وثانيا : إنّه لا بدّ لمن يطلب الوصول إلى المدينة من إتيان الباب على كلّ حال ، ولا يتيسّر لأحد الوصول إليها إلاّ من قبل بابها ، بخلاف المحراب فإنه ليس كذلك ، إذ من الممكن أن يصل إلى المدينة ولا يمرّ على محرابها أصلا.
وثالثا : إنّ من عدل عن باب المدينة لا يصل إليها ويبقى في خارجها ، بخلاف المحراب إذ من الممكن أن يدخل إلى المدينة ويعدل عن محرابها ... ومن هنا ترى المناوي يقول : « فمن أخذ طريقه دخل المدينة ، ومن أخطأ أخطأ طريق الهدى ».
ورابعا : إن الباب هو الواسطة لخروج ما في المدينة من العلوم إلى خارجها ، وليس للمحراب هذه الصفة ... ومن هنا قال صاحب ( المعارف في شرح الصحائف ) : « قوله عليهالسلام : أنا مدينة العلم وعلي بابها. معناه : إنه يصل علومي إليه ومنه إلى الخلق ، كما أنّ الباب يصل إليه من يخرج من البلد ». وقال محمد بن إسماعيل الأمر اليماني في ( الروضة الندية ) : « فلمّا كان الباب للمدينة من شأنه أن تجلب منه إليها منافعها ، وتستخرج منه إلى غيرها مصالحها ، كان فيه إيهام أنّه صلّى الله عليه وسلّم يستمدّ من غيره بواسطة الباب الذي هو عليهالسلام ، دفع صلّى الله عليه وسلّم هذا الإيهام بقوله : فمن أراد العلم فليأت الباب ، إخبارا بأنّ هذا باب يستخرج منه العلوم ويستمد بواسطته ، ليس له من شأن الباب إلاّ هذا ، لا كسائر الأبواب في المدن فإنّها للجلب إليها والإخراج عنها. فلله قدر شأن الكلام النبوي ما أرفع شأنه وأشرفه وأعظم بنيانه ، ويحتمل وجوها من التخريج أخر ، إلاّ أنّ هذا أنفسها ».
ثم قال : « وإذا عرفت هذا عرفت أنه قد خصّ الله الوصي عليهالسلام بهذه الفضيلة العجيبة ، ونوّه شأنه ، إذ جعله باب أشرف ما في الكون وهو العلم ، وأنّ منه يستمد ذلك من أراده ، ثم إنه باب لأشرف العلوم وهي العلوم النبوية ، ثم لأجمع خلق الله علما وهو سيد رسله صلّى الله عليه وسلّم. وهذا هو الشرف يتضاءل عنه كل شرف ، ويطأطئ رأسه تعظيما له كل من سلف وخلف ».