الكواكب ، فإذا ظهرت الشمس خفيت أنوار الكواكب واندرجت أنوارها في نور الشمس ، فكان خفاؤها نظير ما نسخ من الشرائع بشرعه صلىاللهعليهوسلم مع وجود أعيانها ، كما يتحقق وجود أنوار الكواكب ، ولهذا ألزمنا في شرعنا العام أن نؤمن بجميع الرسل وجميع شرائعهم أنها حق ، فلم ترجع بالنسخ باطلا ، ذلك ظن الذين جهلوا ، فرجعت الطرق كلها ناظرة إلى طريق النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلو كانت الرسل في زمانه لتبعوه ، كما تبعت شرائعهم شرعه ، فإنه أوتي جوامع الكلم ، فمن عرف نعم الله عليه أوجب عليه هذا العلم الشكر ، فشغل نفسه بشكر الله تعالى كما فعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين نزلت عليه هذه الآية ، وبشر الحق رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك فقام حتى تورمت قدماه شكرا لله تعالى على هذه النعمة ، فما فتر ولا جنح إلى الراحة ، ولما قيل له في ذلك وسئل في الرفق بنفسه قال صلىاللهعليهوسلم : [أفلا أكون عبدا شكورا] وذلك لما سمع الله يقول : (سَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) وأتى بفعول وهو بنية المبالغة ، فكثر منه الشكر لما كثرت النعم ، فطلبت كل نعمة منه الشكر لله عليها ، ورد في الحديث الثابت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صيام يوم عرفة : [أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده] خرّجه مسلم ، فمن صام هذا اليوم أخذ بحظ وافر مما أعطى الله نبيه صلىاللهعليهوسلم في قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) فلم يزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمره كلّه في الحكم حكم الصائم يوم عرفة.
(وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا) (٣)
والعزيز من يرام فلا يستطاع الوصول إليه ، فإذا كانت الرسل هي الطالبة الوصول إليه ، فقد عز عن إدراكها إياه ببعثته العامة ، وإعطاء الله إياه جوامع الكلم ، والسيادة بالمقام المحمود في الدار الآخرة ، وبجعل الله أمته خير أمة أخرجت للناس ، وأمة كل نبي على قدر مقام نبيها ؛ وإذا طلب الوصول إليه القائلون باكتساب النبوة عز عليهم الوصول إلى ذلك ، فإن المكتسب إنما هو السلوك والوصول إلى الباب ، وأما ما وراء الباب فلا علم للواصلين إليه بمن يفتح له ذلك الباب ، فمن الناس من يفتح له بالإيمان العام وهو مطالعة الحقيقة كأبي بكر ، فلم ير شيئا إلا رأى الله قبله ، ومنهم من يفتح له بالإنباء العام الذي لا شرع فيه ، وهذان الفتحان باقيان في هذه الأمة إلى يوم القيامة ، ومن الواصلين من يفتح له الباب بنبوة