فيما حمله عليه هذا المتأول ، ولما لم يصح العمل بذلك الحديث عند مالك أجاز للإمام أن يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين ، ذكره في النوادر ، ولما اعترضه كلام العلماء وكلام السلف مما تقدم ذكره ، أخذ يتأول ويوجه كلامهم على طريقته المرتبكة ووقع له في كلام على غير تأمل لا يسلم ظاهره من التناقض والتدافع لوضوح أمره ، وكذلك في تأويل الأحاديث التي نقلها ، لكن تركت هنا استيفاء الكلام عليها لطوله ، وقد ذكرته في غير هذا الموضع ، والحمد لله على ذلك.
فصل
ويمكن أن يدخل في البدع الإضافية كل عمل اشتبه أمره فلم يتبين أهو بدعة فينهى عنه؟ أم غير بدعة فيعمل به؟ فإنا إذا اعتبرناه بالأحكام الشرعية وجدناه من المشتبهات التي قد ندبنا إلى تركها حذرا من الوقوع في المحظور ، والمحظور هنا هو العمل بالبدعة ، فإذا العامل به لا يقطع أنه عمل ببدعة ، كما أنه لا يقطع أنه عمل بسنّة ، فصار من جهة هذا التردد غير عامل ببدعة حقيقية ، ولا يقال أيضا : إنه خارج عن العمل بها جملة.
وبيان ذلك أن النهي الوارد في المشتبهات إنما هو حماية أن يقع في ذلك الممنوع الواقع فيه الاشتباه ، فإذا اختلطت الميتة بالذكية نهيناه عن الإقدام ، فإن أقدم أمكن عندنا أن يكون آكلا للميتة في الاشتباه ؛ فالنهي الأخف إذا منصرف نحو الميتة في الاشتباه ، كما انصرف إليها النهي الأشد في التحقق.
وكذلك اختلاط الرضيعة بالأجنبية : النهي في الاشتباه منصرف إلى الرضيعة كما انصرف إليها في التحقق ، وكذلك سائر المشتبهات إنما ينصرف نهي الإقدام على المشتبه إلى خصوص الممنوع المشتبه ، فإذا الفعل الدائر بين كونه سنّة أو بدعة إذا نهي عنه في باب الاشتباه نهي عن البدعة في الجملة ؛ فمن أقدم على منهي عنه في باب البدعة لأنه محتمل أن يكون بدعة في نفس الأمر ، فصار من هذا الوجه كالعامل بالبدعة المنهي عنها ، وقد مرّ أن البدعة الإضافية هي الواقعة ذات وجهين ، فلذلك قيل : إن هذا القسم من قبيل البدع الإضافية ، ولهذا النوع أمثلة :
أحدها : إذا تعارضت الأدلة على المجتهد في أن العمل الفلاني مشروع يتعبد به ، أو غير مشروع فلا يتعبد به ، ولم يتبين له جمع بين الدليلين ، أو إسقاط أحدهما بنسخ أو ترجيح