المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الخلاف ، قال صاحب كشف الرموز : واستعلمنا المصنف فيه فما كان ذاكرا (١) (٢).

احتج الأولون بعموم قوله تعالى «فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا» (٣) وبقوله تعالى «فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا» (٤) نسب الرجوع إلى رضاهما ، ومن الجائز طلاق البكر المرة والمرتين قبل الدخول بها ، وقوله تعالى «حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ» (٥) وهو عام في المدخول بها وغيرها.

وصحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام قال : تستأمر البكر وغيرها ، ولا تنكح إلّا بأمرها (٦).

ورواية زرارة عن الباقر عليه السّلام : إنّ المرأة إذا كانت مالكة أمرها ، تبيع وتشتري ، وتعتق ، وتشهد ، وتعطي من مالها ما شاءت ، فإنّ أمرها بيدها جائز ، تتزوّج إن شاءت بغير إذن وليّها ، فإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلّا بأمر وليّها (٧).

جعل ولاية المال مدار الولاية النكاح وجودا وعدما.

احتج المانعون بصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام قال : لا تزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن أبيها (٨).

__________________

(١) لم أظفر على كتابه.

(٢) قال المتتبع الخبير صاحب الجواهر : ج ٢٩ ص ١٨٠ : لم نعرف قائله ولا وجهه إلخ.

(٣) البقرة : ٢٣٢.

(٤) البقرة : ٢٣٠.

(٥) البقرة : ٢٣٠.

(٦) التهذيب : ج ٧ (٣٢) باب عقد المرأة على نفسها النكاح وأولياء الصبية ص ٣٨٠ الحديث ١١.

(٧) التهذيب : ج ٧ (٣٢) باب عقد المرأة على نفسها النكاح وأولياء الصبية ص ٣٧٨ الحديث ٦.

(٨) الكافي : ج ٥ باب استثمار البكر ومن يجب عليه استثمارها ومن لا يجب عليه ص ٣٩٣ الحديث ١.

٢٢١

ويلحق بهذه الباب مسائل :

الأولى : الوكيل في النكاح لا يزوّجها من نفسه ، ولو أذنت في ذلك فالأشبه الجواز ، وقيل : لا ، وهي رواية عمّار.

______________________________________________________

واحتج الباقون بالجمع.

وبما رواه سعيد القماط قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرّا من أبويها ، أفأفعل ذلك؟ قال : نعم واتّق موضع الفرج ، قال : قلت : فإن رضيت بذلك؟ قال : وإن رضيت بذلك ، فإنّه عار على الأبكار (١).

واحتج التقى بموثقة صفوان قال : استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليهما السّلام في تزويج ابنته لابن أخيه؟ فقال : افعل ، ويكون ذلك برضاها ، فإنّ لها في نفسها نصيبا.

قال : فاستشار خالد بن داود موسى بن جعفر في تزويج ابنته علي بن جعفر؟ قال : افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها حظا (٢).

وليس صريحة في مطلوبه.

قال طاب ثراه : الوكيل في النكاح لا يزوجها من نفسه ، ولو أذنت في ذلك فالأشبه الجواز ، وقيل : لا ، وهي رواية عمّار.

أقول : روى مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي قال : سألت أبا لحسن عليه السّلام عن امرأة تكون في أهل بيت ، فتكره أن يعلم بها أهل بيتها ، يحلّ لها أن توكّل رجلا يريد أن يتزوّجها ، تقول له : قد وكلتك فاشهد شهودا على تزويجي؟

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٢٤) باب تفصيل احكام النكاح ص ٢٥٤ الحديث ٢١.

(٢) التهذيب : ج ٧ (٣٢) باب عقد المرأة على نفسها النكاح وأولياء الصبية. ص ٣٧٩ الحديث ١٠.

٢٢٢

الثانية : النكاح يقف على الإجازة في الحرّ والعبد. ويكفي في الإجازة سكوت البكر ويعتبر في الثيب النطق.

______________________________________________________

قال : لا ، قلت له : جعلت فداك وإن كانت أيما؟ قال : وان كانت أيما ، قلت : فإن وكّلت غيره بتزويجها أيزوجها منه؟ قال : نعم (١).

ويؤيّدها كون الواحد موجبا قابلا ، وقد تقدّم منعه ، وبمضمونها أفتى بعض الأصحاب ، وقال ابن الجنيد : بالجواز ، للأصل (٢) وهو اختيار الأكثر ، وبه قال المصنف (٣) والعلامة (٤) والرواية ضعيفة السند.

قال طاب ثراه : ويكفي في الإجازة سكوت البكر.

أقول : الأصل في هذا قول النبي صلّى الله عليه وآله : البكر تستأذن وإذنها صماتها ، والثيب يعرب عنها لسانها (٥).

فاذا سكت عند عرضه عليها كان ذلك إذنا ، إن كانت العرض سابقا على العقد ، وإجازة إن كان متأخّرا عنه.

ويقرب أن يكون إجماعا إلّا ما ندر كعبارة الشيخ في المبسوط : وأما البكر فان كان لها وليّ الإجبار مثل الأب والجد ، فلا يفتقر نكاحها إلى اذنها ، ولا الى نطفها ، وإن لم يكن لها وليّ الإجبار كالأخ وابن الأخ والعمّ فلا بدّ من إذنها ، والأحوط أن يراعى نطقها ، وهو الأقوى عند الجميع ، وقال قوم : يكفي سكوتها ،

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ (١٤٣) باب ان الثيب ولّي نفسها ص ٢٣٣ الحديث ٥.

(٢) المختلف : كتاب النكاح ص ٩٣ قال : مسألة لو وكلت المرأة رجلا في تزويجها من نفسه ، فالوجه الجواز ، وبه قال ابن الجنيد إلخ.

(٣) لاحظ عبارة النافع.

(٤) تقدم عن المختلف آنفا من قوله : (فالوجه الجواز).

(٥) سنن ابن ماجه : ج ١ كتاب النكاح (١١) باب استئمار البكر والثيّب ، حديث ١٨٧٢ ولفظه (الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها).

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لعموم الخبر ، وهو قويّ (١) هذا آخر كلامه.

وقول ابن إدريس : لا بد من النطق ، ولا يكفي السكوت ، لكونه أعم من الرضا ، وحمل ما ورد من الروايات وأقوال الأصحاب باستئذانها والاكتفاء بسكوتها على تقدير تقدم توكيلها ، فلا يوقع العقد عليها إلا عند استئمارها ثانيا ، قال : فان قيل : إذا وكّلته في العقد فلا حاجة إلى استثمارها؟

قلنا : بل يستحب أن يستأمرها عند العقد بعد ذلك (٢).

وليس بشي‌ء ، أمّا أوّلا فلأنّه عدول عن الظاهر ، وخلاف لما اشتهر بين الأصحاب ، واجتهاد في مقابله النّص.

روى داود بن سرحان عن الصادق عليه السّلام في رجل يريد أن يزوّج أخته قال : يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها (٣).

وأمّا ثانيا : فلأنّ الاستجابة بعد تقديم التوكيل ، حكم شرعي يفتقر في إثباته إلى دلالة شرعية.

قال ابن عقيل قدّس الله روحه : ولو أنّ رجلا أمر أختا له بكرا في تزويجها برجل سماه لها ، فسكتت كان ذلك إذنا له في التزويج وإقرارا منها ، فإن زوّجها الأخ ثمَّ أنكرت لم يكن لها ذلك ولزمها النكاح بالسكوت (٤).

وبمثله قال ابن حمزة : (٥).

__________________

(١) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، ص ١٨٣ س ٢١ قال : وأمّا البكر فإن كان إلخ.

(٢) السرائر : باب من يتولّى العقد على النساء ص ٢٩٧ س ٢٩ قال : وإذا أراد الأخ الى أن قال : فان قيل إلخ.

(٣) الكافي : ج ٥ باب استثمار البكر ومن يجب عليه استثمارها ومن لا يجب عليه ص ٣٩٣ الحديث ٣.

(٤) المختلف : كتاب النكاح ص ٨٩ س ٣٦ قال : وقال ابن عقيل : ولو انّ رجلا إلخ.

(٥) الوسيلة : فصل في بيان من اليه العقد على النساء ، ص ٣٠٠ س ١٤ قال : وإذا استأمر الأخ أخته

٢٢٤

الثالثة : لا ينكح الأمة إلا بإذن المولى ، رجلا كان المولى أو امرأة وفي رواية سيف : يجوز نكاح أمة المرأة من غير إذنها متعة ، وهي منافية للأصل.

الرابعة : إذا زوّج الأبوان الصغيرين صحّ ، وتوارثا ، ولا خيار لأحدهما عند البلوغ ، ولو زوّجهما غير الأبوين وقف على إجازتهما ، فلو ماتا ، أو مات أحدهما بطل العقد. ولو بلغ أحدهما فأجاز ، ثمَّ مات عزل من تركته نصيب الباقي ، فإذا بلغ وأجاز ، أحلف أنه لم يجز للرغبة ، وأعطى نصيبه.

______________________________________________________

وقال ابن الجنيد : روى أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله انّه قال : لا ينكح الأيم حتى يستأمر ، ولا ينكح البكر حتى يستأذن ، فإن سكوتها إذنها ، قال : ويجعل أيضا لكراهتها علامة من قيام ونحوه ينبئ عن مرادها بالفعل منها (١).

وقال القاضي في كتابيه : إذا أراد أبوها العقد عليها ، ويستحب له أن لا يعقد عليها حتى يستأذنها ، فإن سكتت أو ضحكت أو بكت كان ذلك رضى منها بالتزويج (٢).

واستشكل العلامة البكاء (٣).

قال طاب ثراه : وفي رواية سيف : يجوز نكاح أمة المرأة من غير إذنها متعة ، وهي منافية للأصل.

__________________

البكر الرشيدة إلخ.

(١) المختلف : كتاب النكاح ص ٨٩ س ٣٣ قال : قال ابن الجنيد روى أبو هريرة إلى قوله : ليتبين مرادها بالفعل منها.

(٢) المهذب : ج ٢ باب في ذكر من يجوز له العقد في النكاح ص ١٩٤ س ١٩ قال : وان كان لها ذلك يستحب له الى قوله «أو بكت كان ذلك رضى منها بالتزويج».

(٣) المختلف : كتاب النكاح ص ٩٠ س ٦ قال : وكلام ابن البراج : من أنّ البكاء دالة عليه ، مشكل.

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : روى بهذه سيف بن عميرة ، عن علي بن المغيرة في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يتمتع بأمة المرأة من غير اذنها ، فقال : لا بأس (١) (٢) (٣).

و (سيف) مضطرب في الواسطة وعدمها ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية (٤) ومنع في المسائل الحائرية (٥) وبه قال المفيد (٦) وابن إدريس (٧) والمصنف (٨) والعلامة (٩) لقوله تعالى «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ» (١٠) ولأنه تصرّف في مال الغير

__________________

(١) يدل على جواز التمتع بأمة المرأة من غير اذنها ، والمشهور عدم الجواز ، لمخالفته لظاهر الآية حيث قال تعالى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) والأخبار الكثيرة ، مع أن الأصل في الاخبار الواردة بذلك واحد ، وهو سيف بن عميرة ، ويمكن حمله على التمتع اللغوي ، ويكون المراد عدم الاستبراء (مرآة العقول : ج ٢٠ ص ٢٥٢).

(٢) قال في الوافي : (كتاب النكاح ص ٥٨) بعد نقل الأخبار الواردة في ذلك ما لفظه (هذه الاخبار الثلاثة مخالفة للقرآن فيشكل العمل بها).

(٣) الكافي : ج ٥ ، باب تزويج الإماء ص ٤٦٤ الحديث ٤.

(٤) النهاية : باب المتعة وأحكامها ص ٤٩٠ س ١٧ قال : فإن كانت الأمة لامرأة جاز له التمتع بها من غير إذنها.

(٥) و (٦) و (٧) السرائر : باب النكاح المؤجل ص ٣١١ س ٢٣ قال : ولا يجوز نكاحها ولا العقد عليها إلا بإذن مولاتها بغير خلاف إلّا رواية شاذة رواها سيف بن عميرة أوردها شيخنا في نهايته ورجع عنها في جواب المسائل الحائريات على ما قدمناه (أي في باب العقد على الإماء والعبيد ص ٣٠٤ س ٣٥ وقد سئل الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان رحمه الله في جملة المسائل التي سأله عنها محمّد بن محمّد الرملي الحائري ، وهي معروفة مشهورة عند الأصحاب ، سؤال : وعن الرجل يتمتع بجارية غيره بغير علم منه ، هل يجوز له ذلك أم لا؟ فأجاب : لا يجوز له ذلك ، وان فعله كان آثما عاصيا ووجب عليه بذلك الحدّ ، الى أن قال : قال محمّد بن إدريس : فانظر أرشدك الله الى فتوى هذا الشيخ المجمع على فضله ورئاسته ومعرفته إلخ.

(٨) لا حظ ما أورده في النافع.

(٩) المختلف : في نكاح المتعة ص ٩ س ٣٧ قال : والوجه ما قاله المفيد رحمه الله.

(١٠) النسأ : ٢٥.

٢٢٦

الخامسة : إذا زوّجها الأخوان برجلين ، فإن تبرّعا اختارت أيهما شاءت ، وإن كانا وكيلين وسبق أحدهما فالعقد له ، ولو دخلت بالآخر لحق به الولد وأعيدت إلى الأوّل بعد قضاء العدّة ، ولها المهر للشبهة ، وإن اتفقا بطلا ، وقيل : يصح عقد الأكبر.

______________________________________________________

بغير اذنه.

قال طاب ثراه : وان اتفقا بطلا ، وقيل : يصح (العقد خ ل) عقد الأكبر.

أقول : إذا زوّجها الأخوان ، فلا يخلو إما أنّ يكونا فضوليين أو وكيلين ، فإن كانا فضوليين أجازت عقد أيهما شاءت ، تقدّم أو تأخّر ، وإن كانا وكيلين فإن تقدّم عقد أحدهما كان العقد له وبطل المتأخّر ، لمصادقته محلّا مشغولا ، وتعاد إلى الأوّل لو دخلت بالأخير ، وإن اتّفقا في حالة واحدة ، بطلا ، لتدافعهما ، لأنّه لا يجوز أن يكون زوجة لهما ، وتقديم أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجّح ، وهو اختيار الشيخ في الكتابين (١) (٢) وبه قال ابن إدريس (٣) والمصنف (٤) والعلامة (٥).

وقال في النهاية : تقدّم عقد الأكبر ، ولو دخل بها الأصغر كان العقد له (٦) وتبعه

__________________

(١) التهذيب : (٣٢) باب عقد المرأة على نفسها وأولياء الصبية ص ٣٨٧ قال : بعد نقل الحديث : فالوجه في هذا الخبر انه جعلت الجارية أمرها إلى أخويها معا ، فيكون الأكبر حينئذ أولى إلخ وفي الاستبصار : ج ٣ (١٤٦) باب من يعقد على المرأة سوى أبيها ص ٢٤٠ قال بعد نقل الحديث : فالوجه في هذا الخبر إلخ.

(٢) التهذيب : (٣٢) باب عقد المرأة على نفسها وأولياء الصبية ص ٣٨٧ قال : بعد نقل الحديث : فالوجه في هذا الخبر انه جعلت الجارية أمرها إلى أخويها معا ، فيكون الأكبر حينئذ أولى إلخ وفي الاستبصار : ج ٣ (١٤٦) باب من يعقد على المرأة سوى أبيها ص ٢٤٠ قال بعد نقل الحديث : فالوجه في هذا الخبر إلخ.

(٣) السرائر : باب من يتولّى العقد على النساء س ٢١ قال : فالعقدان باطلان.

(٤) لا حظ ما أورده في النافع.

(٥) المختلف : في العقد وأولياءه ص ٨٩ س ١٣ قال : والتحقيق ان يقول : ان علم وقوع النكاحين دفعة واحدة بطلا معا إلخ.

(٦) النهاية : باب من يتولى العقد على النساء ص ٤٦٦ س ٦ قال : وان كان لها أخوان إلى قوله : كان الذي عقد عليها أخوها الأكبر أولى بها من الأخر ، فإن دخل بها الذي عقد عليها أخوها الصغير إلخ.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

القاضي (١) وابن حمزة (٢).

وهو تعويل على رواية وليد بياع الأسقاط (٣) قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام وأنا عنده عن جارية كان لها أخوان زوّجها الأكبر بالكوفة وزوّجها الأصغر بأرض أخرى ، قال : الأوّل أحق بها إلّا أن يكون الأخير قد دخل بها ، فإن دخل بها فهي امرأته ، ونكاحه جائز (٤).

فيتأوّلها في كتابي الأخبار بأن الجارية إذا جعلت أمرها إلى أخويها معا كان الأكبر أولى بالعقد فإن اتّفق العقدان في حالة واحدة كان العقد الذي عقد عليه الأخ الأكبر ما لم يدخل الّذي عقد عليه الأخ الأصغر ، فإن دخل بها مضى العقد ولم يكن للأخ الأكبر فسخه (٥) (٦).

قال العلامة في المختلف : وهذا الوجه من التأويل حسن ، ولا استبعاد في أولوية الأكبر ، لاختصاصه بمزيد الفضيلة وقوة النظر والاجتهاد في الأصلح ، قال : وليس ببعيد عندي من الصواب أن يجعل لها الخيار في إمضاء عقد أيّهما كان ، إذ عقد كل واحد منهما قد قارن زوال ولايته ، لأنها حالة عقد الآخر ، فيبطل هيئة عقد كل منهما ، وهي اللّزوم ، ويبقى كل منهما كأنه فضولي في العقد (٧).

ونسب المصنف هذا القول ، أى القول بتقديم عقد الأكبر ، إلى التحكم ، أى

__________________

(١) المهذب : ج ٢ باب في ذكر من يجوز له العقد في النكاح ص ١٩٥ س ١٥ قال : وإذا كان لها أخوان إلخ.

(٢) الوسيلة : فصل في بيان من اليه العقد على النساء ص ٣٠٠ س ١٣ قال : وان وكلت أخوين لها إلخ.

(٣) (الاسقاط) الردى من المتاع (تنقيح المقال : ج ٣ ص ٢٨٠ تحت رقم ١٢٦٧٠).

(٤) الكافي : ج ٥ باب المرأة يزوجها وليان غير الأب والجد ص ٣٩٦ الحديث ٢.

(٥) تقدّم نقلهما.

(٦) تقدّم نقلهما.

(٧) المختلف : كتاب النكاح ص ٨٩ س ٢٧ وقوله : (ليس ببعيد عندي) س ١٦ من الصفحة المذكورة.

٢٢٨

السادسة : لا ولاية للأمّ ، فلو زوّجت الولد فأجاز صحّ ، ولو أنكر بطل ، وقيل : يلزمها المهر ، ويمكن حمله على دعوى الوكالة عنه ويستحب للمرأة أن تستأذن أباها بكرا أو ثيّبا ، وأن توكّل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جدّ ، وأن تعوّل على الأكبر ، وأن تختار خيرته من الأزواج.

______________________________________________________

التشهي ، وهو الحكم بغير دليل (١).

واعلم أنّ الاستدلال بهذه الرواية ضعيف ، لقصورها عن إفادة المطلوب ، لأنّ قوله «الأول أحق بها» جاز أن يريد به صاحب العقد الأوّل أحق بها ، لا الأول في الذكر والسؤال ، وجاز أن يكون عليه السّلام علم الأول بالعقد ، وحمل قوله «أحقّ بها» على سبيل الندب ، وحملها على كونهما فضوليين أوضح في الحكم ، لأنه لم يتقدّم في الخبر ذكر الولاية ، ولا لهما ولاية بالأصل ، ولهذا قال : «إلّا ان يكون قد دخل بها فهي امرأته» لأنّ الدخول حينئذ إجازة ، وأيضا فإنه يبقى هذا الحكم ثابتا على عمومه ، أي سواء حصل تعاقب أو اقتران ، والخبر قابل لهما ، لأنّ قوله «زوّجها الأكبر بالكوفة وزوّجها الأصغر بأرض أخرى» (الواو) قد تدلّ على الترتيب عند بعض ، وعلى الجمع المطلوب عند الآخرين ، فاذا حملت على كونهما فضوليين عمل بمقتضاها على كل من القولين ، وقوله على تقدير عدم الدخول «الأوّل أحقّ بها» أي أولى ، وهو على سبيل الأولوية يدلّ على الندبية والأفضلية ، أي يستحب لها إجازة عقده ، وأيضا قوله «إلّا أن يكون الأخير قد دخل بها فيكون امرأته» لا يستقيم ذلك على تقدير الوكالة ، لأنها زوجة لغيره ، فكيف يكون امرأته مع دخوله بها بشبهة.

قال طاب ثراه : لا ولاية للأمّ ، فلو زوّجت الولد فأجاز صحّ ، ولو أنكر بطل ، وقيل : يلزمه المهر ، ويمكن حمله على دعوى الوكالة عنه.

__________________

(١) الشرائع : في أولياء العقد ، مسائل ثلاث الأولى ، إذا زوّجها الأخوان الى قوله : قيل يقدّم الأكبر وهو تحكّم.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : البحث هنا يقع في مقامين :

(الأوّل) لا ولاية للأمّ على الطفل في التصرّفات المالية إجماعا كالبيع ، ولا السلطانية كالإيصاء بالنظر في ماله ، والحجر على حقوقه ، والمطالبة بها إجماعا.

وما عدا ذلك قسمان :

(أ) ولاية الإحرام بالطفل ، هل لها ذلك؟ قال المصنف : لا ، لعموم رفع ولاية الأمّ (١) وقال الشيخ : نعم لأن امرأة جاءت إلى النبي صلّى الله عليه وآله ومعها طفل ، فقالت : أيحج بهذا يا رسول الله؟ صلّى الله عليه وآله ، قال : نعم ، ولمن يحج به أجره (٢) (٣) وهو حسن.

(ب) ولاية النكاح ، ولا شك في عدمها مع وجود الأب والجدّ له ، وأمّا مع عدمهما فأثبتها أبو علي للامّ وأبيها (٤) ونفاها الباقون.

(الثاني) لو زوّجت الامّ الولد فهو كعقد الفضولي على المشهور ، فإن أجاز في الحال إن كان بالغا ، أو بعد بلوغه إن كان طفلا ، صحّ العقد ، وإن ردّ بطل ولا شي‌ء وهو مذهب ابن إدريس (٥) واختاره المصنف (٦) والعلامة (٧) ، ولأصالة براءة

__________________

(١) لا حظ عبارة النافع ، وفي الشرائع في شرائط وجوب الحج قال : وقيل : للأم ولاية الإحرام بالطفل.

(٢) المبسوط : ج ١ كتاب الحج ، في ذكر حكم الصبيان في الحج ص ٣٢٩ س ٢ قال : والام لها ولاية عليه بغير تولية ويصح إحرامها عنه لحديث المرأة التي سألت النبي صلّى الله عليه وآله عن ذلك.

(٣) التهذيب : ج ٥ (١) باب وجوب الحج ص ٦ الحديث ١٦ وفيه (قال : نعم ولك اجره).

(٤) المختلف : كتاب النكاح ص ٨٨ س ٣٦ قال : وقال ابن الجنيد : الى أن قال : والامّ وأبوها يقومون مقام الأب وآبائه إلخ.

(٥) السرائر : باب من يتولى العقد على النساء ص ٢٩٨ س ٦ قال ومتى عقدت الأمّ الابن لها الى قوله هذا النكاح موقوف على الإجازة والفسخ إلخ.

(٦) لا حظ عبارة النافع.

(٧) المختلف : كتاب النكاح ص ٩٠ قال : مسألة قال الشيخ إذا عقدت الامّ لابن ثمَّ نقل ما ذكره ابن إدريس وارتضاه.

٢٣٠

الفصل الثالث في أسباب التحريم ، وهي ستة

الأوّل ، النسب : ويحرم به سبع ، الأم وإن علت ، والبنت وإن سفلت ، والأخت وبناتها وإن سفلن ، والعمّة وإن ارتفعت ، وكذا الخالة ، وبنات الأخ وإن هبطن.

الثاني ، الرضاع : ويحرم منه ما يحرم من النسب ، وشروطه أربعة :

______________________________________________________

الذمة ، وقال الشيخ : يلزم الامّ المهر (١) وتبعه القاضي (٢).

احتج الشيخ برواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام : أنّه سأله رجل زوّجته امّه وهو غائب ، قال : النكاح جائز إن شاء المتزوّج قبل ، وإن شاء ترك ، فإن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لأمّه (٣).

مقدمة

انحصرت أسباب التحريم في ستة بالاستقراء من الكتاب والسنّة.

وهي : النسب ، والرضاع ، والمصاهرة ، واستيفاء العدد وهو نوعان :

أحدها بالنّسبة إلى عدد الزوجات ، فكمال الأربع مثلا سبب لتحريم الزائد.

والأخر بالنسبة إلى عدد الطلقات ، فاستكمال الثلاث سبب لتحريم الزوجة حتى المحلّل ، والتسع للعدّة سبب لتحريمها أبدا.

__________________

(١) النهاية : باب من يتوالى العقد على النساء ص ٤٦٨ س ٣ قال : ومتى عقدت الامّ لابن لها على امرأة إلى قوله : وان أبي لزمها هي المهر.

(٢) المهذب : ج ٢ ، في ذكر من يجوز له العقد في النكاح ص ١٩٦ س ١٦ قال : وإذا عقدت الام لابنها على امرأة كان مخيّرا إلخ.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور ص ٣٧٦ الحديث ٨٦.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

واللّعان والكفر.

ووجه الحصر أن نقول : السبب إما أن يكون ثابتا بأصل الشرع من غير تسبيب للمكلف فيه ، أولا ، والأوّل النسب ، والثاني لا يخلو إمّا أن يكون له رشحة النسب ومشابهة في كثير من أحكامه سوى التحريم ، أولا ، والأوّل الرضاع ، والثاني لا يخلو إمّا أن يكون مستندا إلى عقد أولا ، والمستند إلى العقد لا يخلو إمّا أن لا يعتبر فيه التعدّد أولا ، والأوّل المصاهرة ، والثاني استيفاء العدد ، والثاني أعني ما لا يكون مستندا إلى عقد ، لا يخلو إمّا أن يكون متوقفا على حكم الحاكم أولا ، والأوّل اللّعان والثاني الكفر وإن شئت قلت : إمّا أن لا يمكن زواله أولا ، والأوّل اللّعان ، والثاني الكفر لزوال التحريم بالإسلام ، وإنما قلنا : يمكن؟ لأنه قد لا يمكن تصوّر الحلّ معه البتّة ، كالارتداد الفطري.

أمّا النّسب : فهو اتصال شخص بغيره لانتهاء أحدهما في الولادة إلى الآخر ، أو للانتهاء إلى ثالث ، ولم يحتج هنا إلى ضمّ قيد الوجه الشرعي ، ويحتاج إليه في الميراث ، لأنّ التحريم هنا يتبع اللغة ، وهو ثابت في الانتساب مطلقا ، فالبنت المخلوقة من ماء الزّنا تحرم على الزّاني عندنا ، وكذا الأخت والأم.

والأصل في التحريم قوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ» (١).

فقد دلّت هذه الآية والتي قبلها على ثلاث عشرة محرمة ، سبع من النّسب ،

__________________

(١) النساء : ٢٣.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

واثنين من الرّضاع ، وأربع من المصاهرة ، وواحدة في الآية التي قبلها وهي منكوحة الأب.

وإنّما ابتدأ بها؟ لأعظمية حرمة الأب عند الله تعالى ، لأنه السبب الأتم في وجود الولد فمرتبته مرتبة التعظيم والتوفير ، فالتهجم على من كانت فراسته كبير عند الله سبحانه وتعالى ، وجرأة عظيمة يسخطها الله جلّ جلاله.

واثنا عشرة في هذه الآية ، فسبع منها في النسب :

(أ) الأمّهات وإن علون.

(ب) البنات وإن سفلن.

(ج) الأخوات.

(د) العمّات وإن ارتفعن كعمّة الأب وعمّة الجدّ.

(ه) الخالات كذلك.

(و) بنات الأخ وإن نزلن.

(ز) بنات الأخت كذلك.

وأمّا الرضاع فاثنتان :

(أ) الأم من الرضاع وإن علت.

(ب) الأخت وإن نزلت.

وأمّا أربع المصاهرة :

(ا) أمّ الزوجة وإن علت سواء دخل بالبنت أولا ، لعموم قوله تعالى «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ».

(ب) الرّبيبة ، وهي بنت الزوجة وإن نزلت ، وكذا بنت ابنها ، فهذه تحرم تحريم جمع فإن دخل بها حرمن تحريم عين ، لقوله تعالى «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ» والمراد

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالحجور من كانت في حجره ، أي ولدتها بعد تزويج الأب بها ، ولا يشترط كون الربيبة في الحجر في نشر الحرمة إليها ، وخرج التقييد بها مخرج الأغلبية ، كتقييد التيمم ، والرهن ، وشهادة الذمي ، في الوصية ، بالسفر ، لأغلبية الضرورة فيه.

(ج) حلائل الأبناء ، فتحرم زوجة الابن دخل بها أو لم يدخل ، على الأب وإن علا ، ولا تحرم أمّهاتها وإن علون ولا بناتها وإن نزلن ، لأنهنّ ليسوا من حلائل الابن.

(د) زوجة الأب وإن ارتفع دون أمّهاتها وبناتها ، فله أن ينكح حماة أبيه وربيبته ، لقوله تعالى «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ» (١) ولسن من منكوحاته وقوله تعالى «حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ» (٢) ليخرج زوجة الابن الربيب فإنّها لا تحرم ، لأن النبيّ صلّى الله عليه وآله تزوج امرأة قال تعالى في حقه «لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ» (٣).

يفتقر التحريم بالرضاع إلى شروط ، ومن جملته أنه عبارة عن اغتذاء من له دون الحولين بلبن آدمية حيّة درّ لبنها عن نكاح صحيح ، أو شبهة ، حاملا أو مرضعا ، المقدّر الشرعي ، بإصابة من ثدييها ، باقيا على خلوصه.

فهاهنا قيود :

(أ) من له دون الحولين ، فمن كملها وارتضع بعدها لم تنشر الحرمة ، وينشر لو تمَّ النصاب مع تمام الحولين.

(ب) يخرج بلبن الآدمية لبن البهيمة ، فلو تربّى طفلان على لبن شاة لم يحرم أحدهما على الآخر.

(ج) أن تكون حيّة ، فتخرج الآدمية بالموت عن التحاق الأحكام ، فيكون في معنى البهيمة.

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) الأحزاب : ٣٧.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(د) درور اللبن عن نكاح ، فلو كانت خالية عن بعل ودرّ لبنها حتى نشأ عليه ، حلّ له العقد عليها.

(ه) أن يكون النكاح صحيحا ، فلو كان عن زنا لم ينشر.

(و) أن يكون ذات البعل حاملا ، أو مرضعا ، فلو خلت عنهما لم ينشر على ما قاله العلّامة في القواعد (١).

(ز) ارتضاع المقدّر الشرعي ، وهو ثلاثة :

إمّا ما أنبت اللّحم وشدّ العظم ، أو إرضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة.

أمّا الأوّل فالمرجع فيه إلى أهل الخبرة.

وأمّا الثاني فيشترط فيه شرطان :

(أ) حصول مسمّى الارتضاع ، فلو حضنته اليوم أو الليلة من غير رضاع لم يتعلق به حكمه.

(ب) أن لا يمنعه عن الرضاع مانع ، كما لو حيل بينه وبين الثدي في أوقات إرادته ، أو كان المانع له مرضا يمنعه عن الاغتذاء.

ومع حصول الشرطين لا يعتبر العدد ، ولا اشتداد اللّحم ، لأنه مقدّر برأسه ، أمّا لو اختل أحد الشرطين ، فإن حصل منه أحد المقدّرين أعني الاشتداد ، أو العدد المعتبر نشر ، وإلّا فلا.

وأمّا الثالث فيذكر شرائطه في المتن.

(ج) الامتصاص من الثدي ، فلو حلب من الثدي ووجر في حلقه ، أو سعط به لم ينشر.

__________________

(١) القواعد : كتاب النكاح الأول من أركان الرضاع ، المرضعة ، ص ٩ س ٢٤ قال : ولو درّ لبن امرأة عن غير نكاح لم ينشر حرمة ، سواء كانت بكرا أو ذات بعل صغيرة كانت أو كبيرة إلخ.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(د) كون اللّبن باقيا على صرافته ، فلو طرح في فم الصبي مانع يمتزج باللبن حال ارتضاعه حتى يخرج عن مسمّى اللّبن ، لم ينشر الحرمة.

إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ نشر الحرمة بالرضاع مستفاد من الكتاب والسنة والإجماع أمّا الكتاب فقد مرّ.

وأمّا السنّة فمتواتر. روى سعد بن المسيب عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال : قلت : يا رسول الله صلّى الله عليه وآله هل لك في بنت عمّك ، بنت حمزة ، فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال : أما علمت أنّ حمزة أخي من الرّضاعة ، وأنّ الله تعالى حرّم من الرضاعة ما حرّم من النسب (١).

وفي صحيحة أبي عبيدة عن الصادق عليه السّلام قال : لا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة (٢).

واما الإجماع فمن سائر المسلمين ، وإن اختلفوا في شرائطه.

تذنيب

حرّم صلّى الله عليه وآله من الرضاع ما حرّم من النسب ، وشابه بينهما فقال : الرضاع لحمة كلحمة النسب (٣) ولا يجب أن يكون المشابهة من كل وجه ثابتة في كلّ حكم حكم ، لصدقها على البعض ، فإن المشابهة تصدق بأدنى ملابسة ، ويعرف

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٣٢٣ الحديث ١٨٥ وفي المستدرك باب ١ من أبواب ما يحرم من الرضاع ، الحديث ٤ نقلا عن عوالي اللئالى ، وفي الكافي : ج ٥ باب نوادر في الرضاع ص ٤٤٥ ما يقرب منه ، وفي باب الرضاع منه ص ٤٣٧ الحديث ٤ و ٥ مثله.

(٢) الكافي : ج ٥ باب نوادر في الرضاع ص ٤٤٥ قطعة من حديث ١١.

(٣) استدل بهذه الرواية في الجواهر (ج : ٢٩ ص ٣١٠) من كتاب النكاح ولم أعثر عليه في كتب الحديث والاستدلال من العامة والخاصة.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك من لغة العرب واستعمالها.

والتحقيق أن نقول :

ينقسم أحكام الرضاع بالنسبة الى ما يشارك النسب ويباينه إلى ثلاثة أقسام :

(الأوّل) ما تساوي النسب فيه بالإجماع ، وهو ثلاثة :

(أ) التحريم وهو صريح في الآية والخبر ، فكان إجماعا.

(ب) المحرمية ، فله أن يخلو بامّه وأخته وبنته من الرضاع ، وأن ينظر منهنّ الى ما ينظر منه من محارمه من النسب.

(ج) المصاهرة ، فيحرم منكوحة الأب على الابن من النسب ومن الرضاع كذلك ، ويحرم أمّ الزوجة نسبا وكذا رضاعا.

(الثاني) ما يباين فيه النسب بالإجماع ، وهو عشرة :

(أ) لا يثبت فيه التوارث.

(ب) لا يثبت به وجوب الإنفاق.

(ج) يقبل شهادة الابن على الأب منه.

(د) يقتل الأب بالابن لو قتله.

(ه) يستوفي الابن منه حدّ القذف لو قذفه ، وكذا يقطع بسرقة ماله.

(و) لا يثبت به الولاية.

(ز) لا يدخل في إطلاق لفظ الولد والوالد لو حلف ليعطين بابنه شيئا ، أو حلف غيره ليتصدقن على رجل وابنه.

(ح) لا يثبت به الحضانة.

(ط) لا يعقل عنه في جناية الخطإ.

(ى) ينفذ قضاء الابن على أبيه منه.

(الثالث) ما وقع فيه الخلاف هل يساوي النسب أو يخالفه؟ وهو ثلاثة :

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) العتق بالملك.

(ب) وقوع الظهار ، لو شبّه زوجته بمن يقع الظهار به من النسب ، هل يقع من الرضاع ، خلاف.

(ج) قال في القواعد : ويحتمل قويا عدم التحريم بالمصاهرة ، فيجوز أن يتزوج بأخت زوجته (١) والمشهور خلافه.

والتحقيق : أنّ الذي يدور عليه عقد النكاح أن امرأة الرجل إذا كان لها منه لبن وأرضعت مولودا القدر المحرم ، يصير هذا المولود كابنها من النسب ، فكلّما يحرم من النسب على ابنها ، حرم على هذا ، لأنّ الحرمة انتشرت منه إليهما ومنهما إليه ، فالتي انتشرت منه إليهما أنّه صار كابنهما من النسب ، والحرمة التي انتشرت منهما اليه وقفت عليه وعلى نسله دون من هو في طبقته كإخوته وأخواته ، أو أعلى منه كآبآئه وأمّهاته ، فللفحل أن يتزوّج بأمّ هذا المرتضع وبأخته وجدّته ، ويجوز لوالد هذا المرتضع أن يتزوّج المرضعة ، لأنه لا نسب بينهما ولإرضاع ولأنه لما جاز له أن يتزوّج بأمّ ولده من النسب ، فبأن يتزوّج بأم ولده من الرضاع ، أولى.

فإن قلت : في النسب لا يجوز لوالد هذا المرتضع أن يتزوّج بأمّ أمّ ولده ، ويجوز أن يتزوّج بأم أمّ ولده من الرضاع ، وقد قلتم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟

قلنا : إنما حرمت أمّ أمّ الولد من النسب بسبب المصاهرة قبل وجود النسب ، والرسول صلّى الله عليه وآله انما قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ولم يقل يحرم من الرضاع ما يحرم بالمصاهرة.

__________________

(١) القواعد : كتاب النكاح ، المطلب الثالث في الأحكام ص ١٢ س ٢ قال : ويحتمل قويا عدم التحريم بالمصاهرة ، فلأب المرتضع النكاح في أولاد صاحب اللبن ، وان يتزوج بأم المرضعة وبأخت زوجته من الرضاع إلخ.

٢٣٨

(الأول) أن يكون اللبن عن نكاح ، فلو درّ ، أو كان عن زنى لم ينشر.

(الثاني) الكمية ، وهي ما أنبت اللحم وشدّ العظم ، أو رضاع يوم وليلة ، ولا حكم لما دون العشر ، وفي العشر روايتان ، أشهرهما أنها لا ينشر

______________________________________________________

اعلم : أنه يحرم من النسب أربع نسوة ، وقد يحر من في الرضاع وقد لا يحر من :

(ا) أمّ الأخ والأخت في النسب حرام ، لأنّها إمّا أمّ أو زوجة أب ، وأمّا في الرضاع فلا يحرم إن لم يكن كذلك ، كما لو أرضعت أجنبية أخاك أو أختك ، فإنّها لا يحرم عليك.

(ب) أمّ ولد الولد في النسب حرام ، لأنها إمّا بنتك ، أو زوجة ابنك ، وفي الرضاع لا تحرم إذا لم يكن إحداهما ، كما لو أرضعت أجنبيّة ابن ابنك ، فإنّها أمّ ولد ولدك ، وليست حراما عليك.

(ج) جدّة الولد في النسب حرام ، لأنها إمّا أمّك ، أو أم زوجتك ، وفي الرضاع إذا أرضعت أجنبيّة ولدك فأنّ أمّها جدّته وليست حراما عليك.

(د) أخت الولد في النسب حرام ، لأنّها إما بنتك أو ربيبتك ، وفي الرضاع قد لا يكون كذلك كما لو أرضعت أجنبيّة ولدك ، فبنتها أخته ، وليست ببنت ولا ربيبة فلا يكون حراما عليك.

ولا يحرم أخت الأخ في النسب ولا في الرضاع ، إذا لم يكن أختا ، بأن يكون له أخ من الأب ، وأخت من الامّ ، وأنه يجوز للأخ من الأب نكاح الأخت من الأمّ ، وفي الرضاع لو أرضعتك امرأة وأرضعت صغيرة أجنبيّة منك ، يجوز لأخيك نكاحها ، وهي أختك من الرضاع.

وهذه الصور الأربعة مستثناة من قولنا : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

قال طاب ثراه : ولا حكم لما دون العشرة ، وفي العشر روايتان أشهرهما انها لا ينشر.

٢٣٩

ولو رضع خمس عشرة رضعة تنشر ، ويعتبر في الرضعات قيود ثلاثة ، كمال الرضعة ، وامتصاصها من الثدي ، وأن لا يفصل بين الرضعات برضاع غير المرضعة.

______________________________________________________

أقول : اختلف الأصحاب في العدد الذي ينشر حرمة الرضاع على أقوال أربعة :

(أ) أنه خمسة عشر رضعة ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) وكتابي الأخبار (٣) (٤) واختاره ابن إدريس في أحد قوليه (٥) وبه قال المصنف (٦) والعلامة في أكثر كتبه (٧).

__________________

(١) النهاية : باب مقدار ما يحرم من الرضاع ص ٤٦١ س ٤ قال : والّا كان الاعتبار بخمس عشرة رضعة متواليات إلى أن قال : أو كان أقل من خمس عشرة رضعة. فإنّ ذلك لا يحرّم ولا تأثير له.

(٢) المبسوط : ج ٥ كتاب الرضاع ص ٢٩٢ س ٤ قال : فإذا أرضعت بهذا اللبن خمس عشرة رضعة متوالية ، إلى قوله : انتشرت الحرمة إلخ.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٢٧) باب ما يحرم من النكاح من الرضاع ص ٣١٤ قال بعد نقل حديث ١١ والذي أعتمده إلخ.

(٤) الاستبصار : ج ٣ (١٢٥) باب مقدار ما يحرم من الرضاع ص ١٩٢ الحديث ١.

(٥) فإنه قدّس سرّه بعد ما أفتى في أوّل كتاب النكاح ص ٢٨٥ س ٣٦ وقال : أو عشر رضعات متواليات على الصحيح من المذهب : ـ قال في باب الرضاع ص ٢٩٣ س ٢١ ما لفظه : والذي أفتى به وأعمل عليه الخمس عشر رضعة إلخ.

(٦) لا حظ عبارة النافع.

(٧) القواعد : كتاب النكاح ص ١٠ قال : الأوّل الكمية الى أن قال : أو خمس عشرة رضعة ، وفي التحرير : كتاب النكاح ص ٥ قال : الثاني العدد الى أن قال : أو خمس عشرة رضعة ، وفي التذكرة : كتاب النكاح ص ٦٢٠ قال : مسألة اختلف علماؤنا في العدد المقتضي للتحريم ، فالمشهور ان المقتضي للتحريم خمس عشرة رضعة تامّة إلخ.

٢٤٠