(سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (٥)
حتى نهاية غاية ، فإنها تتضمن حرف إلى التي للغاية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [من قام ليلة القدر فيوافقها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر] فألحقت من قامها برسول الله صلىاللهعليهوسلم في المغفرة ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [من حرم خيرها فقد حرم]. ـ إشارة ـ من قام ليلة القدر من أجل ليلة القدر فقد قام لنفسه ، وإن كان قيامه لترغيب الحق في التماسها ، ومن قام لأجل الاسم الذي أقامه ، رمضان أو غيره ، فقيامه لله لا لنفسه ، وهو أتم ، والكل شرع ، فمن الناس عبيد ومنهم أجراء ، ولأجل الإجارة نزلت الكتب الإلهية بها بين الأجير والمستأجر ، فلو كانوا عبيدا ما كتب الحق كتابا لهم على نفسه ، فإن العبد لا يوقّت على سيده ، إنما هو عامل في ملكه ، ومتناول ما يحتاج إليه ، فهؤلئك لهم أجرهم ، والعبيد لهم نورهم ، وهو سيدهم ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم [التمسوها] لنستقبلها كما يستقبل القادم إذا جاء من سفره ، والمسافر إذا جاء من سفره فلابد له إذا كان له موجود من هدية لأهله الذين يستقبلونه ، فإذا استقبلوه واجتمعوا به دفع إليهم ما كان قد استعده به لهم ، فتلك المقادير فيهم ، وبذلك فليفرحوا ، فمنهم من تكون هديته لقاء ربه ، ومنهم من تكون هديته التوفيق الإلهي والاعتصام ، وكل على حسب ما أراد المقدّر أن يهبه ويعطيه ، لا تحجير عليه في ذلك ، وجاء في حديث الترمذي عن أبي ذر ، وفيه يقول [فقام بنا حتى تخوفنا أن يفوت الفلاح ، قيل : وما الفلاح؟ قال : السحور] ينبه بذلك على أن الإنسان إنما هو في الصوم بالعرض ، فإنه لا بقاء له ، فإن الصوم لله ، فالإنسان في بقائه آكل لا صائم ، فهو متغذ بالذات صائم بالعرض ، والفلاح البقاء ، لهذا قال الصاحب لما اتصف في ليلته بالقيوم ، قال : تخوفنا أن يفوتنا الفلاح ، وهو أن ينقضي زمان الليل وما عرفنا نفوسنا ، إذ في معرفتنا بها معرفة ربنا ، لكنهم ما فاتهم الفلاح بحمد الله ، بل أشهدهم الله نفوسهم بالغذاء ، ليشهدوا أن القيومية له ذاتية ، وقيومية العبد إنما هي بإمداد ما يتغذي به ، فالتماسنا لليلة القدر لم يغننا عن حظوظ نفوسنا التي بها بقاؤنا ، وهو التغذي ، فإن التماسنا لها إنما هو لما ينالنا من خيرها في دار البقاء ، فما التمسناها بالعبادة إلا لحظ نفسي نبقى به في الدار الآخرة ، وأما التماسها في الجماعة فلمناسبة الجمعية في الإنسان ، فإنه لا أعرف بالله منه ، لجمعيته وعقله ومعرفته بنفسه.