المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وسأل محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام متى يجب المهر؟ قال : إذا دخل بها (١).

وفي معناها رواية حفص بن البختري (٢).

فإذا كان الشرط في وجوب المهر هو الوقاع ، وهو غير معلوم ، لا يجوز الحكم بالمهر مع الجهل بموجبة ، لأصالة براءة الذمة ، ولأنه فعله ، فيكون القول قوله فيه ، ولأنه الأصل فيكون القول قول مدّعيه مع يمينه ، ترجيحا للأصل على الظاهر عند التعارض.

(د) وجود الخلوة كعدمها في نفس الأمر ، لكنها أمارة قاضية برجحان قول المرأة مع يمينها لو ادّعت الدخول وأنكره الزوج ، ولا يحلّ لها في نفس الأمر أكثر من النصف ، ويجب على الحاكم القضاء لها بالجميع مع يمينها على وقوع الدخول بها.

فهنا حكمان :

(أ) عدم وجوب الزائد على النصف في نفس الأمر ، ويدلّ عليه عموم ما حكيناه من الروايات.

وخصوص رواية يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة فأدخلت عليه ، وأغلق الباب ، وأرخى الستر ، وقبل ولمّس من غير أن يكون وصل إليها بعد ، ثمَّ طلّقها على تلك الحال ، قال : ليس عليه إلّا نصف المهر (٣).

(ب) تقديم قولها مع يمينها ، لأنها يمكنها إقامة البيّنة على ذلك ، لأنها تدّعي الظاهر إذا شاهد حال الصحيح مع خلوته بالحليلة وعدم المانع من مواقعتها ، والظاهر

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٤١) باب من الزيادات في فقه النكاح ص ٤٦٤ الحديث ٦٨.

(٢) التهذيب : ج ٧ (٤١) باب من الزيادات في فقه النكاح ص ٤٦٤ الحديث ٦٩.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٤١) باب من الزيادات في فقه النكاح ص ٤٦٧ الحديث ٧٨.

٤٠١

(الثاني) قيل : إذا لم يسمّ لها مهرا ، وقدّم لها شيئا قبل الدخول كان ذلك مهرا ما لم يشترط غيره.

______________________________________________________

عند التعارض مقدّم على الأصل ، وهذا هو فتوى الشيخ الجليل العابد محمّد بن أبي عمير من القدماء قدّس الله روحه (١) فاستحسنه الشيخ وأفتى به (٢) وبه قال ابن حمزة (٣) وابن الجنيد (٤) وعليه أكثر المتقدمين.

الثالثة : لا يسقط المهر بعدم القبض وترك المطالبة بعد الدخول ، ونقل الشيخ في التهذيب عن بعض أصحابنا : أنه إذا دخل بها هدم الصداق (٥).

قال طاب ثراه : قيل : إذا لم يسمّ لها مهرا وقدّم لها شيئا قبل الدخول كان ذلك مهرا ما لم يشترط غيره.

أقول : القول المحكى هو المشهور بين الأصحاب ، وبه أفتى الشيخان (٦) (٧)

__________________

(١) و (٢) التهذيب : ج ٧ ص ٤٦٧ س ٤ قال : وكان ابن أبي عمير رحمه الله يقول : الى قوله : ويلزم الرجل المهر كلّه الى قوله : وهذا وجه حسن.

(٣) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ، ص ٢٩٨ س ١٨ قال : وإذا دخل بها وارخي الستر عليهما الى قوله : قبلت منه.

(٤) المختلف : في الصداق ، ص ٩٥ س ٢٩ قال : وقال ابن الجنيد : الى قوله : فان وقعت الخلوة بحيث لا مانع فالحكم بالأغلب إلخ.

(٥) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور ، ص ٣٥٩ الحديث ٢٢ و ٢٣ و ٢٤ و ٢٥ ثمَّ قال بعد نقل الأحاديث : ولو كان الأمر على ما ذهب إليه بعض أصحابنا : من أنه إذا دخل بها هدم الصداق إلخ.

(٦) المقنعة : باب المهور والأجور ص ٧٨ س ١٧ قال : وإن دخل بها وأعطاها قبل الدخول شيئا ، فذلك مهرها إلخ.

(٧) النهاية : باب المهور ، ص ٤٧٠ س ٥ قال : وإن لم يكن قد سمّى لها مهرا وأعطاها شيئا الى قوله : لم يكن لها شي‌ء.

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والقاضي (١) وسلار (٢) وادّعى ابن إدريس عليه الإجماع (٣) وتوقّف المصنف (٤) وفصلّ العلامة ، فقال : إن رضيت بالمدفوع إليها لم يكن لها المطالبة بشي‌ء وإن لم يرض به مهرا كان لها ذلك (٥).

بقي هنا شي‌ء

وهو أن نقول : قد كان في الزمن الأوّل لا يدخل الرجل حتى يقدّم المهر ، والعادة الآن بخلاف ذلك ، فلعلّ منشأ الحكم العادة.

فتقول : إن كانت العادة في بعض الأزمان ، أو الأصقاع كالعادة في القديم ، كان الحكم ما تقدم ، وإن كانت العادة كالعادة الآن كان القول قولها ، هذا آخر كلامه رحمه الله (٦) وقال ابن حمزة : إن دخل بها قبل الفرض وبعث إليها قبل الدخول بشي‌ء ، فإن ردت عليه ، أو أبت قبوله من جهة المهر ، لزمه مهر المثل ، وإن لم تردّ وقالت المرأة بعد ذلك أنها هديّة ، والرّجل يقول أنها مهر ، كان القول قول الرجل مع اليمين ، فإن حلفت سقطت دعواها ، وإن نكل لزم لها مهر المثل ، وإن ردّ اليمين كان له ذلك (٧).

__________________

(١) المهذب : ج ٢ باب الصداق وأحكامه ، ص ٢٠٢ س ١٥ قال : وإن أعطاها شيئا الى قوله : لم يكن لها سوى ما قبضته منه قبل دخوله بها.

(٢) المراسم : ذكر المهر ص ١٥٢ س ٧ قال : وإن دخل بها وقد أعطاها قبل الدخول شيئا ما ، كان ذلك مهرها.

(٣) السرائر : باب المهور ص ٣٠١ س ١٧ قال : وإن لم يكن سمّى لها مهرا وأعطاها شيئا قبل دخوله بها الى قوله : فانّ دليل هذه المسألة هو الإجماع.

(٤) لاحظ مختاره في النافع.

(٥) المختلف : في الصداق ص ٩٥ س ١٩ قال : والوجه عندي التفصيل إلخ.

(٦) المختلف : في الصداق ، ص ٩٥ س ٢٠ قال : بقي هنا شي‌ء إلخ.

(٧) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ص ٢٩٦ س ٨ قال : وان دخل بها قبل

٤٠٣

(الثالث) إذا طلّق قبل الدخول رجع بالنصف إن كان أقبضها ، أو طالبت بالنصف إذا لم يكن أقبضها ولا تستعيد الزوج ما تجدّد من النماء بين العقد والطلاق ، متّصلا كان كاللبن ، أو منفصلا كالولد. ولو كان النماء موجودا وقت العقد رجع بنصفه كالحمل. ولو كان تعليم صنعة أو علم فعلّمها رجع بنصف أجرته ولو أبرأته من الصداق رجع بنصفه.

(الرابع) لو أمهرها مدبّرة ثمَّ طلّق صارت بينهما نصفين ، وقيل : يبطل التدبير بجعلها مهرا وهو أشبه.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : لو أمهرها مدبّرة ثمَّ طلّق صارت بينهما نصفين ، وقيل : يبطل التدبير بجعلها مهرا وهو أشبه.

أقول : يريد لو أمهرها مدبّرة ، هل يبطل تدبيرها بجعلها مهرا؟ لأنه بمنزلة الوصية ، والوصية تبطل بمثل ذلك ، فلو طلّقها قبل الدخول رجع إليه نصفها وكان طلقا لا تدبير فيه ، أو يكون التدبير باقيا ، ولا يبطل بمجرّد الإمهار ، بل لا يبطل إلّا بصريح الرجوع ، ويكون الإمهار في الحقيقة منصرفا إلى المنافع ، فلو مات انعتقت ، ولا سبيل للمرأة على كلّها لو كان بعد الدخول ، ولا نصفها لو كان قبله : ابن إدريس (١) والمصنف (٢) والعلامة (٣) على الأوّل.

__________________

الفرض إلخ وفيه (قبل القبض) وهو غلط مطبعى ظاهرا.

(١) السرائر : في باب المهور ، ص ٣٠٣ س ٨ قال : والذي يقتضيه أصول مذهبنا أن يقال : الى قوله : وتخرج عن كونها مدبرة إلخ.

(٢) لاحظ مختاره في النافع.

(٣) المختلف : في الصداق ص ٩٧ س ٢٢ قال : والمعتمد بطلان التدبير بالإصداق إلخ.

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والشيخ (١) والقاضي (٢) على الثاني.

احتج الشيخ بما رواه معلى بن خنيس قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام وأنا حاضر عن رجل تزوّج امرأة على جارية له مدبرة ، قد عرفتها المرأة وتقدّمت على ذلك ، وطلّقها قبل أن يدخل بها ، قال : فقال : أرى للمرأة نصف خدمة المدبّرة ، فيكون للمرأة يوم في الخدمة ، ويكون لسيدها الّذي كان دبّرها يوم في الخدمة ، قيل له : وإن ماتت المدبّرة قبل المرأة والسيد لمن يكون الميراث؟ قال : يكون نصف ما تركت للمرأة ، ونصفها الآخر لسيدها الّذي دبّرها (٣).

وفي الطريق قول ينشأ من معلّى ، فإن فيه خلافا (٤).

فرع

على قول الشيخ رحمه الله يقيد ذلك بكونها عالمة بالتدبير ، كما تضمّنته الرواية ، ولو لم تكن عالمة كان لها إلزام الزوج بالرجوع ، وإن لم يرجع كان لها فسخ المهر

__________________

(١) النهاية : باب المهور ، ص ٤٧٣ س ٤ قال : وإذا عقد لها على جارية مدبّرة إلى قوله فاذا مات المدبّر صارت حرّة إلخ.

(٢) المهذب : ج ٢ باب الصداق ، ص ٢٠٦ س ٩ قال : وإذا تزوّج امرأة وجعل مهرها جارية مدبّرة إلى قوله : انعتقت المدبّرة إلخ.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور ، وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ، ص ٣٦٧ الحديث ٤٩.

(٤) قال النجاشي : ضعيف جدا لا يعوّل عليه ، وقال ابن الغضائري : لا أرى الاعتماد في حديثه ، وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : انه كان من قوام أبي عبد الله عليه السّلام وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه ، وقال المحقق الوحيد في جملة من كلامه : ويظهر من مهج الدعوات لابن طاوس وغيره كونه من أشهر وكلاء الصادق عليه السّلام وأجلّهم ، وانه قتل بسبب ذلك ، وانه كان يجي‌ء الأموال إليه (تلخيص من تنقيح المقال ج ٣ ص ٢٣٠).

٤٠٥

(الخامس) لو أعطاها عوض المهر متاعا ، أو عبدا آبقا وشيئا ، ثمَّ طلّق رجع بنصف المسمّى دون العوض.

(السادس) إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع ، فسد الشرط دون العقد والمهر ، كما لو شرطت ألّا يتزوّج أو لا يتسرّى ، وكذا لو شرطت تسليم المهر في أجل ، فإن تأخر عنه فلا عقد ، أمّا لو شرطت أن لا يفتضّها صحّ ، ولو أذنت بعده جاز ، ومنهم من خصّ جواز الشرط بالمتعة.

______________________________________________________

والرجوع بالأرش ، أو مهر المثل على إشكال.

قال طاب ثراه : أمّا لو شرطت أن لا يفتضّها صحّ ، ولو أذنت بعده جاز ، ومنهم من خصّ جواز الشرط بالمتعة.

أقول : للأصحاب هنا خمسة أقوال :

(أ) صحة العقد والشرط مطلقا ، أي سواء كان العقد دائما أو منقطعا ، ولو أذنت بعد ذلك جاز فهنا حكمان.

تحريم الافتضاض (١) مع عدم الإذن ، وموجبه لزوم الوفاء بالشرط. وتسويغه بعد الإذن ، لأنّ بالعقد ملك الاستمتاع ، وإنما كان الامتناع لمكان الشرط ، ولا مانع من هذا الشرط ، فيكون لازما.

لقوله صلّى الله عليه وآله : المؤمنون عند شروطهم (٢) وقد زال برضاها.

ولرواية سماعة بن مهران عن الصادق عليه السّلام قال : قلت له : رجل جاء الى امرأة فسألها أن تزوّجه نفسها؟ فقالت : أزوّجك نفسي على أن تلتمس منّي ما شئت ، من نظر أو التماس ، وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلّا أنّك لا تدخل

__________________

(١) افتض الجارية أزال بكارتها ، والافتضاض بالفاء بمعناه (مجمع البحرين ـ فضض).

(٢) عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢١٨ الحديث ٨٤ وص ٢٩٣ الحديث ١٧٣ وج ٢ ص ٢٥٧ الحديث ٧ وج ٣ ص ٢١٧ الحديث ٧٧ ولاحظ ما علق عليه.

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فرجك في فرجي ، وتتلذّذ بما شئت ، فإني أخاف الفضيحة ، قال : ليس له إلّا ما اشترط (١).

وعن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام قال : قلت له : رجل تزوّج بجارية عاتق (٢) على أن لا يفتضها ، ثمَّ أذنت له بعد ذلك ، فقال : إذا أذنت له فلا بأس (٣) وهو مذهب الشيخ في النهاية (٤).

(ب) بطلان الشرط خاصة وصحة العقد فيهما ، فله الوطي وإن لم ترض قاله القاضي (٥) وابن إدريس (٦) وفخر المحققين (٧) ولعل وجهه ما ثبت من كون الشرط الفاسد لا يوجب فسادا في العقد ، كما لو شرط أن لا يتزوج عليها ، أو لا يتسرى.

ولما رواه محمّد بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال : قضى علي عليه السّلام في رجل تزوج امرأة وأصدقها ، واشترط أنّ بيدها الجماع والطلاق قال : خالف السنة

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ، ص ٣٦٩ الحديث ٥٨.

(٢) العاتق : الشابة أول ما تدرك ، وقيل : هي التي لم تبن من والديها ولم تزوّج وقد أدركت وشبت (النهاية لغة عتق).

(٣) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ، ص ٣٦٩ الحديث ٥٩.

(٤) النهاية : باب المهور وما ينعقد به النكاح وما لا ينعقد ص ٤٧٤ س ٥ قال : فان شرطت عليه في حال العقد الى قوله : فإن أذنت جاز.

(٥) المهذب : ج ٢ باب الصداق واحكامه ص ٢٠٧ س ٤ قال بعد نقل قول الشيخ : (والاولى ما ذكرناه) أي كون الشرط باطلا.

(٦) السرائر : باب المهور ، ص ٣٠٣ س ١٨ قال بعد نقل قول الشيخ : والذي يقتضيه أصول المذهب ان الشرط باطل إلخ.

(٧) الإيضاح : ج ٣ ، في المهر ، ص ٢٠٧ س ١٩ قال بعد نقل مختار ابن إدريس : وهو الأقوى عندي.

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وولّى الحق من ليس بأهله ، قال : فقضى أنّ على الرجل النفقة ، وبيده الجماع والطلاق ، وذلك السنة (١).

(ج) صحة هذا الشرط إذا وقع في العقد المنقطع ، وبطلان العقد والشرط في الدائم ، قاله الشيخ في المبسوط (٢) وبه قال قطب الدين الكيدري (٣).

(د) بطلان الشرط دون العقد في الدائم ، وصحتها في المؤجّل قاله ابن حمزة (٤).

(ه) ظاهر العلامة في المختلف بطلان العقد والشرط في النكاحين ، لأنه بعد أن حكى قول الشيخ في المبسوط : من أنّ الشرط إذا عاد بفساد العقد ، مثل أن يشترط الزوجة أن لا يطأها فالنكاح باطل ، لأنه شرط يمنع المقصود بالعقد.

وقد روى أصحابنا أنّ العقد صحيح والشرط صحيح ، ولا يكون له وطئها ، فإن أذنت له فيما بعد كان له ذلك ، قال : وعندي أنّ هذا يختص بعقد المتعة دون عقد الدائم ، ثمَّ حكى قول ابن إدريس ، ثمَّ قال بعده : والوجه عندي ما قاله الشيخ في المبسوط ، من بطلان العقد والشرط معا ، أمّا الشرط فلأنه مناف لمقتضى العقد ، وأمّا العقد فلعدم الرضا به بدون الشرط ، ثمَّ أجاب في آخر المسألة عن حجّة المجوّزين بالطعن في سند الأحاديث ، وعن قوله عليه السّلام : «المؤمنون عند شروطهم» بأنه يختص بالشروط السائغة ، فهذا الشرط إن كان سائغا لم يحل له الافتضاض بعد

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور ما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ، ص ٣٦٩ الحديث ٦٠.

(٢) المبسوط : ج ٤ ، كتاب الصداق ، ص ٣٠٤ س ٢ قال : وعندي أنّ هذا يختص عقد المتعة دون عقد الدوام.

(٣) المختلف : في الصداق ، ص ٩٧ س ٢٩ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط : ومثله قال قطب الدين الكيدري.

(٤) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ، ص ٢٩٧ س ١٣ قال في الشروط الباطلة : ولا يجامعها ، إلا في نكاح المتعة.

٤٠٨

(السابع) لو شرط أن لا يخرجها من بلدها لزم. ولو شرط لها مائة إن خرجت معه ، وخمسين إن لم تخرج ، فإن أخرجها إلى بلد الشرك ، فلا شرط له ولزمته المائة ، وإن أرادها إلى بلد الإسلام فله الشرط.

______________________________________________________

العقد بإذنها ، لعدم تناول العقد له (١) فاستدلاله في أوّل المسألة وجوابه في آخرها يتناول الدائم والمنقطع.

وأجيب عن قوله : فهذا الشرط إن كان سائغا لم يحل له الوطء بإذنها لعدم تناول العقد له.

قلنا : بل تناوله العقد ، لأنّا نبحث عن صحة العقد ، والعقد الصحيح يقتضي إباحة البضع للزوج ، فإن قال : يقتضي ذلك إباحته له من غير توقف على إذنها ، قلنا : وجوب الوفاء بالشرط وقّفه على إذنها.

قال طاب ثراه : لو شرط أن لا يخرجها من بلدها لزم ، ولو شرط لها مائة إن خرجت معه وخمسين إن لم تخرج ، فإن أرادها إلى بلد الشرك ، فلا شرط له ولزمته المائة ، وإن أخرجها إلى بلد الإسلام فله الشرط (٢).

أقول : هنا بحثان :

(الأوّل) وهذا الشرط أعني أن لا يخرجها من بلدها ، هل هو من الشروط السائغة التي يلزم إذا ذكرت في العقد ، أولا؟ قال الشيخ في النهاية بالأوّل (٣) وبه

__________________

(١) المختلف : في الصداق ، ص ٩٧ س ٢٧ قال : وقال الشيخ في المبسوط إلخ.

(٢) عبارة المختصر النافع المطبوع كما أثبتناه في صدر الصفحة ، وفي النسخ المخطوطة من المهذب بدل (فإن أخرجها إلى بلد الشرك) (فإن أرادها إلى بلد الشرك) وفي الجملة الأخيرة أيضا بدل (وان أرادها إلى بلد الإسلام) (وان أخرجها إلى بلد الإسلام).

(٣) النهاية : باب المهور وما ينعقد به النكاح وما لا ينعقد ، ص ٤٧٤ س ١٥ قال : ومتى شرط الرجل الى قوله : كان له ما اشترط عليها.

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قال القاضي (١) وابن حمزة (٢) واختاره المصنف (٣) والعلامة (٤) لأن الأغراض تتعلق باللّبث في المنازل ، والاستيطان في البلدان التي حصل النشو فيها والأنس بها ، وهو أمر مطلوب للعقلاء ، سائغ في نظر الشرع ، فجاز جعله شرطا في عقد النكاح توصّلا إلى تحصيل الأغراض المباحة ، والمطالب السائغة الظاهرة حكمها.

ولصحيحة أبي العباس عن الصادق عليه السّلام في الرجل يتزوج امرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من بلدها ، قال : تفي لها بذلك ، أو قال : يلزمه ذلك (٥).

وقال في الكتابين يبطل الشرط ويصح النكاح (٦) (٧) وبه قال ابن إدريس (٨) لأنه يجب عليها مطاوعة زوجها في الخروج معه إلى حيث يشاء ، واختاره فخر المحققين (٩) لأنّ مقتضى عقد النكاح تسلّط الزوج على المرأة بالإسكان

__________________

(١) المهذب : باب الصداق وأحكامه ص ٢١٢ س ١٦ قال : وإذا عقد على امرأة وشرط لها إلى قوله : كان الشرط صحيحا.

(٢) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ، ص ٢٩٧ س ١٩ قال : والثالث يصح ذلك الى قوله : أو يشترط المهر مائة إن أخرجها إلخ.

(٣) لاحظ مختاره في النافع.

(٤) المختلف : في الصداق ، ص ٩٨ س ١٢ قال : والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.

(٥) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما ينعقد ، ص ٣٧٢ الحديث ٦٩.

(٦) المبسوط : ج ٤ ، حكم الشروط في العقد ، ص ٣٠٣ س ١٨ قال : مثل أن لا يسافر بها الى قوله : فهذا شرط باطل ولا يفسد المهر عندنا.

(٧) الخلاف : كتاب الصداق ، مسألة ٣٢ قال : إذا أصدقها ألفا وشرط أن يسافر بها إلى قوله : والشرط باطلا.

(٨) السرائر : باب المهور ص ٣٠٣ س ٢٨ قال بعد نقل قول الشيخ في الخلاف : وهو الصحيح : وانما أورد ما أورده في نهايته إيرادا لا اعتقادا.

(٩) الإيضاح : ج ٣ ، في المهر ، ص ٢١٠ س ٩ قال : والأصح عندي قول ابن إدريس ، وهو أنه

٤١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والاستمتاع وغير ذلك.

(الثاني) إذا شرط لها مائة إن خرجت وخمسين إن لم تخرج ، فإن أراد إخراجها إلى بلد الشرك فلا شرط له ولزمه المائة ، وإن أراد إخراجها إلى بلد الإسلام لزمها الإجابة ، ومع عدمها يكون لها الخمسون ، وهنا سؤالان :

(أ) إذا شرط لها خمسين مع المقام ومع السفر مائة ، يكون المهر مجهولا ، وذلك يقتضي فساده ، ويرجع فيه إلى مهر المثل ، فالقول بتصحيحه وتعيينه يحتاج إلى دليل.

(ب) كيف يقول العلامة في القواعد : ولو شرط لها مهرا إن لم يخرجها من بلدها ، وأريد إخراجها إلى بلد الشرك ، لم يلزمه إجابته ، ولها الزائد ، وإن أخرجها إلى بلد الإسلام كان الشرط لازما (١).

وفيه نظر ، وظاهر هذه العبارة أنّه لم يخرج بها إلى بلد الشرك ، لأن الإجابة وعدمها أمر متقدّم على الخروج ، وإنما شرطت لها المائة على تقدير الإخراج ، فكيف يلزمه مع عدمه.

والجواب عن الأوّل : أنّ تطرق الجهالة إلى المهر غير قادح في صحته وتعيينه ، ولهذا جاز أن يتزوجها على القبضة من الفضة ، والقبضة من الحنطة من غير كيل ولا وزن ، ويتعين ذلك ولا يجب غيره ، وعلى الدار والخادم والبيت مع عدم الوصف والتعيين ، ويجب وسط ذلك ، وأيضا الأصل الصحّة.

ويؤيّده حسنة على بن رئاب عن الكاظم عليه السّلام قال : سئل وأنا حاضر عنده عن رجل تزوّج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده ، فإن لم تخرج

__________________

لا يصح هذا الشرط.

(١) القواعد : ج ٢ ، الثالث الشرط ، ص ٣٨ س ١٧ قال : ولو شرط لها مهرا ان لم يخرجها من بلدها إلخ.

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

معه فمهرها خمسون دينارا ، أرأيت إن لم تخرج معه إلى بلاده؟ قال : فقال : إن أراد أن يخرج بها إلى بلد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ولها مائة دينار التي أصدقها إيّاها ، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار السّلام ، فله ما شرط عليها والمسلمون عند شروطهم ، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدّى لها صداقها ، أو يرضى من ذلك بما رضيت ، وهو جائز له (١).

وعن الثاني : أن المراد أنه تزوجها وعقد عليها بالمائة ، وشرط الخمسين على تقدير الامتناع ، وحينئذ يقول بالعقد على مائة ، فان أراد إخراجها إلى بلده وكانت بلاده في دار الإسلام وجب عليها إجابته ولها مهرها الّذي وقع عليها العقد ، وإن لم بحبه كان له أن ينقصها خمسين عملا بالشرط ، وإن لم يكن بلاده في دار الإسلام لم يجب عليها إجابته ، لوجوب الهجرة عن دار الشرك ، فلا يعقل وجوبها إليها ، ولها مهرها الذي وقع عليه العقد ، لأن امتناعها شرعي ، والمائة واجبة لها بالعقد الصحيح ، ولم يحصل ما يوجب نقصها ، وهو الامتناع عن الخروج إلى بلاد لا يسوغ السفر إليها والإقامة بها.

والواو عند العلامة وأكثر المحققين للجمع المطلق ، لا للترتيب ، فمراده في القواعد : ما قلناه في الجواب الثاني ، فيكون تقدير كلامه : ولو شرط لها مهرا إن أخرجها ، وأنقص إن لم يخرج ، إذا الواو لا تدل على الترتيب ، ولهذا يصح أن يقال : جاء زيد وعمرو قبله ، من غير تناقض ، فلا تنافي عبارته ما صوّرناه في الجواب ، ولو أردت المسألة بلفظ الرواية لم يرد السؤال الثاني ، ولم يحتج الى هذا التعسّف ، أما عبارة النافع ، فلا يرد عليها ذلك.

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور ، وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ، ص ٣٧٣ الحديث ٧٠.

٤١٢

(الثامن) لو اختلفا في أصل المهر ، فالقول قول الزوج مع يمينه ، ولو كان بعد الدخول ، وكذا لو خلا فادّعت المواقعة.

(التاسع) يضمن الأب مهر ولده الصغير ، إن لم يكن له مال وقت العقد ، ولو كان له مال كان على الولد.

(العاشر) للمرأة أن تمتنع حتى تقبض مهرها ، وهل لها ذلك بعد الدخول؟ فيه قولان : أشبههما أنه ليس لها ذلك.

______________________________________________________

والشيخ في كتابي الفروع عدّ من الشروط الفاسدة أن لا يسافر بها ، أو لا يتسرّى عليها (١) (٢) ، وليس صريحا في مساواة صورة النزاع ، لأنّ السفر ربما يراد به المستمرّ أو الغالب ، أو البعيد ، والإخراج عن البلد يصدق بدون ذلك.

وذهب بعض الأصحاب إلى فساد المهر ، لعدم تعيينه ، ووجوب مهر المثل (٣).

والأقرب العمل على الرواية كمذهب العلامة في المختلف.

قال طاب ثراه : للمرأة أن تمنع حتى تقبض مهرها ، وهل لها ذلك بعد الدخول؟ فيه قولان : أشبههما أنه ليس لها ذلك.

أقول : اعلم أنّ الغرض الأقصى في النكاح في نظر الشارع ، وللمكلّف إنما هو حصول النّسل وغضّ البصر وعفة الفرج ، وقضاء الوطر من الشهوة ، وحصول التلذّذ والاستمتاع ، ويتبعه التوارث ، ووجوب الإنفاق والمهر.

ولما كان الإنفاق متكرّرا ، وبه قوام بدن الإنسان ، رتب الشارع في مقابله وجوب التمكين على المرأة في كلّ وقت ، فلو منعت يوما واحدا سقطت نفقة ذلك

__________________

(١) تقدم نقله عن المبسوط : ج ٤ ، حكم الشروط في العقد ، ص ٣٠٣ س ١٨ في قوله : فاذا ثبت انه باطل الى قوله : مثل ان شرط أن لا يسافر بها إلخ.

(٢) تقدم أيضا في الخلاف ، كتاب الصداق مسألة ٣٢.

(٣) المسالك : ج ١ ص ٥٥١ س ٢ قال : والذي يوافق الأصل بطلان الشرط المذكور ، وبطلان المهر ، وصحة العقد الى قوله : وعلى هذا فيثبت لها مهر المثل إلخ.

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

اليوم ، وتعود بعود التمكين ، وربما كان سبب وجوبها لاشتغالها بالزوج عن اهتمامها بأمور نفسها ، فأشبه المعاوضة من هذه الحيثية ، وليس معاوضة محضة لما قلناه من كون المقصود بالنكاح إنما هو الأمر الأوّل.

والتحقيق أن نقول : قد امتازت المعاوضة بأمور ليس في النكاح ، وامتاز عنها بأمور ليست موجودة فيها. ففي المعاوضة المحضة لكل من المتعاوضين المنع من تسليم عوضه حتى يقبض العوض الآخر ، وله الفسخ عند تعذّر التسليم ، فالنكاح قد شابه المعاوضة من وجوه :

(أ) سقوط الإنفاق عن الزوج مع النشوز.

(ب) جواز الفسخ لكل منهما إذا وجد بصاحبه ما يمنع الاستمتاع ، لما كانت ثمرته مشتركة بينهما ، وهي مبذولة منهما ، وفائدتها لهما ، فتفسخ بعنّته وجبّة ، ويفسخ بقرنها ورتقها.

(ج) لها أن تمتنع حتى يقبض مهرها ، كما تمنع البائع من تسليم السلعة حتى يقبض الثمن ، وله الامتناع من تسليم المهر كما يمتنع المشتري من التسليم حتى يقبض السلعة ، سواء كان موسرا أو معسرا ، لتحصيل فائدة التعويض ، فيجبرهما الحاكم على التقابض معا ، لعدم الأولوية كما في المعاوضة.

وباين المعاوضة من وجوه :

(أ) تقابل كل واحد من العوضين بكل العوض الآخر في المعوضة ، وفي النكاح يكون كل المهر في مقابل الوطأة الاولى.

(ب) إن في المعاوضة لو تلف أحد العوضين قبل قبضه بطلت المعاوضة وانفسخ العقد ، وليس كذلك النكاح ، فإنّ تلف المهر يوجب مثله أو قيمته ، وموت المرأة تقرّر كل المهر ويوجب الإرث.

(ج) إن في المعاوضة لو أتلف أحد العوضين متلف رجع صاحبه بقيمته ، وفي النكاح ليس كذلك ، فإنه لو قتلت نفسها ، أو قتلها أجنبي لم يسقط مهرها ، ولا يضمنه الأجنبي إذا تقرّر هذا فنقول : هنا ثلاث قواعد :

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) لا امتناع بعد تحقق القبض بإذن صاحبه ، لأن حق الإمساك زال بالدفع ، واستقرّ الملك للقابض فلا يستعاد منه ، ولا يمنع من التصرف فيه.

(ب) إنّ القبض في النكاح هو الوطء ، إذا البضع لا يدخل تحت اليد ولو كانت أمة ، ولهذا لا يجب عوض بضعها لو غصبت ما لم توطأ بشروطه.

(ج) هل القبض كرها كهو طوعا؟ يحتمل ذلك ، لانتقال الضمان إليه ، ويحتمل عدمه ، إذ للمقبوض منه السلطنة عليه والمنع منه ، فلا يترتب عليه أثر الصحيح ، والضمان عقوبة كالغصب ، وصرّح به ابن حمزة (١) لأنّها لم تسقط حقها من الإمساك ، وهو حسن كما في المبيع.

إذا تمهّد هذا فنقول : للمرأة المنع من التسليم قبل الدخول إجماعا مع حلول المهر قطعا.

والخلاف في مقامين :

(أ) هل لها ذلك بعد الدخول؟ قال في الخلاف : ليس لها الامتناع ، بل لها المطالبة بالمهر (٢) وبه قال السيد (٣) والتقي (٤) وابن حمزة (٥) وابن إدريس (٦) واختاره

__________________

(١) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ، ص ٢٩٩ س ٣ قال : وللمرأة الامتناع من الدخول عليها وان أفضى إليها كرها.

(٢) الخلاف : كتاب الصداق ، مسألة ٣٩ قال : إذا سمّى الصداق ودخل بها قبل أن يعطي شيئا لم يكن لها بعد ذلك الامتناع إلخ.

(٣) الانتصار : في بيان مقدار الصداق ، ص ١٢٢ س ٦ قال : مسألة إلى قوله : الا انه ليس لها أن تمنع نفسها وان كان قبل الدخول.

(٤) الكافي : الضرب الأوّل من الأحكام ص ٢٩٤ س ٨ قال : وليس لها منع نفسها منه وانما لها ذلك قبل الدخول.

(٥) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ، ص ٢٩٩ س ٤ قال : وان أمكنت من الدخول لم يكن لها بعد ذلك الامتناع.

(٦) السرائر : باب المهور ، ص ٣٠٤ س ٢ قال : فاما إذا دخل بها فلها المطالبة بالمهر وليس لها

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المصنف (١) والعلامة (٢) لأن التسليم الأوّل ، تسليم استقرّ به العوض برضا المسلم ، فلم يكن لها الامتناع بعد ذلك ، كما لو سلّم المبيع قبل قبض الثمن ثمَّ أراد منعه ، ولأنّ البضع حقه والمهر حق عليه ، وليس إذا كان عليه حق جاز أن يمنع حقه. وقال في المبسوط : لها الامتناع (٣) لأن التسليم واجب عليها بعقد النكاح ، فكان لها الامتناع في أول الحال ، وكذا في ثاني الحال ، توصلا إلى استيفاء الحق ، وللاستصحاب. وأطلق المفيد (٤) والقاضي (٥) والشيخ في النهاية (٦) جواز الامتناع من غير تفصيل إلى الدخول وعدمه.

(ب) لو كان المهر مؤجّلا ، لم يكن لها الامتناع قبل الحلول إجماعا ، ولو حلّ بعد امتناعها قبله ، هل لها الامتناع؟ فيه احتمالان :

(أحدهما) لا ، وهو الّذي يرجحه المصنف ، لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول ، وللاستصحاب.

(والثاني) لها الامتناع ، لأنه مهر حال على زوج لم يدخل ، فللزوجة الامتناع حتى يقبضه.

__________________

الامتناع حتى تقضيه.

(١) لاحظ مختاره في النافع.

(٢) المختلف : في الصداق ، ص ٩٨ س ٣٩ قال : والأقرب ما قاله في الخلاف.

(٣) المبسوط : ج ٤ كتاب الصداق ص ٣١٣ س ٢٠ قال : واما إن كان دخل بها الى قوله : وقال قوم : لها ان تمتنع حتى تقبض المهر ، وهو الذي يقوى في نفسي.

(٤) المقنعة : باب المهور ، ص ٧٨ س ١٩ قال : وللمرأة أن تمنع الزوج نفسها منه حتى تقبض المهر.

(٥) المهذب : ج ٢ (في عدم جواز تمكينها) ص ٢١٤ س ٦ قال : فإن كانت لم تقبضه كان بها الامتناع منه.

(٦) النهاية : باب المهور وما ينعقد به النكاح وما لا ينعقد ص ٤٧٥ س ١١ قال : وللمرأة أن تمتنع من زوجها حتى تقبض منه المهر ، فإذا قبضته لم يكن لها الامتناع.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

واعلم : أن محل الخلاف إنما هو على تقدير وقوع الدخول باختيار المرأة ، فلو سلمت قهرا كان لها المهر بعد ذلك ، وقد صرّح به ابن حمزة (١) لأنه لم يسقط حقها من الإمساك ، وهو حسن ، كما في البيع.

فرع

لم يفرّق المصنف (٢) والعلامة (٣) بين الموسر والمعسر ، ويظهر من ابن إدريس منع الامتناع في حق المعسر (٤) لتحريم المطالبة ، والأوّل أقوى كما في غيره من المعاوضات.

ويظهر الفائدة في أمور :

(أ) لو بذلت التمكين بشرط ، المهيرة ، ومنعت التسليم ، للقبض ، لم يأثم على الأوّل ، ولا يفسق ، ولا تردّ شهادتها بذلك ، وتأثم على الثاني.

(ب) لا يسقط نفقتها على الأوّل ، لتحقق التمكين من طرفها ، والمنع لعذر في الزوج فهو كالعنن والمرض ، دون الثاني.

(ج) يجب فطرتها على الأوّل على الزوج ، ويسقط بفقره ، وعلى الثاني يجب عليها.

__________________

(١) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ، ص ٢٩٩ س ٣ قال : وان أفضى إليها كرها.

(٢) لاحظ إطلاق كلامه في عبارة النافع ، ولاحظ تصريحه في الشرائع (في المهور) حيث قال : ولها أن تمنع من تسليم نفسها الى قوله : سواء كان الزوج موسرا أو معسرا.

(٣) القواعد : المقصد الثاني في المهر ، ص ٣٧ س ٧ قال : ولها أن تمتنع الى قوله : سواء كان الزوج موسرا أو معسرا.

(٤) السرائر : في باب المهور ، ص ٣٠٣ س ٣٧ قال : وللمرأة أن تمتنع من زوجها الى قوله : والزوج موسرا به قادرا على أدائه.

٤١٧

(النظر الثالث) في القسم والنشوز والشقاق :

أمّا القسم : فللزّوجة الواحدة ليلة ، وللإثنين ليلتان ، وللثلاث ثلاث ، والفاضل من الأربع ، له أن يضعه حيث شاء ، ولو كنّ أربعا فلكل واحدة ليلة ، ولا يجوز الإخلال إلّا مع العذر أو الإذن ، والواجب المضاجعة ، لا المواقعة. ويختصّ الوجوب باللّيل دون النهار ، وفي رواية الكرخي إنما عليه أن يكون عندها في ليلتها ويظلّ عندها في صبيحتها. ولو اجتمعت مع الحرة أمة بالعقد فللحرة ليلتان ، وللأمة ليلة ، والكتابية كالأمة ، ولا قسمة للموطوءة بالملك. ويختصّ البكر عند الدخول بثلاث إلى سبع ، والثيّب بثلاث.

ويستحب التسوية بين الزوجات في الإنفاق ، وإطلاق الوجه ، والجماع ، وأن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها.

______________________________________________________

(د) لا تعدّ ناشزا على الأوّل دون الثاني.

وفائدته في أمور : كاستحقاق النذر ، والوقف ، والوصية ، وعدم حنثها لو حلفت : لا تنشز على زوج.

(القسم الثالث) في القسم والنشوز والشقاق

قال طاب ثراه : وفي رواية الكرخي إنما عليه أن يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في صبيحتها.

أقول : المشهور بين الأصحاب اختصاص القسم بالليل ، وقال ابن الجنيد :

٤١٨

وأمّا النشوز : فهو ارتفاع أحد الزوجين عن طاعة صاحبه فيما يجب له ، فمتى ظهر من المرأة أمارة العصيان ، وعظها ، فإن لم ينجع هجرها في المضجع ، وصورته أن يوليها ظهره في الفراش ، فإن لم تنجع ضربها ، مقتصرا على ما يؤمّل معه طاعتها ما لم يكن مبرّحا ، ولو كان النشوز منه فلها المطالبة بحقوقها ، ولو ترك بعض ما يجب ، أو كلّه استمالة جاز له القبول.

وأمّا الشقاق : فهو أن يكره كل منهما صاحبه ، فإذا خشي الاستمرار بعث كل منهما حكما من أهله ، ولو امتنع الزوجان بعثهما الحاكم ، ويجوز أن يكونا أجنبيّين ، وبعثهما تحكيم توكيل ، فيصلحان إن اتفقا ، ولا يفرّقان إلّا مع إذن الزوج في الطلاق ، والمرأة في البذل ، ولو اختلف الحكمان لم يمض لهما حكم.

______________________________________________________

الواجب لهن مبيت الليل ، وقيلولة صبيحة تلك الليلة (١) ، ومستنده رواية إبراهيم الكرخي قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل له أربعة نسوة فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهنّ ويمسهن ، فاذا نام عند الرابعة في ليلتها لم يمسّها ، فهل عليه في هذا إثم؟ قال : إنما عليه أن يكون عندها في ليلتها ، ويظلّ عندها في صبيحتها ، وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك (٢).

قال طاب ثراه : وبعثهما تحكيم لا توكيل.

أقول : هنا مسائل :

الأول : هل بعث الحكمين واجب أو مندوب؟ قيل : بالأوّل لصيغة الأمر في

__________________

(١) المختلف : في لواحق النكاح ، ص ٢٩ س ٥ قال : ابن الجنيد : العدل بين النساء الى قوله : مبيت بالليل وقيلولة صبيحة تلك الليلة.

(٢) التهذيب : ج ٧ (٣٧) باب القسمة بين الأزواج ، ص ٤٢٢ الحديث ١١.

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله «فَابْعَثُوا» (١) وقيل : بالثاني الأمر للندب والإرشاد.

الثانية : هل الحكمان وكيلان للزوجين ، أو حكمان متوليان من جهة الحاكم؟ قيل : بالأوّل ، فيوكل الزوج حكمه بالطلاق ، أو في الخلع ، والمرأة حكمها ببذل العوض وقبول الطلاق ولا يجوز بعثهما إلا برضاهما ، وإن لم يرضيا أدّب الحاكم الظالم ، واستوفى حق المظلوم ، وقال أبو علي : يأمر الحاكم الزوج أن يختار رجلا من أهله ، والمرأة رجلا من أهلها (٢) وقيل : بالثاني ويستقل الحاكم بالبعث من غير استيذان ، لعموم الآية ، ولأنهما نائبا الحاكم في التقرير والتحديد ، ويستقلان بفعل ما يريانه صلاحا من غير إذن سابق ، أو توقّف على إجازة لاحقة إلّا في الفرقة ، فلا يطلّق حكم الزوج إلّا بإذنه ، ولا يبذل حكم المرأة المخلع إلّا بإذنها ، وقال ابن حمزة : ينفذ الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها ليدبر الأمر ، فإن جعل بينهما الإصلاح والطلاق ، أنفذا ما رأياه صلاحا من غير مراجعة (٣) وهو ظاهر أبي علي (٤) والأوّل هو المذهب المشهور ، قال الشيخ في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا أن ذلك حكم ، لأنهم رووا أنّ لهما الإصلاح من غير استيذان ، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره إلّا بعد أن يستأذناهما ، ولو كان ذلك توكيلا لكان ذلك تابعا للوكالة وبحسب شرطها (٥) وبه قال ابن إدريس (٦) وقال القاضي في المهذّب : وقد كنّا ذكرنا في

__________________

(١) النساء : ٣٥.

(٢) المختلف : في الخلع ص ٤٦ قال : مسألة قال ابن الجنيد : الى قوله : أمر الرجل بان يختار من اهله من لا يتهم على المرأة ولا عليه وكذلك تؤخذ المرأة إلخ.

(٣) الوسيلة : فصل في بيان الشقاق ص ٣٣٣ س ١٥ قال : فان ترافعا بعث الحاكم إلخ.

(٤) المختلف : في الخلع ، ص ٤٦ قال : مسألة ، قال ابن الجنيد : وان كان النشوز منهما إلخ.

(٥) المبسوط : ج ٤ ، فصل في الحكمين في الشقاق بين الزوجين ص ٣٤٠ س ١٧ قال : والذي يقتضيه مذهبنا إلخ.

(٦) السرائر : باب الخلع والمبارأة ، ص ٣٣٨ س ١٣ قال : وامّا الشقاق الى قوله : فالواجب على الحاكم

٤٢٠