ثم جعل اللفظ المتصور للمعنى كذلك. وهذا يقتضى الالتفات الى اللفظ لا الغفلة عنه فالغرض ان هناك عملية واحدة يتحقق فيها الوضع والاستعمال فى آن واحد يستلزم ان يكون الشخص ملتفتا الى اللفظ وغير ملتفت اليه ، او فقل ناظرا اليه استقلالا وآلة فى آن واحد ، وهو مستحيل.
ولا يخفى ما فيه ، فان الوضع ـ باى معنى اعتبرناه ـ لا يخلو عن كونه أمرا قائما بالنفس يحتاج فى مقام إظهاره الى مبرز ، وكاشف ، وهذا المبرز (تارة) يبرز الوضع ابرازا مطابقيا مثل التزمت أو جعلت كذا لكذا. و (اخرى) يبرز ما هو لازم الوضع ، فينتقل الى الملزوم بطريقة الملازمة ، فان اللفظ لو أبرز الاستعمال فقد أبرز الوضع التزاما ، اذ كل استعمال مسبوق بالوضع. فبابرازه للاستعمال يكون فى نفس ذاك الوقت مبرزا للوضع لا محالة. غايته أن أحدهما كان بالمطابقة ـ وهو الاستعمال ـ والآخر بالالتزام ـ وهو الوضع.
ومثله الهبة (فتارة) تبرز بمدلولها المطابقى فيقول : وهبتك كذا. (واخرى) بمدلولها الالتزامى فيقول : خذ هذا الثوب ـ مثلا ـ. ولا ريب أن الملكية فرع الهبة. وقد أبرزها بنحو الالتزام.
وأما دعوى لزوم الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالى لاقتضاء الاستعمال الغفلة عن اللفظ حينه فهى غير تامة ، إذ ربما يكون اللفظ غير مغفول عنه عند الاستعمال ، ويكون منظورا اليه استقلالا. وذلك كما لو كان قصد الرجل الاجنبى عن لغة إظهار معرفته بتلك اللغة ، فيقول : جئنى بالماء ـ مثلا ـ فهو بحسب الحقيقة مريد للماء ، ولكن غرضه متعلق بنفس اظهار اللفظ امام غيره ، وليس اللفظ منظورا اليه بالنظر الآلي ، كما وليس بمغفول عنه ، بل منظور بنحو الاستقلال بنفسه ، وملتفت اليه.