حجاب عنا ، فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود ، لأنه قبل غيرها ، عبّر عن قبول ذلك الغير بالصدأ والكن والقفل والعمى والران وغير ذلك ، وإلا فالحق يعطيك أن العلم عنده ، ولكن بغير الله في علمه وهو بالله في نفس الأمر عند العلماء بالله ، فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مصقولة صافية ، فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هي ياقوت أحمر ، الذي هو التجلي الذاتي ، فذلك قلب المشاهد المكمل العالم ، الذي لا أحد فوقه في تجل من التجليات ، ودونه تجلي الصفات ، ودونهما تجلي الأفعال ، ولكن من كونها من الحضرة الإلهية ، ومن لم تتجل له من كونها من الحضرة الإلهية فذلك هو القلب الغافل عن الله تعالى ، المطرود من قرب الله تعالى ، فانظر وفقك الله في القلب على حد ما ذكرناه.
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (٧)
لا يجوز أخذ الزكاة من كافر ، وإن كانت واجبة عليه مع جميع الواجبات ، إلّا أنه لا يقبل منه شيء ممّا كلّف به إلا بعد حصول الإيمان به ، فإن كان من أهل الكتاب ففيه عندنا نظر ، فإنّ أخذ الجزية منهم قد يكون تقريرا من الشارع لهم دينهم الذي هم عليه ، فهو شرع لهم ، فيجب عليهم إقامة دينهم ، فإن كان فيه أداء زكاة وجاؤوا بها قبلت منهم ، وليس لنا طلب الزكاة من المشرك ، وإن جاء بها قبلناها ، وهي لا تجزي عن أهل الذمّة إذا أخرجوها ـ مع كونها واجبة عليهم كسائر جميع فروض الشريعة ـ لعدم الشرط المصحح لها ، وهو الإيمان بجميع ما جاءت به الشريعة ، لا بها ولا ببعض ما جاء به الشرع.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (٩)
فصل في خلق الأرض : الأرض أول مخلوق من الأركان ، ثم الماء ، ثم الهواء ، ثم النار ، ثم السموات ، وأخبر تعالى عنها بأمور تقضي أنها تعقل ، فوصفها بالقول والإباية ، وقال