كله لأنه تعالى جعل الوجود كله ناطقا بتسبيحه ، عالما بصلاته ، فلم يتولّ الله إلا المؤمنين ، وما ثمّ إلا مؤمن ، والكفر عرض عرض للإنسان بمجيء الشرائع المنزلة من أجل التعريف بما هي الدار الآخرة عليه ـ نصيحة ـ الولي الله ، فلا تجالس غيره ، ولا تتحدث إلا معه ، فإنه يسمع عباده ، فأسمع الله ، فإنك إن أسمعت غيره فقد أسأت الأدب معه ، ألا ترى أن الإنسان إذا أقبل على كلامه جليسه فأسمع غيره أخجله؟ وإذا أخجله لم يأمن غائلته ، وأهون غائلته أن يقطع به في الموضع الذي يحتاج إليه فيه.
(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (١٠)
من رحمة الله بعباده أن جعل حكم ما اختلفوا فيه إلى الله ، من حيث أنّ الأسماء الإلهية هي سبب الاختلاف ، ولا سيما أسماء التقابل ، يؤيد ذلك قوله (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) لأنه ليس غير أسمائه فإنه القائل (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) ولم يقل بالله ولا بالرحمن ، فجعل الاسم عين المسمى هنا ، كما جعله في موضع آخر غير المسمى ، فلما قال (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) والإشارة بذا إلى الله المذكور في قوله (فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) فلو لم يكن هنا الاسم عين المسمى في قوله الله لم يصح قوله ربي والخلاف ظهر في الأسماء الإلهية فظهر حكم الله في العالم به ، فيحكم على الخلاف الواقع في العالم بأنه عين حكم الله ، ظهر في صورة المخالفين.
(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (١١)
اعلم أنه لما اختلفت الأمزجة كان في العالم العالم والأعلم ، والفاضل والأفضل ، فمنهم من عرف الله مطلقا من غير تقييد ، ومنهم من لا يقدر على تحصيل العلم بالله حتى يقيده بالصفات التي لا توهم الحدوث وتقتضي كمال الموصوف ، ومنهم من لا يقدر على العلم بالله حتى يقيده بصفات الحدوث ، فيدخله تحت حكم ظرفية الزمان وظرفية المكان والحد