المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

بِالْمَعْرُوفِ» (١).

وقوله «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ» (٢) «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ» (٣).

ومن الروايات كثير. كرواية حنان بن سدير ، عن مسلم بن بشير عن أبي جعفر عليه السّلام قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة ولم يشهد ، قال : أما فيما بينه وبين الله فليس عليه شي‌ء ، ولكن إن أخذه السلطان الجائر أعقبه (٤).

وادّعى المرتضى عليه الإجماع (٥) ولأصالة الجواز.

احتجوا بما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله لا نكاح إلا بوليّ مرشد وشاهدي عدل (٦).

والجواب : منع السند ، وقد أنكره الزهري منهم (٧).

ومعارضة بما رواه ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وآله : ليس للوليّ مع

__________________

(١) البقرة : ٢٣٢.

(٢) النساء : ٣.

(٣) النور : ٣٢.

(٤) الفقيه : ج ٣ (١١٧) باب الوليّ والشهود والخطبة والصداق ص ٢٥١ الحديث ٥.

(٥) الانتصار : مسائل النكاح ص ١١٨ قال : مسألة ومما ظن انفراد الإمامية به القول بأن الشهادة ليس بشرط في النكاح الى أن قال : والحجة لقولنا إجماع الطائفة. وقال في ص ١١٩ مسألة وممّا يقدر من الاختيار له انفراد الإمامية به وما انفردوا جواز عقد المرأة التي تملك أمرها على نفسها بغير وليّ الى أن قال بعد أسطر : دليلنا على ما ذهبنا اليه بعد إجماع الطائفة إلخ.

(٦) سنن الترمذي : ج ٣ كتاب النكاح (١٤) باب ما جاء لا نكاح إلا بوليّ الحديث ١١٠١ و ١١٠٢ و (١٥) باب ما جاء لا نكاح إلّا بنية ، الحديث ١١٠٣ وسنن الدار قطني : ج ٣ كتاب النكاح الحديث ١١ و ٢١ و ٢٢ ولفظ الحديث لا نكاح إلّا بوليّ وشاهدي عدل.

(٧) سنن الترمذي : ج ٣ كتاب النكاح (١٤) باب ما جاء لا نكاح إلا بوليّ ، قال : وحديث عائشة في هذا الباب رواه ابن جريح عن سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، الى ان قال : قال ابن جريح : ثمَّ لقيت الزهري فسألته ، فأنكره ، فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا.

٢٠١

وأمّا الآداب فقسمان :

(الأول) آداب العقد :

ويستحب له أن يتخير من النساء البكر العفيفة الكريمة الأصل ، وأن يقصد السنة ، لا الجمال والمال ، فربما حرمهما ، ويصلي ركعتين ، ويسأل الله تعالى أن يرزقه من النساء أعفهنّ وأحفظهنّ ، وأوسعهنّ رزقا ، وأعظمهنّ بركة ، ويستحب الإشهاد والإعلان ، والخطبة أمام العقد ، وإيقاعه ليلا.

ويكره والقمر في العقرب ، وأن يتزوّج العقيم.

______________________________________________________

الثيب أمر (١).

وليس لهم ان يخصّوه بالثيب ، لأنّ الأمة لم يفرق بينها وبين البكر في اشتراط الإشهاد وحضور الوليّ ، فاعتبار في إحداهما دون الأخرى إحداث قول ثالث وهو غير جائز ، لما تقرّر في الأصول.

هذا مع قبوله التأويل ، إذا المنفيّ في الخبر ، نفي الفضيلة ، كقوله عليه السّلام : لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد (٢).

فان قالوا : يلزم الإضمار والأصل عدمه.

قلنا : الإضمار لازم ، لاستحالة نفي الحقيقة ، وليس نفي الصحة أولى منه ، بل ما ذهبنا إليه أرجح ، لاعتضاده بعموم الآيات ، وصريح الروايات.

__________________

(١) سنن النسائي ، كتاب النكاح (استثمار الأب البكر في نفسها) ، ولفظ الحديث : (عن ابن عباس ان النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم قال : الثيب أحق بنفسها والبكر يستأمرها أبوها وإذنها صماتها).

(٢)

٢٠٢

(القسم الثاني) في آداب الخلوة :

يستحب صلاة ركعتين إذا أراد الدخول ، والدّعاء ، وأن يأمرها بمثل ذلك عند الانتقال ، وأن يجعل يده على ناصيتها ، ويكونا على طهر ، ويقول : اللهمّ على كتابك تزوّجتها ، إلى آخر الدعاء ، وأن يكون الدخول ليلا ، ويسمّي عند الجماع ، وان يسأل الله تعالى أن يرزقه ولدا ذكرا ويكره الجماع ليلة الخسوف ، ويوم الكسوف ، عند الزوال ، وعند الغروب حتى يذهب الشفق ، وفي المحاق ، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس ، وفي أوّل ليلة من كل شهر إلّا شهر رمضان ، وفي ليلة النصف ، وفي السفر إذا لم يكن معه ماء للغسل ، وعند الزلزلة ، والريح الصفراء والسّوداء ، ومستقبل القبلة ، ومستدبرها ، وفي السفينة ، وعاريا ، وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء ، والجماع وعنده من ينظر اليه ، والنظر الى فرج المرأة ، والكلام عند الجماع بغير ذكر الله تعالى.

مسائل

الأولى : يجوز النظر الى وجه امرأة يريد نكاحها وكفّيها وفي رواية إلى شعرها ومحاسنها وكذا الى أمة يريد شراءها ، والى أهل الذمة لأنّهن بمنزلة الإماء ما لم يكن لتلذذ وينظر الى جسد زوجته باطنا وظاهرا ، وإلى محارمه ما خلا العورة.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : يجوز النظر الى وجه امرأة يريد نكاحها ، وكفيها ، وفي رواية إلى شعرها ومحاسنها ، الى آخر البحث.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : هنا مسائل :

(الأولى) يجوز النظر الى وجه امرأة يريد نكاحها إجماعا ، بشروط :

(أ) أن يكون مريدا لنكاحها.

(ب) إمكانه عادة بالنظر الى حالها وحاله.

(ج) خلوها من موانع النكاح كالعدّة ، وإن جازت خطبتها في بعض المواقع.

(د) أن لا يتلذّذ به.

فوقت جواز النظر عند اجتماع هذه الشرائط ، وقيل : قبل إجابتها خطبة غيره ، وهو مبني على تحريم الخطبة على الخطبة ، ولا يشترط إذنها في ذلك.

والمستند قوله عليه السّلام : من تاقت نفسه إلى نكاح امرأة فلينظر الى ما يدعوه إلى نكاحها (١).

فأجمل عليه السّلام هنا ثمَّ بيّنه لصحابي خطب امرأة نظر الى وجهها وكفّيها (٢).

وفي رواية ابن مسكان عن الحسن بن السري ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ، ينظر الى خلفها والى وجهها (٣).

وهذا معنى قول علمائنا : يجوز أن ينظر إليها قائمة وماشية ، وهو إجماع من علماء الإسلام.

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٣١٤ الحديث ١٥٠ وفي سنن أبي داود ، ج ٢ ، كتاب النكاح باب الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها ، الحديث ٢٠٨٢ ولفظه : (قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر الى ما يدعوه الى نكاحها ، فليفعل).

(٢) سنن النسائي : كتاب النكاح (اباحة النظر قبل التزويج) وفيه : هل نظرت إليها؟ قال : لا ، فأمره أن ينظر إليها.

(٣) الكافي : ج ٥ ، باب النظر لمن أراد التزويج ص ٣٦٥ الحديث ٣.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بقي البحث في الشعر والمحاسن ، هل يجوز النظر الى ذلك أم لا؟

الذي عليه الأكثرون المنع ، لعموم قوله تعالى «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ» (١) وهو عام خرج عنه ما وقع عليه الإجماع وتظافرت به الأخبار ، فبقي الباقي على المنع ، ولأنه أحوط.

ورواية الشعر هي رواية عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الرجل يريد أن يتزوّج المرأة فيجوز أن ينظر الى شعرها؟ قال : نعم إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن (٢).

وأما رواية المحاسن ، فرواية غياث بن إبراهيم عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم السّلام في رجل نظر الى محاسن امرأة يريد أن يتزوّجها؟ قال : لا بأس إنما هو مستام (٣).

ولعل ما ذكره المصنف من الرواية الجامعة لهما إشارة الى ما رواه محمّد بن يعقوب مرفوعا الى عبد الله بن الفضل ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قلت له : أينظر الرجل الى امرأة يريد تزويجها ، فينظر الى شعرها ومحاسنها؟ قال : لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذّذا (٤).

وهذه الرواية مرسلة ، وغياث بن إبراهيم بتري.

الثانية : يجوز النظر الى أهل الذمة وشعورهنّ ، لأنهنّ بمنزلة الأمة المزوّجة فإنه يجوز النظر إليها وان حرم نكاحها لمكان تزويجها.

والمستند ما رواه محمّد بن يعقوب ، يرفعه إلى السكوني عن أبي عبد الله

__________________

(١) النور : ٣٠.

(٢) الفقيه : ج ٣ ، (١٢٤) باب ما أحل الله عزّ وجلّ من النكاح وما حرم منه ص ٢٦٠ الحديث ٢٤.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٣٩) باب نظر الرجل إلى المرأة قبل ان يتزوجها ص ٤٣٥ الحديث ٢.

(٤) الكافي : ج ٥ باب النظر لمن أراد التزويج ص ٣٦٥ الحديث ٥.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر الى شعورهنّ وأيديهنّ (١).

لكن بشروط ثلاثة :

(أ) أمن الفتنة ، ولو خافها حرم.

(ب) عدم التلذّذ ، لأنه استمتاع.

(ج) أن لا يكون لريبة.

وعليه الأصحاب ، ومنع ابن إدريس (٢) والعلامة في المختلف (٣) وهما نادران.

الثالثة : يجوز النظر الى جسد زوجته باطنا وظاهرا.

روى إسماعيل بن همام عن علي بن جعفر ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يقبّل قبل المرأة ، قال : لا بأس (٤).

وعن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله عن الرّجل ينظر الى فرج امرأته وهو يجامعها ، قال : لا بأس (٥).

وحرّمه ابن حمزة (٦) وهو نادر.

وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السّلام في الرجل ينظر الى فرج

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، باب النظر الى نساء أهل الذمة ص ٥٢٤ الحديث ١.

(٢) السرائر : باب ما يستحب فعله لمن أراد العقد ، ص ٣٠٨ س ٢٨ قال : وقد روي جواز النظر الى نساء أهل الكتاب الى أن قال : والذي يقوى في نفسي ترك هذه الرواية والعدول عنها إلخ.

(٣) المختلف : كتاب النكاح ، ص ٨٦ س ١٨ قال : بعد نقل قول الشيخ وابن إدريس : والأقرب المنع كقول ابن إدريس.

(٤) الكافي : ج ٥ باب نوادر ، ص ٤٩٧ الحديث ٤.

(٥) الكافي : ج ٥ باب نوادر ، ص ٤٩٧ الحديث ٥.

(٦) الوسيلة : في بيان أحكام الزفاف ص ٣١٤ س ١٠ قال : فالمحرّم ثلاثة أشياء. قراءة العزائم والنظر الى فرج المرأة قال الجماع إلخ.

٢٠٦

الثانية : الوطء في الدبر فيه روايتان ، أشهرهما الجواز على الكراهية.

______________________________________________________

امرأته وهي عريانة ، قال : لا بأس ، وهل اللذة إلّا ذلك؟ (١).

وفي المشهور بين علمائنا كراهية النظر إلى الفرج حالة الجماع وغيره ، وهذه الأحاديث قد تضمّن الإباحة ، فحمل النهي عن النظر الى باطن الفرج ، والإباحة على النظر الى الظاهر ، لما فيه من الجمع ، ولما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام ، يكره النظر الى باطن الفرج (٢).

الرابعة : يجوز النظر الى المحارم ما عدا العورة ، والمراد بالمحرم كلّ امرأة حرم نكاحها مؤبّدا بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة بعقد أو ملك ، فتدخل فيه أمّ الزوجة ، وبنت المدخول بها ، ومنكوحة الأب والابن ، دون الملاعنة ، والمطلّقة تسعا ، والزوجة المزنيّ بها ، وبنت العمة والخالة المفجور بأمّهما ، لأنّ التحريم هنا وإن تأيّد فليس بسبب مصاهرة أو عقد ، بل بسبب إيقاع ، وهو استيفاء عدد الطلاق ، أو عقوبة ، فلا يكون سببا للترخص ، ويجوز النظر الى ما عدا العورة منهنّ.

روى السكوني عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما السّلام قال : لا بأس أن ينظر الرجل الى شعر أمه أو أخته أو بنته (٣).

قال طاب ثراه : الوطء في الدبر فيه روايتان ، أشهرهما الجواز على الكراهية.

أقول : الكراهية مذهب الشيخ (٤) والمرتضى (٥) والمصنف (٦) والعلامة (٧)

__________________

(١) الكافي : ج ٥ باب نوادر ص ٤٩٧ الحديث ٦.

(٢) لم أظفر عليه.

(٣) الفقيه : ج ٣ (١٤٤) باب النوادر ص ٣٠٤ الحديث ٤٤.

(٤) النهاية : باب ما يستحب فعله لمن أراد العقد أو الزفاف وآداب الخلوة ص ٤٨٢ س ١٦ قال : ويكره للرجل أن يأتي النساء في احشاشهن.

(٥) الانتصار : كتاب النكاح ص ١٢٥ قال : مسألة وممّا يشنع به على الإمامية ، القول بإباحة وطء النساء في غير فروجهن المعتادة للوطء الى ان قال : والحجة في إباحة ذلك إجماع الطائفة إلخ.

(٦) لاحظ عبارة النافع.

(٧) المختلف : كتاب النكاح ص ٨٦ قال : مسألة المشهور كراهة الوطء في الدبر من غير تحريم لنا قوله

٢٠٧

الثالثة : العزل عن الحرّة بغير إذنها ، قيل : يحرم ، وتجب به دية النطفة عشرة دنانير ، وقيل : مكروه وهو أشبه ، ورخّص في الإماء.

______________________________________________________

ومذهب أكثر علمائنا ، وقال ابن حمزة : بالتحريم (١).

احتج الأوّلون بقوله تعالى «فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ» (٢).

فإن قلت : هذا مختص بموضع الحرث ، وهو القبل.

قلنا : مدفوع بجواز الإتيان بين الفخذين والركبة إجماعا.

ولصحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل أتى المرأة في دبرها ، قال : لا بأس (٣).

وبالأصل

احتج الآخرون بما رواه سدير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : محاش النّساء على أمتي حرام (٤).

أجاب الأوّلون بحمله على شدّة الكراهة ، أو على التقية ، لكونه مذهب العامة.

قال طاب ثراه : العزل عن الحرّة بغير اذنها ، قيل : يحرم (محرم خ ل) ويجب به دية النطفة عشرة دنانير ، وقيل مكروه ، وهو أشبه ، ورخّص في الإماء.

أقول : هنا مسألتان :

(أ) في تحريم العزل وكراهته ، وفيه قولان :

__________________

تعالى إلخ.

(١) الوسيلة : فصل في بيان احكام الزفاف ص ٣١٣ س ١٥ قال : وحرم عليه وطؤها في المحاش.

(٢) البقرة : ٢٢٣.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٣٦) باب السنة في عقود النكاح وزفاف النساء وآداب الخلوة والجماع ، ص ٤١٥ الحديث ٣٤ وقطعة من حديث ٢٩.

(٤) التهذيب : ج ٧ (٣٦) باب السنة في عقود النكاح وزفاف النساء وآداب الخلوة والجماع ص ٤١٦ الحديث ٣٦.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والأوّل مختار ابن حمزة (١) ومذهب المفيد (٢).

والثاني مذهب الشيخ في النهاية (٣) والقاضي (٤) وابن إدريس (٥) ، واختاره المصنف (٦) والعلامة (٧) ، لأصالة الإباحة.

ولرواية محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن العزل؟ فقال : ذلك إلى الرجل يصرفه حيث شاء (٨).

واحتج المانع : بأنّ حكمه النكاح الاستيلاد ، ولا يحصل مع العزل غالبا ، فيكون منافيا لغرض الشرع ، وكليّة الصغرى ممنوعة.

(ب) هل يجب دية النطفة أم لا؟ قال الشيخ بالأول (٩) وابن إدريس والعلامة بالثاني (١٠) (١١) وللمصنف قولان : فبالأوّل قال في باب النكاح من

__________________

(١) الوسيلة : في بيان أحكام الزفاف ص ٣١٤ س ١٠ قال : والمحرم ثلاثة أشياء ، والعزل إلّا بإذن المرأة.

(٢) المقنعة : باب السنة في عقود النكاح ، ص ٧٩ س ١٦ قال : وليس لأحد أن يعزل الماء عن زوجة له حرة إلخ.

(٣) النهاية : باب ما يستحب فعله لمن أراد العقد وآداب الخلوة. ص ٤٨٢ س ١٩ قال : ويكره للرجل أن يعزل عن امرأته الحرة إلخ.

(٤) المهذب : ج ٢ (في آداب الغشيان) ص ٢٢٣ س ١ قال : ويكره له العزل عن زوجته الحرة إلخ.

(٥) السرائر : باب ما يستحب فعله لمن أراد العقد والزفاف. ص ٣٠٨ س ٢ قال : ويكره للرجل أن يعزل إلخ.

(٦) لاحظ عبارة النافع.

(٧) المختلف : كتاب النكاح ، ص ٨٦ قال : مسألة المشهور كراهة العزل عن الحرة وليس محرّما.

(٨) التهذيب : ج ٧ (٣٦) باب السنة في عقود النكاح. ص ٤١٧ الحديث ٤١.

(٩) النهاية : باب دية الجنين والميت ص ٧٧٩ س ١٥ قال : وكذلك إذا عزل الرجل عن زوجته الحرة بغير اختيارها كان عليه عشر دية الجنين إلخ.

(١٠) السرائر : باب ما يستحب فعله. ص ٣٠٨ س ٣ قال بعد نقل موجب الدية : الأصل براءة الذمة إلخ.

(١١) المختلف : الفصل السادس في الجراحات ، ص ٢٦٣ س ١٠ قال بعد نقل الأقوال : والوجه الحمل على الاستحباب.

٢٠٩

الرابعة : لا يدخل بالمرأة حتى يمضي لها تسع سنين ، ولو دخل قبل ذلك لم تحرم على الأصح.

الخامسة : لا يجوز للرّجل ترك وطء المرأة أكثر من أربعة أشهر.

السادسة : يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا.

السابعة : إذا دخل بالصبيّة لم تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه وطؤها مؤبّدا ، ولم تخرج عن حبالته ، و (لو ـ ظ) لم يفضها لم يحرم على الأصح.

______________________________________________________

الشرائع (١) وبالثاني قال في باب الديات من كتابيه (٢) (٣) وفي الإماء جائز بالإجماع ، وهو صريح في صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (٤).

قال طاب ثراه : لا يدخل بالمرأة حتى يمضى لها تسع سنين ، ولو دخل قبل ذلك لم تحرم على الأصح.

أقول : البحث هنا يقع في مقامات :

(الأولى) إذا دخل بمن لها دون التسع ، هل يحرم بمجرّد الدخول ، أو لا يحرم إلّا مع الإفضاء؟ الشيخ في النهاية على الأوّل (٥) والباقون على الثاني ، وهو قوله في

__________________

(١) الشرائع : في آداب الخلوة ، الثانية : العزل عن الحرة الى أن قال : وقيل : هو مكروه وان وجبت الدية وهو أشبه.

(٢) الشرائع : كتاب الديات ، في اللواحق ، قال : ولو عزل الى ان قال : قيل : يلزمه عشرة دنانير وفيه تردّد أشبهه انه لا يجب.

(٣) المختصر النافع : كتاب الديات ، في اللواحق ص ٣١٣ قال : ولو عزل عن زوجته الى أن قال : والأشبه الاستحباب.

(٤) التهذيب : ج ٧ (٣٦) باب السنة في عقود النكاح وزفاف النساء. ص ٤١٧ الحديث ٤٣.

(٥) النهاية : باب ما أحلّ الله تعالى من النكاح ، ص ٤٥٣ س ١٠ قال : وإذا تزوّج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين فوطئها فرق بينهما ولم تحلّ له ابدا.

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستبصار (١).

(الثانية) هل تبين منه في موضع التحريم المؤبّد بمجرد الفعل؟ أو تبقى في حباله ولا تبين منه إلّا بالطلاق؟ نصّ ابن حمزة على الأوّل (٢) وهو ظاهر الشيخ (٣) ونص ابن الجنيد على الثاني (٤) وبه قال ابن إدريس (٥) وهو ظاهر المفيد (٦).

وممّا يؤيد الثاني رواية البريد العجلي عن الباقر عليه السّلام في رجل افتض جاريته ، يعني امرأته فأفضاها ، قال : عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فإن أمسكها ولم يطلّقها فلا شي‌ء عليه ، وإن دخل بها ولها تسع سنين ، فلا شي‌ء عليه إن شاء أمسك وإن شاء طلّق (٧).

وروى ابن بابويه في كتابه يرفعه إلى حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سئل عن رجل تزوّج جارية لم تدرك فأفضاها؟ قال : إن دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين وكان لها أقل من

__________________

(١) الاستبصار : ج ٤ (١٧٧) باب من وطأ جارية فأفضاها ، ص ٢٩٤ الحديث ١.

(٢) الوسيلة : فصل في بيان من يجوز العقد عليه ، ص ٢٩٢ س ٢٠ قال : والتي أفضاها بالوطء الى قوله : وتبين منه بغير طلاق.

(٣) وذلك لقوله (فرّق بينهما) بدون قيد أخر.

(٤) المختلف : كتاب النكاح ص ٧٧ قال : وقال ابن الجنيد : فإن أولج عليها فأفضاها قبل تسع سنين فعليه أن لا يطلقها إلخ.

(٥) السرائر : كتاب النكاح ص ٢٨٨ س ١٣ قال : وإذا تزوّج الرجل بصبيّة الى أن قال : وهو بالخيار بين أن يطلقها أو يمسكها ولا يحل له وطؤها أبدا وليس بمجرد الوطء تبين منه وينفسخ عقدها إلخ وله قدّس سرّه تحقيق دقيق في هذا المطلب فراجع.

(٦) المقنعة : باب ضمان النفوس ص ١١٧ س ١١ قال : والرجل إذا جامع الصبية ولها دون تسع سنين فأفضاها كان عليه دية نفسها والقيام بها حتى يفرّق الموت بينهما.

(٧) الكافي : ج ٧ باب ما يجب فيه الدية كاملة من الجراحات التي دون النفس ص ٣١٤ الحديث ١٨.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك فافتضّها ، فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج ، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلّقها حتى تموت فلا شي‌ء عليه (١).

فروع

(أ) لو مات أحدهما قبل الطلاق ، توارثا على الثّاني دون الأوّل.

(ب) لا يجوز له التزويج بأختها على الثّاني ويجوز على الأوّل.

(ج) يحرم عليه الخامسة لو كانت رابعة على الثاني دون الأوّل.

وكذا البحث في إدخال بنت الأخ أو الأخت عليها ، فلا يفتقر إلى إذنها على الأوّل دون الثاني.

أما تزويجه بالأمة ، فإن كان تحته غيرها من الحرائر افتقر إلى إذنها مع الباقيات على الثاني ، ولو لم يكن غيرها وعدم الطول ، فالأقرب عدم التوقّف على إذنها ، لجواز أن يعانده بعدم الإذن ، فيستضرّ ، وقال عليه السّلام : لا ضرر ولا ضرار (٢).

وأما وقوع الظهار منها ، فإن حرّمنا به غير الوطء ، وقع على الثّاني ، وإلّا فلا.

(د) لو زنى وليس له زوجة غيرها ، لم يرجم على القولين.

ويتفرّع على وجوب الإنفاق فروع :

(أ) يجب الإنفاق مطلقا ، أي سواء قلنا بالبينونة بمجرّد الفعل أولا (ب) لو تزوّجت بغيره فالأقرب سقوط الإنفاق.

(ج) لو طلّقت بائنا عاد الاستحقاق ، وكذا لو غاب عنها الثاني غيبة منقطعة ولم يكن له وليّ ينفق عليها ، لظهور العذر ، ولو أمرها الحاكم بالاعتداد ، كانت نفقتها

__________________

(١) الفقيه : ج ٣ (١٢٤) باب ما أحلّ الله عزّ وجلّ من النكاح ، وما حرّم منه ص ٢٧٢ الحديث ٧٩.

(٢) لاحظ عبارة عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٢٠ الحديث ٩٣ وما علق عليه.

٢١٢

الفصل الثاني في أولياء العقد

لا ولاية في النكاح لغير الأب ، والجدّ للأب وإن علا ، والوصيّ ، والمولى ، والحاكم ، وولاية الأب والجدّ ثابتة على الصغيرة ولو ذهبت

______________________________________________________

في العدة على الأول إذ لم يقل برجوعها عليه ، أما لو نشرت على الثاني ، وسقطت نفقتها عنه لذلك ، فإنها لا يستحق على الأوّل نفقة ، لاستناد التفريط في ضياع النفقة إليها. ولو أعسر احتمل أن يرجع الى الأوّل ، لعدم حصول النفقة لها ، وعدمه لاستقرار نفقتها في ذمة الثاني ورجوعها عليه بعد يساره.

(المقام الثالث) الحكم يتعلق بالموطوءة بالعقد دائما ومنقطعا ، ولو كان لشبهة قال في الخلاف : الحكم كذلك (١) وقال ابن إدريس : لا يلزمه النفقة لأصالة البراءة (٢) ، وفي المكرهة يجب الدية دون المهر قاله في الخلاف (٣) وأوجبه ابن إدريس (٤) وأما النفقة فيسقط عند ابن إدريس ، ويلزم الشيخ وجوب الإنفاق لأنه أبلغ من الشبهة لتغليظ العقوبة في الإكراه ، وأمّا الدية فيجب في الجميع ، أعني الزوجة والأجنبية بشبهة ، ومكرهة ومطاوعة ، لأنه إتلاف منفعة ، وليس لازما للوطء حتى يسقط بالإذن فيه ، فيجب ديته لأنه جناية ، وسيجي‌ء باقي أحكام المسألة في باب الديات.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الصداق ، مسألة ٤١ قال : فان كان قبل تسع سنين لزمه نفقتها ما دامت حيّة وعليه مهرها وديتها كاملة الى أن قال : هذا إذا كان في عقد صحيح أو شبهة ، فاما إذا كان مكرها لها فإنه يلزمه ديتها على كل حال ولا مهر لها إلخ.

(٢) و (٤) لم أظفر عليه في السرائر : وفي المختلف : كتاب النكاح ص ٧٧ س ٢٥ ما لفظه (وقال ابن إدريس : عقد الشبهة لا يلزمه النفقة لأصالة البراءة ، وقوله : لا مهر لها مع الإكراه غير واضح ، لأنا نجمع عليه الأمرين الدية والمهر ، لأنها ليست بغيا ، والنهى انما هو عن مهر البغي).

(٣) تقدم عند نقل عبارة الخلاف آنفا.

٢١٣

بكارتها بزنا أو غيره ، ولا يشترط في ولاية الجدّ بقاء الأب ، وقيل : يشترط ، وفي المستند ضعف.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولا يشترط في ولاية الجدّ بقاء الأب. وقيل : يشترط وفي المستند ضعف.

أقول : المشهور ان الولاية للأب والجد ثابتة على الصغيرين والمجنونين سواء كان جنونهما مستمرّا قبل البلوغ ، أو عرض بعد زوال الولاية عنهما لرشدهما بعد البلوغ ، وليست ولاية الجدّ مشروطة ببقاء الأب ، بل هي ولاية برأسها وهو اختيار المفيد (١) وتلميذه (٢) والسيد (٣) وابن إدريس (٤) والمصنف (٥) والعلامة (٦).

وهنا مذهبان آخران :

(أ) ثبوت الولاية للأب خاصة قاله الحسن (٧).

__________________

(١) المقنعة : باب عقد المرأة على نفسها النكاح. ص ٧٨ س ٢٢ قال : وذوات الآباء من الأبحار ينبغي لهنّ أن لا يعقدن على أنفسهنّ إلّا بإذن آبائهنّ الى أن قال : وان عقد عليها وهي صغيرة لم يكن لها عند البلوغ خيار وأن عقدت على نفسها بعد البلوغ بغير إذن أبيها خالفت السنة وبطل العقد الى أن قال : وليس لأحد أن يعقد على صغيرة سوى أبيها أو جدّها لأبيها.

(٢) المراسم : ذكر شرائط الأنكحة ص ١٤٨ س ٧ قال : فاما الصغار فيعقد لهنّ آباؤهن ولا خيار لهن بعد البلوغ ، وكذلك ان عقد لهنّ أجدادهنّ الى أن قال : الّا أنّ اختيار الجدّ مقدّم على اختيار الأب وعقده امضى

(٣) الانتصار : مسائل النكاح ص ١٢١ قال : وممّا انفردت به الإمامية أنّ لولاية الجدّ من قبل الأب رجحانا إلخ.

(٤) السرائر : باب من يتولى العقد على النساء ص ٢٩٥ س ٣٢ قال : الا أنّ لولاية الجدّ رجحانا وأولوية هنا إلخ.

(٥) لاحظ عبارة النافع.

(٦) المختلف : كتاب النكاح ص ٨٧ قال : مسألة الجد للأب كالأب في ولاية النكاح سواء كان الأب حيّا أو ميتا إلخ.

(٧) المختلف : كتاب النكاح ص ٨٧ س ٢١ قال : وأمّا ابن أبي عقيل قال : الوليّ الذي هو أولى بنكاحهنّ هو الأب دون غيره.

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(ب) اشتراط بقاء الأب في ثبوت ولاية الجد قاله الشيخ في النهاية (١) وأبو علي (٢) والصدوق (٣) والقاضي (٤) والتقي (٥).

احتج الأوّلون بما رواه عبيد بن زرارة (في الموثق) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل ، ويريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر ، فقال : الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّا إن لم يكن الأب زوّجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجدّ (٦).

وإذا كانت ولاية الجدّ أقوى لم يؤثر فيها موت الأضعف.

احتج الحسن برواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا تزوّج ذات الآباء من الأبكار إلّا بإذن أبيها (٧).

__________________

(١) النهاية : باب من يتولى العقد على النساء ص ٤٦٦ قال بعد نقل ولاية الجد ما لفظه (هذا إذا كانت البكر أبوها الأدنى حيا ، فان لم يكن أبوها حيا لم يجز للجدّ أن يعقد عليها الّا برضاها وجرى مجرى غيره).

(٢) المختلف : كتاب النكاح ص ٨٧ س ٢١ قال بعد نقل قول الشيخ : وبه قال ابن الجنيد.

(٣) الهداية : (١١٨) باب النكاح ص ٦٨ س ١٠ قال : وإذا كانت بكر أو كان لها أب وجدّ ، فالجدّ ألحق بتزويجها من الأب ما دام الأب حيا ، فاذا مات الأب فلا ولاية للجد عليها ، لأنّ الجدّ انما يملك أمرها في حياة ابنه.

(٤) المهذب : ج ٢ باب في ذكر من يجوز له العقد في النكاح ص ١٩٥ س ٩ قال : وإذا كان الجد الذي هو أبو أبيها حيا ، وكان أبوها ميتا ، لم يجز له العقد عليها إلا بإذنها لأنه مع فقد أبيه يجري مجرى غيره.

(٥) الكافي : الضرب الأوّل من الأحكام ص ٢٩٢ س ٤ قال : والولاية مختصة بأب المعقود عليها وجدّها له في حياته.

(٦) الكافي : ج ٥ ، باب الرجل يريد أن يزوّج ابنته ويريد أبوه أن يزوّجها رجلا آخر ص ٣٩٥ الحديث ١.

(٧) الكافي : ج ٥ ، باب استمار البكر ومن يجب عليه استمارها ومن لا يجب عليه ص ٣٩٣ الحديث ١.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب (١).

احتج الشيخ بما رواه الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام قال : إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه وكان أبوها حيّا ، وكان الجدّ مرضيّا جاز ، قلنا : فإن هوي أبو الجارية هوى ، وهوى الجدّ هوى ، وهما سواء في العدل والرضا؟ قال : أحب إليّ أن ترضى بقول الجد (٢) (٣) (٤).

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، باب استمار البكر ومن يجب عليه استيمارها ومن لا يجب عليه ص ٣٩٣ قطعة من حديث ٢.

(٢) الكافي : ج ٥ باب الرجل يريد أن يزوّج ابنته ويريد أبوه أن يزوجها رجلا آخر ص ٣٩٦ الحديث ٥.

(٣) قوله (وكان أبوها حيا) استدلّ به على اشتراط وجود الأب في ولاية الجد ، وقال بعض أفاضل المتأخرين ؛ يمكن أن يقال : ان حجية المفهوم انما يثبت إذا لم يظهر للتقييد وجه سوى نفي الحكم عن المسكوت عنه ، وربما كان الوجه في هذا التقييد على الفرد الأخفى ، وهو جواز عقد الجدّ مع وجود الأب ، مع ان الرواية ضعيفة ، لاشتمالها على جماعة من الواقفية انتهى.

قوله عليه السّلام (وكان الجدّ مرضيّا) قال الوالد العلامة رحمه الله : المراد بكون الجدّ مرضيّا ، إما كونه مرضيّا من حيث المذهب ، إذ (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) أو لا يكون فاسقا ، سيّما شارب الخمر ، ولا يكون سفيها ، ولا يكون مخبطا كما هو الشائع في المشايخ ، وكان بحيث يعرف الكفو (مرآة العقول : ج ٢٠ ص ١٣٣).

(٤) هذه الرواية دلّت على أمور ثلاثة ١ ـ ان ولاية الجد مشروط ببقاء الأب.

٢ ـ اشتراط العدالة في ولاية الأب والجدّ.

٣ ـ عدم انفرادهما بالولاية من دون اذن من عليها الولاية.

والى الشرط الأوّل ذهب الشيخ ، واما الشرط الثاني فالظاهر أنّ اشتراط العدالة هنا ليس في محلّ الضرورة حتى يكون من الشرائط اللازمة ، كالعدالة في ولاية اليتيم ، بل هي في محل الكمال ، فتحمل على

٢١٦

ولا خيار للصبيّة مع البلوغ ، وفي الصبيّ قولان : أظهرهما انه كذلك ولو زوّجها فالعقد للسابق ، فإن اقترنا ثبت عقد الجدّ ، ويثبت ولايتهما على البالغ مع فساد عقله ذكرا كان أو أنثى ، ولا خيار له لو أفاق والثيّب تزوج نفسها ولا ولاية عليها لأب ولا لغيره ، ولو زوّجها من غير اذنها وقف على إجازتها.

______________________________________________________

وأجيب بالمنع من سلامة السند ، ثمَّ من دلالته على المطلوب ، لضعف دلالة المفهوم.

قال طاب ثراه : ولا خيار للصبية بعد البلوغ ، وفي الصبي قولان : أظهرهما أنه كذلك.

أقول : المشهور أن العقد الصّادر من الوليّ الاختياري (الإجباري خ ل) يستمر حكمه على المولّى عليه بعد زوال الولاية عنه ، لأنه صدر بولاية شرعية ، ووقع صحيحا ، فيكون الأصل فيه الاستمرار ، لقوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (١) وقول النبي صلّى الله عليه وآله : المؤمنون عند شروطهم (٢) إلّا ما أخرجه النص وهو عتق الجارية. والحق ابن حمزة ثبوت الخيار للصبي دون الصبية (٣) والشيخ في النهاية أثبت الخيار للصبيّ بعد بلوغه ولم يذكر الصبيّة (٤) ولعلّ وجهه تطرق الضرر اليه

__________________

الاستحباب والفضيلة ، واما الشرط الثالث فهو موافق للأصل مع بلوغ المرأة ، إذ مع عدم بلوغها لا اعتبار برضاها وعدمه ، لكن سند الرواية أصله ضعيف (نقلا عن هامش عوالي اللئالى ، ج ٣ س ٣١٧).

(١) المائدة : ١.

(٢) عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٣٥ الحديث ٨٤ وص ٢٩٣ الحديث ١٧٣ وج ٢ ص ٢٧٥ الحديث ٧ وج ٣ ص ٢١٧ الحديث ٧٧ ولا حظ ما علق عليه.

(٣) الوسيلة : فصل في بيان من اليه العقد من النساء ص ٣٠٠ س ١٦ قال : كان عقد الصبي موقوفا على إجازته.

(٤) النهاية : باب من يتولى العقد على النساء ص ٤٦٧ س ١٣ قال : ومتى عقد الرجل لابنه على

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

دونها ، فإنه أثبت في ذمته مهرا ونفقة ولا ضرورة له الى ذلك حالة الصبيّ ، بخلاف الصبيّة فلا يثبت لها ذلك ، وتبعه القاضي (١) وابن حمزة (٢) وابن إدريس (٣) ، فالمصنف هنا أورد المسألة على هذا التقدير ، وجزم بلزوم النكاح في الصبية (٤) ، وقال في الشرائع : ولا خيار لها بعد بلوغها على أشهر الروايتين وكذا لو زوج الأب أو الجد للولد الصغير لزمه العقد ، ولا خيار له مع بلوغه ورشده على الأشهر (٥).

أما فتوى النهاية فالتعويل فيها على رواية الكناسي عن الباقر عليه السّلام : إن الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك أو بلغ خمسة عشرة سنة (٦).

واما ما أشار إليه في الشرائع فصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال : سألته عن الصبيّ يتزوج الصبية قال : إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما ، فنعم جائر ، لكن لهما الخيار إذا أدركا ، فإن رضيا بعد ذلك فان المهر على الأب (٧) (٨).

__________________

جارية وهو غير بالغ كان له الخيار إذا بلغ.

(١) المهذب : ج ٢ باب في ذكر من يجوز له العقد في النكاح ، ص ١٩٧ س ١٧ قال : كان الخيار للابن إذا بلغ.

(٢) تقدّم آنفا.

(٣) السرائر : باب من يتولّى العقد على النساء ص ٢٩٧ س ٢٨ ومتى عقد الرجل لابنه على جارية وهو غير بالغ كان له الخيار إذا بلغ.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) الشرائع : ج ٢ الفصل الثالث في أولياء العقد قال : ولا خيار لها بعد بلوغها إلخ.

(٦) التهذيب : ج ٧ (٣٢) باب عقد المرأة على نفسها النكاح. ص ٣٨٣ س ٨ قطعة من حديث ٢٠.

(٧) التهذيب : ج ٧ (٣٢) باب عقد المرأة على نفسها النكاح. ص ٣٨٢ قطعة من حديث ١٩.

(٨) أما رواية الكناسي فغير معلومة السند ، واما رواية محمّد بن مسلم فهي وان كانت صحيحة الطريق ، لكن ظاهرها مخالف للأصل ، من حيث ان العقد الصادر عن الوليّ الإجباري مقتضاه استقرار حكمه ، فلا يكون متزلزلا قابلا للفسخ ، لأنه صدر بولاية شرعية ، فيقع صحيح (صححاظ) في أصله ، فلا يقبل الزوال ، فيحمل الرواية على حمل الخيار في المهر ، فإنه إذا زوّج الصبية بدون مهر المثل ، أو زوّج الصبي بأزيد من مهر المثل كان الاعتراض في المهر دون أصل العقد ، لأنّ ذلك من الحقوق المالية يجب أن تصادف المصلحة ، فمع فقدها لا ينعقد فكان لهما الخيار فيه (من هامش عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٣١٨).

٢١٨

أما البكر البالغة الرشيدة فأمرها بيدها (١) ولو كان أبوها حيا قيل : لها الانفراد بالعقد دائما كان أو منقطعا ، وقيل : العقد مشترك بينها وبين الأب فلا ينفرد أحدهما به ، وقيل : أمرها إلى الأب وليس لها معه أمر ، ومن الأصحاب من أذن لها في المتعة دون الدائم ، ومنهم من عكس ، والأوّل أولى ، ولو عضلها الولي سقط اعتبار رضاه إجماعا ، ولو زوج الصغيرة غير الأب والجد ، وقف على رضاها عند البلوغ ، وكذا الصغير ، وللمولى أن يزوّج المملوكة صغيرة وكبيرة ، بكرا وثيبا ، عاقلة ومجنونة ، ولا خيرة لها ، وكذا العبد ، ولا يزوّج الوصي إلّا من بلغ فاسد العقل مع اعتبار المصلحة ، وكذا الحاكم

______________________________________________________

قال طاب ثراه : أما البكر البالغة الرشيدة فأمرها بيدها.

أقول : للأصحاب هنا خمسة أقوال :

(أ) لا ولاية على البكر البالغ الرشيدة في الدائم ولا المنقطع ، بل أمرها بيدها وهو مذهب المفيد في أحكام النساء (١) وتلميذه (٢) والسيد (٣) وأبو علي (٤) واختاره المصنف (٥) والعلامة (٦).

__________________

(١) المقنعة : باب عقد المرأة على نفسها النكاح ص ٧٨ س ٢١ قال : والمرأة البالغة تعقد على نفسها النكاح إلخ.

(٢) المراسم : ذكر شرائط الأنكحة ، ص ١٤٨ س ٦ قال : فمن ذلك أن تعقد المرأة على نفسها إذا كانت بالغة ثيبا.

(٣) الانتصار : كتاب النكاح ص ١٢٢ قال : وممّا ظن قبل الاختبار أنّ الإمامية تنفرد به القول : بأنه ليس للأب أن يزوّج بنته الباكرة البالغة إلّا بإذنها إلخ.

(٤) و (٦) المختلف : كتاب النكاح ص ٨٦ في الأولياء س ٣٣ قال بعد نقل قول المفيد : وبه قال ابن الجنيد ، ثمَّ بعد نقل آراء المخالفين قال : والمعتمد الأوّل.

(٥) لا حظ عبارة النافع.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(ب) ثبوت الولاية عليها للأب ، اختاره الشيخ في كتابه (١) وبه قال الصدوق (٢) والحسن (٣) والقاضي (٤).

(ج) الولاية مشتركة بينها وبين الأب والجد ، فليس لأحدهم الانفراد به ، وهو قول التقي (٥).

(د) الولاية مشتركة بينها وبين الأب والجدّ ، ولأحدهما الانفراد ، وهو أحد قولي المفيد.

(ه) أنّ لها أن ينكح متعة بدون إذن الأب ، لكن لا يطأها في الفرج اختاره ابن حمزة (٦) وذكره الشيخ في النهاية رواية (٧) وأشار المصنف في كتابه إلى قول آخر ، وهو الاذن في الدائم دون المنقطع (٨) ولم نظفر به ، ولم يذكره العلامة في مسائل

__________________

(١) النهاية : باب من يتولى العقد على النساء ص ٤٦٥ س ٣ قال : ولا يجوز للبكر أن تعقد على نفسها الدوام إلّا بإذن أبيها ، إلخ.

(٢) الهداية : ١١٨ باب النكاح ص ٦٨ س ٩ قال : ولا ولاية لأحد على البنت إلّا لأبيها ما دامت بكرا إلخ.

(٣) المختلف : كتاب النكاح ص ٨٦ س ٣٩ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : وبه قال ابن عقيل.

(٤) المهذب : ج ٢ (في نكاح الباكرة) ص ١٩٦ س ١ قال : فان كان أبوها حيا ، كان الأفضل لها أن لا تعدل عن رأيه ولا تعقد على نفسها إلّا بإذنه.

(٥) الكافي : النكاح ، المضرب الأوّل من الاحكام ص ٢٩٢ س ٩ قال : وان كانت بالغا. لم يجز لهما العقد عليها إلّا بإذنها إلخ.

(٦) الوسيلة : فصل في بيان من اليه العقد ص ٣٠٠ س ٧ قال : ويجوز للبكر عقد نكاح المتعة بغير اذن الولي إلخ.

(٧) النهاية : باب من يتولّى العقد ص ٤٦٥ س ٨ قال : وقد روي أنه يجوز للبكر أن تعقد على نفسها نكاح المتعة من غير إذن أبيها غير أن الذي يعقد عليها لا يطأها في الفرج.

(٨) الشرائع : (في أولياء العقد) قال : ومن الأصحاب من اذن لها في الدائم دون المنقطع ومنهم من عكس إلخ.

٢٢٠