عباس ، فرأى فيها جمعا يتناولونها للطّعام ، فدخل على ابن الزبير فقال له : أصبحت والله كما قال الشاعر :
فإن تصبك من
الأيّام قارعة |
|
لم تبك منك على
دنيا ولا دين |
قال : وما ذاك يا أعرج؟ قال : هذان ابنا عباس ، أحدهما يفقّه الناس ، والآخر يطعم الناس ، فما أبقيا لك مكرمة. فدعا عبد الله بن مطيع فقال : انطلق إلى ابني عباس ، فقل لهما : يقول لكما أمير المؤمنين أخرجا عنّي أنتما ومن أصغى إليكما من أهل العراق ، وإلاّ فعلت وفعلت. فقال عبد الله بن عباس : قل لابن الزبير والله ما يأتينا من الناس إلاّ رجلين ، رجل يطلب فقها ، ورجل يطلب فضلا ، فأيّ هذين تمنع!. وكان يحضر أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني ، فجعل يقول :
لا درّ درّ
الليالي كيف يضحكنا |
|
منها خطوب
أعاجيب وتبكينا |
و مثل ما يحدث
الأيام من غير |
|
في ابن الزبير
من الدنيا تسلينا |
كنّا نجيء ابن
عباس فيفتينا |
|
فقها ويكسبنا
أجرا ويهدينا |
و لا يزال عبيد
الله مترعة |
|
جفانه مطعما
ضيفا ومسكينا |
فالبر والدين
والدنيا بدارهما |
|
ننال منها الذي
نبغي إذا شينا |
إلى آخر الأبيات » (١).
ولقد ثبت نشر ابن عبّاس ـ تلميذ أمير المؤمنين ـ تفسير القرآن في أهل مكة وتحقّق ، حتى اعترف بذلك ابن تيمية نفسه ، ومن هنا وصف أهل مكة بأنهم أعلم الناس بالتفسير ، ففي ( الإتقان ) : « قال ابن تيميّة : أعلم الناس بالتفسير أهل مكة ، لأنهم أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما ، كمجاهد ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة مولى ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وطاوس ، وغيرهم » (٢).
__________________
(١) الاستيعاب ٣ / ٩٣٧.
(٢) الإتقان في علوم القرآن ٢ / ١٩٠.