رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) (٣١)
(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) أي ما يحصيهم عددا إلا هو ، فإذا كانت الجنود لا يعلمها إلا هو ، وليس للحق منازع يحتاج هؤلاء الجنود إلى مقابلته فاعجب! ، لذلك قال (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) فإن عالم الإنسان لما كان ملكا لله تعالى ، كان الحق تعالى ملكا لهذا الملك بالتدبير فيه وبالتفصيل ، ولهذا وصف تعالى بأن (لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وقال (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) فهو تعالى حافظ هذه المدينة الإنسانية لكونها حضرته التي وسعته ، وهي عين مملكته ، وما وصف نفسه بالجنود والقوة إلا وقد علم أنه تعالى قد سبقت مشيئته في خلقه أن يخلق له منازعا ينازعه في حضرته ، ويثور عليه في ملكه بنفوذ مشيئته فيه وسابق علمه وكلمته التي لا تتبدل ، سماه الحارث ، وجعل له خيلا ورجلا ، وسلطه على هذا الإنسان ، فأجلب هذا العدو على هذا الملك الإنساني بخيله ورجله ، ووعده بالغرور بسفراء خواطره التي تمشي بينه وبين الإنسان ، فجعل الله في مقابلة أجناده أجناد ملائكته ، فلما تراءى الجمعان ، وهو في قلب جيشه ، جعل له ميمنة وميسرة وتقدمة وساقة ، وعرفنا بذلك لنأخذ حذرنا منه من هذه الجهات ، فقال الله تعالى لنا إنه قال هذا العدو (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) وهو في قلب جيشه في باطن الإنسان ، فحفظ الله هذا الملك الإنساني بأن كان الله في قلب هذا الجيش ، وهذا العسكر الإنساني في مقابلة جيش الشيطان ، ولا يزال القتال يعمل على هذا الإنسان المؤمن خاصة ، فيقاتل الله عنه ليحفظ عليه إيمانه ، ويقاتل عليه إبليس ليرده إليه ويسلب عنه الإيمان ويخرجه عن طريق سعادته ، حسدا منه ، فإنه إذا أخرجه تبرأ منه وجثا بين يدي ربه ، وعرفنا الله بذلك كلّه لنعرف مكايده ، فهو يقول للإنسان بما يزين له : اكفر ، فإذا كفر يقول (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها).
(كَلَّا وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ) (٣٤)
معناه أظهر إلى الأبصار المبصرات ، يقال : سفرت المرأة عن وجهها ، إذا أزالت برقعها