المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

وإذا اذن له في الوصية جاز ، ولو لم يأذن فقولان : أشبههما أنه لا يصح.

ومن لا وصى له فالحاكم وصى تركته.

______________________________________________________

الوجوب أو الندب؟ ابن إدريس على الأول (١) والشيخ ، وابن الجنيد ، والعلامة على الثاني (٢) (٣) (٤) لأنّ لفظ الاستعفاف تؤذن بالندبية.

قال طاب ثراه : وان أجاز له في الوصية جاز ، ولو لم يأذن فقولان : أشبههما انه لا يصحّ.

أقول : إذا نصّ الموصي على الإيصاء لا شك في جوازه ، وإذا نصّ على عدمه لا شك في منعه.

وانما البحث على الإطلاق ، فهل يجوز أن يوصى من حيث أنّه ملك ولاية يتملك الإيصاء بها؟ أم لا؟ من حيث أنه تصرف ولم يؤذن فيه ، ويفتقر التصرّف في حق الغير الى صريح الاذن. الشيخ في النهاية على الأوّل (٥) وبه قال القاضي (٦)

__________________

(١) السرائر : باب التصرف في أموال اليتامى ، ص ٢٠٥ س ٣٦ قال : فان كان غنيا فلا يجوز له أخذ شي‌ء من أموالهم.

(٢) النهاية : باب التصرف في أموال اليتامى ، ص ٣٦٢ س ١٩ قال : فان نقص نفسه كان له في ذلك فضل وثواب ، وان لم يفعل كان له المطالبة باستيفاء حقه من اجرة المثل إلخ.

(٣) المختلف : كتاب التجارة ، ص ١٦٧ س ١٦ قال وقال : ابن الجنيد الى أن قال : والموسر أحب إلينا من المحتاج ، ويكون للمحتاج من الأجرة على قدر قيامه لا على قدر حاجته ، الى أن قال العلامة بعد أسطر : وقوله تعالى «وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ» لا اشعار فيه بالوجوب ، بل يدلّ بمفهومه على الأولوية.

(٤) المختلف : كتاب التجارة ، ص ١٦٧ س ١٦ قال وقال : ابن الجنيد الى أن قال : والموسر أحب إلينا من المحتاج ، ويكون للمحتاج من الأجرة على قدر قيامه لا على قدر حاجته ، الى أن قال العلامة بعد أسطر : وقوله تعالى «وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ» لا اشعار فيه بالوجوب ، بل يدلّ بمفهومه على الأولوية.

(٥) النهاية : باب الأوصياء ، ص ٦٠٧ س ٦ قال : وإذا حضر الوصي الوفاة وأراد أن يوصي الى غيره ، جاز له أن يوصي اليه إلخ.

(٦) المهذب : ج ٢ باب الأوصياء ، ص ١١٧ س ١٩ قال : ومن كان وصيا لغيره وحضرته الوفاة وأراد أن يوصى الى غيره جاز له أن يوصي إلخ.

١٢١

الخامس : في الموصى به ، وفيه أطراف :

(الأول) في متعلق الوصية ، ويعتبر فيه الملك ، فلا تصح بالخمر ، ولا بآلات اللهو ، ويوصى بالثلث فما نقص. ولو أوصى بزيادة عن الثلث صحّ في الثلث وبطل الزائد ، فإن أجاز الورثة بعد الوفاة صحّ. وان أجاز بعض صحّ في حصّته ، وان أجازوا قبل الوفاة ، ففي لزومه قولان ، المروي : اللّزوم. ويملك الموصى به بعد الموت.

______________________________________________________

وأبو علي (١). والمفيد على الثاني (٢) وبه قال ابن إدريس (٣) والتقي (٤) وعليه المصنف (٥) والعلامة (٦) لأنّ ولايته تتبع اختيار الموصي ، وهو مقصور عليه ، فالتخطّي مناف لمقتضى الوصية ، فيكون تبديلا.

قال طاب ثراه : وإن أجازوا قبل الوفاة ففي لزومه قولان ، المرويّ : اللزوم.

أقول : اللزوم مذهب الشيخ (٧) وابن حمزة (٨) وابي علي (٩) واختاره

__________________

(١) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٣ س ١٠ قال : ويجوز الإيصاء قال ابن الجنيد.

(٢) المقنعة : باب الوصي يوصي الى غيره ، ص ١٠٢ س ٢٦ قال : وليس للوصي ان يوصي الى غيره الا أن يشترط ذلك الموصي إلخ.

(٣) السرائر : باب الأوصياء ص ٣٨٤ س ٢٩ قال بعد نقل قول المفيد في المقنعة : وهذا الذي أختاره وأعمل عليه وافتي به.

(٤) الكافي : فصل في الوصية ص ٣٦٦ س ٨ قال : ولا يجوز للوصي أن يوصي الى غيره الّا أن يجعل له الموصي.

(٧) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٥) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٣ س ١٦ قال بعد نقل قول المفيد وابي الصلاح وابن إدريس : وهو المعتمد.

(٦) النهاية : باب الوصية وما يصح منها وما لا يصح ، ص ٦٠٨ س ١٨ قال : فإن وصى بأكثر من الثلث ورضي به الورثة الى أن قال : لا في حال حياته ولا بعد وفاته.

(٨) الوسيلة : فصل في بيان أحكام الوصية ص ٣٧٥ س ١٠ قال : فإن أوصى بأكثر من الثلث الى أن قال : وان رضوا به في حال حياته كان لهم الرجوع بعد وفاته!! وقيل : لم يكن لهم ذلك.

(٩) المختلف : في الوصايا ، ص ٥٢ س ١٧ قال بعد نقل قول الشيخ : وافتى به أبو علي بن

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المصنف (١) والعلامة (٢).

وعدمه مذهب المفيد (٣) وتلميذه (٤) وابن إدريس (٥). وأطلق الحسن لزومها مع الإجازة ، ولم يعين قبل الموت أو بعده (٦).

احتجّ الأوّلون بوجوه :

(أ) عموم قوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» (٧).

(ب) انّ الردّ حق للورثة ، فاذا رضوا بالوصية سقط حقهم ، كما لو رضي المشتري بالعيب.

(ج) ان الأصل عدم اعتبار اجازة الوارث ، لكون الوصي متصرّفا في ملكه ، غايته انه منع الزيادة على الثلث إرفاقا بالوارث ، فإذا رضي زال المانع.

(د) أنّ المال الموصى به لا يخرج عن ملك الموصي والورثة ، فهو له مع البرء ، ولهم مع الموت ، فان كان للموصي ، فقد أوصى به ، وان كان لهم فقد أجازوه.

__________________

الجنيد ، ثمَّ قال : والمعتمد قول الشيخ إلخ.

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف : في الوصايا ، ص ٥٢ س ١٧ قال بعد نقل قول الشيخ : وافتى به أبو علي بن الجنيد ، ثمَّ قال : والمعتمد قول الشيخ إلخ.

(٣) المقنعة : باب الوصية بالثلث أو أقل أو أكثر ص ١٠١ س ٢٦ قال : فإن وصّى موص بالنصف الى ان قال : فان أمضوه في الحياة كان لهم الرجوع فيه بعد الموت.

(٤) المراسم : ذكر أحكام الوصية ص ٢٠٣ س ١٠ قال : فإن أمضى الورثة في حياة الموصي ما زاد على الثلث جاز لهم الرجوع فيه بعد الوفاة.

(٥) السرائر : باب الوصية ، ص ٣٨٥ س ١٤ قال : فإذا أجازت ما فوق الثلث قبل الموت كان لها ردّها بعد الموت.

(٦) المختلف : في الوصايا ، ص ٥٢ س ١٧ قال : وابن أبي عقيل أطلق إلخ.

(٧) النساء : ١١.

١٢٣

وتصحّ الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر.

______________________________________________________

(ه) صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السّلام (١) وحسنة محمّد بن مسلم عنه عليه السّلام في رجل أوصى بوصية وورثته شهود ، فأجازوا ذلك ، فلما مات الرجل نقضوا الوصية ، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ قال : ليس لهم ذلك ، الوصية جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته (٢) وفي معناها روايات أخر.

وادّعى الشيخ الإجماع.

احتجّ الآخرون بأنها أجازه فيما لا يستحقونه ، فلا يلزمهم ، وهو مردود.

قال طاب ثراه : وتصح الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر.

أقول : هذه المسألة يوردها المصنّفون في المضاربة وفي كتاب الوصية ، وتحقيق البحث فيها أن نقول : موضوع المسألة في كتب الفقه ، وما ورد به النص : هو أن ينصب الإنسان على أطفاله وصيا ويأذن له في الإتجار بمالهم ، ويجعل له نصيبا من الربح معلوما كالنصف مثلا ، فهل يمضى ذلك؟ أم لا؟ قال الشيخ في النهاية : نعم (٣) وتبعه القاضي (٤) واختاره المصنف (٥) والعلامة (٦).

واحتجوا بما رواه خالد بن بكر الطويل قال : دعاني أبي حين حضرته الوفاة ، فقال : يا بني اقبض مال إخوتك الصغار ، واعمل به ، وخذ نصف الربح ، وأعطهم النصف ، وليس عليك ضمان ، إلى أن قال : فدخلت على أبي عبد الله عليه السّلام

__________________

(١) الفروع : ج ٧ ، كتاب الوصايا ، ص ١٢ باب. الحديث ١ وذيله.

(٢) الفروع : ج ٧ ، كتاب الوصايا ، ص ١٢ باب. الحديث ١ وذيله.

(٣) النهاية : باب الأوصياء ، ص ٦٠٨ س ١ قال : وإذا أمر الموصي الوصي أن يتصرف في تركته لورثته ويتجر بها ويأخذ نصف الربح ، كان جائزا.

(٤) المهذب : ج ٢ «الإيصاء للحاضر والغائب» ص ١١٨ س ٨ قال : وإذا أمر الإنسان وصيه الى قوله ويتجر لهم بها وله على ذلك نصف الربح.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٣ س ٢٤ قال بعد نقل قول الشيخ : والوجه ما قاله الشيخ عملا بالرواية المناسبة للأصول إلخ.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فقصصت عليه قصّتي ، فقال عليه السّلام : أمّا فيما بينك وبين الله عزّ وجلّ فليس عليك ضمان (١) وعن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السّلام أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، فأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال ويكون الربح فيما بينهم وبينه ، فقال : لا بأس ، من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك ، وهو حيّ (٢).

قال ابن إدريس : أورد ذلك شيخنا في نهايته ، الّا أنّ الوصية لا تنفذ إلّا في ثلث ما كان يملكه الميّت قبل موته ، والربح تجدد بعد موته فكيف تنفذ وصيته ، وقوله فيه وفي الرواية نظر (٣) وظاهر هذه العبارة يعطى بطلان الوصية ، والأوّل هو المشهور.

واعلم أن هذه المسألة يختلف ألفاظ الفقهاء في التعبير عنها ، فقال العلامة في القواعد : ولو جعل المريض للعامل من الربح ما يزيد عن اجرة المثل لم يحتسب الزائد من الثلث ، إذ المتقيد بالثلث ، التفويت ، وليس حاصلا هنا ، لانتفاء الربح حينئذ (٤) وقال المصنف في الشرائع : لو دفع قراضا في مرض الموت وشرط ربحها صحّ ، وملك العامل الحصة (٥).

وهاتان العبارتان من الكتابين في كتاب المضاربة منهما ، وقد عرفت ان أصل المسألة وموضوعها ما قدمناه : من كون العامل هو الوصيّ والورثة أطفال ، وان أردت التفريع عليها تتعدد بها عن هذه الصورة إلى غيرها على ما تقتضيه الأصول الفقهية ،

__________________

(١) الفروع : كتاب الوصايا باب النوادر ، ص ٦١ الحديث ١٦.

(٢) الفروع : كتاب الوصايا ، ص ٦٢ الحديث ١٩.

(٣) السرائر : باب الأوصياء ، ص ٣٨٤ س ٣٤ قال : أورد ذلك شيخنا في نهاية ، الّا أنّ الوصية إلخ.

(٤) القواعد : في القراض ، ص ٢٤٥ س ١٠ قال : ولو شرط المريض للعامل إلخ.

(٥) الشرائع : كتاب المضاربة ، الثالث في الربح قال : ولو دفع قراضا في مرض الموت إلخ.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فليتصور ذلك في فروع :

(أ) لو كان الورثة كبارا لا تولّي عليهم واوصى بالمضاربة بما لهم ، لم ينفذ الوصية ، سواء كان الموصى له معينا أو مجهولا ، كما لو أوصى بالولاية عليهم ، وفرق بينه وبين الوصية بالثلث ، لأنه قصد في الثاني تمليك الموصى له ، فيحتمل من متن المال ، وقد أجاز الشارع له ذلك ، وهنا لم يقصد تمليكه من متن المال شيئا ، بل الوصية في الحقيقة بالولاية على مال الغير ، وهو غير جائز.

(ب) لو كان الورثة صغارا وأوصى إلى الوصي بأن يخرج مضاربة إلى الغير ، والموصى له غير معيّن ، فيحتمل البطلان هنا ، لأنّها وصية لمجهول ، ويحتمل الصحة ، فإن كان القدر معينا وهو بقدر الثلث فما دون ، اخرج الى ثقة ، ويكفي فيه المعاملة الواحدة ، بأن يشترى العامل ويبيع ، لحصول الامتثال بذلك ، وان كان أكثر من الثلث ردّ إليه ، لأنّه في مظنة التعرير بالمال والمخاطرة به ، فاعتبر الثلث.

(ج) كان الورثة صغارا ، والموصى له معين ، فيجب دفع المقدار اليه ، ولا يعتبر خروجه من الثلث ، ويجب تركه عند الموصى له حتى يبلغ الطفل ، وكان الموصى له في الحقيقة وصيّا خاصا في هذا المبلغ المعين ، ويتصرّف بهذا النوع المعين من التصرف ، قال المصنف في الشرائع ، ولو أوصى إلى إنسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن الربح بينه وبين الورثة نصفان ، صحّ ، وربما اشترط كونه قدر الثلث فأقل (١).

(د) لو دفع المريض قراضا معجّلا ، كان ماضيا من الأصل ، ولا يعتبر خروجه من الثلث ، ولا خروج ربحه.

__________________

(١) الشرائع : كتاب الوصايا ، الثالث في الموصى به ، وفيه أطراف ، الأول ، قال : ولو أوصى الى إنسان بالمضاربة إلخ.

١٢٦

ولو أوصى بواجب وغيره ، اخرج الواجب من الأصل والباقي من الثلث ، ولو حصر الجميع في الثلث بدأ بالواجب ولو اوصى بأشياء تطوعا ، فإن رتبه بدأ بالأوّل فالأول حتى يستوفي الثلث وبطل ما زاد ، وإن جمع أخرجت من الثلث ووزّع النقص وإذا أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك المنفرد والمشترك.

______________________________________________________

أمّا الأوّل : فلأنّ المريض لا يمنع من التصرف في عين ماله بغير الإتلاف والمحاباة ، فلو عارض بمجموع تركته بثمن المثل نفذ ، وها هنا لم يتصرف بإتلاف المال ، بل تصرف بأمر ربّما كان سببا في زيادة المال.

وأمّا الثاني : فلأنّ على المريض والميت من الثلث إنما هو ما يصادف المال الموجود ، وهذا ليس بموجود ، ولهذا لا يمنع المريض من قبول هبة أبيه وينعتق عليه حين ملكه ، وان لم يملك غيره ، لعدم التفويت على الورثة.

وإنما طولنا الكلام في هذه المسألة ، لأنها موضوع اشتباه.

قال طاب ثراه : ولو اوصى بأشياء تطوعا ، فإن رتّبه بدأ بالأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث وبطل ما زاد ، وان جمع أخرجت من الثلث ووزّع النقص.

أقول : معنى الترتيب هنا أن يذكروا واحدا بعد واحد بحرف العطف ، وان لم يكن الحرف مقتضيا للترتيب كالفاء وثمَّ ، بل الواو أيضا مرتب وان لم يقتضي الترتيب ، عند محققي الأصوليين. ومعنى الجمع أن يقول : رقابا ، أو أعتقوا عبيدي ، أو أعطوا كلّ واحد من فلان وفلان كذا ، أو أعطوا الجماعة الفلانية كذا وكذا دينارا يقسمونها بينهم.

لأنّ حمران سأل الباقر عليه السّلام عن رجل أوصى عند موته : أعتقوا فلانا وفلانا وفلانا حتى ذكر خمسة ، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الذين أمر بعتقهم؟ قال ينظر الى الذين سماهم وبدأ بعتقهم فيقومون وينظر الى ثلثه ،

١٢٧

(الثاني) في المبهمة : من أوصى بجزء من ماله ، كان العشر ، وفي رواية السبع ، وفي أخرى سبع الثلث.

______________________________________________________

فيعتق منه أوّل من سمّاه ثمَّ الثاني ثمَّ الثالث ثمَّ الرابع ثمَّ الخامس ، فان عجز الثلث كان ذلك في الذين سمّاهم آخرا ، لأنّه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك ولا يجوز له ذلك (١) ، وقال ابن حمزة : إن أوصى لواحد بعد واحد ، لم تخل من وجهين ، إمّا عطف الثاني بحرف العطف ، أو أوصى بكرة لواحد ، وضحوة لآخر ، أو غدا فالأوّل إن خرج الجميع من الثلث استحقوه ، وان لم يخرج قدم الأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث ، وان اشتبه أخرج بالقرعة ، والثاني إن أخرج من الثلث استحق الجميع ، وان لم يخرج قدّم الأخير ، والأوّل هو المشهور.

قال طاب ثراه : من أوصى بجزء من ماله كان العشر ، وفي رواية السبع ، وفي أخرى سبع الثلث.

أقول : هنا ثلاث روايات :

(أ) العشر ، وهو في صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : ان امرأة أوصيت إليّ ، وقالت : ثلثي يقضى به ديني وجزء منه لفلانة ، فسألت عن ذلك ابن ابي ليلى؟ فقال : ما أرى لها شيئا ، ما أدري ما لجزء ، فسألت أبا عبد الله عليه السّلام بعد ذلك وخبرته كيف قالت المرأة ، وما قال ابن ابي ليلى ، فقال : كذب ابن أبي ليلى ، لها عشر الثلث ، ان الله تعالى أمر إبراهيم عليه السّلام وقال له «اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً» (٢) وكانت الجبال عشرة ، فالجزء هو العشر من الشي‌ء (٣) وفي حسنة أبان بن تغلب عن الباقر عليه السّلام ، الجزء واحد من عشرة ، لأنّ الجبال عشرة ،

__________________

(١) الفقيه : ج ٤ (١٠٦) باب الوصية بالعتق والصدقة والحج ص ١٥٧ الحديث ٣.

(٢) البقرة : ٢٦٠.

(٣) الفروع : ج ٧ ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ص ٣٩ الحديث ١.

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والطير أربعة (١) وبمضمونها قال الصدوقان (٢) والشيخ في كتابي الاخبار (٣) واختاره المصنف (٤) والعلامة (٥) لأصالة بقاء التركة على ملك الوارث ، فيقتصر على المتيقن ، ولهذا أعطينا من أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته ، مثل أقلّهم عملا بالمتيقن ، فكذا هنا.

(ب) السبع ، وهو في صحيحة أحمد بن محمّد بن ابي نصر قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل أوصى بجزء من مال؟ فقال : واحد من سبعة ، ان الله تعالى يقول «لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ» (٦) (٧) وبمضمونها قال في النهاية (٨) والخلاف (٩) وبه قال المفيد (١٠) وتلميذه (١١) والسيد (١٢)

__________________

(١) الفروع : ج ٧ ، باب من أوصى بجزء من ماله ، ص ٤٠ الحديث ٣.

(٢) المقنع : باب الوصايا ص ١٦٣ س ٥ قال : وان اوصى بجزء من ماله فهو واحد من عشرة. وفي المختلف : في الوصايا ص ٥٣ س ٢٤ قال : قال في كتابي الاخبار : انه العشر وبه قال على بن بابويه وابنه.

(٣) التهذيب : ج ٩ ، ص ٢٠٨ (١٦) باب الوصية البهمة ، الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ وفي الاستبصار : ج ٤ ص ١٣١ (٧٩) باب من أوصى بجزء من ماله ، الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤.

(٤) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٥) المختلف : في الوصايا ، ص ٥٣ س ٢٥ قال بعد نقل قول الشيخ في كتابي الاخبار : وهو المعتمد.

(٦) الحجر : ١٥.

(٧) التهذيب : ج ٩ ، (١٦) باب الوصية المبهمة ص ٢٠٩ الحديث ٥.

(٨) النهاية : باب الوصية المبهمة ص ٦١٣ س ٥ قال : كان ذلك سبعا من ماله ، ثمَّ قال : فإن أوصى بسهم من ماله كان ذلك الثمن إلخ.

(٩) الخلاف : كتاب الوصايا ، مسألة ٧ قال : إذا قال لفلان جزء من مالي كان له واحد من سبعة ، وقال في مسألة ٩ إذا قال : لفلان سهم من مالي كان له سدس ماله إلخ.

(١٠) المقنعة : باب الوصية المبهمة ، ص ١٠٢ س ١٣ قال : كان السبع من ماله الى أن قال : وإن وصّى بسهم من ماله كان الثمن من ماله.

(١١) المراسم : ذكر أحكام الوصية ، ص ٢٠٤ س ١٧ قال : فان كان بجزء من ماله كان بالسبع أو ان كان بسهم كان بالثمن.

(١٢) لم نظفر عليه.

١٢٩

ولو اوصى بسهم كان ثمنا ، ولو كان بشي‌ء كان سدسا.

______________________________________________________

وأبو علي (١) وابن حمزة (٢) والقاضي (٣) وابن إدريس (٤).

(ج) سبع الثلث ، وهو في رواية الحسين بن خالد عن أبي الحسن عليه السّلام قال : سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله؟ قال : سبع ثلثه (٥) ذكرها الصدوق في كتابه.

قال طاب ثراه : ولو أوصى بسهم كان ثمنا.

أقول : لا خلاف في تفسير الشي‌ء أنّه الدس. وفي السهم ثلاثة أقوال :

(أ) الثمن ، قاله المفيد (٦) وأبو علي (٧) والصدوق (٨) والقاضي (٩) وسلار (١٠) وابن إدريس (١١) واختاره الشيخ في النهاية (١٢) وهو اختيار المصنف (١٣) والعلامة (١٤) لموثقة السكوني عن الصادق عليه السّلام انه سئل عن رجل يوصي

__________________

(١) المختلف : في الوصايا ، ص ٥٣ س ٢٤ قال بعد نقل قول المفيد : وكذا قال ابن الجنيد ، وقال في س ٣٦ في الوصية بالسهم وقال المفيد : انه الثمن ، وهو قول ابن الجنيد.

(٢) الوسيلة : في بيان أحكام الوصية ص ٣٧٨ س ٣ قال : وان أوصى بجزء من ماله أو بسهم ، كان الأوّل وصية بالسبع والثاني بالثمن.

(٣) الجوامع الفقهية : جواهر الفقه ، ص ٥٠٣ س ١٥ قال : وإذا أوصى بجزء من ماله كان ذلك السبع ، وإذا أوصى بسهم كان الثمن.

(٤) السرائر ، باب الوصية المبهمة ص ٣٨٨ س ٣٥ قال : إذا أوصى بجزء من ماله كان ذلك السبع الى قوله : وان أوصى بسهم كان ذلك الثمن.

(٥) الاستبصار : ج ٤ (٧٩) باب من أوصى بجزء من ماله ، ص ١٣٣ الحديث ٨ وفي الفقيه : ج ٤ (١٠٠) باب الوصية بالشي‌ء من المال والسهم والجزء ص ١٥٢ الحديث ٥.

(٦) قد علم آرائهم ممّا أثبتناه آنفا.

(٧) قد علم آرائهم ممّا أثبتناه آنفا.

(٨) قد علم آرائهم ممّا أثبتناه آنفا.

(٩) قد علم آرائهم ممّا أثبتناه آنفا.

(١٠) قد علم آرائهم ممّا أثبتناه آنفا.

(١١) المقنع : باب الوصايا ص ١٦٣ س ٥ قال : وان أوصى بجزء من ماله فهو واحد من عشرة ، وان أوصى بسهم من ماله فهو واحد من ستة.

(١٢) تقدم نقله آنفا.

(١٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(١٤) المختلف : في الوصايا ، ص ٥٣ س ٣٧ قال بعد نقل قول المفيد والصدوق : وهو المعتمد.

١٣٠

ولو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها ، صرف في البر ، وقيل : يرجع ميراثا.

______________________________________________________

بسهم من ماله؟ فقال : السهم واحد من ثمانية (١).

(ب) انه السدس ، قاله الشيخ في الكتابين (٢) وبه قال الفقيه (٣).

(ج) انه العشرة ، وهو في رواية طلحة بن زيد عن الباقر عليه السّلام قال : من اوصى بسهم من ماله فهو سهم من عشرة (٤) ، وهو بتري.

قال طاب ثراه : ولو أوصى بوجوه ، فنسي الوصي وجها ، صرف في البرّ ، وقيل :

يرجع ميراثا.

أقول : بالأول قال الشيخان (٥) والصدوق (٦) والقاضي (٧) واختاره المصنف (٨) والعلامة (٩) وبالثاني قال ابن إدريس وحكاه عن الشيخ في المسائل الحائريات (١٠).

__________________

(١) الفروع : ج ٧ ، باب من أوصى بسهم من ماله ، ص ٤١ الحديث ١.

(٢) المبسوط : ج ٤ كتاب الوصايا ص ٨ س ٣ قال : وإذا أوصى له بسهم من ماله كان له السدس ، وفي الخلاف ، كتاب الوصايا ، مسألة ٩.

(٣) المختلف : في الوصايا ، ص ٥٣ س ٣٦ قال : وفي المبسوط انه السدس ، وبه قال : علي بن بابويه.

(٤) الاستبصار : ج ٤ (٨٠) باب من أوصى بسهم من ماله ، ص ١٣٤ الحديث ٣.

(٥) المقنعة : باب الوصية المبهمة ، ص ١٠٢ س ٢٠ قال : فإن أوصى رجل الى رجل وجعلها أبوابا فنسي الوصي بابا الى أن قال : في وجوه البرّ وفي النهاية : باب الوصية المبهمة ، ص ٦١٣ س ١٦ قال : فإن أوصى بوصية وجعلها أبوابا الى أن قال : فليجعل ذلك السهم في وجوه البرّ.

(٦) المقنع : باب الوصايا ص ١٦٧ س ١٠ قال : فإن أوصى بوصية ولم يحفظ الوصي الى أن قال : فإنّ الأبواب الباقية تجعل في البرّ.

(٧) لم أعثر عليه في المهذب والجواهر ، ولكن في المختلف : ص ٥٩ س ٣٧ قال بعد نقل قول الشيخ : وكذا قال ابن البراج الى ان قال بعد نقل قول ابن إدريس : والمعتمد الأول.

(٨) لم أعثر عليه في المهذب والجواهر ، ولكن في المختلف : ص ٥٩ س ٣٧ قال بعد نقل قول الشيخ : وكذا قال ابن البراج الى ان قال بعد نقل قول ابن إدريس : والمعتمد الأول.

(٩) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(١٠) السرائر : باب شرائط الوصية ، ص ٣٨٩ س ٦ قال : فإن أوصى الإنسان بوصية وجعلها أبوابا

١٣١

ولو أوصى بسيف وهو في جفن وعليه حلية ، دخل الجميع في الوصية على رواية يجبر ضعفها الشهرة. وكذا لو أوصى بصندوق وفيه مال ، دخل المال في الوصية ، وكذا قيل : لو أوصى بسفينة وفيها طعام ، استنادا الى فحوى رواية.

______________________________________________________

احتجّ الأوّلون بقوله تعالى (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) (١) ودفعه الى الورثة وجعله ميراثا تبديل للوصية ، وبما رواه محمّد بن ريّان ، قال : كتبت إليه (يعني علي بن محمّد عليهما السّلام) أسأله عن إنسان يوصي بوصية فلم يحفظ الوصي إلّا بابا واحدا منها ، كيف يصنع في الباقي؟ فوقع عليه السّلام : الأبواب الباقية اجعلها في البر (٢) ولأنه بالوصية خرج عن ملك الورثة ، وقد خفي مالكه ومستحقه ، فوجب صرفه في البرّ كغيره.

احتج الآخرون : بأنها وصية بطلت ، لامتناع القيام بها ، فيرجع الى الميراث ، وأجيب بمنع الملازمة ، فإن المعين وان بطل ، لكن مطلق الإخراج عن ملك الوارث ثابت.

قال طاب ثراه : ولو أوصى بسيف وهو في جفن وعليه حلية دخل الجميع في الوصية على رواية يجبر ضعفها الشهرة. وكذا لو أوصى بصندوق وفيه مال دخل المال في الوصية. وكذا قيل : لو أوصى بسفينة وفيها طعام ، استنادا الى فحوى رواية.

__________________

مسماة ، فنسي الوصي بابا منها الى أن قال : وقال شيخنا في جواب الحائريات إذا نسي الوصي جميع أبواب الوصية فإنها تعود ميراثا للورثة ، فنعم ما قال إلخ. أقول : الظاهر هو الفرق بين نسيان جميع أبواب الوصية ونسيان باب من أبوابها ولا يقاس أحدهما بالأخرى كما هو المستفاد من الفتاوى.

(١) سورة البقرة ـ ١٨١.

(٢) التهذيب : ج ٩ (١٦) باب الوصية المبهمة ، ص ٢١٤ الحديث ٢١.

١٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : هنا مسائل :

(أ) هل يشترط في الموصي لهذه الأشياء أن يكون عدلا؟ قال الشيخ في النهاية : نعم ، حيث قال عند دخول هذه في الوصية : هذا إذا كان الموصي عدلا مأمونا ، فان لم يكن عدلا وكان متّهما لم تنفذ الوصية في أكثر من ثلثه (١) وتبعه القاضي في ذلك (٢) وباقي الأصحاب على عدم الاشتراط ، ولعلّ الشيخ أراد الإقرار وعبر عنه بالوصية ، فلهذا اعتبر التهمة وعدمها ، معوّلا في ذلك على رواية عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام عن رجل قال : هذه السفينة لفلان ، ولم يسمّ ما فيها ، وفيها طعام ، أيعطاها الرجل وما فيها؟ قال : هي للّذي أوصى له بها ، إلّا أن يكون صاحبها متّهما ، وليس للورثة شي‌ء (٣).

قال العلامة : ولا دلالة فيه على أنّ الموصي إذا كان عدلا يخرج من الأصل ، وان كان متّهما يخرج من الثلث (٤).

قلت : اعتبار التهمة وعدمها يكفي عن ذكر العدالة ، لأنّ صيغة الوصية صيغة الإقرار ، والعدل لا يقول غير الواقع ولا يجوز أن يظلم الورثة بتصرّفه في أكثر من الثلث ، فلما ذكر التهمة في الخبر عبّر الشيخ عند ضدّها بالعدالة ، فيكون شرطا في تنفيذ مجموع ما أقرّ به ، ماضيا من الأصل ، ولهذا قال عقيبه : (وان كان متّهما لم تنفذ الوصية في أكثر من ثلثه).

(ب) هل يدخل ما في هذه الأشياء وعليها أم لا؟ فيه مذهبان :

__________________

(١) النهاية : باب الوصية المبهمة ، ص ٦١٤ س ٤ قال : هذا إذا كان الموصي عدلا مأمونا إلخ.

(٢) لم اعتثر عليه في المهذب.

(٣) التهذيب : ج ٩ (١٦) باب الوصية المبهمة ، ص ٢١٢ الحديث ١٥.

(٤) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٠ س ١٢ قال : ولا دلالة فيه على أنّ الموصي إذا كان عدلا يخرج من الثلث إلخ.

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : لا ، لأن الوصية تعلقت بالسيف وليس الجفن من مسمّاه ، ولا لازما لمعناه ، وكذا الكلام في السفينة والصندوق ، فإن المظروف ليس جزء من الظرف ولا لازما له ، وهو نادر.

والآخر : نعم ، قاله الشيخان (١) وأبو علي (٢) والصدوق (٣) والقاضي (٤) والتقي (٥) وابن إدريس (٦).

واستدلوا عليه برواية أبي جميلة عن الرضا عليه السّلام قال : سألته عن رجل أوصى لرجل بسيف في جفن وعليه حلية ، فقال له الورثة : إنما لك النصف وليس لك المال ، فقال : لا ، بل السيف بما فيه له. قال : وقلت له : رجل أوصى لرجل بصندوق وكان فيه مال ، فقال الورثة : إنما لك الصندوق وليس لك المال ، قال : فقال أبو الحسن عليه السّلام : الصندوق بما فيه له (٧).

وأبو جميلة هذا كذاب ملعون ، لكن أكثر الأصحاب مطبقون على العمل بها ،

__________________

(١) المقنعة : باب الوصية المبهمة ، ص ١٠٢ س ٢١ قال : إذا وصّى الإنسان لإنسان بصندوق مقفّل وكان في الصندوق متاع ، فالصندوق بما فيه للموصى له إلخ وفي النهاية ، باب الوصية المبهمة ص ٦١٣ س ١٨ قال : وإذا اوصى الإنسان لغيره بسيف وكان في جفن وعليه حلية إلخ.

(٢) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٠ س ١٤ قال : لكن الشيخان وابن الجنيد وابن البراج ذكروا ذلك واستدلّوا بما رواه إلخ.

(٣) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٠ س ١٤ قال : لكن الشيخان وابن الجنيد وابن البراج ذكروا ذلك واستدلّوا بما رواه إلخ.

(٤) المقنع : باب الوصايا ، ص ١٦٦ ، س ٧ قال : وان أوصى لرجل بصندوق أو سفينة إلى أن قال : فهو مع ما فيه لمن أوصى له إلخ.

(٥) الكافي : فصل في الوصية ص ٣٦٥ س ٢ قال : وإذا أوصى لغيره بصندوق مقفّل الى ان قال : فالوعاء وما فيه للموصي له إلخ.

(٦) السرائر : باب الوصية المبهمة ص ٣٨٩ س ٩ قال : وإذا أوصى الإنسان لغيره بسيف الى أن قال : كان السيف له بما فيه إلخ.

(٧) التهذيب : ج ٩ (١٦) باب الوصية المبهمة : ص ٢١١ الحديث ١٤.

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فلهذا قال : (يحبر ضعفها الشهرة) وهذه الرواية هي مستند الحكم في السيف والصندوق.

وأمّا مستند الحكم في السفينة فرواية عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل قال : هذه السفينة لفلان ، ولم يسمّ ما فيها ، وفيها طعام ، أيعطاها الرجل وما فيها؟ قال : هي للّذي أوصى له بها ، إلّا أن يكون صاحبها استثنى ما فيها (١).

ولما كان قوله عليه السّلام «هي للذي اوصى له بها» غير صريح إلّا في دخول السفينة خاصة ، ويفهم من فحوى باقي الكلام دخول ما فيها بقوله «الّا ان يكون صاحبها استثنى ما فيها» ـ قال المصنف : الى فحوى رواية. وفحوى الكلام ما فهم معناه من قصد المتكلم لقرينة من غير دلالة اللفظ عليه. واختار المصنف في الشرائع الدخول جزما ونسب القول الآخر الى البعد (٢) والعلامة رحمه الله فصّل في المختلف فقال : بدخول ما في هذه الأشياء ، وعليها مع القرينة ، وعدمه مع عدمها (٣) وقال في المعتمد : ويدخل حلية السيف المعين فيه ، دون جفنه ، ولا يدخل المظروف في السفينة والصندوق والجراب (٤).

(ج) أطلق الشيخ الصندوق والجراب (٥) وقيد المفيد الصندوق بالمقفل

__________________

(١) الفقيه : ج ٤ (١٠٨) باب الرجل يوصي لرجل بسيف أو صندوق أو سفينة ، ص ١٦١ الحديث ٢.

(٢) الشرائع : الطرف الثاني في الوصية المبهمة ، قال : ولو اوصى بسيف معين ، دخل الجفن والحلية في الوصية إلخ.

(٣) المختلف : في الوصايا ص ٦٠ س ١٩ قال : فالوجه حينئذ التفصيل إلخ.

(٤) لم نظفر على هذا الكتاب.

(٥) النهاية : باب الوصية المبهمة ، ص ٦١٣ س ١٨ قال : وإذا أوصى الإنسان لغيره بسيف وكان في جفن وعليه حلية ، كان السيف له بما فيه وعليه إلخ.

١٣٥

ولا يجوز إخراج الولد من الإرث ولو أوصى الأب ، وفيه رواية مطرحة.

______________________________________________________

والجراب بالمشدود والوعاء بالمختوم (١) وكذا التقي (٢).

(د) هل يسري الحكم الى غير هذه المذكورات الى ما يشابههما؟ احتمالان :

أحدهما ، لا ، لعدم النص في غيرها ، فيقتصر على مورده ، ومن تعميم العلة ، وصرّح أبو علي فقال : إذا أوصى رجل بشي‌ء يشمل اسمه على أعيان متصلة به ، كان جميعها له ، كالرجل يوصى لرجل بسيفه فهو له وجفنه وما عليه من الحليلة ، وكذا القول في الروشن إن كان للدار. ولو كانت الوصية بوصف كقوله : جراب هروي ، أو سلّة زعفران كانا جميعا له ، فان قال : ما في الجوالق ، لم تكن الجوالق له (٣) وقال القاضي : ان أوصى له بسلّة زعفران كانت السلّة بما فيها له ، قال : وان أوصى له بضيعة لها شرب ، كانت الضيعة وشربها له ، وكذلك ما جرى هذا المجرى (٤).

واعلم أنّ ألفاظ الروايات خالية من ذكر الجراب.

قال طاب ثراه : ولا يجوز إخراج الولد من الإرث ولو أوصى الأب ، وفيه رواية مطرحة.

أقول : لا يجوز إخراج الولد من الإرث ، لأنه ثبت شرعا ، فلا يملك الإنسان ازالته

__________________

(١) المقنعة : باب الوصية المبهمة ، ص ١٠٢ س ٢١ قال : إذا وصّى الإنسان لإنسان بصندوق مقفّل الى قوله : وكذلك إن وصّى له بجراب مشدود ، ووعاء مختوم.

(٢) الكافي : فصل في الوصية ص ٣٦٥ س ٢ قال : إذا وصّى لغيره بصندوق مقفّل أو جراب مشدود ، أو كيس مختوم إلخ.

(٣) و (٤) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٠ س ٢٥ قال : وقال ابن الجنيد : وإذا أوصى رجل بشي‌ء يشمل اسمه على أعيان إلخ ، وقال في س ٢٨ وقال ابن البراج : الى أن قال : فإن أوصى له بسلة زعفرانى كانت السلة بما فيها له إلخ.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وتغيّره ، وبه قال الشيخ في النهاية (١) وهو المشهور بين علمائنا ، والرواية المشار إليها هي ما رواه الصدوق في كتابه عن وصيّ علي بن السري ، قال : قلت لأبي الحسن عليه السّلام : إنّ عليّ بن السري توفّي وأوصى إلىّ ، فقال : رحمه الله ، قلت : وإنّ ابنه جعفرا وقع على أم ولد له ، فأمرني أن أخرجه من الميراث ، فقال لي : أخرجه ، فإن كان صادقا فيصيبه خبل (٢) قال : فرجعت فقدّمني إلى أبي يوسف القاضي فقال له : أصلحك الله أنا جعفر بن علي السري وهذا وصيّ أبي فمره فليدفع إليّ ميراثي من أبي فقال لي ما تقول؟ فقلت : نعم ، هذا جعفر بن علي السري وأنا وصيّ علي بن السري ، قال : فادفع إليه ماله ، فقلت له : أريد أن أكلّمك ، قال : فاذن ، فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي ، فقلت له ، هذا وقع على أمّ ولد لأبيه ، فأمرني أبوه وأوصى إليّ أن أخرجه من الميراث ، ولا أورّثه شيئا ، فأتيت موسى بن جعفر عليهما السّلام بالمدينة فأخبرته ، وسألته ، فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا ، وقال : الله قسما ، ان أبا الحسن أمرك ، فقلت : نعم ، فاستحلفني ثلاثا ، ثمَّ قال : أنفذ ما أمرك ، فالقول قوله ، قال الوصيّ : فأصابه الخبل بعد ذلك ، قال أبو محمّد الحسن بن علي الوشاء رأيته بعد ذلك (٣) قال الصدوق عقيب إيراد هذه الرواية : من اوصى بإخراج ابنه من الميراث ولم يكن أحدث هذا الحدث لم يجز للوصي إنفاذ الوصية في ذلك (٤) وهذا يدلّ على انّه لو فعل ذلك أنفذت وصيته لأنه ذكر في كتابه : أنّ ما يذكره فيه

__________________

(١) النهاية : باب الوصية وما يصح منها وما لا يصح ، ص ٦١١ س ٤ قال : وإذا أوصى الموصي بإخراج بعض الورثة من الميراث لم يلتفت إلى وصيته إلخ.

(٢) الخبال الفساد ، ويكون في الافعال والأبدان والعقول ، وخبله واختبله إذا فسد عقله أو عضوه ـ (مجمع البحرين لغة خبل).

(٣) و (٤) الفقيه : ج ٤ ، (١١٢) باب إخراج الرجل ابنه من الميراث لإتيانه أم ولد لأبيه ، ص ١٦٢ الحديث ١ ولا حظ ذيله وما قاله الصدوق رحمه الله.

١٣٧

(الطرف الثالث) في أحكام الوصية ، وفيه مسائل :

الأولى : إذا أوصى بوصية ثمَّ عقبها بمضادّة لها ، عمل بالأخيرة ، ولو لم يضادّها عمل بالجميع ، فإن قصر الثلث بدأ بالأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث.

الثانية : تثبت الوصية بالمال بشهادة رجلين ، وبشهادة أربع نساء ، وبشهادة الواحدة في الربع ، وفي ثبوتها بشاهد ويمين تردّد ، أمّا الولاية فلا تثبت إلّا بشهادة رجلين.

______________________________________________________

يفتي به (١) فيكون الحكم عنده ساريا في هذه الصورة ، مقيدا بهذا الحديث. وأمّا الشيخ في الاستبصار فقال : هذا الحكم مقصور على هذه الوصية ، لا يتعدّى الى غيرها (٢).

تذنيب

وهل يلغو هذا اللفظ ، ويكون وجوده كعدمه ، أو يجري مجرى من أوصى بمجموع تركته للوارث الآخر فيكون له الثلث ويحصص المخرج من الباقي؟ اختار المصنف الأوّل (٣) لأنه لفظ لم يعتبره الشارع ، فلا يكون له أثر. واختار العلامة في المختلف الثاني (٤) لأن إخراجه من تركته يستلزم تخصيص باقي الورثة بها فيمضي من الثلث

قال طاب ثراه : تثبت الوصية بالمال بشهادة رجلين ، وشهادة أربع نساء ، وبشهادة الواحدة في الربع ، وفي ثبوتها بشاهد ويمين تردّد ، أمّا الولاية فلا يثبت إلّا بشهادة رجلين.

__________________

(١) الفقيه : ج ١ ص ٣ س ١١ قال : ولم اقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما افتى به واحكم بصحته.

(٢) الاستبصار : ج ٤ ص ١٤٠ قال بعد نقل الخبر : ان هذا الحكم مقصور على هذه القضية لا يتعدّى بها الى غيرها إلخ.

(٣) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف : في الوصايا ص ٥٩ س ١٤ قال : والمعتمد ما ذهب اليه المشهور من علمائنا في ثلثي

١٣٨

الثالثة : لو أشهد عبدين له على أنّ حمل المملوكة منه ، ثمَّ ورثهما غير الحمل ، فأعتقا ، فشهد الحمل بالبنوّة صح ، وحكم له ، ويكره له تملكهما

الرابعة : لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصّي فيه ، وتقبل للموصى في غير ذلك.

الخامسة : إذا أوصى بعتق عبده ، أو أعتقه عند الوفاة وليس له سواه ، انعتق ثلثه ، ولو أعتق ثلثه عند الوفاة وله مال ، أعتق الباقي من ثلثه ، ولو أعتق مماليكه عند الوفاة ، أو أوصى بعتقهم ولا مال سواهم أعتق ثلثهم بالقرعة ، ولو رتّبهم أعتق الأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث وبطل ما زاد

السادسة : إذا أوصى بعتق رقبة أجزأ الذكر والأنثى ، الصغر والكبير ، ولو قال : مؤمنة لزم فان لم يجد : أعتق من لا يعرف بنصب. ولو ظنّها مؤمنة فأعتقها ، ثمَّ بانت بخلافه أجزأت.

السابعة : إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معين ، فان لم يجد توقع ، وان وجد بأقل أعتقها ودفع إليها الفاضل.

______________________________________________________

أقول : جزم المصنف هنا بالمنع من قبول الشاهد واليمين في الوصية بالولاية ، وجعل محل الخلاف وموضوعه الوصية بالمال (١) وعكس في الشرائع فجزم بقبول الشاهد واليمين في الوصية بالمال ، وتردد في الوصية بالولاية ، هل يثبت بالشاهد واليمين (٢) والمشهور بين الفقهاء هو ما تضمنه الشرائع ، لأن الوصية بالمال لا شك في

__________________

التركة ، ويكون الثلث لغيره من الورثة إلخ.

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) الشرائع : الطرف الثالث في أحكام الوصية ، قال : ويقبل في الوصية بالمال شهادة واحد مع اليمين الى ان قال : ولا يثبت الوصية بالولاية إلا بشاهدين ، وهل يقبل شهادة شاهد مع اليمين؟ فيه تردّد أظهره المنع.

١٣٩

الثامنة : تصرفات المريض ان كانت مشروطة بالوفاة فهي من

______________________________________________________

ثبوتها بالشاهد واليمين ، بل المرأة وحدها كافية في ثبوت ربع الوصية ، فكيف لا يقبل الشاهد واليمين ، والشاهد والمرأتان.

وأما الوصية بالولاية فقوّى الشيخ في المبسوط قبول المرأتين مع الشاهد (١) وهو مذهب ابي علي (٢) ويلزمه قبول الشاهد واليمين ، لأنّ كل ما يثبت بشاهد وامرأتين يثبت بشاهد ويمين ، لكن هل يقبل اليمين مع المرأتين ، كما يقبل مع الرجل في كل موضع قبلنا فيه الشاهد واليمين ، أم لا؟ ابن إدريس على الثاني (٣) والعلامة على الأوّل (٤).

وما ذكره المصنف من التردّد في ثبوت الوصية له بشاهد ويمين ، تردد غريب لم أظفر له بموافق من الأصحاب ، بل الأصحاب مطبقون على قبول الشاهد واليمين في المال ، وما كان المقصود منه المال ، ولعل التردّد منه رحمه الله وجهه : ان قبول الشاهد واليمين حكم شرعي ، فيقف على النص الشرعي ، وليس على صورة النزاع نصّ بعينه ، وثبوت ذلك بالنساء حتى بالواحدة لورود النصّ بذلك ، والتعدي قياس ، وهو مردود عندنا.

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ كتاب الشهادات ، ص ١٧٢ س ٥ قال ما ملخصه : ان حق الآدمي ثلاثة أقسام ، أحدها لا يثبت الا بشاهدين ذكرين كالنكاح والوصية إليه الى أن قال : وقال بعضهم : يثبت جميع ذلك بشاهد وامرأتين وهو الأقوى.

(٢) المختلف : في الشهادات ، ص ١٦٠ س ٢١ قال : وقال ابن الجنيد : وشهادة النساء في الدين جائزة بالنص والمرأتان مقام رجل.

(٣) السرائر : كتاب الشهادات ص ١٨٢ س ٥ قال : والذي يقتضيه الأدلة انه لا يقبل شهادة امرأتين مع يمين المدّعي إلخ.

(٤) المختلف : في الشهادات ص ١٦٤ س ٢٥ قال : وهل يثبت بشهادة امرأتين ويمين المدّعي نص في النهاية والخلاف والمبسوط على قبوله الى أن قال : والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.

١٤٠