(الامر بين الامرين)
وقد صرحت الروايات الشريفة بانه لا جبر ، ولا تفويض ، بل امر بين الامرين ، او منزلة بين المنزلتين. فكان لزاما علينا ان نتخذ طريقا وسطا بين القولين نأمن به من مشكلة الاستقلال فى العمل التى تستلزم الجبر ، او التفويض. ونثبت بذلك العدالة ، والسلطنة لله سبحانه وتعالى. فندعى ان كل فعل صادر من العبد انما هو مستند اليه ، والى الله تعالى ولنقرب ذلك بفروض ثلاثة : ـ توضح ما يراد من هذا التعبير (الامر بين الامرين) مع ضرب بعض الامثلة على ذلك ـ :
اولاها ـ نفرض شخصا مرتعش اليد ، وقد فقد ارادته ، واختياره فى تحريك يده ـ مثلا ـ وقد جاءه آخر فربط يده المرتعشة بسيف قاطع ، وكان الى جنبه شخص راقد وهو يعلم بان اليد ستقع على ذلك النائم فتهلكه حتما. ففى هذه الصورة ـ عند ما يقع الفعل ـ لا يرى العقلاء صاحب اليد المرتعشة مجرما ، بل المجرم من ربط بيده السيف ، والى هذا يرجع حقيقة الجبر الذى يستلزم نفى العدالة عنه تعالى.
وثانيهما ـ ان نفرض شخصا اعطى سكينا بشخص آخر ، فصادف ان قتل بها نفسا محترمة باختياره. فالقتل يستند الى المباشر ، دون المعطى وان كان قد علم المعطى ان اعطاءه السيف ينجر به الى القتل. وهو مع ذلك يستطيع اخذ السيف من المعطى له متى شاء. والى هذا يرجع حقيقة التفويض الذى يستلزم نفى السلطنة عنه تعالى ، وايكال الامور الى العبد المستلزم ذلك للشرك.
ثالثها ـ ان نفرض حدا وسطا بين المثالين : فنفرض ان تيارا كهربائيا