الاسم الملك هو المهيمن على الأجناد الأسمائية فإن أسماءه سبحانه وتعالى عساكره ، وهي التي يسلطها على من يشاء ويرحم بها من يشاء ، فهو تعالى (الْمَلِكِ) بنسبة ملك السموات والأرض إليه ، فإنه رب كل شيء ومليكه (الْقُدُّوسِ) أي الطاهر ، والتقديس الذاتي يطلب التبري من تنزيه المنزهين ، فإنهم ما نزهوا حتى تخيلوا وتوهموا ، وما ثمّ متخيل ولا متوهم يتعلق به أو يجوز أن يتعلق به فينزه عنه ، بل هو القدوس لذاته ، لذلك قال (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ـ إشارة ـ في التقديس ، كأنه تعالى يقول : عبدي أنا الواحد الذي لا تحيط بي الأفكار ، ولا تنتهي إليّ الأسرار ، ولا تدركني البصائر ولا الأبصار ، وأنا اللطيف الخبير ، الحكيم القدير ، أنا كما كنت ، عدمت أو وجدت ، ما طرأ حال كنت عدمته ، ولا فقدت شيئا ثم وجدته ، علمي محيط ببسيطك ، وقدرتي ظاهرة في تخطيطك ، تنزهت عن التنزيه ، فكيف عن التشبيه؟ في العجز معرفتي على الكمال ، وهي حضرة الجلال ، ليس لي مثل معقول ، ولا دلت عليه العقول ، الألباب حائرة في كبريائي ، والأسرار مطيفون بعرش ردائي ، أنت وأنا حرف ومعنى ، بل معنى ومعنى ، أنت المثل الخفي ، المنقول اللغوي (١) ، وأنا الواحد الجلي ، أنت الواحد وأنا الواحد ، والواحد في الواحد بالواحد ، فإذا ضرب الفرد في الفرد ، بقي الرب وفني العبد.
شرح بعض ما يوهم مما جاء مرموزا ، قوله (أنت وأنا حرف ومعنى) أي أن الحرف يتضمن المعنى ، وأنت لا تتضمن ربك ، فلذلك قال (بل معنى ومعنى) أي هو أشد بيانا ، وإن دللت عليه بحرفيتك فإنما تدل عليه من كونه موجدك فقط ، فما دللت إلا على نفسك ، أما قوله (أنت المثل الخفي) أي لكونك على الصورة ، وقوله (اللغوي) أي بأدنى ما يقع به التشبيه في مجرد اللفظ ، كقولك : عالم وعالم ، وقوله (وأنا الواحد الجلي) أي الذي لا يقبل التشبيه.
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (٢)
__________________
(١) راجع تفسير قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) سورة الشورى آية ١١.