للورق والثمر اللذين في الفروع ، والشقي يجوع ويعرى لعدم الثمر والورق في العروق ، وللحق فيها تجل خاص عظيم يقيد الناظر ويحير الخاطر ، وفيها من الآيات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها [إنها غشيها من نور الله ما غشي فلا يستطيع أحد أن ينعتها] للغشاء النوري الذي لا تنفذه الأبصار ، بل لا تدركه الأبصار ، فهي شجرة النور ، فعليها من النور والبهاء بحيث أن يعجز عن وصفها الإنسان من كل عالم ، وما في الجنة قصر ولا طاقة إلا وغصن من أغصان هذه السدرة داخل فيه ، وفي ذلك الغصن من النبق على قدر ما في العمل الذي هو الغصن صورته من الحركات ، وما من ورقة في ذلك الغصن إلا وفيها من الحسن بقدر ما حضر هذا العبد مع الله في ذلك العمل ، وأوراق الغصن بعدد الأنفاس في ذلك العمل ، وإذا أكل أهل السعادة من هذه الشجرة زال الغلّ من صدروهم ، ومكتوب على ورقها سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
(عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) (١٥)
تأوي عندها نفوس السعداء ، وهي الجنة التي أنزل منها آدم ، وهي اليوم مقام الروح الأمين جبريل عليهالسلام ، وهي اليوم برزخ لذرية آدم ونزل إليها جبريل من السدرة بنزول آدم ، وهذه الجنة لا تقتضي الخلود لذاتها ، فلذلك أمكن خروج آدم منها ، ولذلك تأثر بالاشتياق أن يكون ملكا بعد سجود الملائكة بغرور إبليس إياه ووعده في الخلود ، رغبة في الخلود والبقاء مع جبريل ، والجنة التي عرضها السموات والأرض تقتضي الخلود لذاتها ، يعلم ذلك من دخلها أنه لا يمكن الخروج منها إذ لا سبيل للفساد إليها ، قال سبحانه وتعالى في وصف عطائها : (غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير منقطع.
(إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) (١٦)
فلم ينعتها سبحانه ، وكذلك قال عليهالسلام ، وهو معدن الفصاحة والحكم ، وقد أوتي جوامع الكلم : [فغشيها من نور الله ما غشيها ، فلم يستطع أحد أن ينعتها] وإذا كان هذا ، فكيف يصف أحد حقيقتها؟ فجدير أن يوقف عندما وقف ، وغشاها الله من الأنوار ما غشى ، ألا إن تلك الأنوار أنوار الأعمال ، فلا يستطيع أحد أن ينعتها إنما ينظر إليها فيدركه