الحق سبحانه بالفرضية في جميع الأوقات ، فكانت صلاتها قبل الزوال أولى ، والسعي إلى صلاة الجمعة من وقت النداء ، ويكون الثواب من البدنة إلى البيضة ، وهو حين يشرع الخطيب في خطبته ، ومن جاء من وقت طلوع الشمس إلى وقت النداء فله من الأجر بحسب بكوره ، فالبدنة من وقت تعيين السعي ، والأذان وقته إذا جلس الإمام على المنبر ، وهو كالأذان للصلوات المفروضة كلها ، ولا توقيت في عدد المؤذنين ، ولا يجوز أن يؤذن اثنان ولا جماعة معا ؛ بل واحد بعد واحد ، فإن ذلك خلاف السنة ، ومن حين الأذان يحرم البيع والشراء ، فالأذان إعلام وإعلان للإتيان والسعي ، ويجوز أن يقام جمعتان في مصر واحد إلا أن فيه مالا يثلج الصدر به ، والأولى أن لا يكون ، ولا يشترط المصر ولا المسجد ، فإنه لم يأت في هذه الأمور كلها نص من كتاب ولا سنة ، فإذا صحت الجماعة وجبت الجمعة لا غير ، والخطبة ليست بفرض وفي النفس من ذلك شيء ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما نص على وجوبها ولا على خلافه ، بل نقل بالتواتر أنه لم يزل يخطب فيها ، والوجوب حكم وتركه حكم ، ولا ينبغي لنا أن نشرع وجوبها ولا غير وجوبها ، فإن ذلك شرع لم يأذن به الله ، فمذهبنا التوقف في الحكم عليها مع العمل بها ولابد ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يزل يصليها بخطبة ، كما لم يزل يصلي العيدين بخطبة ، مع اجتماعنا على أن صلاة العيدين ليست من الفروض ولا خطبتها ، وما جاء عيد قط إلا وصلى صلىاللهعليهوسلم صلاة العيد وخطب ، ولذلك يحتمل المعنى في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) أنه يريد هنا بالذكر الخطبة ، فإنها شرعت للموعظة ، والعبد مأمور بالإنصات في حال الخطبة ليسمع ما يقول الواعظ والمذكر ، وإنما قلنا إنه يريد بالسعي إلى ذكر الله الخطبة لأن الصلاة بذاتها تنهي عن الفحشاء والمنكر ، ولما لم يرد نص من الشارع بإيجاب الخطبة ولا بما يقال فيها إلا مجرد فعله ، لم يصح عندنا أن نقول يخطب شرعا ولا لغة ، إلا أنا ننظر ما فعل فنفعل مثله على طريق التأسي لا على طريق الوجوب ، ويقبله الله على ما يعلمه من ذلك ، ومن جاء والإمام يخطب يوم الجمعة عليه أن يركع ركعتين تحية المسجد قبل أن يجلس ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر بهما ، وما ورد نهي برفع هذا الأمر ، غير أنه إذا ركع لا يجهر بتكبير ولا قراءة ، بل يسر ذلك جهد الطاقة ، ولا يزيد على التحية شيئا ولا سيما إن كان بحيث يسمع الإمام ، والداخل والإمام يخطب قد أبيح له أن يسلم وما خطأه أحد