فإن أدركه حسا بعد وجوده وقد كان أدركه علما ، فكمل إدراكه للشيء بذاته ، فتركيبه سبب فقره إلى هذا الذي أراد وجوده ، وإمكانه سبب فقره إلى مرجحه ، وأما الحق تعالى فليس بمركب ، بل هو واحد ، فإدراكه للأشياء على ما هي عليه من حقائقها في حال عدمها ووجودها إدراك واحد ، فلهذا لم يكن في إيجاده الأشياء عن فقر كما كان هذا للعبد ، ولهذا قال : (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) ـ راجع سورة فاطر آية ١٥ ـ (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) فأعطى الله في هذه الآية سبب الاستبدال ، وهو التولي فقال : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) عما سئلتموه من الإنفاق وبخلتم (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) أي على صفتكم ، بل يعطون ما يسألون ، ويعني ما وقع منهم من المخالفة لأمر الله ، بل يكونون على أتم قدم وأقواه في طاعة الله ـ إشارة ـ (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) قريب التجلي فما لك مول؟ لا ترأس على من تبعك ، فإنه ما تبعك وإنما تبع سر الحق الذي أودعه فيك ، وكذلك أودعه في التابع ، غير أنك علمته منك بإعلام الحق إياك ، وما علم التابع ما عنده ، وتلك المناسبة التي جمعت بينكما ، فإن رأست عليه ووطّيته ، أبدلك الحق مكانه ، وأبدله مكانك.
(٤٨) سورة الفتح مدنيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) (١)
قال تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) وهو فتوح المكاشفة وفتوح الحلاوة في الباطن وفتوح العبارة ، فقال تعالى له : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) في الثلاثة الأنواع من الفتوح (فَتْحاً) فأكده بالمصدر (مُبِيناً) أي ظاهرا يعرفه كل من رآه بما تجلى وما حواه ، ففتوح المكاشفة ثابت بما أشهده ليلة إسرائه من الآيات ، وفتوح الحلاوة ثابت له ذوقا ، وفتوح العبارة ثابت للعرب بالعجز عن المعارضة ، ولهذا الفتوح كان القرآن معجزة ، فما أعطي أحد فتوح العبارة على كمال ما أعطيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنه قال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ