المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

ويجوزان يتزوجها ويجعل العتق صداقها ، ويشترط تقديم لفظ التزويج في العقد ، وقيل : يشترط تقديم العتق.

______________________________________________________

وأجيب عن الأوّل : بأنّ ثبوت الخيار لا تنافي صحة النكاح.

وعن الثاني : بضعف دلالة المفهوم ، وكيف إذا عورض بالمنطوق.

قال طاب ثراه : ويجوز أن يتزوّجها ويجعل العتق صداقها ، ويشترط تقديم لفظ التزويج في العقد ، وقيل : يشترط تقديم العتق.

أقول : الأصل في هذه المسألة أنه لما أسرت صفيّة بنت حييّ بن أخطب من ولد هارون بن عمران عليه السّلام اصطفاها النبي صلّى الله عليه وآله لنفسه في الغنيمة في فتح خيبر ، ثمَّ أعتقها وتزوجها (١) وجعل عتقها صداقها بعد أن حاضت حيضة ، فأجمع أصحابنا على أنه من السنن المشروعة العامة ، وقال كثير من العامة : أنه من خصائصه عليه السّلام.

وهل يشترط تقديم لفظ التزويج على العتق ، أو الأمر بالعكس ، أو لا مشاحة في تقديم أحدهما على الآخر ، لأنّ الكلام المتصل كالجملة الواحدة لا تتم أوّله إلّا بآخره؟ قيل فيه : ثلاثة أقوال :

(أ) اشتراط تقديم التزويج قاله الشيخ في النهاية (٢) وتبعه القاضي (٣) وابن

__________________

(١) البحار : ج ٢١ باب غزوة خيبر وفدك ص ٢٢ س ١٦ قال : ثمَّ اصطفاها لنفسه ثمَّ أعتقها وتزوّجها ، وفي كتاب الأمالي للطوسي : ج ٢ ، الجزء الرابع عشر ولفظ (عن صفية قالت : أعتقني رسول الله صلّى الله عليه وآله وجعل عتقي صداقي).

(٢) النهاية : باب السراري وملك الأيمان ص ٤٩٧ س ١٥ قال : إلّا انه متى أراده ينبغي أن يقدّم لفظ العقد إلخ.

(٣) المهذب : ج ٢ باب السراري وملك الأيمان ص ٢٤٧ س ١١ قال : وينبغي إذا أراد فعل ذلك أن يقدّم لفظ التزويج إلخ.

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

إدريس (١) والمصنف (٢) ولو قدم العتق كان لها الخيار في الرضا بالعقد والامتناع من قبوله.

والحجة رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال : سألته عن رجل قال لأمته : أعتقتك وجعلت مهرك عتقك؟ فقال : عتقت ، وهي بالخيار إن شاءت تزوّجته ، وإن شاءت فلا ، وإن تزوّجته فليعطها شيئا ، وإن قال : قد تزوّجتك وجعلت مهرك عتقك ، فان النكاح واقع ، ولا يعطها شيئا (٣).

وليست ناهضة بالدلالة على المطلوب ، لأنه لم يذكر في العقد التزويج ، ولا يكفي ذكر المهر بدون لفظ النكاح ، ولأنّه بدل على إعطائها شيئا آخر على تقدير الرضا ، ولم يقولوا به.

(ب) اشتراط تقديم العتق قاله المفيد (٤) والتقي (٥) والشيخ في الخلاف (٦) لأنّ بضع الأمة مباح لمالكها ، فلا يصح العقد عليه ، قال العلامة : والوجه عندي تقديم العتق ولا يجعل لها الخيار هنا لأنّ الكلام إنما يتمّ بآخره ، فهو كما لو قال : أعتقتك وعليك خدمة سنة لزمها الخدمة ، فكذا هنا يلزمها التزويج ، ويكون عقد النكاح قد

__________________

(١) السرائر : باب السراري وملك الايمان ص ٣١٥ س ٣٧ قال : إلّا أنه متى أراده ينبغي أن يقدّم لفظ العقد إلخ.

(٢) لاحظ اختياره في النافع.

(٣) الاستبصار : ج ٣ (١٣١) باب الرجل يعتق أمته ويجعل عتقها صداقها ص ٢١٠ الحديث ٥.

(٤) المقنعة : باب العتق والتدبير والمكاتبة ص ٨٥ س ٢١ قال : ومن أعتق أمته وجعل عتقها مهرها وتزوجها على ذلك جاز عتقه وثبت نكاحه إلخ.

(٥) الكافي : العتق ، فصل فيما يقتضي فسخ الرّق ص ٣١٧ س ١٢ قال : ويجوز عتق الأمة مطلقا ، ويصح ان يجعل عتقها صداقها.

(٦) الخلاف : كتاب النكاح مسألة ٢٢ قال : إذا قال لأمته : أعتقتك على أن أتزوّج بك وعتقك صداقك إلخ.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

صادق امرأة وجد فيها سبب التحرير ، فكأنه صادق حرة قابلة له ، ولا يعتبر قبولها العقد هنا ، لأنها إنما تحرر بتمام العقد (١).

(ج) عدم اشتراط تقديم أحدهما عينا ، ولا نسلم ثبوت الخيار لها مع تقديم العتق ، لأن الكلام المتصل كالجملة الواحدة ، فلم تملك عتقها إلّا بجعلها مهرا لنكاحها ، ولا نسلم لزوم العقد على المملوكة على تقدير تقديم التزويج لأنّها حرّة قوّة ، لعدم استقرار الرق فيها ، ووجود سبب التحرير ، حكاه المصنف ولم يذكر قائله (٢).

واعلم أن هذه المسألة قد خالف الأصل من وجوه :

(أ) جواز عقد الإنسان على أمته.

(ب) أن المهر تجب تحققه قبل العقد ، ومع تقديم العتق لا يكون متحقّقا قبله ، مع انه مذهب الأكثر.

(ج) لزوم الدور ، لتوقف العقد على المهر الذي هو العتق المتوقف حصوله على العقد.

والجواب : أن تحقق المشروعية هنا بالنقل المستفيض ، ووجوب اتّباع إجماع الفرقة الّذي هو حجة قاطعة ، لدخول قول المعصوم فيه ، ولا استبعاد في صيرورتها أصلا مستقلا ، كما صار ضرب الدية على العاقلة كذلك ، مع أنّ لقائل أن يمنع حصول العقد هنا على المملوكة ، لأنّ العقد والعتق متقارنان ، وكما جاز أن يعقد لغيره عليها لعدم ملكه لها ، فكذا لنفسه ، لعدم استقرار ملكه بتمام العقد ، وأوّل العقد مرتبط بآخره ، فقد وجد فيها سبب التحرير ، ويمنع وجوب تحقق المهر في كل عقد ، فإنّ مفوّضة البضع ليس لها مهر محقّق قبل العقد.

__________________

(١) المختلف : في نكاح الإماء ، ص ٢٢ س ٢١ قال : والوجه عندي تقديم العتق إلخ.

(٢) الشرائع : في نكاح الإماء ، في الطوارئ قال : وقيل : لا يشترط لان الكلام المتصل كالجملة الواحدة ، وهو حسن.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فان قلت : إنّ مفوّضة البضع يجب لها المهر بالعقد في الجملة ، لأنه إن حصل دخول وجب لها مهر المثل ، والّا كان لها المتعة ، فوجود شي‌ء ماله صلاحية إلّا صداق حاصل في المفوضة عند العقد.

قلنا : وفي صورة النزاع وجود شي‌ء ماله صلاحية إلّا صداق ، حاصل ، وهو العتق المذكور في تمام العقد الّذي ترتبط ما وجد من ألفاظه بما بقي منها ، بل هما متقارنان في الوجود.

والدور غير لازم ، لأنّا نمنع توقف العقد على المهر ، وإن استلزمه ، فإن العقد في نفسه جائز ، وكما يجوز جعلها مهرا لغيرها ، جاز لنفسها ، لعدم المانع ، ولم يجوز جعل عتقها ، أو فكّ ملكها مهرا لها.

فرع

لو طلق هذه قبل الدخول بها؟ قال في النهاية : رجع نصفها رقا واستسعت فيه ، فإن أبت كان لها يوم وله يوم (١) والأقرب رجوعه عليها بنصف القيمة وهي حرّة ، لأنّ ذلك يجرى مجرى التالف من المهر المعين واختاره القاضي (٢) وابن إدريس (٣) وقوّاه العلامة في التحرير (٤).

__________________

(١) النهاية : باب السراري وملك الأيمان ص ٤٩٧ س ٢٠ قال : رجع نصفها رقا واستسعيت إلخ.

(٢) المهذب : ج ٢ باب السراري وملك الايمان ص ٢٤٨ س ١ قال : فان طلّقها قبل الدخول بها كان له عليها مثل نصف قيمتها.

(٣) السرائر : باب السراري وملك الايمان ص ٣١٦ س ٣ قال : فان طلق التي جعل عتقها مهرها قبل الدخول بها إلخ.

(٤) التحرير : في أنكحة المماليك ص ٢٣ س ١٤ قال بعد نقل قول القاضي وابن إدريس : وهو عندي قويّ.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولرواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام قلت له : رجل أعتق مملوكته وجعل عتقها صداقها ثمَّ طلّقها ، قال : مضى عتقها وترد على السيد نصف قيمتها يسعى فيه ، ولا عدة عليها (١).

فعلى قول الشيخ يجوز أن يشتري من سهم الرقاب مع العجز ، وعلى قولنا يستقر ثمن النصف في ذمّتها كالدين.

احتج برواية أبي بصير (٢) وهي مرسلة.

وبرواية يونس بن يعقوب (٣) وكان فطحيا ، وقيل : رجع ، قال المصنف : ولم يثبت (٤).

وبرواية عباد بن كثير البصري قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام رجل أعتق أمّ ولده وجعل عتقها صداقها ، ثمَّ طلّقها قبل أن يدخل بها؟ قال : يعرض عليها أن تسعى في نصف قيمتها ، فإن أبت هي فنصفها رقّ ونصفها حرّ (٥) وهو عامي والى ما اخترناه ذهب الصدوق في المقنع (٦) وأبو علي (٧) وابن إدريس (٨) وما اختاره في

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٤١) باب من الزيادات في فقه النكاح ص ٤٨٢ الحديث ١٤٦.

(٢) الاستبصار : ج ٣ (١٣١) باب الرجل يعتق أمته ويجعل عتقها صداقها ص ٢١٠ الحديث ٧.

(٣) الاستبصار : ج ٣ (١٣١) باب الرجل يعتق أمته ويجعل عتقها صداقها ص ٢١٠ الحديث ٦.

(٤) من أراد أن يطلع على مذهبه ورجوعه واختلاف أرباب الرجال فيه فليرجع الى تنقيح المقال للعلامة المامقاني ج ٣ ص ٣٤٤ تحت رقم ١٣٣٦٥.

(٥) الاستبصار : ج ٣ (١٣١) باب الرجل يعتق أمته ويجعل عتقها صداقها ص ٢١١ الحديث ٨.

(٦) المقنع : باب بدء النكاح ص ١٠٣ س ٥ قال : وإذا أعتقها وجعل صداقها ثمَّ طلقها قبل أن يدخل بها إلخ.

(٧) المختلف : في نكاح الإماء ص ٢٢ س ٣١ قال بعد نقل قول الصدوق في المقنع : وبه قال ابن الجنيد وهو المعتمد.

(٨) السرائر : في السراري وملك الأيمان ص ٣١٦ س ٥ قال : والذي يقتضيه أصول المذهب الى قوله :

٣٤٥

وأمّ الولد رقّ وإن كان ولدها باقيا ، ولو مات جاز بيعها ، وتنعتق بموت المولى من نصيب ولدها ولو عجز النصيب سعت في المتخلّف ، ولا يلزم الولد السعي على الأشبه ، وتباع مع وجود الولد في ثمن رقبتها إن لم يكن غيرها.

ولو اشترى الأمة نسيئة فأعتقها ، وتزوّجها ، وجعل عتقها مهرها ، فحملت ثمَّ مات ولم يترك ما يقوم بثمنها فالأشبه ان العتق لا يبطل ، ولا يرق الولد ، وقيل : تباع في ثمنها ، ويكون حملها كهيئتها ، لرواية هشام بن سالم.

______________________________________________________

النهاية يتمش على القول بأن المرأة لا يملك بالعقد سوى النصف من الصداق.

قال طاب ثراه : ولو عجز النصيب سعت في المختلف ، ولا يلزم الولد السعي على الأشبه.

أقول : مختار المصنف هون مختار المفيد (١) وابن إدريس (٢) والعلامة (٣) ولزوم السعي للولد هو مختار الشيخ في المبسوط وابن حمزة وسيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى.

قال طاب ثراه : فالأشبه أن العتق لا يبطل ، ولا يرق الولد ، وقيل : تباع في ثمن رقبتها ويكون ولدها كهيئتها لرواية هشام بن سالم.

__________________

فقد ملكت نفسها وصارت حرّة إلخ.

(١) لم نعثر عليه.

(٢) السرائر : في السراري وملك الأيمان ص ٣١٦ س ٧ قال : وقد روي انه ان كان لها ولد له مال الى أن قال : والأصل براءة الذمة إلخ.

(٣) المختلف : في نكاح الإماء ص ٢٣ س ١ قال : الخامس إلزام الولد بأداء ثمنها ليس بجيّد ، لأصالة البراءة.

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : إذا اشترى الإنسان أمة نسيئة فأعتقها وتزوّجها وجعل عتقها مهرها ، ثمَّ استولدها ومات مفلسا ، فهنا أصلان قطعيان لا شكّ فيهما :

الأول : أنّ العتق صحيح ، لوقوعه من أهله في محله.

أمّا الأول ، فلصدوره من ملك جائز التصرف.

وأمّا الثاني ، فلمصادفته رقبة قابلة للعتق.

الأصل الثاني : أن هذا الولد حرّ ، لتولّده بين حرّين.

فاذا تحقّق هذان الأصلان فما نافاهما وجب حمله على ضرب من التأويل ، إن أمكن ، وإلّا اطرح ، لكونه غير قطعي عارض قطعيّا.

إذا عرفت هذا : فاعلم أن المعارض لهذين الأصلين صحيحة هشام بن سالم (١) عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل باع من رجل جارية بكرا إلى سنة ، فلما قبضها المشتري أعتقها من الغد وجعل عتقها مهرها ، ثمَّ مات بعد ذلك بشهر ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : إن كان للّذي اشتراها إلى سنة مال ، أو عقدة يحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها كان عتقه ونكاحه جائزا ، وإن لم يملك ما يحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها كان عتقه ونكاحه باطلا ، لأنه أعتق ما لا يملك ، وأرى أنها رقّ لمولاها الأوّل ، قيل له : فان كانت قد علقت من الّذي أعتقها وتزوّجها ما حال ما في بطنها؟ فقال : الذي في بطنها مع امه كهيئتها.

وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية (٢) وأبو علي (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، كتاب العتق والتدبير والكتابة ، باب نوادر ، ص ١٩٣ الحديث ١ وفي التهذيب : ج ٨ باب العتق واحكامه ص ٢٣١ الحديث ٧١ وفي ألفاظ الحديث مع ما نقله المصنف اختلاف يسير فلا حظ.

(٢) النهاية : باب السراري وملك الايمان ص ٤٩٨ س ٣ قال : فان جعل عتقها صداقها الى قوله : في كونه رقا.

(٣) المختلف : في نكاح الإماء ص ٢٣ س ٦ قال : وقال ابن الجنيد : وان مات وثمن الأمة التي

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قال المصنف قدّس الله روحه : إن سلم هذا النقل جاز استثناء هذا الحكم من جميع الأصول المنافية ، لعلة غير معقولة ، لكن عندي أنّ هذا خبر واحد لم يعضده دليل فالرجوع إلى الأصل أولى (١).

وتأوّلها العلامة : بالحمل على وقوع ذلك في مرض الموت ، فان ذلك يقتضي بطلان العتق المستغرق مع وجود الدين (٢).

قيل عليه : إنما يتم هذا التأويل في عودها الى الرقّ ، أما رقّ الولد فلا ، لأنّ غايته بطلان العتق ، فيكون مملوكته ، وولده منها حر لا ينقلب رقا.

وبعض حملها على فساد البيع مع علم المشتري ، فيكون زانيا ، فيرق ولده.

ولا يتم أيضا ، لتضمّن الرواية صحة النكاح والعتق لو ترك ما يقوم بثمنها ، ولا يمكن ذلك مع فساد البيع.

قال فخر المحققين : ليس في الرواية ما يدلّ على رقيّة الولد ، إذا ليس فيها إلّا قوله (كهيئتها) وهو أعم من أن يكون كهيئتها في حال الحكم بحريتها في الظاهر قبل ظهور عجزه عن الثمن ، فيكون حرّا ، أو بعده فيكون رقا ، ولا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات (٣).

قال الشهيد : هذا كلام على النص ، فان المفهوم من قوله (كهيئتها) ليس الّا أنّ حكمه حكمها في حال السؤال ، وقد حكم قبل ذلك انها رق ، فيكون دالا على رقية

__________________

تزوجها دين عليه إلخ.

(١) المسالك : ج ١ في نكاح الإماء ص ٥١٦ س ٥ قال : قال المصنف في النكت : ان سلم هذا النقل إلخ.

(٢) المختلف : في نكاح الإماء ص ٢٣ س ١٣ قال بعد نقل استناد الشيخ برواية هشام : والجواب ان هذه الرواية لمنافاة الأصول وجب تأويلها بالمحتمل ، وهو أن يكون المشتري مريضا إلخ.

(٣) الإيضاح : ج ٣ في نكاح الإماء ص ١٦٠ س ١٠ قال : والرواية لا تدل على رقّه إلخ.

٣٤٨

وأمّا البيع : فاذا بيعت ذات البعل تخيّر المشتري في الإجازة والفسخ ، تخيّرا على الفور ، وكذا لو بيع العبد وتحته أمة ، وكذا قيل لو كان تحته حرّة ، لرواية فيها ضعف ولو كانا لمالك فباعهما لاثنين فلكل منهما الخيار ، وكذا لو باع أحدهما لم يثبت العقد ما لم يرض كل واحد منهما ، ويملك المولى المهر بالعقد ، فان دخل الزوج استقرّ ، ولا يسقط لو باع ، أمّا لو باع قبل الدخول سقط ، فإن أجاز المشتري كان المهر له ، لأنّ الإجازة كالعقد.

وأمّا الطلاق : فإذا كانت زوجة العبد حرّة ، أو أمة لغير مولاه ، فالطلاق بيده ، وليس لمولاه إجباره ، ولو كانت أمة لمولاه كان التفريق إلى المولى ، ولا يشترط لفظ الطلاق.

______________________________________________________

الولد بالمطابقة ، إذا اللفظ موضوع لهذا المعنى ، ولو صح هذا التأويل أمكن الكلام على نصوص الشارع ، وفي التزام هذا ما لا يخفى (١).

والأولى إن عملنا بهذه الرواية قيدنا بصورة النص ، نعم لا يشترط كون الأجل سنة على الظاهر ، لبعده ، إذ المناط حصول الأجل ، والتقييد بخصوصية الزمان لا يفيد تعلق الحكم به ، بل بمطلق التأجيل مع احتماله ، قلت : ويكون المشتري ليس له حالة الشراء مال ، أو عقدة يحيط بقضاء ما عليه من الدين.

قال طاب ثراه : وكذا «أي وكذا يثبت الخيار» لو بيع العبد وتحته أمة ، وكذا لو كان تحته حرّة لرواية فيها ضعف.

أقول : المشهور أن مشتري العبد بالخيار في إجازة عقده وفسخه ، حرّة كانت

__________________

(١) قال الشهيد في المسالك : ج ١ في نكاح الإماء ص ٥١٦ س ١٣ بعد نقل قول فخر المحققين ما لفظه : وردّه الشهيد في شرح الإرشاد ، بأنّ هذا كلام على النص إلخ.

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

زوجته أو أمة ، والثاني إجماعي ، والأوّل مذهب الشيخ في النهاية (١) ، وتبعه القاضي في كتابيه (٢) وابن حمزة (٣) والعلامة (٤) وقال ابن إدريس : ليس له الخيار (٥) واختاره المصنف (٦) احتج الأوّلون بوجوه :

(أ) ان تجدّد ملك المشتري إمّا أن يكون مقتضيا لثبوت الخيار أولا ، فإن كان الأوّل ثبت لمشتري العبد مطلقا عملا بالمقتضى ، وإن كان الثاني لم يثبت في زوج الأمة عملا بالأصل السالم عن معارضة الاقتضاء ، لكنه ثابت بالإجماع.

(ب) ان الملك يقتضي ولاية التسلّط على المملوك بسائر أنواع التصرّفات ، وبقاء النكاح يرفع هذه الولاية الثابتة شرعا ، فيفتقر إلى دلالة شرعية ، وليس.

(ج) رواية محمّد بن علي ابن أبي الحسن عليه السّلام قال : إذا تزوّج المملوك فللمولى أن يفرّق بينهما (٧).

وليس بغير البيع إجماعا ، لكون الطلاق بيد العبد ، والتفريق هنا معناه زوال

__________________

(١) النهاية : باب العقد على الإماء والعبيد ص ٤٧٧ س ١٨ قال : الّا أن يبيعه مولاه فان باعه كان الذي يشتريه بالخيار.

(٢) المهذب : ج ٢ ، باب نكاح الإماء والعبيد ص ٢١٩ س ١ قال : فان باعه كان ذلك فراغا بينهما الّا أن يختار المشتري إلخ. ولا يحضرني كتاب الكامل للقاضي ولكن في المختلف : في نكاح الإماء ص ١٦ س ٧ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : وتبعه ابن البراج في كتابيه معا.

(٣) الوسيلة : فصل في بيان عقد العبيد والإماء ، ص ٣٠٦ س ١٣ قال : فان باع العبد من غيرها كان المبتاع بالخيار بين فسخ العقد والإمضاء.

(٤) المختلف : في نكاح الإماء ص ١٦ س ٩ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.

(٥) السرائر : باب العقد على الإماء والعبيد ، ص ٣٠٥ س ٢٩ قال بعد نقل قول الشيخ وتزييفه : والذي يقتضيه الأدلة أنّ العقد ثابت إلخ.

(٦) لاحظ ما اختاره في النافع.

(٧) الاستبصار : ج ٣ (١٢٨) باب أن المملوك إذا كان متزوّجا بحرّة كان الطلاق بيده ص ٢٠٦ الحديث ٥.

٣٥٠

النظر الثاني في الملك : وهو نوعان :

النوع الأول ، ملك الرقبة ؛ ولا حصر في النكاح به. وإذا زوّج أمته حرمت عليه وطئا ولمسا ونظرا بشهوة ما دامت في العقد ، وليس للمولى انتزاعها ، ولو باعها تخيّر المشتري دونه. ولا يحل لأحد الشريكين وطء المشتركة. ويجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب وأبنائهم وبناتهم. ولو ملك الأمة فأعتقها حلّ له وطؤها بالعقد وإن لم يستبرئها ، ولا تحل لغيره حتى تعتدّ كالحرّة. ويملك الأب موطوءة ابنه ، وإن حرم عليه وطؤها ، وكذا الابن.

النوع الثاني ، ملك المنفعة : وصيغته أن يقول : أحللت لك وطأها ، وأو جعلتك في حلّ من وطئها ، ولم يتعدّهما الشيخ. واتسع آخرون بلفظ الإباحة ، ومنع الجميع لفظ العارية.

______________________________________________________

اللزوم ، وتعريض العقد لقبول الفسخ المقتضي للتفريق تسمية للشي‌ء بما يصير اليه.

احتج ابن إدريس بأنّه عقد لازم ، والأصل بقاؤه ، فلا يتسلّط على فسخه إلّا بدليل ، ولتعلّق حق الحرّة به تعلّقا شرعيا ، ولا دليل على زوال ، ونسب الرواية الواردة بثبوته الى الشذوذ والضعف ، ووجهه من موسى بن بكير ، فإنه في طريقها ، وهو واقفي (١).

قال طاب ثراه : النوع الثاني ملك المنفعة : وصيغته أن يقول : أحللت لك وطأها ، أو جعلتك في حلّ من وطئها ، ولم يتعدّهما الشيخ ، واتسع آخرون بلفظ الإباحة ، ومنع الجميع لفظ العارية.

__________________

(١) سند الحديث كما في الاستبصار هكذا (الحسين بن سعيد عن النظر بن سويد عن موسى بكر عن محمّد بن علي عن أبي الحسن عليه السّلام).

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : هنا مسائل :

الاولى : يباح وطء الإماء عندنا بالتحليل ، لأنه نوع ملك ، وقال تعالى «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (١).

وللنقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السّلام.

روى محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال : سألته عن رجل يحلّ لأخيه فرج جاريته؟ قال : هي له حلال ما أحلّ منها ، قلت : أفيحلّ له ثمنها؟ قال : لا ، إنما يحلّ لها منها ما أحلّت له (٢).

وفي معناها صحيح إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السّلام (٣).

وللإجماع من الفرقة المحقة إلّا من منقرض لا نعرف عينه.

قال ابن إدريس : إنّه جائز عند أكثر أصحابنا المحصلين ، وبه تواترت الأخبار ، وهو الأظهر بين الطائفة ، وعليه العمل والفتوى ، ومنهم من منع (٤).

ولأنها منفعة خالية من أمارات المفسدة ، فيكون مشروعة.

احتج المانع برواية الحسين بن علي بن يقطين في الصحيح قال : سألته عن الرجل يحلّ فرج جاريته؟ قال : لا أحبّ ذلك (٥).

__________________

(١) النساء ـ ٣.

(٢) الاستبصار : ج ٣ (٨٩) باب انه يجوز أن يحلّ الرجل جاريته لأخيه المؤمن ص ١٣٥ الحديث ١ والجزء الأخير من قوله : «قلت الى أخره» ليس في رواية محمّد بن مسلم ، بل هو في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام ، لا حظ الحديث ٥ من ذلك الباب.

(٣) الاستبصار : ج ٣ (٨٩) باب انه يجوز أن يحلّ الرجل جاريته لأخيه المؤمن ص ١٣٦ الحديث ٧.

(٤) السرائر : باب السراري وملك الأيمان ص ٣١٣ س ٦ قال : فهو جائز عند أكثر أصحابنا المحصلين إلخ.

(٥) الاستبصار : ج ٣ (٨٩) باب انه يجوز أن يحلّ الرجل جاريته لأخيه المؤمن ص ١٣٧ الحديث ٨.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي معناها رواية عمّار الساباطي عن الصادق عليه السّلام في المرأة تقول لزوجها : جاريتي لك حلال؟ قال : لا يحل (١).

والجواب عن الاولى : بحملها على الاستحباب ، إذ ليست صريحة في التحريم.

وعن الثانية : بضعف السند ، وبعدم اشتمالها على صيغة التحليل.

الثانية : في الصيغة التي يباح بها الفرج في هذا الباب.

قال الشيخ في التهذيب : ينبغي أن يراعى لفظ التحليل ، وهو أن يقول المالك للأمة لمن يحلّلها له : قد جعلتك في حلّ من وطئها ، أو أحللت لك وطئها (٢) وبه قال : ابن زهرة (٣) وأجاز ابن إدريس لفظ الإباحة (٤) وهو ظاهر السيد (٥) واختاره العلامة (٦) لمشاركته التحليل في المعنى فسببية أحدهما يقتضي سببية الآخر.

الثالثة : هل يشترط في هذا العقد ذكر المدّة؟ قال ابن إدريس : لا يشترط (٧)

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ (٨٩) باب انه يجوز ان يحلّ الرجل جاريته لأخيه المؤمن ص ١٣٧ الحديث ١٠ وتمام الحديث (الّا أن تبيعه أو تهب له).

(٢) التهذيب : ج ٧ (٢٣) باب ضروب النكاح ص ٢٤٤ قال بعد نقل حديث ١٤ ما لفظه (وينبغي أن يراعى في هذا الضرب من النكاح لفظة التحليل ، ولا يسوغ فيه لفظة العارية).

(٣) جوامع الفقهية الغنية : ص ٦١٢ س ٢٢ قال : ولا بدّ من اعتبار لفظ التحليل ، بأن يقول : حللتك من وطئها إلخ.

(٤) السرائر : باب السراري وملك الأيمان ص ٣١٣ س ٤ قال : والثاني بتحليل مالكهن أو إباحة الرجل من وطئهن إلخ.

(٥) الانتصار : في استباحة الفروج ص ١١٨ س ١ قال : مسألة ومما شنع به على الإمامية تجويز اعارة الفروج إلخ.

(٦) المختلف : في نكاح الإماء ص ١٩ س ٢ قال بعد نقل قول المشهور : والحق الأوّل.

(٧) السرائر : باب السراري وملك الأيمان ص ٣١٣ س ٨ قال : ويجرى ذلك مجرى إسكان الدار واباحة منافع الحيوان إلخ ومعلوم ان المدة فيهما ليست بشرط ، ثمَّ قال : الا ان شيخنا أبا جعفر في مبسوطه جعل من شروطه أن تكون المدة معلومة إلخ.

٣٥٣

وهل هو إباحة ، أو عقد؟ قال علم الهدى : هو عقد متعة.

______________________________________________________

واختاره العلامة (١) لأنه نوع تمليك وتحليل فأشبه العارية ، مع أن الأصل الإباحة ، وقال في المبسوط : وأمّا تحليل الإنسان جاريته لغيره في غير عقد فهو جائز عند أكثر أصحابنا ، ومنهم من منع وهو الأظهر في الروايات ، ومن أجازه اختلفوا : فمنهم من قال : هو عقد والتحليل عبارة عنه ، ومنهم من قال : تمليك منفعة مع بقاء الأصل ، وهو الذي يقوى في نفسي ويجري ذلك مجرى إسكان الدار وأعمارها ، ولأجل هذا يحتاج أن يكون المدّة معلومة (٢) وهو ظاهر النهاية حيث قال : يحلّ له منها مقدار ما يملكه يحلله له مالكها (يحله خ ل) إن يوما فيوما وان شهرا فشهرا على حسب ما يريد (٣) ولم يذكر حكم الإطلاق ، ولا نص على الاشتراط.

قال طاب ثراه : وهل هو إباحة أو عقد متعة؟ قال علم الهدى : هو عقد متعة.

أقول : لا شك أن الفرج معصوم عن الاستمتاع بغير العقد والملك ، لقوله تعالى «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» (٤) واللوم هنا منتف بالإجماع والنصوص.

فهل يكون من قبيل الملك أو العقد؟ فيه لأصحابنا قولان :

(أحدهما) أنه عقد وليس دائما ، لعدم لحوق أحكام الدائم له ، فيكون متعة ،

__________________

(١) المختلف : في نكاح الإماء ص ١٩ س ١٦ قال : والذي قواه الشيخ في المبسوط هو المعتمد إلّا في شي‌ء واحد وهو الافتقار الى تعيين المدة.

(٢) المبسوط : ج ٤ ، فصل في نكاح المتعة وتحليل الجارية ص ٢٤٦ س ٨ قال : واما تحليل الإنسان إلى قوله : أن يكون المدة معلومة.

(٣) النهاية : باب السراري وملك الأيمان ص ٤٩٤ س ٩ قال : ويحل له منها الى قوله : ان يوما فيوما وان شهرا فشهرا إلخ.

(٤) المؤمنون : ٥ ـ ٧.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو قول السيد (١) نقله عن ابن إدريس (٢) والمصنف (٣) وقال ابن إدريس : أنه تملك منفعة (٤) ونقله عن الشيخين وغيرهما من المشيخة (٥) واختاره العلامة (٦).

واعلم أنه على القول بأنه عقد متعة ، يشترط فيه الأجل قطعا ، وأمّا على القول بأنه تمليك منفعة هل يعتبر فيه الأجل أولا؟ المبسوط وظاهر النهاية على الأوّل وابن إدريس والعلامة على الثاني (٧).

فروع

(أ) يشترط في صحته إذن الحرّة لمن هي عنده إن جعلناه عقدا ، ولا يعتبر ذلك إن جعلناه إباحة.

(ب) يشترط في إباحته فقدان الطول وخوف العنت إن اعتبرناهما ، على الأوّل دون الثاني.

(ج) يعتبر تعيين المدّة على الأوّل قطعا ، وعلى الثاني خلاف.

__________________

(١) الانتصار : في استباحة الفرج ص ١١٨ س ٥ قال : وقد يجوز الى قوله : أن يكون عبّر بلفظ العارية عن النكاح.

(٢) السرائر : باب السراري وملك الايمان ص ٣١٣ س ٧ قال : فمنهم من قال هو عقد والإباحة والتحليل عبارة عنه ، وهو مذهب السيد المرتضى في انتصاره.

(٣) اى نقل المصنف عن السيد ، لا حظ نقله في النافع.

(٤) السرائر : باب السراري وملك الأيمان ص ٣١٣ س ٧ قال : قالوا هو تمليك منفعة إلى قوله : وهو الذي يقوى في نفسي إلخ.

(٥) السرائر : باب السراري وملك الأيمان ص ٣١٣ س ٨ قال : وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي وشيخنا المفيد وغيرهما من المشيخة.

(٦) تقدم نقله في قوله في المختلف : والذي قواه الشيخ في المبسوط هو المعتمد إلخ.

(٧) والكلّ تقدم فلا حظ.

٣٥٥

وفي تحليل أمته لمملوكه تردّد ، ومساواته بالأجنبي أشبه ولو ملك

______________________________________________________

(د) ينتفي الولد عنه مع نفيه له بغير لعان على الثاني قطعا ، وعلى الأولين على قولين.

(ه) يعتبر إذن العمة والخالة على الأوّل دون الثاني.

(و) يحرم إيقاعه لمن عنده أختها على الأوّل ويقع باطلا ، وعلى الثاني لا يحرم ، بل يحرم الوطي ، فلو أبان الأولى حلّ وطئ الثانية من غير احتياج إلى استيناف عقد.

(ز) لو كان متسريّا بأختها ، حرمت الاولى ما دام عقد الثانية مستمرا على الأول ، وعلى الثاني يختص التحريم بالثانية.

أمّا اعتبار الإيجاب والقبول فلا بدّ منه على كلّ من القولين.

تنبيه

إذا عينت المدة ، ساغ الاستمتاع فيها وحرمت بعدها ، ومع عدم التعيين ، وعدم اشتراطه تستبيح مستمرّا حتى ينهاه المالك ، كالعارية.

قال طاب ثراه : وفي تحليل أمته لمملوكه تردّد ، ومساواته بالأجنبي أشبه.

أقول : المنع مذهب الشيخ في النهاية (١) ومختار العلامة في المختلف (٢) لأنه نوع تمليك ، فيستدعي محلا قابلا ، وكما يعتبر في تحقق الأثر حصول الفاعل ، كذا يعتبر حصول القابل ، فالعبد ليس محلا قابلا للملك ، لما تقدّم في البيع ، ولصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي أنه سئل عن المملوك أيحلّ له أن يطأ الأمة من

__________________

(١) النهاية : باب السراري وملك الأيمان ص ٤٩٤ س ١٠ قال : ولا يجوز للرجل أن يجعل عبده في حلّ من وطى جاريته.

(٢) المختلف : في نكاح الإماء ص ٢٠ س ٣ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : والوجه ما قاله الشيخ.

٣٥٦

بعض الأمة فأحلّته نفسها لم يصح وفي تحليل الشريك تردّد ، والوجه : المنع.

ويستبيح ما يتناوله اللّفظ ، فلو أحل التقبيل اقتصر عليه ، وكذا اللّمس ، لكن لو أحل الوطء ، حلّ له ما دونه ، ولو أحل الخدمة لم يتعرض للوطء ، وكذا لا تستبيح بتحليل الوطء وولد المحلّلة حرّ فان شرط الحرية في العقد فلا سبيل على الأب ، وان لم يشترط ففي إلزامه قيمة الولد روايتان ، أشبههما : أنها لا تلزم ولا بأس أن يطأ الأمة وفي البيت

______________________________________________________

غير تزويج إذا أحلّ له مولاه؟ قال : لا يحلّ له (١) واختاره فخر المحققين (٢) والجواز مذهب ابن إدريس (٣) ومختار المصنف (٤) لأنه نوع إباحة والعبد محلّ لها.

فرع

لو أحلّ أمته بمملوك غيره ، فإن قلنا : أنه تمليك لم يجز ، وان قلنا : أنه عقد اعتبر إذن السيد أو إجازته بعده ، وان علمنا انه اباحة توقف على اذن السيد أيضا ، وحرم على العبد الوطي إلّا مع الإذن ، لاستلزامه التصرف في ملك سيده ، وهو حرام بدون إذنه.

قال طاب ثراه : وفي تحليل الشريك تردد ، والوجه المنع.

أقول : قد تقدم البحث في هذه المسألة.

قال طاب ثراه : وولد المحللة حرّ ، فان شرط الحرية في العقد فلا سبيل على الأب ، وإن لم يشترط ففي إلزامه قيمة الولد روايتان ، أشبههما انّه لا تلزم.

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ (٨٩) باب أنه يجوز أن يحل الرجل جاريته لأخيه المؤمن ص ١٣٧ الحديث ١١.

(٢) الإيضاح : ج ٣ في نكاح الإماء ص ١٦٧ س ٨ قال بعد نقل قول العلامة في المختلف : وهو المختار عندي وبه افتي.

(٣) السرائر : باب السراري وملك الأيمان ص ٣١٤ س ٢٥ قال : قال محمّد بن إدريس رحمه الله : لا مانع من تحليل عبده وطى جاريته من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، والأصل الإباحة إلخ.

(٤) لاحظ ما اختاره في النافع.

٣٥٧

غيره ، وأن ينام بين أمتين ، ويكره في الحرائر. وكذا يكره وطء الفاجرة ومن ولدت من الزنا.

______________________________________________________

أقول : قال الشيخ في النهاية : إذا أتت بولد كان لمولاها ، وعليه أن يشتريه بماله إن كان له مال ، وإلّا استسعى في ثمنه ، وإن شرط أن يكون الولد حرّا كان على ما شرط (١) وقال ابن إدريس : لا قيمة عليه لانعقاده حرّا في الأصل (٢) واختاره المصنف (٣) والعلامة (٤).

احتج الشيخ برواية ضريس بن عبد الملك قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الرجل يحل لأخيه فرج جاريته قال : هو له حلال ، فان جاءت لولد منه فهو لمولى الجارية ، إلّا أن يكون اشترط على مولى الجارية حين أحلّها إن جاءت بولد فهو حرّ (٥).

ومثلها رواية الحسن العطار عنه عليه السّلام (٦).

احتج العلامة بحسنة زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : الرجل يحلّ جاريته لأخيه؟ قال : لا بأس ، قال : قلت : فإن جاءت بولد؟ قال : يضم إليه ولده ويردّ الجارية على صاحبها ، قلت له : انه لم يأذن له في ذلك؟ قال : قد أذن له ، وهو

__________________

(١) النهاية : باب السراري وملك الايمان ص ٤٩٤ س ٢ قال : ومتى جعله في حل من وطئها وأتت بولد إلخ.

(٢) السرائر : باب السراري وملك الايمان ص ٣١٣ س ١٠ قال : والذي يقتضيه الأدلة ان الولد بمجرد الإباحة والتحليل يكون الولد حرّا إلخ.

(٣) لاحظ عبارة النافع.

(٤) المختلف : في نكاح الإماء ص ١٩ س ٢٦ قال بعد نقل قول السيد والذي اختاره ابن إدريس : وهو المعتمد.

(٥) الاستبصار : ج ٣ (٩٠) باب حكم ولد الجارية المحللة ص ١٣٨ الحديث ١.

(٦) الاستبصار : ج ٣ (٩٠) باب حكم ولد الجارية المحللة ص ١٣٨ الحديث ٢.

٣٥٨

ويلحق بالنكاح النظر في أمور خمسة :

الأوّل : في العيوب ، والبحث في أقسامها وأحكامها.

عيوب الرّجل أربعة : الجنون ، والخصاء ، والعنن ، والجبّ.

وعيوب المرأة سبعة : الجنون والجذام والبرص والقرن والإفضاء والعمى والإقعاد وفي الرتق تردّد ، أشبهه : ثبوته عيبا لأنه يمنع الوطء.

______________________________________________________

لا يأمن أن يكون ذلك (١).

وفي معناها رواية إسحاق بن عمار (٢).

ولأن مبنى الحرية على التغليب والسراية ، ولهذا سرى العتق بجزء من مائة ألف جزء من الرقبة ، ولا ريب في أن تكون الولد من نطفة الرجل والمرأة على ما نطق به القرآن الكريم (٣) ، فيغلب جانب الحرية (٤).

ويلحق بالنكاح أمور خمسة

(الأوّل) العيوب

قال طاب ثراه : وفي الرتق تردّد ، أشبهه ثبوته عيبا لأنه يمنع الوطء.

__________________

(١) الكافي : ج ٥ باب الرجل يحل جاريته لأخيه والمرأة تحل جاريتها لزوجها ص ٤٦٩ الحديث ٦.

(٢) الاستبصار : ج ٣ (٩٠) باب حكم ولد الجارية المحللة ص ١٣٩ الحديث ٤.

(٣) التبيان : ج ١ ص ٢٠٦ س ٨ قال : وقوله «إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ» اخبار من الله تعالى أنه خلق الإنسان ، سوى آدم وحواء من نطفة ، وهو ماء الرجل والمرأة يخلق منهما الولد ، الى أن قال : وقوله : (أمشاج) قال ابن عباس : أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة. وقال القرطبي : ج ١٩ ص ١٢١ وعن ابن عباس قال : يختلط ماء الرجل وهو أبيض غليظ بماء المرأة وهو أصفر رقيق فيخلق منهما الولد ، فما كان من عصب وعظم وقوة فهو من ماء الرجل ، وما كان من لحم ودم وشعر فهو من ماء المرأة. وفي الصافي في قوله تعالى (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) أخلاط ، القمي عن الباقر عليه السّلام ماء الرجل والمرأة اختلطا جميعا.

(٤) من قوله : (ولان مبنى الحرية) إلى هنا مقتبس من المختلف ، لا حظ ص ١٩ من نكاح الإماء س ٣٥.

٣٥٩

ولا تردّ بالعور ، ولا بالزنا ولو حدّت فيه ، ولا بالعرج على الأشبه.

______________________________________________________

أقول : ظاهر الصدوق عدم الردّ بالرتق ، حيث قال : واعلم أنّ النكاح يردّ من أربعة أشياء من البرص والجذام والجنون والعفل ، إلّا أنه روي في الحديث ، أنّ العمياء والعرجاء تردّ (١).

وقال قبل ذلك : فإن تزوّج الرجل امرأة فوجدها قرناء أو عفلاء أو برصاء أو محدودة أو كان بها زمانة ظاهرة كان له أن يردّها إلى أهلها بغير طلاق (٢) وقال الشيخ في المبسوط : يردّ به (٣) وقال المصنف في الشرائع : وربما كان صوابا إن لم يكن إزالته ، أو أمكن وامتنعت على علاجه ، ثبت الخيار وإلّا فلا (٤) وهو مذهب العلامة في القواعد (٥) وهو حسن لوجوب التمسّك بمقتضى العقد الصحيح ، ومع قبول العلاج لا موجب لفسخ النكاح ، ومع عدمه يتفق الموجب ، وهو تعذر الوطء ، فيكون كالخصاء في الرجل وكالعفل فيها.

قال طاب ثراه : ولا بالعرج على الأشبه.

أقول : قال في النهاية : تردّ العرجاء (٦) وبه قال ابن حمزة (٧)

__________________

(١) المقنع : باب بدو النكاح ص ١٠٤ س ١٦ قال : واعلم أنّ النكاح لا يردّ الّا من أربعة أشياء إلخ.

(٢) المقنع : باب بدو النكاح ص ١٠٣ س ٩ قال : وان تزوّج الرجل امرأة فوجدها قرناء إلخ.

(٣) المبسوط : ج ٤ ص ٢٤٩ فصل في العيوب التي توجب الردّ ، س ٣ قال : وفي المرأة الجنون والجذام والبرص والرتق والقرن والإفضاء وفي أصحابنا إلخ.

(٤) الشرائع : ما يردّ به النكاح ، الأوّل العيوب ، قال : وقيل : الرتق أحد العيوب ، وربما كان صوابا ان منع من الوطء إلخ.

(٥) القواعد : كتاب النكاح ، الباب الخامس (الأوّل) في أصناف العيوب ص ٣٣ س ٩ قال : وأمّا الرتق فهو أن يكون الفرج ملحما ليس فيه مدخل للذكر ، ويوجب الخيار مع منع الوطء ولم يمكن إزالته إلخ.

(٦) النهاية : باب التدليس في النكاح وما يردّ منه وما لا يردّ ص ٤٨٥ س ١٩ قال : أو عرجاء كان له ردّها من غير طلاق.

(٧) الوسيلة : فصل في بيان العيب المؤثر في فسخ العقد ص ٣١١ س ١٤ قال : وما يختص بالنساء الى

٣٦٠