الله وعرفنا بمن يؤذيه وبما يؤذيه لننتصر له وندفع عنه ذلك ، فلا أرفع ممن يدفع عن الله أذى ، فمن كان عدوا لله فهو عدو للمؤمن ، وذلك من حيث أنه تعالى المؤمن ونحن المؤمنون ، لذلك قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) فولاية العبد ربه وولاية الرب عبده في قوله (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) وبين الولايتين فرق دقيق ، فجعل تعالى نصره جزاء ، وجعل مرتبة الإنشاء إليك ، فننصره في الدنيا لينصرنا في العقبى ، وقد ينصرنا هنا رحمة منه بنا لعدم صبرنا ، وهو سبحانه الصبور مدهر الدهور ، الذي يمهل ولا يعجل ، ومع هذا طلب النصر منا في الدنيا واستعجل ، وذلك لحكمة الوفاء بالجزاء ـ إشارة ـ إن لم تنصروه يخذلكم ، وإن خذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ، فنصرته من جملة ما أخذه عليكم من عهده ، فيا أهل العهود ، أوفوا بالعقود ، ما أمركم بنصره ، إلا ولكم اشتراك في أمره ، فمن قال لا قدرة لي ويعني الاقتدار ، فقد رد الأخبار ، وكان ممن نكث ، وألحق تكليف الحق بالعبث ، لما طلب النصرة من خلقه ، وجعلها من واجب حقه ، أثبت أن له أعداء ، وأن لديه أولياء وأوداء ، فالناصر محاصر ومحاصر ، فأنت تطلبه بالنصر ، في عين ما طلبكم فيه من النصر ، فما انفرد أحد بالقوة والاقتدار ، فانظر نزول الواحد القهار.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (٨) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (١٠) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) (١١)
الكافر لا مولى له ولهذا انهزم أمام خصمه ، فإنه استترت عنه حياة الشهيد في سبيل الله ، فآمن بالموت وهو الباطل ، وكفر بالحياة وهي الحق ، فالكافرون لا مولى لهم أي لا ناصر لهم ، فإن الآخذ هو الله ولا مقاوم له سبحانه.
(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ