في أينيته ، فهو تعالى مع عباده المكلفين يحفظ عليهم أنفاسهم في حدوده التي حدّها لهم ، وهو مع من ليس بمكلّف ينظر ما يفعل معه المكلفون ، بأن لا يتعدوا حدوده ، فهو مع كل شيء بهذه المثابة في الدنيا ، وأما في الآخرة فما هو معهم إلا لحفظ أنفاسهم ولما يوجده فيهم ، ولم يقل تعالى : وأنتم معه ؛ لأنه مجهول المصاحبة ، فيعلم سبحانه كيف يصحبنا في كل حال نكون عليه ، ونحن لا نصحبه إلا في الوقوف عند حدوده ، فما نصحب على الحقيقة إلا أحكامه لا هو ، فهو معنا ما نحن معه ، لأنه يعرفنا ونحن لا نعرفه ، فالله مع الخلق ما الخلق مع الله ، لأنه يعلمهم فهو معهم أينما كانوا في ظرفية أمكنتهم وأزمانهم وأحوالهم ، ما الخلق معه تعالى جل جلاله ، فإن الخلق لا تعرفه حتى تكون معه ، وليس بين الحق والعالم بون يعقل أصلا إلا التمييز بالحقائق ، فالله ولا شيء معه سبحانه ، ولم يزل كذلك ولا يزال كذلك لا شيء معه ، فمعيته معنا كما يستحق جلاله وكما ينبغي لجلاله ، ولو لا ما نسب لنفسه أنه معنا لم يقتض العقل أن يطلق عليه معنى المعية ، كما لا يفهم منها العقل السليم حين أطلقها الحق على نفسه ما يفهم من معية العالم بعضه مع بعض ، لأنه ليس كمثله شيء ، فنقول : إن الحق معنا على حد ما قاله وبالمعنى الذي أراده ، ولا نقول : إنّا مع الحق ؛ فإنه ما ورد والعقل لا يعطيه ، فما لنا وجه عقلي ولا شرعي يطلق به أننا مع الحق ، وأما من نفى عنه إطلاق الأينية من أهل الإسلام فهو ناقص الإيمان ، فإن العقل ينفي عنه معقولية الأينية ، والشرع الثابت في السنة لا في الكتاب قد أثبت إطلاق الأينية على الله ، فلا تتعدى ولا يقاس عليها ، وتطلق في الموضع الذي أطلقها الشارع ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للسوداء التي ضربها سيدها [أين الله؟ فأشارت إلى السماء ، فقبل إشارتها ، وقال : أعتقها فإنها مؤمنة] لأن الله أخبر عن نفسه أنه في السماء ، فصدقته في خبره فكانت مؤمنة ، ولم يقل صلىاللهعليهوسلم فيها عند ذلك إنها عالمة ؛ وأمر بعتقها ، والعتق سراح من قيد العبودية ، تنبيه من النبي صلىاللهعليهوسلم بالعتق في حقها من قيد العبودية والملك ، على أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) سراح من قيد الأينية وفاء الظرف التي أتت به السوداء ، والسائل بالأينية أعلم الناس بالله تعالى ، وفي هذه الآية رد على القائل : إن الله تعالى لا يعلم الجزئيات ، فيكون قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) هو قوله تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) الآية ، فهو تعالى ثالث اثنين ، ورابع ثلاثة ، وخامس أربعة ، بالغا ما بلغ ، فهو مع المخلوقين حيث كانوا ، فهو تعالى رفيقنا