الله فيها من الأمور ورتب فيها من الحكم فقد فاته خير كثير وعلم كبير ، وماذا بعد الحق إلا الضلال. ولما فتق الله السموات من رتقها ودارت كانت شفافة في ذاتها وجرمها ، حتى لا تكون سترا لما وراءها ، أدركنا بالأبصار ما في الفلك الثامن من مصابيح النجوم ، فيتخيل أنها في السماء الدنيا ، والله يقول : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) ولا يلزم من زينة الشيء أن يكون فيه ، وأما قوله (وَحِفْظاً) فهي الرجوم التي تحدث في كرة الأثير لإحراق الذين يسترقون السمع من الشياطين فجعل الله لذلك شهابا رصدا وهي الكواكب ذوات الأذناب ، ويخترق البصر الجو حتى يصل إلى السماء الدنيا فلا يرى من فطور فينفذ فيه فينقلب خاسئا وهو حسير أي قد أعى ، وجعل في كل سماء من هذه السبعة كوكبا سابحا وهو قوله تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) فتحدث الأفلاك بحركة الكواكب لا السموات ، فتشهد الحركات من السبعة السيارة أن المصابيح في الفلك الثامن وزينا السماء الدنيا لأن البصر لا يدركها إلا فيها فوقع الخطاب بحسب ما تعطيه الرؤية لهذا قال : (زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) ولم يقل خلقناها فيها وليس من شرط الزينة أن تكون في ذات المزين بها ولابد فإن الرجل والخيل من زينة السلطان وما هما قائمان بذاته (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) بالفتق والرتق فإن الله تعالى لما خلق الأفلاك وعمرها بالأملاك وقدر للكواكب السبعة السيارة فيها منازل تجري فيها إلى أجل مسمى تعين الزمان بجريانها وسباحتها وخلق المكانة قبل الأمكنة ومد منها رقائق إلى أمكنة مخصوصة في السموات السبع والأرض ثم أوجد المتمكنات في أمكنتها على قدر مكانتها وجعل إمضاء الأمور التي أودعها السموات في عالم الأركان عند سباحة الجواري وجعلهم نوابا متصرفين بأمر الحق لتنفيذ هذه الأمور التي أخذوها من خزائن البروج في السنة بكمالها وقدر لها المنازل المعلومة التي في الفلك المكوكب وجعل لها اقترانات وافتراقات كل ذلك بتقدير العزيز العليم ـ إشار ـ لما كملت البنية الإنسانية وصحت التسوية ، وكان التوجه الإلهي بالنفخ العلوي في حركة الفلك الرابع من السبعة ، وقبل هذا المسمى الذي هو الإنسان لكمال تسويته السر الإلهي الذي لم يقبله غيره ، وبهذا صح له المقامات ، مقام الصورة ومقام الخلافة ، فلما كملت الأرض البدنية ، وقدّر فيها أقواتها ، وحصل فيها قواها الخاصة بها من كونها حيوانا نباتا ، كالقوة الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة والنامية والمغذية ، وفتقت طبقاتها السبعة ، من جلد ولحم وشحم وعرق وعصب