اعلم أن كل مشرك كافر ، فإن المشرك باتباع هواه فيمن أشرك واتخذه إلها وعدوله عن أحدية الإله ، يسترها عن النظر في الأدلة والآيات المؤدية إلى توحيد الإله فسمي كافرا لذلك الستر ظاهرا وباطنا ، وسمي مشركا لكونه نسب الألوهية إلى غير الله مع الله ، فجعل لها نسبتين فأشرك ، فهذا الفرق بين المشرك والكافر ، وأما الكافر الذي ليس بمشرك فهو موحد غير أنه كافر بالرسول وببعض كتابه ، وكفره على وجهين : الوجه الواحد أن يكون كفره بما جاء من عند الله مثل كفر المشرك في توحيد الله ، والوجه الآخر أن يكون عالما برسول الله وبما جاء من عند الله أنه من عند الله ويستر ذلك عن العامة والمقلدة من أتباعه رغبة في الرياسة ، وهو الذي أراد عليهالسلام بقوله في كتابه إلى قيصر [فإن توليت فعليك إثم الأريسيين] أي الأتباع.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (٨)
متعلق الرضا القليل ، فإن الإنعام لا يتناهى بالبرهان الواضح والدليل ، فلابد من الرضى ، بذا حكم الدليل وقضى ، وبهذا المعنى رضاه سبحانه عنك بما أعطيته منك (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) لما كانت مواهب الله لا نهاية لها ، فما لها آخر ترجع إليه فتنقضي ، والعبد ما وفىّ فيما كلفه الله وسعه ولا حق استطاعته ، فصح وثبت (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) فيما أتوا به من الأعمال (وَرَضُوا عَنْهُ) ورضوا بما وهبهم مما عنده مما لا يتناهى كثرة ، فالرضا من صفات الحق والرضا من صفات الخلق بما ينبغي للحق وبما يليق بالمخلوق ، ورد في بعض الأخبار النبوية أن الناس في الجنة إذا أخذوا منازلهم فيها ، ناداهم الحق جل جلاله بالكلام الذي ينبغي أن ينسب إليه من غير تكييف ولا تشبيه [يا عبادي هل بقي لكم شيء] فيقولون : [يا ربنا ما بقي لنا شيء ، نجيتنا من النار وأدخلتنا الجنة وكسوتنا وأطعمتنا وسقيتنا وفعلت وصنعت ، فيقول جل جلاله : وبقي لكم شيء ، فيقولون : يا ربنا وما بقي لنا؟ فيقول : أن أعلمكم برضائي عنكم فلا أسخط عليكم أبدا ، هل رضيتم؟ فيقولون : رضينا