كجمعهم ، وإنما المراد أن يصير فهمه عربيّا في الجملة ، وبذلك امتاز المتقدمون من علماء العربية على المتأخرين ، إذ بهذا المعنى أخذوا أنفسهم حتى صاروا أئمة ، فإن لم يبلغ ذلك فحسبه في فهم معاني القرآن التقليد ، ولا يحسن ظنه بفهمه دون أن أن يسأل فيه أهل العلم به.
قال الشافعي لما قرر معنى ما تقدم : فمن جهل هذا من لسانها : يعني : لسان العرب ـ وبلسانها نزل القرآن وجاءت السنّة به ـ فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل لفظه ، ومن تكلف ما جهل وما لم يثبته معرفة كانت موافقته للصواب ـ إن وافقه ـ من حيث لا يعرفه غير محمودة ، وكان في تخطئته غير معذور ، إذ نظر فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الصواب والخطأ فيه.
وما قاله حق ، فإن القول في القرآن والسنّة بغير علم تكلف ـ وقد نهينا عن التكلف ـ ودخول تحت معنى الحديث ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : «حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا» (١) الحديث ، لأنهم إذا لم يكن لهم لسان عربي يرجعون إليه في كتاب الله وسنّة نبيه رجع الأعجمي إلى فهمه وعقله المجرد عن التمسك بدليل يضل عن الجادة.
وقد خرّج ابن وهب عن الحسن أنه قيل له : أرأيت الرجل يتعلم العربية ليقيم بها لسانه ، ويصلح بها منطقه؟ قال : نعم! فليتعلمها ، فإن الرجل يقرأ فيعيى بوجهها فيهلك.
وعن الحسن قال : أهلكتهم العجمة ، يتأولون على غير تأويله.
والأمر الثاني : أنه إذا أشكل عليه في الكتاب أو في السنة لفظ أو معنى فلا يقدم على القول فيه دون أن يستظهر بغيره ممن له علم بالعربية ، فقد يكون إماما فيها ، ولكنه يخفى عليه الأمر في بعض الأوقات ، فالأولى في حقه الاحتياط ، إذ قد يذهب على العربي المحض بعض المعاني الخاصة حتى يسأل عنها .. وقد نقل شيء من هذا ... عن الصحابة ـ وهم العرب ـ فكيف بغيرهم.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٧٠ ، الحاشية : ١.