لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) (١٢)
إشارة ـ اعلم أنه لما كان الاستواء صفة الحق على العرش ، وخلق الإنسان الكامل على صورته ، جعل له مركبا سماه فلكا ، كما كان العرش فلكا ، فالفلك مستوى الإنسان الكامل ، وجعل لمن هو دون الإنسان الكامل مركبا غير الفلك ، من الأنعام والخيل والبغال والحمير ، ليستوي الإنسان على ظهور هذه المراكب ، وشاركهم في ركوبها الإنسان الكامل ، فالكامل من الناس يستوي على كل مركوب ، وغير الكامل لا يستوي على الفلك إلا بحكم التبعية لا لعينه.
(لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (١٣)
اعلم أن البهائم وإن كانت مسخرة مذللة من الله للإنسان ، فلا تغفل عن كونك مسخرا لها بما تقوم به من النظر في مصالحها ، في سقيها وعلفها وما يصلح لها ، من تنظيف أماكنها ومباشرة القاذورات والأزبال من أجلها ووقايتها من الحر والبرد والمؤذيات لها ، فهذا وأمثاله من كون الحق سخرك لها ، وجعل في نفسك الحاجة إليها ، فإنها تحمل أثقالك إلى بلد لم تكن تبلغه إلا بشق الأنفس ، فلا فضل لك عليها بالتسخير ، فإن الله أحوجك إليها أكثر مما أحوجها إليك ، فما جعل لها إليك حاجة ، وجعل فيك الحاجة إليها ، وجميع البهائم تفر منك ممن لها آلة الفرار ، وما هذا إلا لاستغنائها عنك وما جبلت عليه من العلم بأنك ضار لها ، ثم طلبك لها وبذل مجهودك في تحصيل شيء منها دليل على افتقارك إليها ، فبالله من تكون البهائم أغنى منه ، كيف يحصل في نفسه أنه أفضل منها؟ هل سمعت في النبوة الأولى والثانية قط أن حيوانا أو شيئا من غير الحيوان عصى أمر الله أو لم يقبل وحي الله.
(وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (١٤) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذَا بُشِّر