على جميع العالم ممن ليست له هذه الحقيقة ، وانحجبت عن الحقائق الإلهية التي تستند إليها حقائق العالم حقيقة حقيقة ، فاكتسبت الرياضة لأجل هذا الشموخ ، فذلت تحت سلطانه وحمدت على ذلك ، وكذلك التسليم لم يصح إلا مع التمكن من الجموح ، فالنفس الراضية هي النفس العالمة المرضية عند الله ، فدخلت في عباده فقيل لها.
(فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) (٢٩) فلم تنسب ولا انتمت إلى غيره ، ممن اتخذ إلهه هواه.
(وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠)
ودخلت في جنته أي في كنفه وستره ـ إشارة واعتبار لا تفسير ـ (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) إن الله سبحانه لما أوجد الروح خليفة على مملكة البدن ، وأوجده على الكمال ، أراد أن يعرفه سبحانه مع ذلك أنه فقير ، ولا حول ولا قوة إلا لسيده الرب تعالى ، فلهذا أوجد له منازعا ينازعه فيما قلده ، فلما رأى الروح أنه ينادي والنفس لا تجيبه ، وقد قيل له : هي ملكك ، قال لوزيره : ما السبب المانع لها من إجابتي؟ فقال له العقل : أيها السيد الكريم إن في مقابلتك موجودا قام لها في مقامك ، أميرا قويا مطاعا ، صعب المرتقى عزيز المنال ، يقال له الهوى ، أعطيته معجلة مشهودة ، كثير الرجل والخول ، قوي العدد والعدد ، أرسل وزيره واسمه شهوة إليها ، فبسط لها حضرته وعجّل لها أمنيتها في أدنى زمان ، فأجابت لدعائه وانقادت له ، وحصلت تحت قهره ، واتبعها أجنادك وبادية رعيتك ، فرجع الروح بالشكوى إلى القديم سبحانه ، فثبتت له في نفسه عبوديته بالافتقار والعجز والذلة ، وتحقق التميز وعرف قدره فلما رجع الروح بالشكوى إلى ربه صار سبحانه واسطة بينها وبينه فقال لها : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) أي سيدك وهو الروح (راضِيَةً مَرْضِيَّةً ...) فلما أتاها النداء برفع الوسائط حنت وأنّت ، واشتاقت فأجابت وأنابت بالعناية الإلهية (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) يعني عباد الاختصاص ، أهل الحضرة (وَادْخُلِي جَنَّتِي) يريد المكاره التي هي نعم الخليفة.