انما عوتب على ذلك ، لأنه خرج مغاضبا لهم قبل أن يؤذن له ، فقال قوم : كانت خطيئة من جهة تأويله أنه يجوز له ذلك ، وقد قلنا : انه كان مندوبا الى المقام ، فلم يكن ذلك محظورا وانما كان ترك الاولى.
قوله (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) قيل : انها ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ، على ما قاله ابن عباس وقتادة.
وقوله (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي : كنت من الباخسين نفسي ثوابها لو أقمت ، لأنه كان مندوبا اليه ، ومن قال بجواز الصغائر على الأنبياء ، قال : كان ذلك صغيرة نقصت ثوابه.
فأما الظلم الذي هو كبيرة ، فلا يجوزها عليهم الا الحشوية الجهال الذين لا يعرفون مقادير الأنبياء الذين وصفهم الله بأنه اصطفاهم واختارهم.
فصل : قوله (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) الاية : ٩١.
الإحصان إحراز الشيء من الفساد ، فمريم أحصنت فرجها بمنعه من الفساد ، فأثنى الله عليها ورزقها ولدا عظيم الشأن.
وقوله (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) معناه أجرينا فيها روح المسيح ، كما يجري الهواء بالنفخ ، وأضاف الروح الى نفسه تعالى على وجه الملك تشريفا له في الاختصاص بالذكر.
وقيل : ان الله تعالى أمر جبرئيل بنفخ الروح في فرجها وخلق المسيح في رحمها.
وقوله (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) معناه انا جعلنا مريم وابنها عيسى آية للعالمين. وانما قال (آيَةً) ولم يثن ، لأنه في موضع دلالة لهما ، فلا يحتاج أن يثني.