت الى المعمر ففيه استظهار بملك المعمر لا المالك.

(٤) المهذب : ج ٢ ، باب السكنى والعمرى والرقبى ، ص ١٠٠ س ١٥ قال : فاذا قال لغيره : إلخ والاستظهار بمثل ما في المبسوط.

(٥) سنن أبي داود : ج ٣ كتاب البيوع ، باب من قال فيه ولعقبه الحديث ٣٥٥٣.

(٦) المراد رواية جابر المتقدّمة وغيرها من الروايات كرواية أبي الصباح الكناني في التهذيب ج ٩ في

٧٠

وأما الصدقة : فهي التطوع بتمليك العين بغير عوض ، ولا حكم لها ما لم تقبض بإذن المالك وتلزم بعد القبض وإن لم يعوّض عنها. ومفروضها محرّم على بني هاشم إلّا صدقة أمثالهم أو مع الضرورة ، ولا بأس بالمندوبة. والصدقة سرّا أفضل منها جهرا ، إلّا أن يتهم.

وأما الهبة : فهي تمليك العين تبرّعا مجردا عن القربة. ولا بد فيها من الإيجاب والقبول والقبض. ويشترط اذن الواهب في القبض. ولو وهب الأب أو الجدّ للولد الصغير لزم ، لأنه مقبوض بيد الوليّ. وهبة المشاع جائزة كالمقسوم. ولا يرجع في الهبة لأحد الوالدين بعد القبض ، وفي غيرهما من ذوي الرحم على الخلاف.

______________________________________________________

ذلك ، وان كانت أكثر من ثلث التركة كان لهم إزعاجه (١) ويظهر من هذا القول عدم لزومها.

قال طاب ثراه : ولا يرجع في الهبة لأحد الوالدين (٢) من بعد القبض ، وفي غيرهما من ذوي الرحم على الخلاف.

أقول : أما هبة الأبوين والولد فلا يجوز له الرجوع فيها إجماعا ، وأمّا باقي ذوي الأرحام فللشيخ قولان : الجواز ذكره في الكتابين (٣) والتهذيب (٤) وبه قال

__________________

الوقوف والصدقات الحديث ٣٥.

(١) المختلف : في السكنى ص ٥٠ س ١٤ قال : وقال ابن الجنيد : إذا أراد ورثة المالك إخراج الساكن إلخ

(٢) في النسخ المخطوطة من المتن والشرح (الأبوين) بدل (الوالدين).

(٣) المبسوط : ج ٣ كتاب الهبات ص ٣٩ س ٢٢ قال : وعندنا ان الرجوع في هبة الزوج أو الزوجة مكروه. ولم أعثر فيه غير هذا ولعله من ان حكمهما حكم ذوي الأرحام كما سيأتي عن التذكرة. وفي الخلاف ، كتاب الهبة مسألة ١٢ قال : ويكره الرجوع في الهبة لذي رجم.

(٤) التهذيب : ج ٩ في الوقوف والصدقات ، الحديث ١٦ وباب النحل والعطية الحديث ٢٠ وفيه الّا

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

السيد (١) وابن إدريس (٢) وأبو علي (٣) والمنع قاله في النهاية (٤) وبه قال المفيد (٥) وتلميذه (٦) والقاضي (٧) وهو مذهب العلامة (٨) وهو ظاهر المصنف (٩) وهو الحق لصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال : الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها حيزت أو لم تحر إلّا لذي رحم فإنه لا يرجع فيها (١٠).

__________________

لذي رحم فإنه لا يرجع فيها.

(١) الانتصار : مسائل شتى ، ص ٢٢٣ س ٧ قال : وذهبت الإمامية إلى انه يجوز (أي الرجوع) في المواضع كلها إلخ.

(٢) السرائر : باب الهبات والنحل ، ص ٣٨١ س ١٤ قال : فاما ذوا الرحم غير الولد الى أن قال : وبعض يذهب إلى أن له الرجوع بعد القبض ثمَّ قال : وهو الذي يقوى في نفسي إلخ.

(٣) المختلف : كتاب الهبات وتوابعها ، ص ٢٧ س ٥ قال : والأول مذهب السيد المرتضى وابن الجنيد وابن إدريس إلخ.

(٤) النهاية : باب النحل والهبة ص ٦٠٢ س ٩ قال : فأما الذي ليس له فيه رجوع ، فهو كل هبة وهبها الإنسان لذي رحمه.

(٥) المقنعة : باب النحل والهبة ، ص ١٠٠ س ٢٤ قال : أحدهما ماض لا رجوع فيه ، وهو الهبة لذي الرحم إلخ.

(٦) المراسم : ذكر أحكام الهبة ، ص ١٩٩ س ٨ قال : وهبة ذوي الأرحام على ضربين الى قوله : فالمقبوضة لا يجوز الرجوع فيها.

(٧) المهذب : ج ٢ ص ٩٨ أقسام الهدية س ١٥ قال : وثانيها : أن يكون السبب الداعي إليها المودة إلى قوله : والأفضل ترك الرجوع فيها.

(٨) المختلف : في الهبة ، ص ٢٧ س ٧ قال : والوجه عندي حيرة المفيد رحمه الله.

(٩) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(١٠) الفروع : ج ٧ باب ما يجوز من الوقف والصدقة والنحل والهبة ، ص ٣١ ذيل حديث ٧.

٧٢

ولو وهب أحد الزوجين الآخر ، ففي الرجوع تردّد ، أشبهه الكراهية. ويرجع في هبة الأجنبي ما دامت العين باقية ما لم يعوض عنها.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو وهب أحد الزوجين الآخر ففي الرجوع تردّد ، أشبهه الكراهية.

أقول : ما اختاره المصنف هنا مذهب الشيخ (١) وابن إدريس (٢) ونقل الشيخ في الخلاف عن الأصحاب تحريم الرجوع (٣) واختاره العلامة في التذكرة (٤) وافتى به فخر المحققين (٥).

احتج الأوّلون بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة (٦) فإنه حكم فيها بجواز الرجوع في حق غير ذي الرحم ، وهو عام ، وليس الزوج رحما.

واحتجّ الآخرون بعموم رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن الصادق عليه السّلام قال : أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك ، فاذا خرجت إلى صاحبها فليس لك ان ترجع فيها (٧). وخصوص رواية زرارة الصحيحة عن أبي عبد الله عليه السّلام

__________________

(١) النهاية : باب النحل والهبة ص ٦٠٣ س ٦ قال : ويكره أن يرجع الإنسان فيما يهبه لزوجته ، وكذلك إلخ.

(٢) السرائر : باب الهبات والنحل ، ص ٣٨١ س ١٩ قال : ويكره أن يرجع الإنسان فيما يهبه لزوجته ، وكذلك يكره للمرأة إلخ.

(٣) الخلاف : كتاب الهبة ، مسألة ١٢ قال : وقال : إذا وهب أحد الزوجين للآخر لم يكن للواهب الرجوع فيها ، وقد روى ذلك قوم من أصحابنا في الزوجين.

(٤) التذكرة : ج ٢ كتاب الهبة ص ٤١٨ س ٣٩ قال : وقال جماعة من علمائنا ان حكم الزوجين حكم ذوي الأرحام إلى قوله : وهو المعتمد.

(٥) الإيضاح : ج ٢ ، كتاب الوقوف والهدايا ص ٤١٦ س ١٧ قال : وقيل : لا يجوز الى قوله : وهو الأصح.

(٦) تقدّم آنفا.

(٧) الاستبصار : ج ٤ كتاب الوقوف والصدقات ، باب الهبة المقبوضة ، الحديث ٢.

٧٣

ومع التصرف قولان : أشبههما الجواز.

______________________________________________________

قال : ولا يرجع الرجل فيما يهبه لزوجته ، ولا المرأة فيما تهبه لزوجها حيزت أو لم تحز ، أليس الله يقول «وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً» (١). وقال «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» (٢) (٣) ، وهذا يشمل الصداق والهبة.

قال طاب ثراه : ومع التصرف قولان : أشبههما الجواز.

أقول : منع في النهاية من الرجوع (٤) وتبعه القاضي (٥) وابن إدريس (٦) واختاره العلامة (٧) وقال سلار : للواهب الرجوع فيما لم يعوض عنه ما دامت العين باقية (٨) وكذا التقى (٩) واختاره المصنف (١٠) الّا انّ أبا الصلاح منع في الرجوع في الهدية مع التصرف (١١).

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) النساء : ٤.

(٣) الاستبصار : ج ٤ كتاب الوقوف والصدقات ، باب الهبة المقبوضة ، ذيل حديث ١٧.

(٤) النهاية : باب النحل والهبة ، ص ٦٠٣ س ٣ قال : أو تصرف فيها الموهوب له لم يكن أيضا للواهب الرجوع فيها.

(٥) المهذب : ج ٢ ، أقسام الهدية ، ص ٩٩ س ١ قال : وله الرجوع فيها ما لم يكن المهدى اليه قد تصرّف فيها.

(٦) السرائر : باب الهبات والنحل ص ٣٨١ س ١٥ قال : وإذا وهب للأجنبي وقبضه إياه فللواهب الرجوع الى قوله : أو يتصرّف فيها.

(٧) المختلف : في الهبة ، ص ٢٨ س ٣٩ قال : والوجه الأوّل ، أي منع المالك من الرجوع مع التصرّف.

(٨) المراسم : ذكر أحكام الهبة ، ص ١٩٩ س ١٥ قال : فما عوض عنه لا يجوز الرجوع فيه.

(٩) الكافي : في الهدية ، ص ٣٢٨ س ١٥ قال : وإذا عوض عنها وقبل المهدى العوض لم يكن له الرجوع فيها.

(١٠) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(١١) الكافي : في الهدية ص ٣٢٨ س ١٠ قال : وله الرجوع فيها ما لم يتصرف فيها.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فروع

(أ) التصرف المتلف لا رجوع معه إجماعا.

(ب) قسّم ابن حمزة التصرّف الى ما يحصل معه تغيّر في العين ، أو إحداث شي‌ء بها كقصر الثوب ، واتخاذ الباب والسرير من الشجر ، وهذا النوع من التصرف يمنع من الرجوع ، والى ما لا يحصل كالرهن والكتابة ، وهذا لا يمنع عنده (١) ويلزمه مثل ركوب الدابة وحلب البعير ، لعدم التغيّر في العين ، وظاهر النهاية (٢) وابن إدريس يقتضي المنع (٣).

(ج) التصرف المخرج عن الملك كالبيع يمنع من الرجوع ، وان عاد اليه بملك مستأنف ، صرح به ابن حمزة (٤).

(د) لو خلطه المتهب بماله خلطا لا يتميز ، فالأقوى عدم الرجوع لتنزله منزلة الاستهلاك. ويحتمل جوازه ويقضى بالشركة مع علم المقدار ، والا الصلح.

(ه) القبض شرط في صحة الهبة ، فلا حكم لها قبله. ويتفرع عليه فروع.

(أ) يشترط فيه اذن المالك ، ويكفي استدامة اليد من المتهب ، ومن يده بمنزلة يده كالأب ، ولا يشترط مضي زمان يمكن فيه القبض ، خلافا لأبي علي (٥).

__________________

(١) الوسيلة : في بيان الهبات ص ٢٧٩ س ١٣ قال : أو تصرف المتهب فيها بان تكون شجرا فاتخذ منها بابا أو سريرا ، أو يكون ثوبا إلخ.

(٢) وذلك لأن الشيخ أطلق التصرف ، فقال : أو تصرف فيها الموهوب له النهاية : ص ٦٠٣ س ٤ فعلى هذا ركوب الدابة وحلب البعير تصرف يمنع الردّ.

(٣) السرائر : باب الهبات والنحل ، ص ٣٨١ س ١٦ قال : أو يتصرف فيها ، فإطلاق التصرف يشمل ركوب الدابة وحلب البعير فيمنع الردّ

(٤) الوسيلة : في بيان الهبات ، ص ٢٧٩ س ٩ قال : فان خرجت عن ملكه سقط رجوعه فيها وان عادت اليه.

(٥) المختلف : في الهبة ص ٣٠ س ٢٠ قال : وقال ابن الجنيد : ولو كان لرجل على غيره مال أو وديعة

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(ب) لو وهب صحيحا ثمَّ اقبض مريضا خرج من الثلث.

(ج) النماء قبل القبض للمالك ، والمؤنة عليه.

(د) لو مات أحدهما قبله بطلت.

(ه) لو حجر على المالك قبله وقف القبض على إذن الوالي ، وان كان للفلس فالإذن من الغرماء ، وإن كان للجنون ، أو التبذير ، فمن الأب أو الجد له أو الحاكم ، وانما يصح منهما الإذن مع غبطة الهبة ، كما لو كان الموهوب عبدا كبيرا عاجزا عن الكسب.

__________________

فقال له : قد وهبته لك فافترقا تمت الهبة ، والذي ذكره كان عليه أن يدفعه الى صاحبه ثمَّ يسترده منه إلخ.

٧٦

كتاب السبق والرماية

٧٧
٧٨

كتاب السبق والرماية

ومستندهما قوله عليه السّلام : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر. ويدخل تحت النصل السهام والحراب والسيف. وتحت الخف الإبل. وتحت الحافر الخيل والبغال والحمير. ولا يصح في غيرها. ويفتقر

______________________________________________________

كتاب السبق والرماية

مقدّمة

السبق بسكون الباء ، المصدر. والمسابقة ، هي إجراء الخيل وشبهها في حلبة السباق (١) ليعلم الأجود منها والأفرس من الرجال المتسابقين. وبتحريك الباء ، العوض ، وهو المال المجعول رهنا ، ويسمى الخطر (٢) ، والندب ، والعوض ، والرمي ، والمراماة. وهي المناصلة (٣) بالسهام لتعرف حذق الرامي ومعرفته بمواقع الرمي.

__________________

(١) حلاب من أسماء خيل العرب السابقة ـ لسان العرب ج ١ ، لغة حلب.

(٢) الخطر بالتحريك ، السبق الذي يتراهن عليه ، مجمع البحرين لغة خطر.

(٣) النصل حديدة السهم والرمح والسكنى والسيف ما لم يكن له مقبض والجمع نصول ونصال ـ مجمع البحرين لغة نصل.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وفائدة المسابقة والمراماة ، هو بعث العزم على القتال ، والهداية لممارسة النضال (١).

والأصل فيه : الكتاب ، والسنّة ، والإجماع.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ» (٢) وفي المسابقة «قالُوا يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا» (٣) فأخبر بالمسابقة. ووجه الدلالة انه تعالى أمر بإعداد الرمي ورباط الخيل ، والإعداد انما يكون بالتعليم ، وأتمّ ذلك بالمسابقة ، ليكدّ كل واحد نفسه في بلوغ الغاية والحذق فيه.

وأما السنّة : فروى ابن أبي ذويب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : لا سبق إلّا في نصل أو خف أو حافر (٤) وروى (لا سبق) بسكون الباء وتحريكها (٥) وروى أبو لبيد قال : سألت أنس بن مالك هل كنتم تراهنون على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ فقال : نعم ، راهن رسول الله صلّى الله عليه وآله على فرس له ، فسبق ، فسرّ بذلك وأعجبه (٦) وروى الزهري عن سعيد بن المسيب قال : كان لرسول الله صلّى الله عليه وآله ناقة يقال لها العضباء (٧) ، إذا تسابقنا سبقت ، فجاء أعرابي على بكر (٨) فسبقها ، فاغتم

__________________

(١) أصل المناضلة المراماة ، يقال : ناضله إذا راماه مجمع البحرين لغة نضل.

(٢) الأنفال : ٦٠.

(٣) يوسف : ١٧.

(٤) سنن ابي داود : ج ٣ ، كتاب الجهاد ، باب السبق ، الحديث ٢٥٧٤.

(٥) السبق بفتح الباء : ما يجعل من المال رهنا على المسابقة ، وبالسكون مصدر سبقت أسبق سبقا ـ النهاية لابن الأثير.

(٦) مسند احمد بن حنبل : ج ٣ ص ١٦٠ و ٢٥٦.

(٧) كان اسم ناقته العصباء ، هو علم لها من قولهم ناقة عضباء اى مشقوقة الاذن ولم تكن مشقوقة الاذن ـ النهاية لابن الأثير.

(٨) البكر بالفتح : الفتيّ من الإبل ، بمنزلة الغلام من الناس ، والأنثى بكرة ـ النهاية : ج ١ ص ١٤٩

٨٠