المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

الثلث ، وان كانت منجرة وكان فيها محاباة أو عطية محضة فقولان : أشبههما انّها من الثلث.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وان كانت منجزة وكان فيها محاباة أو عطية محضة ، فقولان : أشبههما انها من الثلث.

أقول : قد مرّ أنّ منجزات المريض ماضية من الأصل عند الشيخين في النهاية (١) والمقنعة (٢) والقاضي (٣) وابن إدريس (٤) ومن الثلث عند الصدوق (٥) وأبي علي (٦) والشيخ في المبسوط (٧) وهو ظاهر الخلاف (٨) واختاره المصنف (٩) والعلامة (١٠).

__________________

(١) النهاية : باب الإقرار في المرض والهبة فيه ص ٦١٧ س ٢٠ قال : إقرار المريض جائز على نفسه للأجنبي الى أن قال : ويكون ما أقربه من أصل المال ، وقال في ص ٦٢٠ والهبة في حال المرض صحيحة ، والبيع في حال المرض صحيح كصحته في حال الصحة.

(٢) المقنعة : باب الوصية والهبة ص ١٠١ س ٣٣ قال : وإذا وهب في مرضه أو تصدّق جاز له ذلك في جميع ماله ولم يكن لأحد معارضته في ذلك ، والبيع في المرض صحيح كالهبة والصدقة.

(٣) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٦ س ٢٠ قال : أحدها انه يصح من الأصل ، اختاره الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وابن البراج.

(٤) السرائر : باب الوصية ، ص ٣٨٦ س ٣١ قال : وعطايا المنجزة صحيحة على الصحيح من المذهب لا تحسب من الثلث بل من أصل المال.

(٥) المقنع : باب الوصايا ص ١٦٥ س ١١ قال : وسئل الصادق عليه السّلام الى ان قال : جاز ما وهبت له من ثلثها إلخ.

(٦) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٦ س ٢١ قال : وللشيخ قول آخر في المبسوط انها من الثلث ، وهو قول ابن الجنيد الى أن قال : وهو المعتمد.

(٧) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٦ س ٢١ قال : وللشيخ قول آخر في المبسوط انها من الثلث ، وهو قول ابن الجنيد الى أن قال : وهو المعتمد.

(٨) المبسوط : كتاب الوصايا ، ج ٤ ص ٤٤ س ٢٢ قال : والأمراض على ثلاثة أضرب الى أن قال : فعطاياه تكون من الثلث.

(٩) الخلاف : كتاب الوصايا ، مسألة ١٢ قال : وإن كان منجزا مثل العتاق والهبة والمحاباة فلأصحابنا فيه روايتان إلخ.

(١٠) لاحظ عبارة المختصر النافع.

١٤١

أمّا لإقرار للأجنبي ، فإن كان متّهما على الورثة فهو من الثلث ، والّا فهو من الأصل. وللوارث من الثلث على التقديرين ومنهم من سوى بين القسمين.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وأمّا الإقرار للأجنبي ، فإن كان متّهما على الورثة فهو من الثلث ، والا فهو من الأصل ، وللوارث من الثلث على التقديرين ، ومنهم من سوّى بين القسمين.

أقول : إقرار المريض هل يمضى من الأصل أو ينفذ من الثلث كالوصية؟ ابن إدريس على الأوّل (١) ، وهو لازم لكل من جعل المنجّزات من الأصل ، ومن قال : انها من الثلث ، منهم من قال : ان الإقرار من الأصل لعموم قول : إقرار العاقل (٢) كإطلاق المقنع (٣) وسلار (٤) ، ومنهم من فصل.

والتفصيل في موضعين :

الأول : في الفرق بين العين والدين ، فالمفيد أمضى الإقرار الإقرار من الأصل في الدين ولم يعتبر التهمة ، واعتبرها في العين ، فأمضاها مع عدم التهمة من الأصل ومعها من الثلث (٥) ولم يفرّق الشيخ (٦) وتلميذه (٧) والصدوق في كتابه بينهما (٨) ،

__________________

(١) السرائر : باب الإقرار في المرض ، ص ٣٩١ س ٨ قال : إقرار المريض على نفسه جائز وللأجنبين وللوارث الى أن قال : ويكون ما أقربه من أصل المال.

(٢) إشارة إلى قوله (ص) إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، لا حظ عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٢٣ الحديث ١٠٤ وج ٢ ص ٢٥٧ الحديث ٥ وج ٣ ص ٤٤٢ حديث ٥.

(٣) المقنع : باب الوصايا ص ١٦٧ س ٧ قال : فان قال رجل عند موته لفلان أو لفلان لأحدهما عندي ألف درهم إلخ.

(٤) المراسم : ذكر الإقرار ص ٢٠١ س ١٦ قال : فإقراره في مرضه كإقراره في صحّته.

(٥) المقنعة : باب الإقرار في المرض ، ص ١٠٠ س ٣٣ قال : وإذا كان على الرجل دين معروف بشهادة قائمة الى أن قال : كان إقراره ماضيا إلخ.

(٦) النهاية : باب الإقرار في المرض ص ٦١٧ س ٢٠ قال : إقرار المريض جائز على نفسه للأجنبي وللوارث إلخ.

(٧) تقدم آنفا نقل عبارتيهما.

(٨) تقدم آنفا نقل عبارتيهما.

١٤٢

التاسعة : أرش الجراح ودية النفس يتعلق بهما الديون والوصايا كسائر أموال الميت.

______________________________________________________

بل اعتبروا التهمة فقيّدوه بالثلث معها ، ومن الأصل مع عدمها ، واختاره المصنف (١) والعلامة (٢).

الثاني : في الفرق بين الوارث والأجنبي : فابن حمزة اعتبر التهمة وعدمها في حق الوارث ، وأطلق القول باللزوم في حق الأجنبي (٣) والشيخ ومن تابعه ممن ذكرنا لم يعتبروا الّا التهمة وعدمها (٤).

__________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف : في الوصايا ص ٦٧ س ٦ قال : والمعتمد الأوّل. أي قول الشيخ في النهاية.

(٣) الوسيلة : فصل في بيان الإقرار ص ٢٨٤ س ١ قال : وإقرار المريض إذا كان صحيح العقل مثل إقرار الصحيح ، إلّا في حل بعض الورثة لشي‌ء إذا كان متّهما إلخ.

(٤) النهاية : باب الإقرار في المرض ص ٦١٨ س ٢ قال : فان كان غير موثوق به وكان متّهما ، طولب المقرّ له بالبينة إلخ.

١٤٣
١٤٤

كتاب النكاح

١٤٥
١٤٦

كتاب النّكاح

وأقسامه ثلاثة :

الأول : في الدائم

وهو يستدعي فصولا :

الأوّل : في صيغة العقد وأحكامه وآدابه :

أمّا الصيغة : فالإيجاب والقبول.

ويشترط النطق بأحد ألفاظ ثلاثة : زوّجتك ، وأنكحتك ، ومتعتك ، والقبول هو الرضا بالإيجاب.

______________________________________________________

كتاب النّكاح

مقدمات

المقدّمة الاولى ، في تعريفه ، وهو في اللغة الوطء (١).

__________________

(١) قال الأزهري : أصل النكاح في كلام العرب الوطء وقيل للتزوّج نكاح ، لأنه سبب للوطء المباح ، الجوهري : النكاح الوطء ، وقد يكون العقد (لسان العرب : ج ٢ ص ٦٢٦).

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الشريعة : عقد لفظي مملّك للوطء ابتداء ، فخرج عقد المعاوضات وشراء الإماء ، فإنه يملك الوطء تبعا لملك الرقبة ، لا ابتداء ولهذا جاز للمحرم ، وهو حقيقة شرعية في العقد قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ» الآية (١) ومجاز شرعي في الوطء.

قيل : لم يرد في كتاب العزيز لفظ النكاح بمعنى الوطء إلّا في قوله «حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ» (٢) (٣) لكن بشرط العقد الشرعي أيضا ولا يكفي مطلق الوطء إجماعا.

وبعض الناس قال : إنه حقيقة في الوطء ، قال صاحب الصحاح : النكاح الوطء وقد يقال : العقد (٤) ، وإذا كان حقيقة لغة كان حقيقة شرعا ، لأصالة عدم النقل ، وقيل : بالاشتراك لقوله تعالى «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ» (٥) وهو شامل لكل من العقد والوطء على أظهر القولين.

المقدمة الثانية : في بدء النكاح وأصله :

روى الصدوق بإسناده إلى زرارة بن أعين انه سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن خلق حواء ـ إلى أن قال : إنّ الله تبارك وتعالى لما خلق آدم عليه السّلام من طين وأمر الملائكة فسجدوا له ، ألقى عليه السبات (٦) ثمَّ ابتدع له حواء فجعلها في موضع

__________________

(١) الأحزاب : ٤٩.

(٢) البقرة : ٢٣٠.

(٣) وقيل : بل كلاهما «اى العقد والوطء» علم بالكتاب ، لأن لفظ النكاح يطلق عليها فكأنه قيل : حتى يتزوج ويجامعها الزوج ، ولأن العقد مستفاد بقوله «زَوْجاً غَيْرَهُ» (مجمع البيان سورة البقرة ص ٣٣٠).

(٤) النكاح : الوطء ، وقد يكون العقد (الصحاح : ج ١ ص ٤١٣).

(٥) النساء : ٢٢.

(٦) السبات كغراب النوم (مجمع البحرين لغة سبت).

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

النقرة التي بين وركيه (١) ، وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل ، فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها ، فلما انتبه نوديت أن تنحى عنه ، فلما نظر إليها ، نظر إلى خلق حسن شبه صورته غير أنها أنثى ، فكلّمها فكلّمته بلغته ، فقال لها : من أنت؟ قالت : خلق خلقني الله كما ترى ، فقال آدم عليه السّلام عند ذلك : يا ربّ ما هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر اليه؟ فقال الله تبارك وتعالى : يا آدم هذه أمتي حواء ، أفتحب أن تكون معك تؤنسك وتحدّثك وتكون تبعا لأمرك؟ فقال : نعم يا رب ولك عليّ بذلك الحمد والشكر ما بقيت ، فقال له عزّ وجلّ : فاخطبها إلي فإنّها أمتي ، وقد تصلح لك أيضا زوجه ، وألقى الله عزّ وجلّ عليه الشهوة ، وقد علّمه قبل ذلك المعرفة بكل شي‌ء ، فقال : يا ربّ فإنّى أخطبها إليك فما رضاك لذلك؟ فقال عزّ وجلّ : رضاي أن تعلّمها معالم ديني ، فقال : ذلك لك عليّ يا ربّ إن شئت ذلك لي ، فقال عزّ وجلّ ، وقد شئت ذلك ، وقد زوّجتكها فضمها إليك ، فقال لها آدم عليه السّلام : إلىّ فأقبلي ، فقالت له : بل أنت فأقبل الىّ ، فأمر الله عزّ وجلّ آدم أن يقوم إليها ، ولو لا ذلك لكان النساءهنّ يذهبن إلى الرجال حتى يخطبن على أنفسهن ، فهذه قصة حواء صلوات الله عليها (٢) (٣).

المقدمة الثالثة : في الترغيب في النكاح والحثّ عليه :

قال الله تعالى «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» (٤) وقال تعالى : «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ

__________________

(١) النقرة بالضم حفرة صغيرة في الأرض ، والورك بالفتح والكسر ، وككتف فوق الفخذ (مجمع البحرين لغة (نقرة) و (ورك).

(٢) لما كان بين النسخة المعتمدة وبين من لا يحضره الفقيه اختلاف في بعض الكلمات ، جعلت الأصل هو الفقيه.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٩٩) باب بدء النكاح وأصله ص ٢٣٩ الحديث ١.

(٤) النساء : ٣.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» (١) وعدم سبحانه وتعالى مع أمره بما هو محبوب عندهم من الغناء والسعة ، ترغيبا في الإقدام على النكاح ، ودفعا لعذر من تعلّل بالفقر وخوف الضيق.

قال الصادق : عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام يرفعه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله أنه قال : من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله ، إنّ الله تعالى قال «إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ» (٢).

وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله قال : جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، فشكا إليه الحاجة ، فقال له : تزوّج ، فتزوّج فوسع عليه (٣).

وعن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الحديث الذي يرويه الناس حق إنّ رجلا أتى النبي صلّى الله عليه وآله فشكا إليه الحاجة ، فأمره بالتزويج ، ففعل ، ثمَّ أتاه فشكى إليه الحاجة ، فأمره بالتزويج ، حتى أمره ثلاث مرّات؟ فقال أبو عبد الله عليه السّلام : نعم هو حق ، ثمَّ قال : الرّزق مع النساء والعيال (٤).

وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله عزّ وجلّ «وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ» (٥) قال : يتزوّجون حتى يغنيهم الله من فضله (٦) (٧).

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) الكافي : ج ٥ ، كتاب النكاح ، باب ان التزويج يزيد في الرزق ص ٣٣٠ الحديث ٥.

(٣) الكافي : ج ٥ ، كتاب النكاح ، باب ان التزويج يزيد في الرزق ص ٣٣٠ الحديث ٢.

(٤) الكافي : ج ٥ ، كتاب النكاح ، باب ان التزويج يزيد في الرزق ص ٣٣٠ الحديث ٤.

(٥) النور : ٣٣.

(٦) بيان : هذا التفسير لا يلائم عدم الوجدان الّا بتكلف ، ويحتمل سقوط لفظة (لا) من أوّل الحديث ، أو نقول : المراد بالتزويج التمتع كما يأتي في باب كراهية المتعة مع الاستغناء (الوافي : ج ٣ ، أبواب النكاح والحث عليه ، ص ١٢).

(٧) الكافي : ج ٥ كتاب النكاح ، باب في ان التزويج يزيد في الرزق ص ٣٣١ الحديث ٧.

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وروى ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : جاء رجل إلى أبي عليه السّلام فقال له : هل لك من زوجة؟ فقال : لا ، فقال : إني ما أحبّ أنّ الدنيا وما فيها لي وإنى أبيت ليلة ليست لي زوجة ، ثمَّ قال : الركعتان يصلّيهما رجل متزوّج أفضل من رجل أعرب يقوم ليله ويصوم نهاره ، ثمَّ أعطاه أبي سبعة دنانير ، وقال : تزوج بها ، ثمَّ قال أبي : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : اتخذوا الأهل فإنه أرزق لكم (١).

تنبيه

وإذ قد عرفت فضله في الجملة ، فاعلم أنّ الناس فيه على ثلاثة أقسام :

(أ) فمنهم من يتق نفسه إليه ويخاف إن تركه الوقوع في الزنا ، فهذا يجب عليه التزويج بلا خلاف بين الأمّة ، وإذا فعله كان مؤدبا فرضا ، وإذا تركه كان عاصيا في كلّ آن آن من آنات الترك.

(ب) من يتق نفسه إليه ولا يخاف الوقوع في الزنا ، فهذا يستحب له بإجماع الأمّة.

(ج) من لا تتق نفسه إليه ، وهو قسمان.

من لا يمكن حصوله منه كالحصى والعنين الّذي لا يرجون زواله ، فالأفضل لهذا تركه ، لعدم حصول الفائدة منه ، وتعطيل المرأة عن الإحصان.

ومن يمكن وقوعه منه ، وهذا أيضا يستحب له على الجملة.

لكن حصل الخلاف بين الأمة في مقام ، وهو أنّ التخلي للعبادة لهذا أفضل ، أم التزويج؟

__________________

(١) الكافي : ج ٥ كتاب النكاح ، باب كراهة العزبة ص ٣٢٩ الحديث ٦.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

قال الشيخ في المبسوط : الأفضل التخلّي للعبادة ، لأن الله تعالى وصف يحيى عليه السّلام في معرض مدحه ، بكونه حصورا (١) والحصور هو الذي لا يشتهي النساء (٢).

وقد ورد في شرعنا استحبابه ، فيحمل على ما إذا لم تتق النفس.

وأجاب المصنف عنه : بان مدح يحيى بذلك في شرعه لا يلزم منه وجوده في شرعنا لاختلاف الشرعين في الأحكام (٣).

والأكثرون من أصحابنا على أنه أفضل من التخلي للعبادة ، وهو اختيار المصنف (٤) والعلامة في كتبه (٥).

وهو الحق لوجوه :

(أ) دعاء النبي صلى الله عليه وآله فعلا وقولا.

أمّا الأولى فظاهر من حاله عليه السّلام ، ولقد مات عليه السّلام عن تسع نسوة (٦).

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى «وَسَيِّداً وَحَصُوراً» سورة آل عمران ـ ٣٩.

(٢) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، ص ١٦٠ س ١٠ قال : والذي لا يشتهيه المستحب أن لا يتزوج إلخ.

(٣) شرائع الإسلام : كتاب النكاح ، في آداب العقد ، قال : ويمكن الجواب بان المدح بذلك في شرع غيرنا إلخ.

(٤) شرائع الإسلام : كتاب النكاح ، في آداب العقد ، قال : ومن لم تتق فيه خلاف ، المشهور استحبابه إلخ.

(٥) القواعد : كتاب النكاح ص ٢ س ٢ قال : والأقرب انه أفضل من التخلي للعبادة لمن لم تتق نفسه إليه

(٦) عوالي اللئالى : ج ١ ص ١٧٥ الحديث ٢١٢ وقد تعرض له الفقهاء في كتبهم الاستدلالية عند عدّهم خصائص النبي صلّى الله عليه وآله في كأب النكاح ، وفي التذكرة : (ج ٢ كتاب النكاح ص ٥٦٧ س ٣٢) قال : فإنه عليه السّلام مات عن تسع إلخ.

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولما بشر الله تعالى به عيسى عليه السّلام قال له في وصفه : واستوص بصاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر ، نكاح النساء (١).

ولا تذكر من الأوصاف في معرض التكرمة والتفضيل إلّا أوصاف الكمال.

وكذا كان شأن الأنبياء عليهم السّلام ، حتى أن سليمان عليه السّلام كان له ثلاثمائة زوجة وسبعمائة سريّة (٢).

وقال الصادق عليه السّلام : من أخلاق الأنبياء حبّ النّساء (٣).

وعن معمر بن خلاد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : ثلاث من سنن المرسلين ، العطر ، وإحفاء الشعر ، وكثرة الطروقة (٤) (٥).

وأمّا الثاني فكقوله عليه السّلام : من أحبّ سنتي فإنّ من سنّتي التزويج (٦) وكقوله عليه السّلام : من رغب عن سنّتي فليس منّي وإنّ من سنّتي النكاح (٧).

(ب) اشتراك كلّ من التزويج والتخلي للعبادة ، في كون كل منهما طاعة لله

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٢٨٢ الحديث ٧.

(٢) دعائم الإسلام : ج ٢ ص ١٩٢ الحديث ٦٩٥.

(٣) الكافي : ج ٥ ، كتاب النكاح ، باب حب النساء ، ص ٣٢٠ الحديث ١.

(٤) بيان : إحفاء الشعر بالمهملة ، المبالغة في قصها وإزالتها ، والطروقة ، الزوجة وكل امرأة طروقة زوجها ، وكل ناقة طروقة فحلها ، كذا في النهاية قال : هي فعولة بمعنى مفعوله (الوافي : كتاب النكاح ص ١٠).

(٥) الكافي : ج ٥ ، كتاب النكاح ، باب حبّ النساء ، ص ٣٢٠ الحديث ٣ وفيه (وأخذ الشعر) بدل (إحفاء الشعر).

(٦) الكافي : ج ٥ كتاب النكاح ، باب كراهة الغربة ص ٣٢٩ الحديث ٥ وفيه (من أحبّ أن يتّبع سنّتي).

(٧) المستدرك : أبواب مقدمات النكاح ص ٥٣١ الحديث ١٥ ولفظ الحديث (من سنّتي التزويج فمن رغب عن سنّتي فليس مني) ورواه في عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٢٨٣ الحديث ١٢ كما في المتن.

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

سبحانه ، وخلاص المزوّج من خطر قوله عليه السّلام : أراذل موتاكم العزّاب (١).

وقوله عليه السّلام : شرار موتاكم العزاب (٢).

وفي حديث أخر عنه عليه السّلام : لو رجع العزّاب من أمواتكم إلى الدنيا لتزوجوا (٣) ووقوع المتعبد في هذا الخطر.

(ج) فوز المتزوّج بمضاعفة الركعة بسبعين من صلاة الأعزب (٤).

(د) فوز المتزوّج بفضيلة القيام على العيال ، فعنه عليه السّلام : من عال بيتا من المسلمين فله الجنة (٥).

(ه) فوزه بالذرّية التي يبقى ذكره ويحيى أمره ، قال النبي صلّى الله عليه وآله : «إذا مات المسلم انقطع عمله إلّا من ثلاث ، علم ينتفع به بعده ، أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له (٦).

__________________

(١) الكافي ج ٥ كتاب النكاح : باب كراهة العربة ص ٣٢٩ الحديث ٣ وفيه (رذال موتاكم) وفي المستدرك : أبواب مقدمات النكاح ص ٥٣١ نقلا عن ابي الفتوح الرازي في تفسيره (أراذل موتاكم عزابكم) وفيه عن درر اللئالى (أراذل موتاكم العزّاب) وفي عوالي اللئالى كما في المتن.

(٢) المستدرك : أبواب مقدّمات النكاح ص ٥٣١ الحديث ١ وفيه نقلا عن البحار (شرار أمّتي عزابها). وفي عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٢٨٣ الحديث ١٤ كما في المتن.

(٣) المستدرك : أبواب مقدمات النكاح ، ص ٥٣١ الحديث ١٠ نقلا عن عوالي اللئالي ، وفيه (لو خرج العزّاب من موتاكم الى الدنيا).

(٤) إشارة الى الحديث (ركعتان يصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب) الكافي : ج ٥ ص ٣٢٨ باب كراهة العزبة الحديث ١.

(٥) الجامع الصغير للسيوطي : ج ٢ حرف العين المهملة ، ولفظ الحديث (من عال أهل بيت من المسلمين يومهم وليلتهم غفر الله له ذنوبه) وفي عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٢٨٣ الحديث ١٦ كما في المتن.

(٦) سند احمد بن حنبل : ج ٢ ص ٣٧٢ س ٧ وفيه (إذا مات الإنسان) وفي عوالي اللئالى ج ٣ ص ٢٨٣ (إذا مات ابن أدم).

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(و) فوزه بذخيرة الولد الصغير إذا مات ، فيكون شفيعا له يوم القيامة (١).

(ز) فوزه بثواب تفريح الأطفال وسرور العيال ، قال النبي صلّى الله عليه وآله : من قبّل ولده كتب الله له حسنة ، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة (٢).

وقال عليه السّلام : من عال ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ، وشبك بين أصابعه السبابة والوسطى ، فقيل : يا رسول الله وابنتين؟ قال : وابنتين ، قيل : وواحدة؟ قال : وواحدة (٣) والأعرب على الخيبة من ذلك.

(ح) كونه يسعى في وصول سبب اتصل إليه ممّن قبله ، والأعرب يسعى في قطع ذلك السبب ، وكيف يحسن بالعاقل. أو تسمح نفسه بقطع سلسلة اتصلت إليه من آدم عليه السّلام ، ألا ترى : أن المرابط يحرص على بلوغ ولد يقوم مقامه بعده في الرباط ، وكذلك المرأ المؤمن ينبغي أن يشتدّ حرصه وتأسفه على ولده يكون بعده يقوم بأوامر الله سبحانه ، قال الصادق عليه السّلام : ميراث الله من عبده المؤمن إذا مات ، ولد يعبده ، ثمَّ تلا آية زكريا «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي» (٤) (٥).

(ط) فوزه بالولد ، فهو إن مات قبله كان ذخيرة في الآخرة.

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ثواب المؤمن من ولده إذا مات الجنة ، صبر

__________________

(١) إشارة الى ما في موت الولد ، لا حظ الوسائل : ج ١٥ ص ٩٦ الحديث ١٣ و ١٤).

(٢) الكافي : ج ٦ باب بر الأولاد ، ص ٤٩ الحديث ١ وتمام الحديث (ومن علمه القران دعي بالأبوين فيكسيان حلتين يضي‌ء من نورهما وجوه أهل الجنة.

(٣) مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ١٤٨ بتفاوت يسير في بعض الكلمات ، وفي الفقيه : ج ٣ (١٤٨) باب فضل أولاد ص ٣١١ الحديث ١٢ مثله.

(٤) مريم : ٥ و ٦.

(٥) الفقيه : ج ٣ (١٤٨) باب فضل الأولاد ص ٣٠٩ الحديث ٢ ولفظه (ميراث الله من عبده المؤمن الولد الصالح يستغفر له) وفي الكافي : ج ٦ باب فضل الولد ص ٤ قطعة من حديث ١٢ كما في المتن.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أو لم يصبر (١) (٢).

وإن عاش كان سببا في وصول الرحمة إليه ، والتخفيف عنه.

روي أنّ عيسى عليه السّلام مرّ بقبر وهو يعذّب ، ثمَّ مرّ به في عام فوجده لا يعذّب ، فقال الحواريون : يا روح الله مررنا بهذا القبر عام أول وهو يعذّب ، ومررنا به الآن وهو لا يعذّب؟! فقال عليه السّلام : إنه كان له ولد صغير فبلغ العام فأصلح طريقا ، وآوى يتيما فغفر الله لأبيه بما كان منه (٣).

(ى) فوزه بموافقة محبة الله تعالى وإرادته ، وتعلّق عنايته ببقاء نوع الإنسان ، وأن لا يخلو العالم من جنس الإنس ، ولذا حرّم قتل النفوس ، وحرم اللواط الّذي هو سبب ضياع النطف ، وتوعّد عليهما بالقصاص والحدّ خزيا في الدنيا وبالنار في الآخرة ، وأمر بإطعام الجائعين ، وجعل ذلك كفارة لذنوب الخاطئين.

(با) كون الولد عملا برأسه.

روى ابن أبي عمير ، عن محمّد بن مسلم قال : كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السّلام إذ دخل يونس بن يعقوب فرأيته يئن ، فقال له أبو عبد الله عليه السّلام : مالي أراك تئنّ؟! فقال : طفل لي تأذّيت به اللّيل أجمع ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : حدّثني أبي محمّد بن على ، عن آبائه عن جدى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، انّ جبرئيل نزل عليه ورسول الله وعلي عليهما السّلام يئنّان ، فقال جبرئيل :

__________________

(١) يدل على ان الجزع لا يحبط أجر المصيبة ، ويمكن حمل على ما إذا لم يفعل ما يسخط الرب ، أو على عدم الاختيار (مرآة العقول : ج ١٤ ص ١٧٣).

(٢) الكافي : ج ٣ ، كتاب الجنائز ، باب المصيبة بالولد ، ص ٢١٩ الحديث ٨ والحديث مروي عن أبي عبد الله عليه السّلام.

(٣) الكافي : ج ٦ ، باب فضل الولد ص ٣ الحديث ١٢ ، وفيه (إن عيسى عليه السّلام قال : يا رب مررت إلخ).

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يا حبيب الله مالي أراك تئنّ؟! فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : طفلان لنا تأذّينا ببكائهما ، فقال جبرئيل : مه يا محمّد ، فإنه سيبعث لهؤلاء الفوم شيعة إذا بكى أحدهم ، فبكاؤه لا إله إلّا الله إلى أن يأتي عليه سبع سنين ، فاذا جاز السبع فبكاؤه استغفار لوالديه ، إلى أن يأتي على الحدّ ، فإذا جاز الحدّ فما أتى من حسنة فلوالديه ، وما أتى من سيئة فلا عليهما (١) (٢).

وعن حمدان بن عمار قال : كان لي ابن وكان تصيبه الحصاة ، فقيل لي : ليس له علاج إلّا أن تبطه ، فبططته فمات ، فقالت الشيعة : شركت في دم ابنك ، فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السّلام ، فوقّع صلوات الله عليه «يا أحمد ليس عليك فيما فعلت شي‌ء ، إنّما التمست الدّواء ، وكان أجله فيما فعلت» (٣) (٤).

وعن أمير المؤمنين عليه السّلام في المرض يصيب الصّبي ، فقال : كفارة لوالديه (٥) (٦).

(يب) كون مباشرة أهله عبادة وصدقة.

روى عبد الله بن القداح عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى

__________________

(١) قوله (فبكاؤه) أي يعطي والده ثواب من قال : لا إله إلّا الله (مرآة العقول : ج ٢١ ص ٩١). وقوله : «على الحد» اى حد البلوغ والتكليف (فلوالديه) أى من غير أن ينقص من اجره من تلك الحسنة شي‌ء (الوافي باب ٢٠٦ فضل الولد ص ١٩٦).

(٢) الكافي : ج ٦ : كتاب العقيقة ، باب النوادر ، ص ٥٢ الحديث ٥.

(٣) قال الفيروزآبادي : الحصاة : اشتداد البول في المثانة حتى بصير كالحصاة ، وقال الجزري : البطّ شقّ الدمّل والجراح ونحوهما (مرآة العقول ج ٢١ ص ٩١).

(٤) الكافي : ج ٦ كتاب العقيقة ، باب النوادر ص ٥٣ الحديث ٦.

(٥) قوله عليه السّلام (كفارة لوالديه) أقول : هذا لا ينافي العوض الذي قال به المتكلمون للطفل ، فان المقصود الأصلي كونه كفارة لهما ، والعوض تابع لذلك (مرآة العقول : ج ٢١ ص ٩٠).

(٦) الكافي : ج ٦ كتاب العقيقة ، باب النوادر : ص ٥٢ الحديث ١.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الله عليه وآله لرجل : أصبحت صائما؟ قال : لا ، قال : فأطعمت مسكينا؟ قال : لا ، قال فارجع إلى أهلك فإنه منك عليهم صدقة (١).

المقدمة الرابعة : في فوائد النكاح :

وهي ست : الولد ، وكسر الشهوة ، وتدبير المنزل ، وكثرة العشيرة ، ومجاهدة النّفس في القيام بهم ، وترويج النّفس.

(الفائدة الأولى) الولد : وهو الأصل ، وله وضع النكاح ، إذ المقصود بقاء النسل وأو لا يخلو العالم عن جنس الإنس ، كيف لا ، وهم أشرف المخلوقات.

يدلّك على ذلك ، مباهاته تعالى بهم الملائكة لما قالوا «وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ» (٢) ثمَّ أسجد الملائكة لآدم عليه السّلام إعظاما له ، وإظهارا لكرامته ، ثمَّ قال «أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) قالوا (لا عِلْمَ لَنا» (٣).

فنطق عليه السّلام بما علّمه ربّه مفصلا لتلك الأشياء ، ومبينا لما خلقت له ، وشارحا لأحوالها ، ثمَّ جعل من الملائكة حفظة لهم من الشياطين ، وخدمة ينزل بأرزاقهم ، وتصلح أقواتهم ، وكلّ ذلك يدلّ على فضل هذا المخلوق الشريف ، وعناية خالقه به ، قال تعالى «وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً» (٤) وقال تعالى «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً» (٥).

ولمّا اقتضت حكمة البارئ جلّ جلاله ترتيب المسبّبات على الأسباب ، مع الاستغناء عنها ، إذا القدرة الأزلية غير قاصرة عن اختراع الأشياء ابتداء من غير توسط حراثة وازدواج كما خلق عيسى من غير أب ، واخترع آدم من تراب ،

__________________

(١) الكافي : ج ٥ كتاب النكاح ، باب كراهية الرهبانية وترك الباه ص ٤٩٥ الحديث ٢.

(٢) سورة البقرة ـ ٣٠.

(٣) سورة البقرة ـ ٣١ ـ ٣٢.

(٤) سورة الإسراء ـ ٧٠.

(٥) سورة النساء ـ ٢٩.

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والتراب من لا شي‌ء ، فقال : (لكن) فكان ، كما شاء ، وأراد بشرا سويا.

ولكن من بديع قدرته وعجائب صنعته ، وسعة إحاطته ، ولطيف خبره ، رتّب المسبّبات على الأسباب ، تنبيها للألباب ، وكشفا للحجاب عن طريق الرشد والصواب ، ودليلا على تفرّده بالاستغناء الحقيقي والوجود الأزلي قال الصادق عليه السّلام : «إلى الله أن يجرى الأشياء إلّا على الأسباب» (١) (٢).

قال بعض العلماء : هذا واجب في الحكمة الإلهية ، ليعرف بذلك أنّه لا سبب له ، فيكون ذلك لطفا في معرفته تعالى.

ألا ترى إلى قول أمير المؤمنين عليه السّلام : «وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له» (٣) ومثله ما روى عن الصادق عليه السّلام : «لو لم يكن الشّاهد دليلا على الغائب لما كان للخلق طريق إلى إثباته تعالى» (٤).

وكان في مشاهدة ذلك وما اشتملت عليه من التدبير ، حيث خلق الشهوة باعثة ، كالموّكل بالفحل في إخراج البذر ، وبالأنثى بالتمكن من الحرث ، تلطفا بهما في السياقة إلى اقتناص الولد بسبب الوقاع ، كالمتلطف بالطير في بثّ الحبّ الّذي يشتهيه ، ليساق إلى الشبكة ، ثمَّ ألقى في قلوبهما من الحنّة عليه والرأفة به ما يربّيانه بها ، إظهارا للقدرة وإتماما لعجائب الصنعة ، وتنبيها على لطيف الحكمة ، وتوقيفا على

__________________

(١) أي جرت عادته سبحانه على وفق قانون الحكمة والمصلحة أن يوجد الأشياء بالأسباب ، كايجاد زيد من الآباء والمواد والعناصر ، وإن كان قادرا على إيجاده من كتم العدم دفعة بدون الأسباب ، وكذا علوم أكثر العباد ومعارفهم جعلها منوطة بشرائط وعلل وأسباب ، كالمعلم ، والرسول ، والملك ، واللوح ، والقلم ، وان كان يمكنه افاضتها بدونها ، وكذا سائر الأمور التي تجري في العالم ، (مرآة العقول : ج ٢ ص ٣١٢).

(٢) الكافي : ج ١ باب معرفة الامام والرد اليه ، ص ١٨٣ قطعة من حديث ٧.

(٣) نهج البلاغة : (صبحي الصالح) الخطبة ١٨٦ ص ٢٧٣ س ٢.

(٤) عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٢٨٦ الحديث ٢٨.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

دقائق المعرفة ، وإيضاحا لسوابغ النعمة ما توصل إلى التوحيد والمعرفة ، ويزرع في القلوب من غزائر الإيمان ، ويؤنس الصدور من وحشة نزغات الشيطان ، بحيث يصير معرفته لخلقه كالعيان ، ويذعن لربوبيّته الانس والجانّ ، قال عزّ من قائل «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ» (١).

وفي الوصلة إلى الولد قربة من خمسة أوجه :

(أ) موافقة محبة الله لبقاء نوع الإنسان.

(ب) تحصيل محبة رسول الله صلّى الله عليه وآله في تكثير من به المباهاة ، حيث قال : تناكحوا تكثروا فإنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط (٢).

وقال عليه السّلام : والمولود في أمّتي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس (٣).

(ج) طلب التبرّك بدعاء الولد ، فان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : إذا مات المؤمن انقطع عمله إلّا من ثلاث : ولد صالح يدعو له (٤) الحديث ١.

وبالجملة دعاء الولد لأبويه مفيد برّأ كان الولد أو فاجرا ، فهو مثاب على دعواته وحسناته ، لأنه من كسبه ، وغير مؤاخذ بسيئاته ، فإنه (لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).

(د) طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله.

روى سليم بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لرجل : تزوّجها سوداء ولودا ، ولا تزوّجها حسناء جميلة عاقرا ، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ، أو ما علمت أنّ الولدان تحت العرش يستغفرون لآبائهم ، يحضنهم إبراهيم عليه السّلام وتربّيهم سارة في جبل فيه مسك وعنبر

__________________

(١) لقمان : ٢٥.

(٢) الجامع الصغير للسيوطي : ج ١ حرف التاء ، الحديث ٣٣٦٦.

(٣) عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٢٨٦ الحديث ٣.

(٤) تقدم آنفا نقلا عن مسند احمد بن حنبل.

١٦٠