فالمناخل لا تعدو القسمين ، فإن كان الإسراف من ماله ، فإن كره ، وإلا اغتفر مع أن الأصل الجواز.
ومما يحكيه أهل التذكير من الآثار أن أول ما أحدث الناس أربعة أشياء : المناخل ، والشبع ، وغسل اليدين بالأشنان بعد الطعام ، والأكل على الموائد ، وهذا كله ـ إن ثبت نقلا ـ ليس ببدعة ، وإنما يرجع إلى أمر آخر ، وإن سلم أنه بدعة فلا نسلم إنها مباحة ، بل هي ضلالة ومنهي عنها ، ولكنا نقول بذلك.
فصل
وأما ما قاله عز الدين : فالكلام فيه على ما تقدم ، فأمثلة الواجب منها من قبل ما لا يتم الواجب إلا به ـ كما قال ـ فلا يشترط أن يكون معمولا به في السلف ولا أن يكون له أصل في الشريعة على الخصوص ، لأنه من باب المصالح المرسلة لا البدع.
أما هذا الثاني فقد تقدم ، وأما الأول فلأنه لو كان ثمّ من يسير إلى فريضة الحج طيرانا في الهواء أو مشيا على الماء لم يعدّ مبتدأ بمشيه كذلك ، لأن المقصود إنما هو التوصل إلى مكة لأداء الفرض وقد حصل على الكمال ، فكذلك هذا.
على أن هذه أشياء قد ذمها بعض من تقدم من المصنفين في طريقة التصوف وعدها من جملة ما ابتدع الناس ، وذلك غير صحيح ، ويكفي في رده إجماع الناس قبله على خلاف ما قال.
على أنه نقل عن القاسم بن مخيمرة أنه ذكرت عنده العربية فقال : أولها كبر ، وآخرها بغي ، وحكي أن بعض السلف قال : النحو يذهب الخشوع من القلب ، ومن أراد أن يزدري الناس كلهم فلينظر في النحو ، ونقل نحو من هذه ، وهذه كلها لا دليل فيها على الذم لأنه لم يذم النحو من حيث هو بدعة بل من حيث ما يكتسب به أمر زائد ، كما يذم سائر علماء السوء لا لأجل علومهم بل لأجل ما يحدث لهم بالعرض من الكبر به والعجب وغيرهما ، ولا يلزم من ذلك كون العلم بدعة ، فتسمية العلوم التي يكتسب بها أمر مذموم بدعا إما على المجاز المحض من حيث لم يحتج إليها أولا ثم احتيج بعد ، أو من عدم المعرفة بموضوع البدعة ، إذ من العلوم الشرعية ما يداخل صاحبها الكبر والزهو وغيرهما ، ولا يعود ذلك عليها بذم.