المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

منهما حيث شاءت وتعتد المطلقة من حين الطلاق حاضرا كان المطلق أو غائبا إذا عرفت الوقت. وفي الوفاة من حين يبلغها الخبر.

______________________________________________________

أقول : المطلقة رجعية بمنزلة الزوجة لها النفقة بالإجماع ، والسكنى لقوله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) (١) وقال تعالى (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) (٢).

والمراد بيوت الأزواج ، فنسبها إليهن لاستحقاقهن سكناها.

دون البائن ، للأصل ، ولان الله سبحانه عقب الإسكان حيث أوجبه بقوله (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) (٣) يعني الرجعة ، ولا رجعة في البائن.

ولأنه صلّى الله عليه وآله لم يجعل لفاطمة بنت قيس لما تبّها زوجها نفقة ولا سكنى ، وقال : ان النفقة والسكنى لمن يملك زوجها رجعتها (٤).

واختلف في الفاحشة المسوغة لإخراجها من المنزل الذي طلقت فيه ، فالمروي عن ابن عباس : ان تؤذي أهل الرجل (٥) وهو اختيار الشيخ في الكتابين (٦) (٧).

__________________

(١) الطلاق : ٦.

(٢) الطلاق : ١.

(٣) الطلاق : ١.

(٤) مسند احمد بن حنبل ، ج ٦ ص ٤١٥ ولفظ الحديث كما وجدناه (عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها البتة فخاصمته في السكنى والنفقة إلى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم قالت : فلم يجعل سكنى ولا نفقة ، وقالت : يا بنت آل قيس انما السكنى والنفقة على من كانت له رجعة).

(٥) الدر المنثور : ج ٨ ص ١٩٣ عن ابن عباس قال : الفاحشة المبينة أن تبذو المرأة على أهل الرجل ، فاذا بذت عليهم بلسانها إلخ.

(٦) كتاب الخلاف : كتاب العدة ، مسألة ٢٣ قال : الفاحشة التي تحل إخراج المطلقة من بيت زوجها الى تشتم أهل الرجل وتؤذيهم إلخ.

(٧) المبسوط : ج ٥ كتاب العدد ص ٢٥٣ س ١٥ قال : وكذلك ان أتت بفاحشة ، وهي ان تبذو على بيت احمائها وتشتمهم إلخ.

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواه محمّد بن علي بن جعفر قال : سأل المأمون الرضا عليه السّلام عن قول الله عزّ وجلّ (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال : يعنى ان تؤذي أهل زوجها (١).

وعن ابن مسعود ان تزني ، فيخرج وتحدّ ثم ترد الى موضعها (٢).

وهو اختيار المفيد (٣) والشيخ في النهاية (٤) وابن إدريس (٥).

وقيل : يجوز إخراجها بأي الأمرين المذكورين حصل ، نقل عن التقي (٦) وهو اختيار المصنف في الشرائع (٧) والعلامة في القواعد (٨) وزاد فيها : أو تستطيل على أهل الزوج بلسانها.

__________________

(١) التهذيب : ج ٨ (٦) باب عدد النساء ص ١٣٢ الحديث ٥٥.

(٢) كتاب الخلاف : كتاب العدة مسألة ٢٣ قال : وقال ابن مسعود : الفاحشة أن تزني فتخرج وتحد ثم ترد الى موضعها.

(٣) المقنعة : باب عدد النساء ، ص ٨٢ س ٢٦ قال : فإن أتت في منزله بفاحشة يستحق عليها الحد ، أخرجها منه ليقام عليها حد الله تعالى.

(٤) النهاية : باب العدد وأحكامها ص ٥٣٤ س ١٦ قال : والفاحشة ان تفعل ما يجب عليها الحد ، فاذا فعلت ذلك أخرجت وأقيم عليها الحد إلخ.

(٥) السرائر : باب العدد ، ص ٣٤٠ س ١٣ قال : ولا يجوز له إخراجها منه الا ان تؤذي أهله ، أو تأتي فيه بما يوجب الحد فيخرجها لإقامته إلخ.

(٦) الكافي : فصل في العدة وأحكامها ص ٣١٢ س ١٣ قال : ولا يخرجها الا ان تؤذيه ، أو تأتي في منزله ما يوجب الحد فيخرجها لإقامته ويردها اليه.

(٧) الشرائع : كتاب الطلاق ، الفصل السابع في اللواحق ، الاولى قال : لا يجوز لمن طلق رجعيا ان يخرج الزوجة من بيته الا ان تأتي بفاحشة إلى قوله : وادنى ما تخرج له ان تؤذي أهله.

(٨) القواعد ، كتاب الفراق ، المطلب الثاني في صفة السكنى ص ٧٥ قال : لا يجوز للزوج إخراجها الا أن يأتي بفاحشة إلى قوله : وتستطيل عليهم بلسانها.

٥٠٢
٥٠٣

كتاب الخلع والمبارة

٥٠٤

٥٠٥

كتاب الخلع والمبارأة

(مقدمة):

الخلع بفتح الخاء نزع الثوب ، وبضمها ازالة قيد النكاح بفدية لازمة لماهيته ، مع كراهتها الزوج دونه ، بلفظ خلعت.

فالإزالة كالجنس ، ويشمل الإزالة بالفسخ والطلاق ، والبواقي كالفصول.

وهي أربعة

الفدية ، ويخرج بها الطلاق ، وبقولنا (لازمة لماهيته) يخرج الطلاق بعوض ، لأنه ليس من لوازمة العوض بخلاف الخلع ، وب (كراهتها دونه) يخرج المبارات فإنها تترتب على كراهتهما معا ، لأنها مفاعلة من التباري ، وهو من الطرفين ، فتبرئه وتبعده بما تبذل له ، وتبريها وتبعّدها بابانتها ، وبقولنا (بلفظ خلعت) يخرج عنه ما لو وقع الطلاق بعوض مع كراهتها ، فإنه لا يسمى خلعا.

وانما سمى خلعا؟ استعارة من نزع الثوب. وانما استعمل هذا في الزوجين؟ لان كل واحد منهما لباس لصاحبه قال تعالى (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) (١) فكأنّ كل واحد منهما لمفارقة الأخر ينزع لباسه. وسمى الخلع اقتداء؟ لأن المرأة تفتدي نفسها من زوجها بما تبذله.

ويدل على مشروعية الكتاب والسنة والإجماع ...

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

٥٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أما الكتاب فقوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (١) فرفع الجناح في أخذ الفدية خوف التقصير في إقامة الوظائف المحدودة في حقوق الزوجية ، يدل على جواز الفدية.

واما السنة : فروي عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ان حبيبة بنت سهل الانصارية أخبرتها انها كانت تحت ثابت بن قيس الشماس ، وان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم خرج إلى الصبح ، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس (٢) فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : هذه؟ فقالت : انا حبيبة بنت سهل ، قال : ما شأنك؟ قالت : لا انا ولا ثابت بن قيس لزوجها ، فلما جاء ثابت بن قيس قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : هذه حبيبة بنت سهل ، وذكرت ما شاء الله ان تذكر وقالت حبيبة : يا رسول الله كل ما أعطاني عندي ، فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم لثابت بن قيس : خذ منها ، فأخذ منها ، وجلست هي في أهلها (٣).

وبطريق آخر : ان حبيبة بنت سهل كانت تحت قيس بن ثابت ، وكان يحبها وتكرهه وكان أصدقها حديقة بين يدي النبي صلّى الله عليه وآله فقال لها النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : تعطيه حديقته التي اصدقك إياها؟ فقالت : وأزيده ، فخلعها قيس على الحديقة ، فلما تمَّ الخلع قال لها النبيّ صلّى الله عليه وآله : اعتدي ، ثمَّ التفت الى أصحابه وقال : هي واحدة (٤).

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) في الحديث : كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يغلس بالفجر إذا اختلط بضوء الصباح ، والغلس بالتحريك الظلمة أخر الليل (مجمع البحرين لغة غلس).

(٣) سنن أبي داود ، الجزء الثاني ، باب في الخلع ، ص ٢٦٨ الحديث ٢٢٢٧.

(٤) المستدرك : ج ٣ كتاب الخلع والمبارأة ، ص ٢٦ الحديث ٢.

٥٠٧

والكلام في العقد والشرائط واللواحق.

وصيغة الخلع ان يقول : خلعتك أو فلانة مختلعة على كذا.

وهل يقع بمجرده؟ قال علم الهدى : نعم ، وقال الشيخ : لا حتى تتبع بالطلاق

______________________________________________________

فاستفيد من هذا الحديث فوائد.

(أ) مشروعية الخلع.

(ب) لزوم الفدية فيه بقوله (تعطيه حديقته).

(ج) وقوعه بمجرده ، لأنه لم يأمره بالطلاق.

(د) وجوب الاعتداد عنه.

(ه) كونه طلاقا بقوله (هي واحدة).

واما الإجماع : فأطبق المسلمون على جوازه ، وان اختلفوا في مسائله.

قال طاب ثراه : وهل تقع بمجرده؟ قال علم الهدى : نعم ، وقال الشيخ : لا حتى تتبع بالطلاق.

أقول : قال المرتضى : تقع بمجرده من غير احتياج الى ان يتبع بالطلاق (١) وهو مذهب أبي على (٢) وظاهر الحسن (٣) والصدوق (٤) والمفيد (٥) وتلميذه (٦) وابن

__________________

(١) الناصريات : في الجوامع الفقهية ، ص ٢١٤ ، المسألة ١٦٥ قال : الخلع فرقة بائنة ، وليست كل فرقة طلاقا كفرقة الردة واللعان : عندنا ان الخلع إذا تجرد عن لفظ الطلاق بانت به المرأة وجرى مجرى الطلاق.

(٢) المختلف : القول في أحكام الخلع ص ٤٣ س ١٢ قال : مسألة إلى قوله : قال ابن الجنيد بالأول ، (أي يقع بمجرده) وليس عليه ان يقول لها : قد طلقتك ، وهو الظاهر من كلام ابن عقيل إلخ.

(٣) المختلف : القول في أحكام الخلع ص ٤٣ س ١٢ قال : مسألة إلى قوله : قال ابن الجنيد بالأول ، (أي يقع بمجرده) وليس عليه ان يقول لها : قد طلقتك ، وهو الظاهر من كلام ابن عقيل إلخ.

(٤) المقنع : باب الطلاق ص ١١٧ س ٣ قال : واما الخلع الى قوله : وقد بانت منه ، وقوله : وكان الخلع له تطليقة واحدة.

(٥) المقنعة : ص ٨١ باب الخلع والمبارات س ٣٤ قال : قال لها : قد خلعتك على كذا وكذا إلى قوله : فاذا قال لها ذلك فقد بانت منه.

(٦) المراسم : ص ١٦٢ س ٩ قال : فإذا اجابته الى ذلك قال لها : قد خلعتك على كذا وكذا إلخ.

٥٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حمزة (١) والعلامة في المختلف (٢) وفخر المحققين (٣) وهو ظاهر المصنف (٤).

وقال الشيخ : لا حتى تتبع بالطلاق (٥) وهو مذهب القاضي في المهذب (٦) وابن إدريس (٧) وظاهر التقي (٨).

قال الشيخ : وهو مذهب جماعة من المتقدمين كجعفر بن سماعة والحسن بن سماعة وعلي بن رئاب (٩).

احتج الأولون بروايات.

__________________

(١) الوسيلة : فصل في بيان الخلع ص ٣٣١ س ١٦ قال : بان يقول الرجل : خالعتك ، أو تقول المرأة اختلعت نفسي منك إلخ.

(٢) المختلف : الفصل الثاني في الخلع ، ص ٤٣ س ١٩ قال : والمعتمد الأول ، أي وقوع الخلع بمجرده.

(٣) الإيضاح : ج ٣ ، الباب الثاني في الخلع ، ص ٣٧٥ س ١٥ قال : واختار شيخنا في المختلف وقوعه بمجرده ، وهو الأقوى عندي.

(٤) لاحظ عبارة النافع. وفي الشرائع ، كتاب الخلع ، أما الصيغة قال : وهل يقع بمجرده؟ المروي : نعم.

(٥) مع الفحص الشديد لم أظفر عليه في المبسوط ، وفي المختلف ص ٤٣ س ١٤ قال : وقال الشيخ في المبسوط : والخلع بمجرده لا يقع ولا بد من التلفظ بالطلاق على الصحيح من المذهب.

(٦) المهذّب : ج ٢ ، باب الخلع ص ٢٦٧ س ١٨ قال : ولا يقع أيضا بمجرده فلا بد فيه من التلفظ بالطلاق.

(٧) السرائر : باب الخلع والمبارات والنشوز ص ٣٣٧ س ١٦ قال : فان قدم لفظ الخلع وعقب بلفظ الطلاق كان جائزا إلخ.

(٨) الكافي : الطلاق ، واما الخلع ص ٣٠٧ س ١١ قال : فإذا أراد خلعها فليقل : قد خلعتك على كذا فأنت طالق.

(٩) الاستبصار : ج ٣ (١٨٣) باب الخلع ص ٣١٧ قال بعد نقل حديث ٨ ما لفظه : قال محمّد بن الحسن الذي اعتمده في هذا الباب ان المختلعة لا بد فيها من ان تتبع بالطلاق وهو مذهب جعفر بن سماعة وعلي بن رباط وابن حذيفة من المتقدمين إلخ.

٥٠٩

ولو تجرد كان طلاقا عند المرتضى وفسخا عند الشيخ لو قال بوقوعه مجردا.

وما صح ان يكون مهرا صح فدية في الخلع ، ولا تقدير فيه ، بل يجوز ان يأخذ منها زائدا عما وصل إليها منه ولا بد من تعيين الفدية وصفا أو إشارة.

أما الشرائط : فيعتبر في الخالع البلوغ ، وكمال العقل ، والاختيار ، والقصد.

______________________________________________________

منها صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك؟ أو هي امرأته ما لم يتبعها الطلاق؟ فقال تبين منه ، فان شاء ان يريد إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعل ، قلت : انه قد روى انها لا تبين حتى يتبعها بالطلاق ، قال : ليس ذلك إذا خلع ، فقلت : تبين منه؟ قال : نعم (١) وهو نص بالباب.

وبان النبيّ صلّى الله عليه وآله لم يأمر ثابت بن قيس بالتلفظ بالطلاق.

احتج الآخرون بما رواه موسى بن بكر عن أبي الحسن الأول عليه السّلام قال : المختلعة تتبعها الطلاق ما دامت في عدتها (٢) وبان الأصل بقاء الزوجية فلا تزول الا بالسبب المتيقن ، وليس حاصلا مع التجرد.

قال طاب ثراه : ولو تجرد كان طلاقا عند المرتضى ، وفسخا عند الشيخ لو قال بوقوعه مجردا.

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ (١٨٣) باب الخلع ، ص ٣١٨ الحديث ١٢.

(٢) الاستبصار : ج ٣ (١٨٣) باب الخلع ، ص ٣١٧ الحديث ٩.

٥١٠

وفي المختلعة مع الدخول ، الطهر الذي لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضرا ، وكان مثلها تحيض ، وان يكون الكراهية منها خاصة صريحا. ولا يجب لو قالت : لأدخلنّ عليك من تكره ، بل يستحب. ويصح خلع الحامل مع الدم لو قيل انها تحيض. ويعتبر في العقد حضور الشاهدين عدلين ونجريده عن الشرط ، ولا بأس بشرط يقتضيه العقد ، كما لو شرط الرجوع ان رجعت.

واما اللواحق فمسائل.

(الاولى) لو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصح ولم يملك الفدية.

(الثانية) لا رجعة للخالع ، نعم لو رجعت في البذل رجع ان شاء. ويشترط رجوعها في العدة ثمَّ لا رجوع بعدها.

(الثالثة) لو أراد مراجعتها ولم ترجع في البذل افتقر الى عقد جديد في العدة أو بعدها.

(الرابعة) لا توارث بين المختلعين ولو مات أحدهما في العدة ، لانقطاع العصمة بينهما.

______________________________________________________

أقول : على القول بوقوع الفرقة بمجرد لفظ الخلع ، هل يكون طلاقا أو فسخا؟ المرتضى (١) وابن الجنيد (٢) على الأول ، واختاره العلامة (٣) وفخر المحققين (٤) بوجوه.

__________________

(١) الناصريات : (في الجوامع الفقهية ص ٢١٤ ، المسألة ١٦٥ قال : الخلع إذا تجرد عن لفظ الطلاق بانت به المرأة وجرى مجرى الطلاق في انه ينقص من عدد الطلاق ، وهذه فائدة اختلاف الفقهاء في انه طلاق أو فسخ إلخ.

(٢) و (٣) والمختلف : كتاب الطلاق ص ٤٤ س ٥ قال بعد نقل قول السيد : وهو قول ابن الجنيد أيضا ، الى قوله : والمعتمد ما ذهب إليه السيد.

(٤) الإيضاح : ج ٣ ، الباب الثاني في الخلع ص ٣٧٦ س ١٤ قال : والأقرب عندي اختيار المرتضى.

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) ان النبي صلّى الله عليه وآله لم يأمر ثابتا بلفظ الطلاق حين خالع زوجته حبيبة بين يديه ، وقال لها : اعتدي ، ثمَّ التفت الى أصحابه وقال : هي واحدة (١).

(ب) قول الصادق عليه السّلام : وكانت معه على تطليقتين باقيتين (٢).

(ج) قوله عليه السّلام : وكانت تطليقة بغير طلاق تتبعها (٣).

(د) قوله عليه السّلام : وخلعها طلاقها (٤).

(ه) رواية زرارة ومحمّد بن مسلم عنه عليه السّلام : الخلع تطليقة بائنة (٥).

(و) ان الزوجين لا يملكان فسخ النكاح بتراضيهما ، لأنه لا يقبل التقايل.

روى محمّد بن مسلم في الحسن عن الصادق عليه السّلام قال : المختلعة تقول لزوجها اخلعني وانا أعطيك ما أخذت منك ، فقال : لا يحل له ان يأخذ منها شيئا حتى يقول : والله لا أبر لك قسما ، ولا أطيع لك امرا ، ولأوذنن في بيتك بغير إذنك ، ولا وطئن فراشك غيرك ، فاذا فعلت ذلك من غير ان يعلمها حل له ما أخذ منها ، وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها ، وكانت بائنا بغير طلاق ، وكان خاطبا من الخطاب (٦).

وفي حسنة الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال : لا يحل خلعها حتى تقول لزوجها : والله لا أبر لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا ، ولا اغتسل لك من جنابة ، ولأوطئن فراشك ، ولأوذنن عليك بغير إذنك ، وقد كان الناس يرخصون فيما دون

__________________

(١) تقدم نقله من سنن أبي داود.

(٢) الاستبصار : ج ٣ (١٨٣) باب الخلع ص ٣١٥ الحديث ١.

(٣) الاستبصار : ج ٣ (١٨٣) باب الخلع ص ٣١٥ الحديث ٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (١٦٩) باب الخلع ص ٣٣٨ قطعة من حديث ٢.

(٥) الاستبصار : ج ٣ (١٨٣) باب الخلع ص ٣١٧ الحديث ٨.

(٦) الاستبصار : ج ٣ (١٨٣) باب الخلع ص ٣١٥ الحديث ٣.

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا ، فاذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما أخذ منها وكانت عنده على تطليقتين باقيتين وكان الخلع تطليقة (١).

والشيخ على الثاني ، قال : ولو قلنا بوقوعه مجردا كان الاولى ، لأنه فسخ (٢).

واحتج بوجوه :

(أ) انه لو كان طلاقا ، لكان كناية في الطلاق ، لا صريحا ، والطلاق لا يقع بالكناية ، وقد قلنا بوقوعه ، وهذا خلف.

(ب) قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) (٣) ثمَّ قال (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (٤) ثمَّ قال (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٥) فذكر تطليقتين ، والخلع وتطليقة بعده ، فلو كان الخلع طلاقا لكان أربعا هذا محال.

(ج) انها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته ، فكان فسخا كسائر الفسوخ.

(د) اشتماله على مشابهة المعاوضة في استرداد كل من الزوجين عوضه ، فإن الزوجة أرادت نفسها واستردت بضعها ، واسترد الزوج مهره ، فأشبه فسخ المعاوضة.

وتظهر فائدة الخلاف في مسائل :

(أ) انتقاض عدد الطلاق به وافتقاره الى المحلل على الأول دون الثاني.

(ب) صحته من ولي الطفل على الثاني دون الأول.

(ج) عدم الحنث به لو نذر أو حلف ان لا يطلق على الثاني خاصة.

(د) استحقاق اسم المطلقة للزوجة على الأول دون الثاني ، فتدخل في الوقف والنذر والصدقة على المطلقات.

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ (١٨٣) باب الخلع ص ٣١٥ الحديث ١.

(٢) كتاب الخلاف : كتاب الخلع ، مسألة ٣ قال : ومن لم يعتبر من أصحابنا التلفظ بالطلاق ، الاولى ان يقول : انه فسخ وليس بطلاق ، لأنه ليس على كونه طلاقا دليل.

(٣) البقرة : ٢٢٩.

(٤) البقرة : ٢٢٩.

(٥) البقرة : ٢٣٠.

٥١٣

والمبارأة : هو ان يقول : بارأتك على كذا. وهي تترتب على كراهية الزوجين كل منهما صاحبه. ويشترط اتباعها بالطلاق على قول الأكثر. والشرائط المعتبرة في الخالع والمختلعة مشترطة هنا. ولا رجوع للزوج الّا ان ترجع هي في البذل. وإذا خرجت من العدة فلا رجوع لها. ويجوز ان تفاديها بقدر ما وصل إليها منه فما دون ، ولا يحل له ما زاد عنه.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ويشترط اتباعها (أي المبارأة) بالطلاق على قول الأكثر.

أقول : ادعى الشيخ الإجماع على افتقار المبارأة الى التلفظ بالطلاق (١) وكذا المصنف في الشرائع (٢) وقوله هنا في الواقع يشعر بوجود مخالف ، وهو منقرض أو متروك.

نعم روى الشيخ في الاستبصار مرفوعا الى حمران قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : ان المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما ، لأن العصمة قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج (٣).

وعن جميل عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : المبارئة تبين من غير أن تتبعها بالطلاق (٤).

قال الشيخ : أوردنا هذه الاخبار على ما رويت وليس العمل على ظاهرها ، لان المبارات ليس يقع بها فرقة من غير طلاق ، وانما تؤثر في ضرب من الطلاق في ان يقع

__________________

(١) المبسوط : ج ٤ كتاب الخلع ص ٣٧٣ س ٣ قال : فرق أصحابنا بين الخلع والمبارات فلم يختلفوا في ان المبارات لا يقع الا بلفظ الطلاق.

(٢) الشرائع : كتاب المبارأة س ٥ قال : ويشترط اتباعه بلفظ الطلاق ، فلو اقتصر المباري على لفظ المبارأة لم يقع به فرقة.

(٣) الاستبصار : ج ٣ (١٨٤) باب حكم المبارأة ص ٣١٩ الحديث ٣.

(٤) الاستبصار : ج ٣ (١٨٤) باب حكم المبارأة ص ٣١٩ الحديث ٤.

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بائنا لا يملك معه الرجعة ، وهو مذهب جميع فقهاء أصحابنا المتقدمين منهم والمتأخرين لا نعلم خلافا بينهم في ذلك. والوجه في هذه الاخبار ان نحملها على التقية ، لأنها موافقة لمذهب العامة ولسنا نعمل به (١) هذا أخر كلامه رحمه الله.

والحاصل : ان الخلع والمبارأة يجتمعان في أمور ويفترقان في أمور ، فلهذا شملهما كتاب واحد ، لان منشأهما حصول المنافاة بين الزوجين وعدم التئام الأحوال ، فالموافقة في أمور :

(أ) حصول البينونة في عدة كل منهما.

(ب) حصول العوض فيهما.

(ج) حصول المنافاة في الجملة.

والمفارقة في أمور :

(أ) ترتب الخلع على كراهتها خاصة ، وفي المبارأة على كراهتهما.

(ب) تحريم أخذ الزيادة في المبارأة عما وصل إليها منه وجوازه في الخلع.

(ج) افتقار البينونة في المبارأة الى التلفظ بالطلاق وعدمه في الخلع على الأصح.

فرع

المشهور جواز مساواة البذل في المبارأة لما وصل إليها منه ، وهو اختيار المفيد (٢).

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ ص ٣١٩ س ١٦ قال بعد نقل حديث ٤ : قال محمّد بن الحسن : هذه الاخبار إلخ.

(٢) المقنعة : باب الخلع والمبارأة ص ٨٢ س ٨ قال : ولا يجوز له إذا كان كارها لها ان يأخذ منها على الطلاق لها أكثر ممّا أعطاها.

٥١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وابن إدريس (١) والمصنف (٢) والعلامة (٣) لقوله تعالى (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (٤).

ولصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال : المرأة تقول لزوجها : لك ما عليك واتركني ، أو تجعل له من قبلها شيئا فيتركها ، الا انه يقول : فان ارتجعت في شي‌ء فأنا أملك ببضعك ، فلا يحل لزوجها ان يأخذ منها الا المهر فما دونه (٥).

وللأصل ، ومنعناه في الزائد؟ للاشتراك في الكراهة.

وقال الصدوقان : وله ان يأخذ دون الصداق وليس له ان يأخذ الكل (٦) وبه قال ابن حمزة (٧) وهو ظاهر الحسن (٨) والنهاية (٩).

احتجوا بحسنة زرارة قال : المبارئة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة تؤخذ منها

__________________

(١) السرائر : باب الخلع والمبارات ص ٣٣٦ س ٣٣ قال : ولا يجوز ان يأخذ منها أكثر من المهر.

(٢) الشرائع : كتاب المبارأة قال : ويأخذ في المبارأة بقدر ما وصل إليها منه ولا تحل له الزيادة.

(٣) المختلف : في أحكام الخلع والمبارات ص ٤٤ س ٣٧ قال بعد نقل قول المفيد وابن إدريس : وهو الوجه.

(٤) سورة البقرة ـ ٢٢٩.

(٥) التهذيب : ج ٨ (٤) باب الخلع والمبارات ، ص ١٠٠ الحديث ١٨.

(٦) المختلف : في أحكام الخلع والمبارات ص ٤٤ س ٣٤ قال : مسألة قال الشيخ علي بن بابويه في رسالته : وله ان يأخذ دون الصداق وفي المقنع ، باب الطلاق ص ١١٧ قال : واما المبارات الى قوله : ولا ينبغي أن يأخذ منها أكثر من مهرها وزاد في المختلف نقلا عنه (بل يأخذ منها دون مهرها).

(٧) الوسيلة ، فصل في بيان المبارأة والنشوز ص ٣٣٢ س ١٣ قال : صح بشرطين : تكون الفدية أقل من المهر.

(٨) المختلف : في أحكام الخلع والمبارأة ص ٤٤ س ٣٦ قال : وهو الظاهر من كلام الشيخ في النهاية وابن أبي عقيل إلخ.

(٩) النهاية : باب الخلع والمبارأة ص ٥٣٠ س ١١ قال : ويكون ذلك دون المهر الذي أعطاها إلخ.

٥١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ما شئت وما تراضيا عليه من صداق أو أكثر ، وانما صارت المبارئة يؤخذ منها دون المهر والمختلعة يؤخذ منها ما شاء؟ لأن المختلعة تتعدى في الكلام وتتكلم بما لا يحل لها (١).

وهي مرسلة ولا دلالة فيها ، لان تسويغ أخذ الناقص لا يمنع المساواة.

__________________

(١) التهذيب : ج ٨ (٤) باب الخلع والمبارات ص ١٠١ الحديث ١٩.

٥١٧

كتاب الظهار

٥١٨
٥١٩

كتاب الظهار

(مقدمة)

الظهار شرعا تشبيه الزوج المكلف منكوحته ـ ولو مطلقة رجعية في العدة ـ بظهر امّه.

وقيل : تشبيه من يملك نكاحها بعقد دائم بظهر محرمة عليه ابدا ، بنسب أو رضاع أو مصاهرة.

وانما سمي ظهارا؟ اشتقاقا من الظهر. وخصّ بالظهر دون البطن والفخذ والفرج وغيرها من الأعضاء؟ لأن كل بهيمة تركب فإنما تركب ظهرها ، ولما كانت المرأة تركب وتغشى شبّهت بذلك ، فاذا قال : أنت علي كظهر أميّ ، فمعناه : ركوبك على محرم كركوب أمي ، فسمي ظهارا اشتقاقا من هذا.

والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ـ إلى قوله ـ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (١) فذكر الله سبحانه الظهار في هذه الايات الثلاث.

ففي الأولى تحريمه وكونه منكرا.

وفي الثانية والثالثة الكفارة وتفصيلهما ...

__________________

(١) المجادلة : ٢.

٥٢٠