المهذّب البارع - ج ٣

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

(النظر الثاني) في المهر ، وفيه أطراف.

الطرف الأول : كلّ ما يملكه المسلم يكون مهرا ، عينا كان أو دينا ،

______________________________________________________

على ابن إدريس : بأن المراد أنّ هذا هو مهر البكر ، فما ينقص منه بسبب عدمها في نظر العقلاء وبسببه نقص مهر مثلها الثيّب عن مهر مثلها البكر (١).

فحاصل الإيراد : أنّ ما ذكره قد يستغرق المهر ، فيعرو البضع عن عوض ، وهو غير سائغ ، مثلا كان مهر مثلها بكرا مائة وثيبا ستّون ، فالتفاوت أربعون ، فلو كان مهرها في الصورة المفروضة أربعون ، وكان المنقص من المهر هو التفاوت ، لوجوب ردّها فلا مهر حينئذ.

وحاصل الجواب : أنّ هذا الحكم المذكور على تقدير أن يكون قد وقع العقد في الصورة المفروضة على مهر مثلها البكر لا أنقص ولا أزيد حتى يلزم المحذور المذكور ، وإن فرض التفاوت بين مهر المثل وما وقع عليه العقد ، كان المراد أن يرجع بنسبة نقص مهر مثلها الثيّب عن مهر مثلها البكر ، فيرجع في الصورة المفروضة بخمس ما وقع عليه العقد ، وهو ثمانية من أربعين.

وطعن فيه فخر المحققين : بأن قيمة المثل في المعاوضات المحضة ، والنكاح ليس منها (٢).

(النظر الثاني) في المهر

مقدمة : المهر مال يجب بعقد النكاح ، أو بوطء غير زنا منها ، ولا ملك يمين ، ويترادف عليها تسعة ألفاظ ، الصداق ، والصّدقة ، والمهر ، والنحلة ، والأجر ، والفريضة ، والعلائق ، والعقر ، والحباء.

__________________

(١) الإيضاح : ج ٣ في العيب والتدليس ص ١٨٦ س ١٦ قال : وأجاب عنه والدي في درسه إلخ.

(٢) الإيضاح : ج ٤ في العيب والتدليس ، ص ١٨٦ س ١٨ قال : والأوّل (أي قول النهاية) أرجح ، لأن قيمة المثل يعتبر إلخ.

٣٨١

أو منفعة كتعليم الصنعة والسورة ، ويستوي فيه الزوج والأجنبي. أمّا لو جعلت المهر استئجاره مدة ، فقولان : أشبههما الجواز.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : أما لو جعلت المهر استئجاره مدة ، فقولان : أشبههما الجواز.

أقول : يشترط في المهر المالية ، فكلما يملكه المسلم وتصح المعاوضة عليه جاز أن يكون مهرا ، ولا فرق بين الدين والعين والمنفعة ، لكن اختلفوا في جواز جعل إجارة الزوج نفسه مدة معينة ـ بحيث أن يكون متعلقة بعينه غير قابلة للنيابة ـ ، مهرا ، فمنع الشيخ في النهاية (١) وتبعه القاضي في الكامل (٢).

وجوّزه المفيد (٣) وتلميذه (٤) وابن إدريس (٥) وأبي علي (٦) وابن حمزة (٧) والكيدري (٨) واختاره المصنف (٩) والعلامة (١٠) والقاضي في المهذب مثل

__________________

(١) النهاية : باب المهور وما ينعقد به النكاح وما لا ينعقد ص ٤٦٩ س ٦ قال : ولا يجوز العقد على إجارة ، وهو أن يعقد الرجل على أن يعمل لها أو لوليّها أياما معلومة إلخ.

(٢) المختلف : في الصداق ، ص ٩٤ س ٧ قال : وقال ابن البراج في الكامل كقول الشيخ في النهاية.

(٣) المقنعة : باب المهور والأجور ، ص ٧٨ س ١٠ قال : والمهور كلما كانت له قيمة إلى قوله : ما تستحق عليه الأجور إلخ.

(٤) المراسم : ذكر المهر ص ١٥٢ س ١٧ قال : وما له عوض غير مرسوم في الشريعة إلى قوله : وكل هذا ينعقد به النكاح.

(٥) السرائر : باب المهور وما ينعقد به ص ٣٠٠ س ٢٢ قال : والذي أعتمده وأعمل عليه وافتي به أنّ منافع الحر ينعقد به النكاح إلخ.

(٦) و (٨) المختلف : في الصداق ص ٩٤ س ١٠ قال بعد نقل قول الكامل : وبه قال قطب الدين الكيدري وقال ابن الجنيد : كلما يصح الملك له والتمول الى قوله : من اجرة دار أو عمل إذا وقع التراضي بين الزوجين فالفرج به يحلّ وطؤه إلخ.

(٧) الوسيلة : فصل في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ص ٢٩٥ س ١٢ قال : فالأول كل ما يصحّ تملكه في الإسلام مما له قيمة إلخ.

(٩) لاحظ عبارة النافع.

(١٠)) المختلف : في الصداق ، ص ٩٤ س ٣١ قال : والمعتمد عندنا الجواز في الجمع إلخ.

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

القولين (١).

احتج الأوّلون : بأنه يستلزم خلو البضع عن العوض ، واللازم باطل ، وما استلزم البطلان كان باطلا ، أما الاولى فالجواز موته ، وأما الثانية فبيّنة.

وبما رواه أحمد بن محمّد (في القوى) عن أبي الحسن عليه السّلام قال : سألته عن الرّجل يتزوّج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين ، فقال : إنّ موسى عليه السّلام قد علم أنّه سيتم له شرطه ، فكيف لهذا بأن يعلم أنه سيبقى حتى يفي ، وقد كان الرّجل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله يتزوّج المرأة على السّورة من القرآن ، وعلى الدرهم ، وعلى القبضة من الحنطة (٢).

وما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام قال : لا يحل النكاح اليوم في الإسلام بإجارة ، بأن يقول : أعمل عندك كذا وكذا سنة على أن تزوّجني أختك أو بنتك ، قال : حرام ، لأنه ثمن رقبتها وهي أحق بمهرها (٣).

احتج الآخرون : بأصالة الجواز ، وبقوله تعالى «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ» (٤) وقد وقع التراضي على الإجارة.

وبما رواه محمّد بن مسلم (في الصحيح) عن الباقر عليه السّلام قال : جاءت امرأة إلى النبي صلّى الله عليه وآله إلى قوله : زوّجتكها على ما تحسن من القرآن ،

__________________

(١) المهذب : ج ٢ باب الصداق ص ١٩٨ س ٩ قال : ويجوز أن يكون منافع الحرّ مهرا مثل أن يخدمها شهرا إلخ وقال في ص ٢٠١ س ٤ : ولا يجوز أيضا على اجارة مثل أن يعقد الرجل على المرأة أن يعمل لها ولوليّها أيّاما معيّنة أو سنين معلومة.

(٢) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور وما ينعقد من النكاح من ذلك ولا ينعقد ص ٣٦٦ الحديث ٤٦.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور ما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ص ٣٦٧ الحديث ٥١.

(٤) النساء : ٢٤.

٣٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فعلّمها إيّاه (١).

وأجابوا عن حجة الأولين : بأن الاحتمال يستلزم خلوّ البضع عن عوض معيّن ، لا عن مطلق العوض ، والمحال إنما هو الثاني ، لا الأوّل ، كما لو تزوّجها على عبد معين ومات قبل التسليم ، فإنه يضمن بها قيمته ، وكذا هنا يوجب بموته قبل المدة أجرة المثل بما بقي منها في أصل التركة ، وكذا لو كان المهر تعليم سورة حتى طلّقها قبل الدخول أو بعده قبل التعليم ، فإنه يجب عليه نصف اجرة المثل ، أو كلّها قولا واحدا ، وكذا لو تعلمت من غيره ، فعلم أنّ المحال هو خلوّ البضع في الجملة ، لا تطرّق خلوّه عن العوض المعيّن.

وعن الثاني : بأنه لا يدل على المنع والتحريم ، بل على الكراهة.

وعن الثالث : بأنّ المنع إنما كان لأنّ الإجارة وقعت للولي ، لا للزوجة ، والمهر مملوك لها ، لا لأبيها وأخيها ، فلا يجوز شرطه لهما ، لأنّ ذلك منسوخ في شرعنا ، وقد كان سابقا في شرع شعيب عليه السّلام ، ويلحط ذلك من الحديث في موضعين :

(أ) قوله عليه السّلام : «لا يحلّ النكاح اليوم في الإسلام» إشارة إلى أنّ هذا الحكم منسوخ إنما هو في صورة ما فعله موسى عليه السّلام لشعيب (ع) لجواز استيجاره لتعلّم الصنعة والسورة من غير خلاف فيه.

(ب) قوله عليه السّلام : «هي أحق بمهرها».

هذا مع ضعف السند.

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ص ٣٥٤ الحديث ٧ ورواه العامة بأسانيد مختلفة وألفاظ متقاربة في أبواب متفرقة ، منها صحيح البخاري كتاب النكاح باب ٤ تزويج المعسر وباب ٣٠ عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح إلى غير ذلك من الأبواب الأخر ، ورواه أحمد في مسنده ج ٥ ص ٣٣٠ حديث أبي مالك سهل الساعدي ، ورواه الدارمي والترمذي والموطأ فلاحظ.

٣٨٤

ولا تقدير للمهر في القلّة ولا في الكثرة على الأشبه ، بل يتقدّر بالتراضي. ولا بدّ من تعيينه بالوصف أو الإشارة ، ويكفي المشاهدة عن كيله ووزنه. ولو تزوّجها على خادم فلم يتعيّن فلها وسطه ، وكذا لو قال : دار أو بيت ، ولو قال على السنة كان خمسمائة درهم. ولو سمّى لها مهرا ولأبيها شيئا سقط ما سمّى له. ولو عقد الذمّيان على خمر أو خنزير صحّ ، ولو أسلما أو أحدهما قبل القبض فلها القيمة عينا أو مضمونا.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولا تقدير للمهر في القلة ولا في الكثرة على الأشبه.

أقول : لا يتقدر المهر قلة ، فيجوز على أقل ما يتمول ويثبت في الذمة ، لأصالة الجواز ولقوله تعالى «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ» (١).

ولقول الرضا عليه السّلام : وقد كان الرّجل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله يتزوّج على السّورة من القرآن ، وعلى الدّرهم ، وعلى القبضة من الحنطة (٢).

وأمّا في الكثرة : فالمشهور عند علمائنا أنه لا يتقدّر أيضا ، فيجوز ما تراضى عليه الزوجان ويلزم وإن بلغ أضعاف مهر السنّة ، ذهب إليه الشيخان (٣) (٤) والتقي (٥)

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور ص ٣٦٦ قطعة من حديث ٤٦.

(٣) المقنعة : باب المهور والأجور ، ص ٧٨ س ١٠ قال : والمهور كلّما كانت له قيمة من ذهب وفضة الى أن قال : ويستحب للإنسان أن لا يتجاوز في المهر سنة ، وهو خمسمائة درهم جيادا قيمتها خمسون دينار مثاقيل عينا.

(٤) النهاية : باب المهور وما ينعقد به النكاح ص ٤٦٨ س ١٩ قال : المهر ما تراضيا عليه الى قوله : قليلا كان أو كثيرا إلخ.

(٥) الكافي : النكاح ، الضرب الأوّل من الأحكام ص ٢٩٣ س ١٧ قال : أو زاد عليه أضعافا كثيرة.

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والحسن (١) والقاضي (٢) وابن حمزة (٣) وابن إدريس (٤) وهو ظاهر الصدوق في المقنع (٥) وأبي على (٦) ونص عليه أبو يعلى سلار (٧).

للأصل ، ولقوله تعالى «وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً» (٨) وعموم قوله تعالى «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» (٩) و «آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (١٠)

ولصحيحة الوشاء عن الرضا عليه السّلام قال : سمعته يقول : لو أنّ رجلا تزوّج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا ، والذي جعله لأبيها فاسدا (١١) ولأنه نوع معاوضة ، فكانت تابعة لاختيار المتعاوضين.

وقال المرتضى : لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جيادا ، قيمتها خمسون دينارا ،

__________________

(١) المختلف : في الصداق ص ٩٣ س ١٥ قال : وقال ابن الجنيد : وكل ما صح التملك له من قليل أو كثير إلخ.

(٢) المهذب : ج ٢ ، باب الصداق وأحكامه ، ص ١٩٨ س ٧ قال : يصح أن يكون صداقا قليلا كان أو كثيرا إلخ.

(٣) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ص ٢٩٥ س ١٥ قال : فما تراضيا عليه يكون صحيحا قل ذلك أم كثر.

(٤) السرائر : باب المهور وما ينعقد به ص ٣٠١ س ١٣ قال : ومتى عقد الرجل على أكثر من ذلك بأضعاف كثيرة لزمه الوفاء به.

(٥) المقنع : باب بدو النكاح ص ٩٩ س ٦ قال : وإذا تزوّجت فانظر أن لا يتجاوز مهرها مهر السنة إلخ.

(٦) المختلف : في الصداق ، ص ٨٢ س ١٥ قال : وقال ابن الجنيد : وكل ما صحّ التملك له والتموّل من قليل أو كثير إلخ.

(٧) المراسم : ذكر المهر ص ١٥٢ س ١٣ قال : والمهور على ضربين ، ذهب وفضة ، وما له قيمة إلخ.

(٨) النساء : ٢٠.

(٩) البقرة : ٢٣٧.

(١٠) النساء : ٤.

(١١) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ص ٣٦١ الحديث ٢٨.

٣٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فما زاد على ذلك ردّ إلى هذه السنّة (١).

وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه ـ واستدل بعد الإجماع على نفى الزائد ـ بما رواه المفضل بن عمر قال : دخلت على أبي عبد الله فقلت له : أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمن أن يجوزه؟ قال : فقال : السنّة المحمدية خمسمائة درهم ، فما زاد على ذلك ردّ إلى السنّة ولا شي‌ء عليه أكثر من خمسمائة درهم (٢) (٣).

وأجيب بضعف الرواية ، لوقوع محمّد بن سنان في طريقها (٤) ، وقد ضعفه الشيخ جدّا (٥) وما يختص بروايته لا يعمل عليه ، مع احتمال حملها على الاستحباب ، ومع الزيادة يستحب الردّ إلى السنّة بالإبراء ، ومع حصوله لا يلزمه أكثر من السنة.

وروي أنّ عمر قام خطيبا فقال : أيها النّاس بلغني أنكم تغالون في مهور بناتكم ، فلا اوتين برجل منكم زاد في مهر ابنته عن السنّة إلّا ردّدته إليها وجعلت

__________________

(١) الانتصار : مسائل النكاح ، في بيان مقدار الصداق ، ص ١٢٤ قال : مسألة ، ومما انفردت به الإمامية أنه لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم ، الى قوله : فما زاد على ذلك ردّ الى هذه السنة.

(٢) استناد الحديث الى الصدوق كما هو ظاهر العبارة لعله سهو من قلم النساخ ، لعدم وجوده في من لا يحضره الفقيه ويؤيّد عدم وجوده فيه عدم الإشارة إليه في معجم رجال الحديث أيضا ، ولعل المراد بقوله : روى عن الصدوق في من لا يحضره الفقيه : ما في ص ٢٥٣ من ج ٣ س ١ من قوله : (والسنّة المحمدية في الصداق خمسمائة درهم ، فمن زاد على السنّة ردّ إلى السنة) والله يعلم.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ص ٣٦١ قطعة من حديث ٢٧.

(٤) سند الحديث كما في التهذيب (محمّد بن احمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن مفضل بن عمر).

(٥) قال في التهذيب : (ج ٧ ص ٣٦١ س ١٠) بعد نقل الحديث (فأوّل ما في هذا الحديث : أن محمّد بن سنان مطعون عليه ضعيف جدّا ، وما ستبدّ بروايته ولا يشركه غيره ، لا يعمل عليه).

٣٨٧

ولا يجوز عقد المسلم على الخمر ، ولو عقد صح ، ولها مع الدخول مهر المثل ، وقيل : يبطل العقد.

______________________________________________________

الزائد في بيت المال ، فقامت إليه امرأة من أخريات الناس ، فقالت : وما أنت يا ابن الخطاب تمنعنا ما أباحه الله لنا!؟ فقال : وأين ذلك من كتاب الله؟ فقالت قوله تعالى «وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً» (١) فقال أيهما الناس على رسلكم ، رجل أخطأ وامرأة أصابت (٢).

قال طاب ثراه : ولا يجوز عقد المسلم على الخمر ، ولو عقد صح ، ولها مع الدخول مهر المثل ، وقيل : يبطل العقد أقول : هنا مسألتان.

الأولى : إذا عقد المسلم على خمر أو خنزير هل يصح العقد أو يبطل؟ فيه مذهبان :

(أ) الصحة ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف (٣) والمبسوط (٤) ، وبه قال : ابن حمزة (٥)

__________________

(١) النساء : ٢٠.

(٢) رواه أكثر أصحاب الحديث في مسانيدهم وتفاسيرهم بألفاظ متفاوتة ومعاني متقاربة لاحظ سنن البيهقي : ج ٧ كتاب النكاح ص ٢٣٣ وتفسير الدر المنثور للسيوطي : ج ٢ ص ٤٦٦ في تفسيره لآية ٢١ من سورة النساء ، وتفسير الكشاف للزمخشري : ج ١ ص ٤٩١ في تفسيره لآية ٢١ من سورة النساء ولاحظ ذيله حيث قال : أخرجه أصحاب السنن وابن حيان والحاكم واحمد والدارمي وابن أبي شيبة والطبراني إلخ.

(٣) الخلاف : كتاب الصداق ، مسألة ١ قال : إذا عقد على مهر فاسد مثل الخمر والخنزير الى قوله : فسد المهر ولم يفسد النكاح.

(٤) المبسوط : ج ٤ ، كتاب الصداق ، ص ٢٧٢ س ١١ قال : إذا عقد النكاح بمهر فاسد الى قوله : كان العقد صحيحا إلخ.

(٥) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ص ٢٩٦ س ١٣ قال : فان كان مسلما سقط المسمى ولزم مهر المثل : مثل من عقد على خمر أو خنزير إلخ.

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأبو علي (١) وابن زهرة (٢) وابن إدريس (٣) واختاره المصنف (٤) والعلامة في أكثر كتبه (٥) وتوقف في المختلف (٦).

(ب) البطلان : وهو مذهب النهاية (٧) وبه قال القاضي (٨) والتقي (٩) والمفيد في المقنعة (١٠).

احتج الأوّلون : بأنّ ذكر المهر ليس شرطا في صحة العقد ، فإذا ذكر ما هو فاسد لم يكن أكثر ممّا لم يذكر أصلا ، فيكون وجوده كعدمه. ولأنهما عقدان يصح أن

__________________

(١) و (٢) المختلف : في الصداق ص ٩٣ س ٣١ قال : وقال ابن الجنيد : لا يفسد العقد بفساد المهر الى قوله : ونحن في هذه المسألة من المتوقفين.

(٣) الغنية من الجوامع الفقهية في أحكام النكاح ص ٦١٠ س ٢٣ قال : وإذا وقع العقد على عين محرمة ، صح العقد وبطل المسمى.

(٤) السرائر : باب المهور ، ص ٣٠٠ س ١١ قال : ولا يجوز في المهر ما لا يحلّ تملكه للمسلم الى أن قال : والذي يقوى في نفسي ما اختاره في مسائل خلافه.

(٥) لاحظ ما اختاره في النافع.

(٦) التحرير : ج ٢ في الصداق ، ص ٣١ (ج) إذا عقد المسلم على خمر أو خنزير الى قوله : وهل يبطل النكاح؟ قيل : نعم وقيل : لا وهو الأقرب.

(٧) النهاية : باب المهور وما ينعقد به النكاح وما لا ينعقد ص ٤٦٩ س ٢ قال : ولا يجوز في المهر ما لا يحل تملكه الى قوله : فان عقد على شي‌ء من ذلك كان العقد باطلا.

(٨) المهذب : ج ٢ باب الصداق وأحكامه ، ص ٢٠٠ س ١٠ قال : وأما ما لا يصح تملكه ، الى قوله : فان عقر على شي‌ء منه كان باطلا.

(٩) الكافي : الضرب الأول من الاحكام ص ٢٩٣ ، س ١٧ قال : ولا يصح العقد على عين محرمة إلخ.

(١٠) نسب العلامة في المختلف : ص ٩٣ س ٢٩ الى المفيد القول ببطلان العقد ، حيث قال : وهل يبطل العقد؟ للشيخ قولان : ففي النهاية يبطل وبه قال المفيد في المقنعة ، ولكن عبارة المقنعة يوهم خلاف ذلك ، حيث قال : ولا يجوز النكاح على ما لا قيمة له من كلب أو خنزير أو خمر ، ومن عقد على شي‌ء منه ثبت النكاح بالعقد ، ووجب في ذمة المعقود له المهر بقدر مهر مثل المعقود عليها إلخ لاحظ باب المهور ص ٧٨ س ١٣.

٣٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ينفرد أحدهما عن صاحبه ، ألا ترى أنه لو عقد بغير مهر صحّ العقد. وأيضا فقد افترقا في الأحكام ، فإن المهر يدخله الخيار ولا يدخل العقد ، وإذا كانا عقدين ففساد أحدهما لا يوجب فساد الآخر إلّا بدليل.

احتج الآخرون بأنّ العقد مترتب على الرضا بالمهر ، وهو باطل ، والمترتّب على الباطل باطل ، ولأنه عقد معاوضة فيفسد بفساد العوض.

الثانية : على القول بصحة العقد ما ذا يجب؟ قيل فيه قولان :

(أ) مهر المثل ، قاله في الخلاف (١) وهو اختيار ابن حمزة (٢) وظاهر ابن إدريس (٣) لأن بطلان المسمى يوجب بطلان التسمية ، فيجب بالوطء مهر المثل ، لأنه إذا بطل أحد العوضين وجب ردّ الآخر فإذا تعذّر وجب قيمته ، وقد انتفى الصداق ، فيجب قيمة البضع ، وهو مهر المثل.

(ب) قيمته عند مستحليه ، قاله الشيخ في موضع من المبسوط (٤) ووجهه أنّهما لما ذكرا عوضا فقد أضربا عن قيمة البضع وقصدا ذلك ، وله عموم وهو المالية ، وخصوص وهو عينه ، وإذا تعذّر اعتبار العين بقي اعتبار الماليّة ، فلا يلغى التقدير بالكلية.

وفيه دخل ينشأ من امتناع تقدير المالية هنا ، إذ هو تقدير للمحال ، فيلغى كما ألغى العين ، نعم يفيد ذكره قصد العوض فلا يكون تعويضا ، ويتفرع على ذلك ما لو

__________________

(١) الخلاف : كتاب الصداق ، مسألة ١ قال : إذا عقد على مهر فاسد الى قوله : وجب لها مهر المثل.

(٢) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ، ص ٢٩٦ س ١٣ قال : فان كان مسلما سقط المسمى ولزم مهر المثل مثل من عقد على خمر إلخ.

(٣) السرائر : باب المهور ، ص ٣٠٠ س ١٦ قال : والذي يقوى في نفسي ما ذكره في مسائل خلافه.

(٤) المبسوط : ج ٤ ، كتاب الصداق ص ٢٩٠ س ٢٠ قال : وأمّا إن أصدقها خمرا معيّنا ، فالذي يقتضيه مذهبنا ان لها قيمته عند مستحليه.

٣٩٠

الطرف الثاني ، التفويض : لا يشترط في الصحة ذكر المهر ، فلو أغفله ، أو شرط أن لا مهر لها ، فالعقد صحيح. ولو طلّق فلها المتعة قبل الدخول ، وبعده لها مهر المثل ، ويعتبر في مهر المثل حالها في الشرف والجمال ، وفي المتعة حاله ، فالغنيّ يتمتّع بالثوب المرتفع ، أو عشرة دنانير فأزيد. والفقير بالخاتم أو الدّرهم والمتوسط بينهما. ولو جعل الحكم لأحدهما في تقدير المهر صحّ ، ويحكم الزوج بما شاء وإن قلّ ، وإن حكمت المرأة ، لم تتجاوز مهر السنّة. ولو مات الحاكم قبل الدخول وقبل الحكم فالمرويّ لها المتعة.

______________________________________________________

طلق قبل الدخول ، فيجب نصف مهر المثل على القول الأوّل ، وعلى القول الآخر يجب نصف قيمته عند مستحليه.

فرع

فرق الشيخ بين الخمر والخنزير ، فأوجب في الأوّل مهر المثل لتعذّر المالية واستحالتها فيه وأوجب في الخمر قيمته عند المستحلّ لثبوت المالية للذمّي على مثله وعلى المسلم (١) ، ففرضها فيه ممكن بخلاف الخنزير.

قال طاب ثراه : ولو مات الحاكم فالمرويّ لها المتعة.

أقول : التفويض قسمان :

تفويض المهر : وهو أن يذكر على الجملة ، وتفويض تقديره إلى أحدهما ، كان يقول : زوّجتك نفسي بما تحكم ، أو أحكم ، والحكم في هذا القسم أن يلزم من إليه الحكم بالفرض ، ويثبت ما يحكم به ، ويستقرّ بالدخول ، أو الموت ، وينتصف

__________________

(١) المبسوط : ج ٤ كتاب الصداق ص ٢٩٠ س ٢٠ قال : وأما ان أصدقها خمرا الى أن قال : انّ لها قيمته عند مستحلّه

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالطلاق ، وكذا لو حصل الطلاق قبل الفرض طولب الحاكم به.

ولو مات الحاكم قبل الفرض ، فإن كان بعد الدخول وجب مهر المثل ، وإن كان قبله ما ذا يجب؟ قيل فيه ثلاثة أقوال :

(أ) مهر المثل حكاه في المبسوط (١) وهو مذهب العلامة في القواعد (٢).

ووجهه : أنهما لم يرضيا بإخلاء العقد عن المهر ، بل ذكراه ، غايته أنه مجهول ، وقد تعذّر الرجوع إلى عينه بموت من إليه تعيّنه ، فيرجع إلى قيمة البضع ، وهو مهر المثل ، ولوجوبه بالوطء في مثل هذه الصورة ، والموت تقرّر من المهر ما تقرره الدخول.

(ب) المتعة مذهب الشيخ في النهاية (٣) وهو اختيار القاضي (٤) وابن حمزة (٥) والصدوق في المقنع (٦) وظاهر الخلاف (٧) (٨).

__________________

(١) لم أعثر في المبسوط على التصريح بما في الفرض الّا ما في فصل التفويض ص ٢٩٦ س ١ من قوله : (فاما إذا وقعت الفرقة بالوفاة إلى قوله : وامّا المهر فمتى مات أحدهما فعلى قولين : أحدهما لها مهر المثل ، والثاني لا مهر لها وهو الصحيح عندنا وفيه خلاف) وهذا كما ترى يوهم خلاف المقصود.

(٢) القواعد : الثاني تفويض المهر ص ٤١ س ٣ قال : ولو مات الحاكم قبله وقبل الدخول فلها مهر المثل إلخ.

(٣) باب المهور وما ينعقد به النكاح ص ٤٧٢ س ١٣ قال : فان مات الرجل أو ماتت المرأة قبل أن يحكما الى قوله : كان لها المتعة.

(٤) المهذب : ج ٢ باب الصداق وأحكامه ص ٢٠٦ س ٢ قال : فان مات الزوج أو الزوجة قبل أن يحكما الى قوله : كان للزوجة المتعة.

(٥) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه ص ٢٩٦ س ٥ قال : فان مات أحدهما قبل الفرض في لمسألتين سقط المهر إلخ.

(٦) المقنع : باب بدو النكاح ص ١٠٨ س ٩ قال : وإذا تزوّج الرجل امرأة إلى قوله : فلها المتعة والميراث إلخ.

(٧) ليس في النسخة المعتمدة جملة : (وظاهر الخلاف).

(٨) الخلاف : كتاب الصداق ، مسألة ١٥ قال : المفوضة إذا طلّقها زوجها الى قوله : لكن يجب لها

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ووجهه : أنّ العقد لا يجوز خلوّه عن عوض ، لوقوع التراضي عليه ، وليس معينا حتى يرجع إليه ، ومهر المثل يتبع الدخول ولم يحصل ، فيتعيّن المتعة.

ولصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام في رجل يزوّج امرأة على حكمها ، أو على حكمه ، فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها ، فقال : لها المتعة والميراث ، ولا مهر لها (١).

(ج) لا شي‌ء لها قاله ابن إدريس (٢) لأنّ مهر المثل يتبع الدخول ، والمتعة يجب بالطلاق ، وليس أحدهما حاصلا ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (٣) وظاهر الخلاف (٤) وصرّح به ابن إدريس إذا كان الحاكم المرأة وماتت (٥) ، ولم يذكر حكم موته إذا كان هو الحاكم ، والظاهر المساواة.

والمعتمد قول النهاية ، وهو اختيار المصنف (٦) والعلامة في المختلف (٧).

(القسم الثاني) وهو تفويض البضع : وهو تراضي الزوجين بإيقاع العقد من غير مهر ، إمّا باغفاله ، أو بأشراط سقوطه ، كقولها : زوجتك نفسي ، فيقول : قبلت ،

__________________

المتعة إلخ وهذا أيضا بناء على ان الموت كالطلاق.

(١) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور ، ص ٣٦٥ قطعة من حديث ٤٤.

(٢) السرائر : باب المهور ، ص ٣٠٢ س ٣٤ قال : وقد روي انه إذا مات الرجل أو ماتت المرأة قبل أن يحكما الى قوله بعد أسطر : والأصل براءة الذمة.

(٣) المبسوط : ج ٤ كتاب الصداق ص ٢٩٦ س ١ قال : إذا وقعت الفرقة بالوفاة إلى قوله : والثاني لا مهر لها.

(٤) الخلاف : كتاب الصداق مسألة ١٨ قال : إذا مات أحدهما قبل الفرض وقبل الدخول فلا مهر لها.

(٥) السرائر : باب المهور ، ص ٣٠٣ س ١ قال : والأولى القول بأنه لا يلزم الزوج شي‌ء بعد موت المرأة إذا كان قد تزوجها على حكمها.

(٦) لاحظ اختياره في النافع.

(٧) المختلف : في الصداق ، ص ٩٧ س ٤ قال : والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.

٣٩٣

الطرف الثالث ، في الأحكام : وهي عشرة :

(الأول) تملك المرأة المهر بالعقد ، وينتصف بالطلاق ، ويستقر بالدخول وهو الوطء قبلا أو دبرا ، ولا يسقط معه لو لم يقبض ، ولا يستقر بمجرّد الخلوة على الأشهر.

______________________________________________________

ويقتصران ، أو تقول : زوّجتك نفسي بلا مهر ، أو على أن لا مهر لي.

فنقول : هذا العقد لا يقتضي لزوم شي‌ء في ابتدائه ، لرضاهما بوقوع العقد مجانا.

ولرواية منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة ولم تفرض لها صداقا ، قال : لا شي‌ء لها من الصداق ، فان كان دخل بها فلها مهر نسائها (١) فعلى هذا لو مات أحدهما قبل الدخول لم يجب شي‌ء إجماعا.

ولصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام في المتوفى عنها زوجها قبل الدخول : إن كان فرض لها مهرا ، فلها ، وان لم يكن فرض مهرا ، فلا مهر لها (٢).

وإن حصل طلاق قبل الدخول وجبت المتعة إجماعا ، لقوله تعالى «لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ» (٣).

ولو تراضيا بفرضه صحّ ، ووجب كلّه بالدخول ، أو الموت ، ونصفه بالطلاق قبله ، ولا فرق في وقوع الفرض قبل الدّخول وبعده ، وسواء كان المفروض بقدر مهر المثل ، أو أقل أو أكثر ، عالمين بذلك ، أو جاهلين ، أو بالتفريق.

قال طاب ثراه : تملك المرأة المهر بالعقد ، وينتصف بالطلاق ، ويستقر بالدخول ، وهو الوطء قبلا أو دبرا ، ولا يسقط معه لو لم يقبض ، ولا يستقرّ بمجرد الخلوة على الأشهر.

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور ص ٣٦٢ الحديث ٣٠.

(٢) التهذيب : ج ٨ (٦) باب عدد النساء ص ١٤٦ قطعة من حديث ١٠٤.

(٣) البقرة : ٢٣٦.

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : هنا مسائل :

الاولى : يملك المرأة بالعقد جميع المهر ملكا متزلزلا كملك البائع للثمن في مدة خيار المشتري ، والمشتري المبيع في مدة خيار البائع ، وينتصف بالطلاق ، أي ويتجدّد ملك النصف للزوج بالطلاق ، هذا اختيار الأكثر من الأصحاب ، وذهب ابن الجنيد إلى أنّ الذي يوجب العقد من المسمّى نصفه ، والنصف الباقي يوجبه الدخول (١).

احتج الأولون : بأنّ الصداق عوض البضع والزوج يملكه بنفس العقد ، فيجب أن تملك الزوجة عوضه كالمتبايعين.

وبرواية عبيد بن زرارة (في الموثق) عن الصادق عليه السّلام قال : قلت : رجل تزوّج امرأة وأمهرها مهرا ، فساق إليها غنما ورقيقا ، فولدت عندها ، وطلّقها قبل أن يدخل بها ، قال : إن كان قد ساق إليها ما ساق وقد حملن عنده ، فله نصفها ونصف ولدها ، وإن كنّ حملن عندها فلا شي‌ء له من الأولاد (٢).

واحتج ابن الجنيد : بأنها لو ملكته لاستقرّ ، عملا بالأصل ، ولم يزل ملكها إلّا بسبب ناقل كالبيع وشبهه ، ولم يوجد ، فلا يكون الملك متحققا (٣).

وبرواية يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السّلام قال : سمعته يقول : لا يوجب المهر إلّا الوقاع في الفرج (٤).

وعن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال : سألته متى تجب المهر؟ قال :

__________________

(١) المختلف : في الصداق ، ص ٩٩ قال : مسألة ، المشهور عند علمائنا انّ المرأة تملك الصداق بالعقد الى أن قال : وقال ابن الجنيد : الذي يوجبه العقد من المهر المسمّى النصف إلخ.

(٢) التهذيب : ج ٧ (٣١) باب المهور والأجور ص ٣٦٨ الحديث ٥٤.

(٣) المختلف : في الصداق ، ص ٩٩ س ٢٤ قال : قال ابن الجنيد : بأنه لو ملكته بالعقد إلخ.

(٤) التهذيب : ج ٧ (٤١) باب من الزيادات في فقه النكاح ص ٤٦٤ الحديث ٦٧.

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا دخل بها (١).

وأجيب : بأنّ الوجوب أعم من الاستقرار ، فلا يستلزمه ، والسقوط لا يمنع الوجوب كما في الارتداد ، والسبب الناقل هنا الطلاق بنص القرآن في قوله تعالى : «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» (٢) والروايات محمولة على الاستقرار جمعا بين الأدلّة ، ولأنّه المفهوم من الوجوب في الأغلب.

وتظهر الفائدة في مسائل :

(أ) في نماء المتجدّد فيما بين العقد والطلاق ، فعلى المشهور يكون للمرأة ، وعنده لهما.

(ب) لو خلعها على مهرها ، أو طلّقها عليه ، أو وهبته إيّاه ، أو أبرأته منه ، رجع عليها بالنصف على المشهور ، ولا يرجع عليها بشي‌ء عنده.

(ج) لو كان المهر نصابا وأقبضها إيّاه ، ثمَّ طلّقها بعد مضيّ الحول ، وجب الزكاة عليها عندنا ، ولا يجب عنده ، لأنها لم تملك نصابا تاما.

(د) لو كان المهر معينا لم يجز لها التصرّف فيه إلّا بإذنه عنده ، لتحقق الشركة ، ويجوز على المشهور.

(ه) لو كان معينا وباعته من غير إذنه ، صحّ على المشهور ، ووقف على إجازته في النصف الآخر عنده.

(و) لو كان معينا وحجر عليه لفلس ، لم يتعلق به الحجر على المشهور ، وتتعلق بنصفه عنده.

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٤١) باب من الزيادات في فقه النكاح ، ص ٤٦٤ الحديث ٦٨.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

٣٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

(ز) لو مات أحد الزوجين استقر الجميع على المشهور ، لوجوبه بالعقد ، وحصول التنصيف بالطلاق ولم يحصل ، ويجب النصف عنده.

(ح) يحسب النصف من أموالها ويخرج عن ماله عنده ، وعلى المشهور جميع المهر ، فيفيد وجوب الخمس والحج ومنع الأخذ من الزكاة.

الثانية : فيما يوجب تقرير المسمى ، وانحصر في خمسة أقوال ، ووقع الإجماع على نفى السادس.

(أ) غيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا ، وإن كان الوطء حراما كما في الحيض والإحرام ، لأنه يوجبه في الشبهة ابتدأ ، ففي الصحيح تقريرا أولى.

(ب) ارتداد الزوج في القول الأظهر ، وقد صرّح به ابن حمزة ، فقال : تستقر المهر المعين بثلاثة أشياء : بالدخول والموت وارتداد الزوج (١).

(ج) موت الزوج على قول الأكثر ، خلافا للصدوق في المقنع ، حيث أوجب النصف (٢) معولا على صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في الرجل يموت وتحته امرأة لم يدخل بها ، قال : لها نصف المهر ، ولها الميراث كاملا ، وعليها العدة (٣).

وعورضت بصحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام أنّه سأله عن الرجل يتزوّج المرأة ، فيموت عنها قبل أن يدخل بها ، قال : لها صداقها كاملا ، وترثه ، وتعتدّ بأربعة أشهر وعشرا (٤).

__________________

(١) الوسيلة : في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر ، ص ٢٩٧ س ٥ قال : ويستقر بأحد ثلاثة أشياء إلخ.

(٢) المقنع : باب الطلاق ، ص ١٢٠ س ٢١ قال : والمتوفى عنها زوجها الى قوله : إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصفه ، وهو الذي أعتمده وافتى به.

(٣) التهذيب : ج ٨ (٦) باب عدد النساء ، ص ١٤٤ الحديث ٩٨.

(٤) التهذيب : ج ٨ (٦) باب عدد النساء ، ص ١٤٦ الحديث ١٠٧ وتمامه (كعدة المتوفى عنها

٣٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واختصت بزيادة الترجيح بعمل الأصحاب ، وتأيّدت أيضا بالنظر ، إذ العقد يوجب المهر وينتصف بالطلاق ، ولم يحصل.

(د) موت الزوجة في المشهور ، وهو قول المفيد (١) وبه قال ابن حمزة (٢) وابن إدريس (٣) والقاضي في المهذب (٤). وخالف الشيخ (٥) والقاضي في الكامل (٦) وقطب الدين الكيدري (٥) وأوجبوا النصف خاصة ، وربما حمل على غير ذات الولد ، فيكون له النصف بالميراث.

(ه) الخلوة التامة : وهي المعركة العظيمة بين الفقهاء : ونعني بالتامة إرخاء الستر ، أو إغلاق الباب وعدم حصول مانع في الزوج كالعنن ، أو في المرأة كالرتق ، واختلفت فيه عبارات الأصحاب ، وتعدّدت آراؤهم ، والمرجع فيها عند التحقيق إلى أربعة مذاهب :

(أ) أنّها قائمة مقام الدخول في تقرير المهر ، حكاه الشيخ في الكتابين عن قوم

__________________

زوجها).

(١) المختلف : في الصداق ، ص ٩٦ س ٧ قال : بعد نقل قول ابن إدريس : وهو اختيار شيخنا المفيد في أحكام النساء وهو الصحيح إلخ.

(٢) تقدّم آنفا حيث قال : بالدخول والموت وارتداد الزوج.

(٣) السرائر : باب المهور ص ٣٠٢ س ٢٣ قال : ومتى مات أحد الزوجين قبل الدخول استقر المهر جميعه إلخ.

(٤) المهذب : ج ٢ باب الصداق ص ٢٠٥ س ١ قال : وان ماتت المرأة إلى قوله : جاز لورثتها المطالبة به.

(٥) النهاية : باب المهور ص ٤٧١ س ١٥ قال : وان ماتت المرأة قبل الدخول بها كان لأوليائها نصف المهر.

(٦) المختلف : في الصداق ، ص ٩٦ س ٢٤ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : وتبعه ابن البراج في الكامل الى قوله : وقطب الدين الكيدري تابع الشيخ أيضا.

(٧) المختلف : في الصداق ، ص ٩٦ س ٢٤ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : وتبعه ابن البراج في الكامل الى قوله : وقطب الدين الكيدري تابع الشيخ أيضا.

٣٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

من أصحابنا (١) (٢).

ويؤيّده رواية زرارة عن الباقر عليه السّلام قال : إذا تزوّج الرجل المرأة ثمَّ خلا بها ، فأعلق عليها بابا ، أو أرخى عليها سترا ، ثمَّ طلّقها ، فقد وجب الصداق ، وخلاؤه بها دخول (٣).

وقال الصدوق في المقنع : إذا تزوّج الرجل المرأة ، فأرخى الستر ، أو أغلق الباب ، ثمَّ أنكرا جميعا المجامعة ، فلا تصدّقان ، لأنّها تدفع عن نفسه العدّة ، ويدفع عن نفسه المهر (٤).

ومستنده رواية أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال : قلت له : الرجل يتزوّج المرأة فيرخي عليه وعليها الستر ، أو يغلق الباب ، ثمَّ يطلّقها ، فقيل للمرأة ، هل أتاك؟ فتقول : لا ، ما أتاني ، ويسأل هو هل أتيتها؟ فيقول : لم آتها ، قال : فقال : لا يصدّقان ، وذلك أنها تريد أن تدفع العدة عن نفسها ، ويريد هو أن يدفع المهر (٥) وحملها الشيخ على تهمة الزوجين (٦).

(ب) اشتراط قيد آخر مع الخلوة ، وهو أحد أمور أربعة :

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٤١) باب من الزيادات في فقه النكاح ص ٤٦٤ الحديث ٧١ ـ ٧٢ وفي الاستبصار ج ٣ (١٤٠) باب ما يوجب المهر كاملا ص ٢٢٧ الحديث ٥ ـ ٦.

(٢) النهاية : باب المهور ص ٤٧١ س ٧ قال : ومتى خلا الرجل بامرأته إلى قوله : وجب عليه المهر إلخ. وفي الخلاف : كتاب الصداق مسألة ٤٢ قال : وذهبت طائفة الى أن الخلوة كالدخول يستقر بها المهر الى قوله : وبه قال قوم من أصحابنا إلخ.

(٣) تقدم نقله عن التهذيب آنفا في حديث ٧١.

(٤) المقنع : باب بدو النكاح ص ١٠٩ س ٩ قال : وإذا تزوّج الرجل فأرخى الستر إلخ.

(٥) التهذيب : ج ٧ (٤١) باب من الزيادات في فقه النكاح ص ٤٦٥ الحديث ٧٣.

(٦) التهذيب : ج ٧ ، ص ٤٦٥ س ١ قال بعد نقل الحديث ما لفظه (لان هذين الخبرين محمولان على انه إذا كان الرجل والمرأة متهمين إلخ).

٣٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) الوقاع.

(ب) الإنزال بالنظر.

(ج) القبلة.

(د) اللّمس.

أيّما حصل التلذّذ به وجب على الزوج كمال المهر ، ومع عدمها يجب النصف في نفس الأمر ، ولا يحل لها المطالبة بالأكثر منه ، وإن وجب قبول قولها في الظاهر قاله أبو علي (١) ويبطله إجماع الأصحاب على وجوب النصف في العنة مع الخلوة بها والإمهال معها حولا كاملا.

(ج) وجود الخلوة مع عدم الدخول ، كعدمها ، والقول قول الزوج مع يمينه في عدم الوطء ، حكاه الشيخ في الكتابين قال : وهو ظاهر في روايات أصحابنا (٢) (٣) وهو اختيار المصنف (٤) والعلامة في أكثر كتبه (٥).

احتجوا برواية يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السّلام قال : سمعته يقول : لا يوجب المهر إلّا الوقاع في الفرج (٦).

__________________

(١) المختلف : في الصداق ص ٩٥ س ٢٩ قال : وقال ابن الجنيد الى قوله : هو الوقاع أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها إلخ.

(٢) الخلاف : كتاب الصداق ، مسألة ٤٢ قال : فذهبت طائفة الى أنّ وجود هذه الخلوة وعدمها سواء إلخ.

(٣) النهاية : باب المهور ، ص ٤٧١ س ١٠ قال : فإن أمكن الزوج إقامة البيّنة إلى قوله : لم يلزمه أكثر من نصف المهر.

(٤) لاحظ مختاره في النافع.

(٥) المختلف : في الصداق ص ٩٦ س ٣ قال : والمعتمد أنّ الخلوة بمجرّدها لا يوجب المهر. وفي القواعد : في المهر ص ٣٧ س ١٦ قال : وانما يتقرّر كمال المهر بالوطء أو موت أحد الزوجين ، لا بالخلوة على الأقوى.

(٦) التهذيب : ج ٧ (٤١) باب من الزيادات في فقه النكاح ص ٤٦٤ الحديث ٦٧.

٤٠٠