إنما هذا القرآن كلام فضعوه مواضعه ولا تتبعوا به أهواءكم ، أي : فضعوه على مواضع الكلام ولا تخرجوه عن ذلك ، فإنه خروج عن طريقه المستقيم إلى اتباع الهوى.
وعنه أيضا : إنما أخاف عليكم رجلين ، رجل تأول القرآن على غير تأويله ، ورجل ينفس المال على أخيه. وعن الحسن رضي الله عنه أنه قيل له : أرأيت الرجل يتعلم العربية ليقيم بها لسانه ويقيم بها منطقة؟ قال : نعم! فليتعلمها ، فإن الرجل يقرأ بالآية فيعباه توجيهها فيهلك. وعنه أيضا قال : أهلكتكم العجمة ، تتأولون القرآن على غير تأويله.
فصل
ومنها : انحرافهم عن الأصول الواضحة إلى اتباع المتشابهات التي للعقول فيها مواقف ، وطلب الأخذ بها تأويلا ـ كما أخبر الله تعالى في كتابه ـ إشارة إلى النصارى في قولهم بالثالوثي بقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) (١) وقد علم العلماء أن كل دليل فيه اشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة ، حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه ، ويشترط في ذلك أن لا يعارضه أصل قطعي ، فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو اشتراك أو عارضه قطعي كظهور تشبيه ، فليس بدليل ، لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهرا في نفسه ، ودالا على غيره ، وإلّا احتيج إلى دليل ، فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلا.
ولا يمكن أن تعارض الفروع الجزئية الأصول الكلية ، لأن الفروع الجزئية إن لم تقتض عملا فهي في محل التوقف ، وإن اقتضت عملا فالرجوع إلى الأصول هو الصراط المستقيم ، ويتناول الجزئيات حتى إلى الكليات ، فمن عكس الأمر حاول شططا ودخل في حكم الذم ، لأن متبع الشبهات مذموم ، فكيف يعتد بالمتشابهات دليلا؟ أو يبنى عليها حكم من الأحكام؟ وإذا لم تكن دليلا في نفس الأمر فجعلها بدعة محدثة هو الحق.
ومثاله في ملة الإسلام مذهب الظاهرية في إثبات الجوارح للرب ـ المنزه عن النقائص ـ من العين واليد والرجل والوجه والمحسوسات والجهة وغير ذلك من الثابت للمحدثات.
__________________
(١) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.