ومن هنا قيل فيها إنها بدعة إضافية لا حقيقية ، ومعنى كونها إضافية أن الدليل فيها مرجوح بالنسبة لمن يشق عليه الدوام عليها ، وراجع بالنسبة إلى من وفّى بشرطها ولذلك وفّى بها عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بعد ما ضعف ، وإن دخل عليه فيها بعض الحرج حتى تمنى قبول الرخصة ، بخلاف البدعة الحقيقة ، فإن الدليل عليها مفقود حقيقة ، فضلا عن أن يكون مرجوحا ، فهذه المسألة تشبه مسألة خطأ المجتهد ، فالقول فيهما متقارب ، وسيأتي الكلام فيهما إن شاء الله تعالى.
وأما قول السائل في الإشكال : إن التزام الشرط فأدى العبادة على وجهها ـ إلى آخره ـ فصحيح ، إلا قوله : فإن تركها لعارض فلا حرج كالمريض ، فإن ما نحن فيه ليس كذلك ، بل ثمّ قسم آخر ، وهو أن يتركها بسبب تسبب هو فيه ، وإن ظهر أن ليس من سببه ، فإن ترك الجهاد ـ مثلا ـ باختياره مخالفة ظاهرة وتركه لمرض أو نحوه لا مخالفة فيه ، فإن عمل في سبب يلحقه عادة بالمريض حتى لا يقدر على الجهاد فهذه واسطة بين الطرفين ، فمن حيث تسببه في المانع لا يكون محمودا عليه ، وهو نظير الإيغال في العمل الذي هو سبب في كراهية العمل أو التقصير على الواجب ، وهذا المكلف قد خالف النهي ، ومن حيث وقع له الحرج المانع في العبادة من أدائها على وجهها قد يكون معذورا ؛ فصار هنا نظر بين نظرين لا يتخلص مع العمل إلى واحد منهما.
وأما قوله : ثبت أن من أقسام البدع ما ليس بمنهي عنه ، فليس كما قال ، وذلك أن المندوب هو من حيث هو مندوب يشبه الواجب من جهة مطلق الأمر ، ويشبه المباح من جهة رفع الحرج على التارك ، فهو واسطة بين الطرفين لا يتخلى إلى واحد منهما ، إلا أن قواعد الشرع شرطت في ناحية العمل شرطا ، كما شرطت في ناحية تركه شرطا ، فشرط العمل به أن لا يدخل فيه مدخلا يؤديه إل الحرج المؤدي إلى انخرام الندب فيه رأسا ، أو انخرام ما هو أولى منه ، وما وراء هذا موكول إلى خيرة المكلف ، فإذا دخل فيه فلا يخلو أن يدخل فيه على قصد انخرام الشرط أو لا ، فإن كان كذلك ، فهو القسم الذي يأتي إن شاء الله ، وحاصله أن الشارع طالبه برفع الحرج ، وهو يطالب نفسه بوضعه وإدخاله على نفسه وتكليفها ما لا يستطاع ، مع زيادة الإخلال بكثير من الواجبات