وانما وصفت ذنوب الأنبياء بهذا الثقل مع أنها صغار مكفرة لشدة اغتمامهم بها وتحسرهم على وقوعها مع ندمهم عليها.
وهذان التأويلان لا يصحان على مذهبنا ، لان الأنبياء عليهمالسلام لا يفعلون شيئا من القبائح لا قبل النبوة ولا بعدها ، لا صغيرة ولا كبيرة. فإذا ثبت هذا فمعنى الاية هو : ان الله تعالى لما بعث نبيه وأوحى اليه وانتشر أمره وظهر حكمه (١) كان يلقي من كفار قومه ، وتتبعهم لأصحابه بأذاهم له ، وتعرضهم إياهم ما كان يغمه ويسوءه ويضيق به صدره ويثقل عليه ، فأزال الله ذلك بأن أعلى كلمته وأظهر دعوته وقهر عدوه.
فان قيل : السورة مكية وكان ما ذكرتموه بعد الهجرة.
قيل : ليس يمتنع أن يكون الله أخبره بأن ذلك سيكون فيما بعد ليبشره به ويسليه عما هو عليه ، فجاء بلفظ الماضي وأراد الاستقبال ، كما قال (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) (٢) وكما قال (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) (٣) والوزر الثقل في اللغة.
وقوله (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) قال ابن عباس : معناه فإذا فرغت من فرضك فانصب الى ما رغبك الله فيه من العمل.
وقال قتادة : معناه فإذا فرغت من صلاتك فانصب الى ربك في الدعاء.
وقال مجاهد : معناه فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب الى عبادة ربك.
ومعنى «فانصب» فاتعب ، يقال ناله هم ناصب أي ذو نصب.
سورة التين
قوله تعالى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ. لَقَدْ خَلَقْنَا
__________________
(١). في «ن» : بمكة.
(٢). سورة الاعراف : ٤٣.
(٣). سورة الزخرف : ٧٧.