ثمّ ، فإنّ أعيان الممكنات ما استفادت إلا الوجود ، والوجود ليس غير عين الحق ، لأنه يستحيل أن يكون أمرا زائدا ليس الحق ، لما يعطيه الدليل الواضح ، فما ظهر في الوجود بالوجود إلا الحق ، وهو واحد ، فليس ثم شيء هو له مثل ، لأنه لا يصح أن يكون ثمّ وجودان مختلفان أو متماثلان ، فإن الحق له التقدم على الخلق بالوجود من جميع الوجوه بالمكانة والرتبة ، فكان ولا مخلوق ، وهذا تقدم الوجود ، وقدّر وقضى وحكم وأمضى إمضاء لا يرد ولا يقضى عليه ، فهذا تقدم الرتبة ، فوجب التأخر عن رتبة الحق من جميع الوجوه ، فلا يجتمع الخلق والحق أبدا في وجه من الوجوه ، فالعبد عبد لنفسه ، والرب رب لنفسه ، فالعبودية لا تصح إلا لمن يعرفها ، فيعلم أنه ليس فيها من الربوبية شيء ، والربوبية لا تصح إلا لمن يعرفها ، فيعرف أنه ليس فيها من العبودية شيء ، ولما علمنا أنه من تأخر عن أمر فقد انقطع عنه ، علمنا أن كل واحد قد تميز في رتبته عن الآخر بلا شك ، وإن أطلق على كل واحد ما أطلق على الآخر ، فيتوهم الاشتراك وهو لا اشتراك فيه ، فإن الرتبة قد ميزته ، فيقبل كل واحد ذلك الإطلاق على ما تعطيه الرتبة التي تميز بها ، فإنا نعلم قطعا أن الأسماء الإلهية التي بأيدينا تطلق على الله وتطلق علينا ، ونعلم قطعا بعلمنا برتبتنا وبعلمنا برتبة الحق ، أن نسبة تلك الأسماء التي وقع في الظاهر الاشتراك في اللفظ بها إلى الله غير نسبتها إلينا ، فما انفصل عنا إلا بربوبيته ، وما انفصلنا عنه إلا بعبوديتنا ، فمن لزم رتبته منا فما جنى على نفسه ، بل أعطى الأمر حقه ، فينبغي للعبد أن لا يقوم في مقام يشم منه فيه رائحة ربوبية ، فإن ذلك زور وعين جهل ، وصاحبه ما حصل له مقام العبودة كما هو الأمر في نفسه ـ مسئلة ـ أمهات المطالب أربعة ، وهي : هل ، سؤال عن الوجود ، وما ، وهو سؤال عن الحقيقة التي يعبر عنها بالماهية ، وكيف ، وهو سؤال عن الحال ، ولم ، وهو سؤال عن العلة والسبب ، واختلف الناس فيما يصح منها أن يسأل بها عن الحق ، واتفقوا على كلمة هل ، فإنه يتصور أن يسأل بها عن الحق ، واختلفوا فيما بقي ، فمنهم من منع ومنهم من أجاز فيقال للجميع من المتشرعين المجوزين والمانعين : كلكم قال وما أصاب ، وما من شيء قلتموه من منع وجواز إلا وعليكم فيه دخل ، والأولى التوقف عن الحكم بالمنع أو بالجواز ، هذا مع المتشرعين ، وأما غير المتشرعين من الحكماء فالخوض معهم في ذلك لا يجوز ، إلا إن أباح الشرع ذلك أو أوجبه ، وأما إن لم يرد في الخوض فيه معهم نطق