وعصمنا وإياكم من أغاليط الأفكار ، وقدّس قلوبنا من دنس التعصب والإنكار ، على ما يظهر من المتقين الأبرار ، من غوامض العلوم والأسرار. فقد قال لهم هؤلاء المبشرون من الملائكة.
(نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) (٣١)
(نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي نحن كنا ننصركم في الحياة الدنيا ، في الوقت الذي كان الشيطان يلقي إليكم بلمته العدول عن الصراط الذي شرع لكم المشي عليه ، فكنا ننصركم عليه باللمة التي كنتم تجدونها في وقت التردد بين الخاطرين ، هل يفعل أو لا يفعل؟ نحن كنا الذين نلقي إليكم ذلك في مقابلة العدو ، ونحن أيضا أولياؤكم (وَفِي الْآخِرَةِ) بالشهادة لكم أنكم كنتم تأخذون بلمتنا وتدفعون بها عدوكم ، فهذه ولايتهم في الآخرة ، وولايتهم أيضا بالشفاعة فيهم فيما غلب عليهم الشيطان في لمته ، فيكون العبد من أهل التخليط فتشفع الملائكة فيه حتى لا يؤاخذ بعمل الشيطان ، فهذا معنى قوله (وَفِي الْآخِرَةِ) (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) من شهادتنا لها وشفاعتنا فيها في هذا الموطن (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) من الدعة ، وتدل هذه الآية على أن نشأة الآخرة طبيعية مثل نشأة الدنيا ، لأن الشهوة لا تكون إلا في النفوس الطبيعية ، يقول الحق في الآخرة إن لأهل السعادة ما تشتهي نفوسهم ، ولم يقل ما تريد نفوسهم ، والشهوة إرادة ، لكن لما لم يكن كل مراد يشتهى ، لم تكن كل إرادة شهوة ، فإن الإرادة تتعلق بما يلتذ به وبما لا يلتذ به ، ولا تتعلق الشهوة إلا بالملذوذ خاصة ، فأخذوا الأعمال بالإرادة والقصد ، وأخذوا النتائج بالشهوة ، فإن الله تعالى كساهم حلة الصفة الربانية ، فأعطى كل واحد منهم أن يقول للشيء كن فيكون ، وهذا سر وجود الغنى في الفقر ، ولا يشعر به كل أحد ، فإنه لا يقول لشيء كن فيكون حتى يشتهيه ، ولهذا قال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) فما طلب إلا ما ليس عنده ليكون عنده عن فقر لما طلب ، لأن شهوته أفقرته إليه ودعته إلى طلبه ، ليس ذلك المشتهى طلبه ، وعنده الصفة الربانية التي أوجبت له القوة على إيجاد هذا المشتهى والمطلوب ، فقال له : كن ؛ عن فقر بصفة إلهية ، فكان هذا المطلوب في عينه ، فتناول منه ما لأجله طلب